للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


البدع والخرافات

ديانة البهائية
لأحد وكلاء المجلة
سيدي الفاضل صاحب المنار الأغر
يا طالما دار في خلدي أن أستفسر منكم عن البدعة السيئة التي ظهرت في هذا
العصر والتصقت بالدين الإسلامي الشريف ألا وهي الديانة البابية البهائية فقد علمت
بها منذ نصف سنة تقريبًا غير أني كنت أقدم مرة وأحجم أخرى ظنًّا مني أن هذه
الديانة ليست مما يصل خبرها إلى مسامعكم لقلة القائمين بها في مصر حتى رأيت
في عدد (٢٣) من المنار نبذة عن هذه الديانة المحدثة وأن لها وا أسفاه مروجًا في
الأزهر من طلبته فلا حول ولا قُوَّةَ إلا بالله. وبما أني قد أطلعت على بعض دخائل
هذه الديانة إطلاعا أظهر لي جلية كنهما ممن اعتنقوها فأشرح لكم الآن ما وصلت
إليه وعثرت عليه فأقول: جمعني وبعض أهل هذه الديانة مجلس , ودار الحديث
بيننا في المهدي المنتظر وشأنه، وما ورد بهذا الصدد من الأحاديث فما كان من
محدثي إلا أن قال لي: اعلم أن المهدي المنتظر قد أتى وتحققت علاماته المسطرة
في الكتب فقلت له: عَلَّكَ تشير إلى مهدي السودان فقال: لا إني لأجلّ من أن
أصدق في هذا أنه كان مهديًّا , فقلت له: إذا لم يكن ذاك فأي مهديّ تعني , قال:
أعني (محمد بن علي) الإيراني ذلك المهدي المنتظر حقيقة , فقلت له: أريد أن
تقص عليَّ خبره فإني لم أسمع بهذا المهدي إلا منك الآن , فقال: لا بأس اعلم أيها
الصديق أن محمد بن علي الإيراني مات أبوه وهو صغير فكفله خاله حتى بلغ أشده
واستوى فقام يدعو الناس إلى اتباعه ويزعم أنه هو المهدي وانضم إليه كثير من
الناس , وبعد زمن سافر إلى البيت الحرام لأداء فريضة الحج فاجتمع عليه أيضًا
خلق كثير وبايعوه بين الركن والمقام واشتهر أمره في الموسم وبعد انقضاء الموسم
رجع إلى بلاد فارس وأتت إليه الرايات السود من خراسان تحملها الرجال (كذا)
وظهر أمره ظهورًا زائدًا فلما علمت حكومة إيران بذلك أمرت واليها في تلك الجهة
بالقبض عليه وقد كان , وأرسل إلى طهران وأفتى العلماء بقتله وكفره فحينما قدموه
إلى الصلب كان هناك ٨٠٠ جندي كلهم شاكي السلاح حاملو البنادق المحشوَّة
بالرصاص ولما انتظم عقد الاجتماع ورفع ذلك المهدي على الصليب أمرت العساكر
بإطلاق البنادق جميعها دفعة واحدة عليه وقد كان , فبعد أن راق الجو من دخان
بارود ٨٠٠ بندقية أقبل الناس إلى خشبة الصليب ينظرون ماذا صنع بالمهدي فإذا
هو واقف على الأرض بجوار الصليب ليس به إصابة ما [١] .
ومن صَحِبَ الليالي علمته ... خداع الألف والقيل المحالا
وصيرت الخطوب عليه حتى ... تريه الذرَّ يحملن الجبالا
ثم عمد إلى بعض أتباعه الذين كانوا مشاهدين هذه الواقعة وسلمهم دواته
وقلمه وأمرهم أن يتوجهوا إلى (بهاء الله) ويسلموه هذه المخلفات ,
وأخبرهم أنه سيقتل في ثاني مرة , ثم أخذه الجند فعلقوه ثانيًا وأطلقوا عليه بنادقهم
فبعد أن صفا الجو وأنزلوه عن الصلب رأوا جسده كالشبكة كله ثقوب (ومن يعش ير
صليبًا ينصب ومسيحًا يصلب) ثم قام الجند بحراسة الجثة خوفًا من ضياعها غير
أنه لما أصبح الصباح لم يجدوا الجثة في مكانها ولم يقفوا لها على أثر (علها
صعدت مع أثمان القطن [٢] ) , ثم قام بعده بالدعوة بهاء الله , وهذا الأخير
يعزون له من المعجزات ما لو أتينا على ما سمعناه منها لضاقت عنه صفحات
المنار غير أننا نأتي هنا للقراء على بعضها ومنها يعلم باقيها.
