للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


دمشق الشام
علمنا من أنباء سوريا أن حضرة دولتلو ناظم باشا والي الولاية المشار إليها
أصدر أمره باجتماع بعض الأعيان وأرباب الغيرة الوطنية في نادي دولته، وذَاكَرَهم
بما فيه ترقي الوطن ونجاح أهله، وكان أهم بحث طال الأخذ والرد به: لزوم
الزراعة التي عليها مدار الثروة والنجاح، وفي ختام هذه الجلسة قرأ حضرة عزتلو
عبد القادر بك مُحرر المؤيد العظمى مقالة مهمة في هذا الباب وهي:
بنا على استدعاء دولتكم بعض الذوات لحضوركم العالي لطفًا وتنزلاً، وفي
جملتهم هذا العاجز، للتداول في ترقي الزراعة التي هي ينبوع ثروة الولاية،
ومصدر سعادة الأهالي ورفاهيتهم، بظل سيدنا الخليفة الأعظم عناية مخصوصة من
قِبل دولتكم بهذا الأمر المهم، بادرت لتحرير هذه اللائحة في بيان الوسائل التي
تأول لترقي الزراعة في ولايتنا وتحسين أحوال الفلاحين، وقدمتها وأنا لا أشك في
أن الحكمة والصواب في رأي دولتكم، فأقول: إن الوسائل والتدابير اللازمة لترقي
الزراعة هي كثيرة جدًّا تحتاج لزيادة شرح وإسهاب لا يحتملها المقام، فأذكر منها ما
يأتي بوجه الإيجاز والاختصار:
(١) تأليف مجالس زراعية في مركز الولاية التابعة لها للنظر في
الأمور الزراعية والاهتمام على الدوام باتخاذ التدابير والوسائل المقتضية، وكل ما
يأول لترقي الزراعة وتحسين شؤون الفلاحين، وعرض قراراتهم المتعلقة بذلك
على مقام الولاية العالي؛ لأجل النظر فيها.
(٢) إصلاح الطرق الوعرة المسالك بين القرى والقصبات بإلزام كل
فرد مكلف من الفلاحين بالشغل بها أيامًا معدودة في السنة، وفقًا لنظام الطرق
والمعابر، وذلك تحت مناظرة مجلس الزراعة، بشرط أن لا يقع سوء استعمال في
سَوْقهم وتشغليهم.
(٣) فتح مكاتب ابتدائية في القرى الكبيرة والاستئذان من المرجع
الإيجابي بأن تكون نفقاتها من حصة المعارف على وجه أن تعم بعد ذلك كل القرى.
(٤) إرسال تلميذين في كل سنة من أولاد الفلاحين النجباء إلى
المدارس الزراعية العالية في الآستانة العلية والممالك الأوروبية، لتعلم علم الزراعة
النظري والعملي على الأصول الجديدة، واستخدامهم بعد عودتهم في المصالح
الزراعية.
(٥) توحيد أسعار النقود في كل الولاية، واعتبار المجيدي أساسًا لها،
وتنزيل سعره إلى عشرين قرشًا في التداول بين الأهالي، وتسعة عشر قرشًا في
الصاغ، كما هو متداول في الآستانة العلية، وهكذا تتنازل أسعار النقود المتنوعة
فيخلص الفلاحون من الفرق الذي بين الصاغ والرائج.
(٦) تسهيل أسباب الاستدانة على المضطرين للنقود من الفلاحين من
المصارف (البنوك) الزراعية التي إنما فتحت رحمة بهم في ظل الحضرة العلية
السلطانية، لوقايتهم من ظلم الصيارفة ورباهم الفاحش، وذلك بمنع المصاعب التي
يقيمها بعض مأموري هذه المصارف، وإزالة العقبات التي يضعونها في سبيل
الفلاح المسكين جرًّا للمنفعة الشخصية.
(٧) وقاية الفلاحين من أعمال بعض صغار الموظفين وحركاتهم المخالفة
للرضاء العالي، وخصوصًا أنفار الدرك (الجاندرمة) الذين يعاملون الفلاح معاملة
مخالفة للقانون.
(٨) التنبيه على الجباة (التحصيلدارية) بأن لا يطلبوا تقاسيط الخراج
(الويركو) منهم قبل إدراك مواسمهم، حتى لا يضطروا للاستدانة من الصيارفة
وتحصيلها دفعة واحدة عند إدراك الموسم، وإلزامهم بأعشار قراهم بالبدل اللائق،
وفقًا للرضاء العالي، ووقايتهم من ظلم الملتزمين وغدرهم.
