للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: حسن كمال


مقارنة بين
اللغة المصرية القديمة واللغة العربية
(٢)

الأثر المصري الذي ذكر فيه اسم بني إسرائيل
المحفوظ الآن بمتحف القاهرة - عدد ٣٤٠٢٥
(وبعض ما فيه من الاتفاق بين لغة قدماء المصريين واللغة العربية) [*]
إني تلقيت عن والدي في مدارس الحكومة الدروس الهيروغليفية التي ألقاها
في نيف وثلاث سنين، وثابرت بعد ذلك على الاهتمام بها، ولا سيما في أيام العطلة
الدراسية، ثم صرفت أيام هذه الإجازة الأخيرة في ترجمة وجه واحد من الحجر
الكبير المنقوش عليه اسم بني إسرائيل، وطبقت قدر استطاعتي بين الكثير من
ألفاظه على ما يقابلها في اللغة العربية؛ ليعلم وجه الشبه بين اللغتين وجعلت كل
كلمة مصرية موافقة للعربية بين علامتين هكذا [] ، فجاء بحمد الله باكورة عمل
أزفها لأبناء وطني راجيًا منهم أن يصفحوا عما يرونه فيه من زلة القلم وفقنا الله
وإياهم لنشر العلوم والمعارف، آمين.
***
وصف الأثر بالإجمال:
صنع هذا الأثر الملك (أمنوفيس الرابع) من الأسرة الثامنة عشرة، ونقش
على وجه منه وصف بعض أعمال دينية قام بأدائها، ثم جاء من بعده (منفتاح)
الذي هو فرعون سيدنا موسى - عليه السلام - على القول الأرجح، وكتب على
الوجه الآخر كيفية حربه مع اللوبيين، واستطرد إلى بيان أحوال مصر وقتئذ، مع
الإلماع إلى ذكر ولايات أخرى أخضعها لحكمه، وهذا النقش الأخير هو الذي عنيت
بترجمته، فظهر لي أن الكاتب المصري تحرى فيه أساليب الإنشاء التي كانت
شائعة في عهد الأسرة التاسعة عشرة، وكان السبب في نقشه وتسطيره انتصارًا
عظيمًا أحرزه فرعون (منفتاح) على اللوبيين، فأمر بتدوين هذا النصر لتخليد
ذكره بين الخلف، وكان ذلك في السنة الخامسة من حكمه؛ لكن عبارات نصه لم
تزدنا شيئًا جديدًا عما كتبه عن نتيجة هذه الحرب في نقوش الكرنك، غير أنه تكلم
بصراحة هنا عما حصل في أيامه من الفرح، والسرور، والحرية للبلاد المصرية،
ولولا النص المنقوش في معبد الكرنك المشروح فيه حوادث هذه الحرب بالتفصيل
لما تيسر لنا الوقوف من هذا الأثر على مكانة الفوز المبين الذي ناله منفتاح، ولا
على الحالة الحرجة التي وقعت فيها البلاد المصرية عند نشوب هذه الحرب الطاحنة.
ومن تأمل معاني العبارات الواردة في نص هذا الأثر النفيس علم بعض
أحوال البلاد المصرية وقت السلم، وعلى الأخص العبارة التي ذكر فيها اسم بني
إسرائيل المدرجة في آخره؛ لأنها استوجبت توجيه النظر من الأثريين لكونها أول
عبارة أخبرتنا بهذا الاسم المشهور في الكتب الدينية.
وذلك أنه ورد في الأثر إشارة إجمالية إلى ذكر خضوع بعض الأمم الأجنبية
ومن جملتهم بنو إسرائيل؛ لكن العبارة التي ذكر فيها هذا الاسم جاءت في غاية
الإيجاز، حتى تعذر علينا استنتاج فائدة كبيرة منها، على أنها صيغت في أسلوب
متداول الاستعمال في اللغة المصرية القديمة طالما عبر به عن أمم أخرى في
نصوص غير هذا.
ومعنى هذه العبارة أن بني إسرائيل (لم تبق لهم بزرة) أي ذرية في الأرض
فاجتهد بعض الأثريين في تأويلها، فقالوا: إنها تفيد محو نسل بني إسرائيل بذبح
أبنائهم واستحياء نسائهم؛ لكن نرى من جهة أخرى أن هذه العبارة نفسها ذكرت
كثيرًا في الآثار المصرية عن أمم أخرى أجنبية كما ترى في الأمثلة الآتية:
(الأول) ما جاء في حرب رمسيس الثالث من حكمه لسكان البحر الأبيض
في السنة الثامنة من حكمه إذ قال ما ترجمته: (والذين وصلوا حدود بلدي تبدد
شملهم، ولم تبق لهم بزرة) .
(الثاني) ما جاء في كتاب (دمخن) [١] من أن اللوبيين والسيديين مُزقوا
ولم تبق لهم بزرة.
(الثالث) ما جاء أيضًا في الكتاب المذكور [٢] من قولهم (وصارت بلادهم
رمادًا قفرًا بلقعًا فلم تبق لهم بزرة) .
(الرابع) ما جاء في حرب رمسيس الثالث، وذلك في السنة الخامسة من
حكمه من أن - رئيس عمورة المدعو (جورو ....) لم تبق له بزرة.