ينسبون إلى بهاء الله أنه كان يومًا راكبًا على (حمار) متوجهًا إلى بعض
القرى ومعه بعض أتباعه فعارضه في الطريق رجل من الفلاحين قد حرث أرضه
وهيأها للزرع والبزر ولم ينقصه غير المياه لريّها فقال له: أيها (البهاء) الأعظم
أسألك أن تنزل لي مطرًا لأروي به الأرض التي شققتها فأجابه: سأفعل , وأراد أن
يذهب فلم يدعه الرجل وألحّ عليه , فأجابه ثانيًا: اذهب إلى أرضك تجد المطر قد
سبقك إليها , فتركه الرجل ومضى , قال (راويهم) : فلم نقطع قليلاً من السير
حتى تشققت السماء بالغمام وانهمر المطر حتى تعذر علينا المسير , فقال (البهاء) :
هذا ما كنت أحذره. وغير ذلك من المعجزات التي أضرب عنها صفحًا مخافة
التطويل , ثم مات بهاء الله بعد أن نفي بعكا وقبره الآن فيها واستخلف بعده على
أمته ابنه (عباس أفندي) الملقب (بالغصن الأعظم) وهو الآن بعكا أيضًا , وقد
نقش على خاتمه (يا صاحبي السجن) وهو يجد ويجتهد في نشر ديانته , ويبث
المبشرين في بعض الجهات لذلك.
وأتباع هذا الدين يسمون بالبابيين نسبة إلى (محمد بن علي المهدي) فإنه
كان يلقب نفسه (بالباب) وبهائيين نسبة إلى (بهاء الله) , وقد وضع هذا الأخير
كتابًا وسماه (الإيمان) وهو عندهم بمثابة القرآن عندنا أي يعتقدون أنه وحي إلهيُّ
فضلاً عن اعتقادهم الألوهية في واضعه , ومن يطالع كتبهم يقف على ذلك , وهذا
الكتاب قد رأيته بعيني غير أني لعدم إلمامي باللغة الفارسية لم أفهم منه غير الآيات
القرآنية التي تخلل سطوره وصفحاته. وهذا الكتاب مطبوع ويا للأسف في مطبعة
بعض المجلات الإسلامية بمصر على ورق جيد. وَلِمَ نأسف من طبعه في مطبعة
إسلامية , وقد مدح صاحب مجلة إسلامية تدعي الإرشاد وهداية الأمة (الغصن
الأعظم ودينه بقصيدة رأيتها في ذيل كتاب من كتبهم المطبوعة حديثًا ولنترك ذلك
لحضرتكم فاطلاعكم أوسع وسيفكم أقطع , ولنرجع إلى ما كنا بصدده فنقول:
هذا - إلى ما اطلعت عليه من مؤلفات بهاء الله التي لم تطبع كالتفسير الذي
وضعه على بعض سور القرآن الشريف , وككتابه في الرؤيا , وكتابه المسمى
بالألواح أعني الرسائل التي بعث بها (على ما يزعمون) إلى الملوك الذين كانوا
في عصره يدعوهم فيها إلى الدخول في ديانته , ومن ينظرها ير العجب وكيف
تكون الكتب , ولغصنه الأعظم تصانيف كثيرة وجميع البهائيين يعتقدون أنها إلهامية
ككتب أبيه , وكلها بالكتابة اليدوية لم يطبع منها شيء على ما أظن. ولهذا الدين في
مصر مبشرون قائمون بالدعوة إليه , ورئيس هؤلاء المبشرين رجل إيراني يلقبونه
(بابن التاريخ وأبي الفضل) وقد صنف هذا كتابًا وضمنه كثيرًا من الآيات
القرآنية والأحاديث النبوية , وأوَّلَها تأويلاتٍ غير الذي يعطيه معناها , وغايته من
ذلك الاستدلال بأن هذه الآيات قد بشرت بمجيء إلاههم وقرب ظهور دينه , ويزعم
أن هذا هو الحق , {َلَوِ اتَّبَعَ الحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} (المؤمنون: ٧١) ولا تسل عن استدلاله بما جاء في كتب بعض الصوفية
كالطبقات للشعراني. أذكر أني كنت في يوم من الأيام أناظر محدثي السالف الذكر