(٩) فتح معرض زراعي في مركز الولاية مدة ثلاثة أو أربعة أيام في السنة،
تحت حماية دولتكم ونظارة مجلس الزراعة، تعرض فيه أدوات الزراعة القديمة
والحديثة، والفواكه الغضة والمجففة، وأنواع البقول والبذور والخضر والأزهار
والنباتات والماشية، وتخصص أربع أو خمس جوائز من البلدية أو من واردات
المعرض لا تتجاوز الجائزة عشر ليرات عثمانية لمن ينالون قصب السبق في إتقان
آلات الزراعة وأدواتها، وتربية الماشية وتنمية الأثمار والخضر وتربية الأزهار
والنباتات، والحكم في ذلك راجع لمجلس الزراعة، أو لجنة يختارها من كبار
المزارعين.
(١٠) مكأفاة المجتهدين من الفلاحين مكافأة مادية لقاء تربيتهم عددًا معلومًا
من الأشجار النافعة، مثلاً: أن من يغرس مائة شجرة زيتون يعفى من دفع العشر
عنها ١٥ سنة، ومثله: من يغرس ٥٠٠ شجرة توت أو مشمش و٤٠٠٠ جفنة كرم،
وحيث إن ذلك لا يكون إلا بإرادة سنية سلطانية، فإذا سنحت به العواطف
الملوكانية بعد الاستئذان من طرف الولاية الجليلة يصير إعلانه للفلاحين.
(١١) حث الفلاحين على زراعة الحراش الصناعية في الأماكن القابلة لذلك،
كجبال الكلبية في لواء حماة وجبل الشيخ وجبل عجلون والقنيطرة والقلمون
وبعلبك وغيرها.
(١٢) تعيين مكأفاة نقدية من صندوق بلدية كل لواء تُعطى لمن يشتغل أوفر
غلة من الحنطة أو الذرة من فدان من الأرض بمعرفة مجلس الزراعة وبعض أهل
الخبرة.
(١٣) إبدال المحراث القديم بالمحراث الجديد الأوروبي تدريجًا، وذلك
بتشويق بعض الذوات لجلب عدة محاريث من أحدث نوع وأبسطة وأقله كلفة مما
يجره فدان واحد من البقر ليستعملوه في أراضيهم، فإذا رأى الفلاحون فوائده اقتدوا
بهم أيضًا، وهكذا يجلب غيره من أدوات الفلاحة الحديثة والبذور والأغراس الغربية.
(١٤) تسهيل الزواج بين الفلاحين تكثيرًا لنسلهم، وذلك بالإيعاز إلى
الخطباء والمشايخ بالوعظ على المنابر وحلقات المساجد والاجتماعات بتخفيض
المهور وعدم المغالاة بالجهاز، مما يكون سببًا في إفقار بعض الفلاحين أو وقوعهم
تحت طائلة الدَّين أو إبطائهم عن الزواج، وخصوصًا في لواء حوران وقضاء
المرج وغيرهما.
(١٥) توزيع المهاجرين الوافدين للولاية على القرى ليشتغلوا في الأرض
التي هي في احتياج شديد إلى العمال، فتستفيد البلاد منهم ويستفيدون هم منها.
(١٦) ترجمة بعض الكتب الحديثة الزراعية من اللغات الأجنبية إلى اللغة
العربية، وطبعها في مطبعة الولاية، ونشرها بين الناس، وهذا كله مفتقِر لمساعدة
دولتكم وعنايتكم، وبه تزداد الزراعة ترقياً والأهالي راحة وسعادة في أيام دولتكم،
بظل الحضرة العلية السلطانية الساهرة على راحة تبعتها ورعيتها، خلد الله ملكها
إلى ما شاء الله.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (طرابلس) ... ... ... ...
(المنار)
إن مثل هذه الآراء السديدة والإرشادات المفيدة جديرة بأن تصدر من مثل هذا
الأمير العاقل والسري الفاضل، كما أن صاحب الدولة ناظم باشا في همته وإقدامه
جدير بتنفيذها، ونرى أن بعض ما يتوقف على إذن الآستانة العلية، كإنشاء المكاتب
الزراعية من حصة المعارف من الأموال الأميرية يعسر الوصول إليه إلا إذا ساعدت
المقادير وما لا يدرك كله لا يترك قله.