للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد العدوي


الألفة والاتحاد أساس مجد الإسلام

] وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [[*]
أصيب المسلمون بالخلاف زمنًا طويلاً، فذاقوا الأمرّين من جراء تفرقهم،
وحرموا ما كان لهم من حول وما حصلوا عليه من عز ومنعة مُنوا بالتفرق أحقابًا
من الدهر فضاع مجدهم، واضمحلت قواهم وتمكن الأجنبي من الفتك بهم
والاستيلاء على بلادهم، فاسترق أموالهم، وضرب الرق عليهم، شأن القوي إذا
استولى على ضعيف والمغلوب إذا ظفر به الغالب. ولو أن ذلك الأجنبي وقف عند
ذلك الحد لهان الخطب وسهل المصاب، ولكنه صار حربًا عوانًا على دينهم،
وعقبة كؤدًا في سبيل رقيهم في معارفهم، فعطل شعائرهم، وحال بينهم وبين إقامة
حدودهم.
نعم، أباح لهم ما لا ينفعهم إذا هم أقاموه، ولا يضره إذا حافظوا عليه، ليرى
بسطاء العقول أنه لا يتعرض لأحد في أمور دينه، بل يترك الأمم حرة في تقاليدها
الدينية وعاداتها الشرعية، أباح لهم من المواسم ما أحدثه الفاطميون باسم الدين
في أيام سلطانهم ليقيموا من الحفلات في ليال من السنة ما شاء الله أن يقيموا،
ويحيوا من الموالد للمشهورين بالصلاح ما طوعت لهم أنفسهم، ليقنع صغار العقول
من إقامة الدين بهذه المظاهر وهي ليست من الدين في نقير ولا قطمير، بل هي
المعاول التي تقوض بها أركانه، ويهدم بها بنيانه، فتذهب بالفضيلة بعد ذهابها
بالثروة، وتقضي على التوحيد الخالص بعد قضائها على العفة والكرامة.
ترى في هذه الحفلات أحاديث ينسبها القصاصون لرسول الله صلى الله عليه
وسلم وهي عليه مكذوبة، وتشريع لا يتفق ومكانة هذا الدين، ولا يتناسب مع
عظمة هذه الملة المحمدية، مما بَغَّضَ الراغبين في الدين من الدخول فيه، وبغَّضَ
المنتسبين إليه من المقام عليه.
تجد في الموالد قرابين لغير الله تذبح، واستغاثات لغير الله من الصالحين
ترفع، وفوق ذلك تجد بكاء عند القبور وعويلاً وشكايات لا تكون إلا لله وحده،
وتضرعات لا تنبغي إلا لمن بيده ملكوت كل شيء، وبعد هذا وذاك تجد ملحمة
يشترك فيها الشبان والنساء في أماكن اللهو وبيوت الدعارة والفسوق مما يجرئ
الشبان على محاربة الله تعالى ويحول بينهم وبين الفضيلة، ويذهب بالبقية الباقية
من طهارة الخلق وشرف النفس.
ولو أنك حاولت أن تقيم حدًّا من حدود الله لتطهير البلاد من رجس الفسق
وعبث الفساد، لرُميت بالوحشية والهمجية، وأنك غير صالح؛ لأن تعيش في هذا
العصر الذي تمدنت فيه الأمم، ورقيت فيه الشعوب، وأقمتَ عليك حربًا عوانًا،
وأول من يشعل عليك نار هذه الحرب من تسمم من شبان المسلمين بمدنية الغرب
الكاذبة وتشبع بروحهم الخبيثة.
ذلك ما يتمشدق به الأجنبي والمعني به المستعمر من إطلاق سراح المسلمين
في أمور دينهم، وشعائر ملتهم. وذلك ما جره على المسلمين تفرقهم وغفلتهم
وأوقعهم فيه نزاعهم وتدابرهم، وقد فطن المسلمون لآثار ذلك التفرق وأحسوا عاقبة
النزاع وشؤم الانحلال ففطنوا لذلك بعد أن تفاقم الأمر، وتوالت المصائب فأخذوا
يتعرفون حكمة الله في شريعته وما تنطوي عليه تعاليمه، عرفوا أن الله تعالى ما
شرع لهم الجُمع والجماعات إلا لتكون مدعاة للوحدة وذريعة لاجتماع الكلمة،
ليأخذ قويهم بيد ضعيفهم، ويتصل أميرهم بمأمورهم. ولم يرد أن يقف تعارف
المسلمين عند ذلك الحد، بل أراد أن يتعرف شماليهم بجنوبيهم وغربيهم بشرقيهم
وعربيهم بعجميهم فشرع لهم الحج الأكبر ليجتمع فيه المسلمون على اختلاف لغاتهم
وتباين نزعاتهم ومشاربهم فيفكروا في الطرق التي تعيد إليهم مجدهم وتحيي لهم
شريعتهم وتعود عليهم بالخير في دينهم ودنياهم.
ولقد كان أول مظهر من مظاهر هذا الإحساس ذلك المؤتمر الإسلامي الذي
دعا إلى عقده بمكة المكرمة المصلح الكبير ملك الحجاز عبد العزيز آل سعود
لينظر فيما يتطلبه الحجاز من إصلاح وما يحتاج إليه من مساعدة.
وقد وفق الله شعوب المسلمين لإجابة دعوته فأرسلوا من الوفود من يمثلهم،
ونظر المؤتمر في أمور (مهمة) وله قرارات ذات شأن خطير، ونرجو أن يكون
فاتحة خير للحجاج خاصة ولشعوب المسلمين عامة، كما نرجو أن يوفق المفكرون
منهم لإزالة ذلك الخلاف الطفيف الذي رأيناه في عامنا هذا حتى يتحدوا في عقائدهم
ونزعاتهم، وبذلك تتفق كلمتهم وتتألف قلوبهم ويكونون أعوانًا على الخير، أنصارًا
للإصلاح.
... ... ... ... ... ... ... ... ... محمد العدوي