في هذه الديانة وصحتها، فقال: أما اطلعت على كتاب الطبقات للشعراني؟ فقلت:
لا , فقام في الحال وأتى به وقرأ ما ورد في شأن المهدي , واستطرد في القراءة
حتى أتى على قوله: (ويحضر الموقعة الكبرى بمرج عكا التي هي مأدبة الله
الإلهية للطيور والسباع) فسألته قائلاً: وهل تحققت هذه العلامة؟ فبهت ولم يبد
جوابًا , وظهر لي أنه ندم على مباحثتي , ولأتباع هذه الديانة مهارة غريبة في جذب
النفوس واستمالة القلوب ينطلي زخرفها على البسطاء , فإنهم يظهرون لكل أمة من
الأمم أنها على الحق وأن كتبها تنبىء وتبشر بمجيء بهاء الله , فتراهم يقتبسون من
الإنجيل والتوراة آيات , ويجهدون أنفسهم في تطبيقها على إلاههم المزعوم , أما
استنباطهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فهذا شيء فوق ما يتصور. هذا ما
يتعلق بنشأة هذا الدين , أما أحكامه فمنها أنهم لا يصلون في مساجد المسلمين ولا
كصلاتهم , بل لهم معابد وصلوات مخصوصة كما أنهم لا يحجون البيت الحرام بل
يحجون قبر بهاء الله والمهدي، ولا يصومون رمضان بل يصومون تسعة عشر
يومًا ابتداؤها يوم شم النسيم , والسنة عندهم تسعة عشر شهرًا , وبالجملة فلو اطلع
أحد على حقيقة دينهم اطلاعًا تامًّا لعلم أن الإسلام بريء منهم , وأن ما يتصفون به
من قولهم: إنا نحن مسلمون؛ رياء وكذب لا يرضاه الله ولا المسلمون أجمعون.
فيا أيها العلماء , إن دينكم الإسلام يناديكم: ألا هبوا لمحو البدع والمنكرات التي
يلصقها به المارقون , ويا ذوي الغيرة حتام يهان الدين وتطمس أعلامه ويحدث فيه
ما يحدث ولا تنصرونه.
لعمري لقد نبهت من كان نائمًا ... وأسمعت من كانت له أذنان
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... م. أ
***
مقاومة التهتك والدجل والبدع
انتدب صاحب السعادة محافظ العاصمة الهمام. إلى إنذار جميع الأقسام.
بسوء عاقبة إهمال العواهر المنتشرات في أنحاء المدينة بصفة تنافي الحشمة....
وأمور أخرى سنذكرها في الجزء الآتي. وشدّد الأمر عليهم قولاً وكتابة بمقاومة
هذه الأمور المضرة لا سيما تهتك النساء في الشوارع فبالغوا في التنفيذ حتى قيل:
إن الشرطة ساقوا كثيرًا من النساء إلى الأقسام , فتألم من ذلك الفساق والذين
يتجرون بالأعراض ويبيعون بضاعة الأبضاع ومن صدقهم , فصاحوا حتى وصلت
أصواتهم إلى الجرائد فرددت صداها فكان منها المتهور في إنكار التنفيذ حتى إن
جريدة اللواء الوطنية المفتخرة بعداوة الإنكليز أنكرت التعرض لغير المومسات مهما
تبرجن وأفسدن , وارتأت إلى أن يلجأ إلى جناب مستشار الداخلية الإنكليزي في
حماية شرف نساء المسلمين وحريتهن مما تعرض له محافظ العاصمة , فيظهر أنها
رجعت إلى رأي المقطم في عدم الثقة بالمصريين أو المسلمين , ووجوب إسناد كل
أمر للإنكليز حتى أمور الأعراض وشرف الحجاب. على أن سعادة المحافظ تدارك
الأمر فيه فوكل التنفيذ إلى رجال الدورية من (صف ضباط) فما فوقهم , وأقرت
الداخلية على ذلك , وكان في التشديد الأول حكمة بإرهاب من لا أدب لهنّ.