فيُعلم مما تقدم أن التعبير بلفظ لم تبق له بزرة هو تعبير عندهم لا يراد به في
الأثر الذي نحن بصدده محق ذرية بني إسرائيل من هذه الدنيا بذبح الأبناء واستحياء
النساء، ومن الواضح الجلي أن موطن بني إسرائيل كان في فلسطين حسب نص
الأثر، وأن منفتاح قهرهم فيها وسلب أموالهم كما فعل بغيرهم من الأمم المجاورة
لهم بالكيفية المبينة بعد.
***
ترجمة الأثر [٣]
(النهار) الثالث من (أبيب) للسنة الخامسة من حكم (الحر - أي الباشق -
القوي المرقي للعدل) الملك منفتاح العظيم (البأس المرقى بقوة) الإله حوريس
(القوي) ضارب (البدو) ذو الاسم السرمدي الذي تحدث (الناس بنجداته) في
جميع البحار؛ لأنه جعلهم يرون الدنيا كلها (منضمة) له؛ ولأنه استعمل قواته
فيما فيه النفع فهو (الصيدن القب - منفتاح - الناب [٤] القوي) ذو (البأس)
المهلك (لشانئيه) ذو الحسن في شدة (القوة) الذي (ينهض) نهوض الشمس
(ليكف) عن مصر ما يحل بها من العواصف، وليجعلها ناظرة لقرص الشمس عند
(سطوعه) ، وليدفع جبل النحاس عن أعناق الأهالي [٥] فيمنح الحرية للناس
الواقعين في الضيق، وليعاف سكان منف من فعل أعدائهم، وليجعل (أسوريس)
(أَشِرًا) (أي فرحًا) في (صُيبه) [٦] ، الفاتح الذي يفتح الحصون، ويوصل
لمعابده أرزاقها، فهو الملك منفتاح الوحيد الذي يطمئن (ألباب) الجم الغفير فيدخل
عند رؤيته نفس الحياة في أنوفهم، فهو (السائد) على أرض التمحو [٧] ملقي
(الهول) السرمدي في (ألباب) المشواش، المذل للوبيين المتوغلين في مصر،
حتى جعل (روع) القطر المصري العظيم في (لبهم) ، وجعل مقدمة جيشهم
ومؤخره لم يبرح الأرض في سيرهم على أرجلهم، بل ظلوا على أقدامهم واقفين
حتى وقعت رماتهم وأقواسهم، وصارت قلوب المسرعين منهم أذلة من المشي،
ففكوا قِرَب الماء، وألقوها على الأرض، وأخذت جلودها ورميت.
أما الوالي (الخسيس) حاكم لوبيا (فخارت) قواه وهرب تحت (جنح)
(الليل) بلا ريشة على رأسه، وكانت رجلاه تسير سيرًا ثقيلاً، وأخذت أمامه
(حامته) - أي نساؤه -، ونهبت حبوب محصولاته، فلا (ماء) في القرب
(للمعيشة) ، فكانت وجوه (أصنائه تهصص) [٨] بعيونهم، ويقتل الواحد من
(هداته [٩] ثانيه) في حرب نشبت بينهم، وحرقت (أحياؤه) وجميع (أشيائه) من
طعام الجنود، ولما وصل بلده تحدث في حقه الكثيرون في جميع (الأرض)
فلحقته الخيبة (وخسفته النأنأة) [١٠] ، وسلبه سوء الحظ (الريشة) - أي من
رأسه - فتحدث فيه الكل من سكان مدينته قائلين: إنه تحت (بأو أزوان منف)
(أي سيطرة معبوداتها) .
لقد (ساوروا) مريري [١١] ؛ لأنه كان (بذيئًا) لمنف من ابن إلى ابن
(نتج) في أسرته إلى (الأزل) - لذلك مثّل منفتاح بأولاده (وشياه) [١٢] ، فصار
يُضرب به المثل في لوبيا، وأصبحت الذرية يقول بعضها لبعض: لم يُفْعل لنا مثل
ذلك منذ المعبود (رع) [١٣] ، وكان كل كبير يقول لابنه: (اندب لوبيا) -
فامتنعوا عن (المشي) ، والسير الطيب (أي التنزه) داخل الحقول فوقف (مشيهم)
في يوم واحد، وحرقت التحنو في سنة واحدة، فأعطى المعبود (سوتخ) ظهره
لرئيسهم، وتمزقت (أحياؤه) حسب (مشيئة) (هذا المعبود) فلم تبق حاجة -
لحمل - (القناة) في هذه الأيام وأصبحت السلامة في (الاختفاء والتعوذ
بالبيقرة) [١٤] وصار (يلوذ) بسيد مصر الكبير منفتاح (الأزر) [١٥] والانتصار؛
لأنه يحارب وهو عارف (شطنه) [١٦] ، والذي يعاديه (يعد) خائنًا لا (لب)
له - ومن تعدى حدود مصر لا يقيم إلى صباح لأنها (السليلة الوحيدة) للمعبود ... (رع) منذ وجود الآلهة، ولأن (سليله) - أيضًا - هو منفتاح الجالس على (سدة) المعبود (شو) فلا (حجا يقدي ليهوي) بين (ناس مصر) [١٧] ؛ لأن (عين) كل معبود متجهة في (سه من يعنوها) [١٨] ولأنها (تعني كاتفيها) [١٩] ؛
ولأنها تعطي الخير لأولي (البأو) العالمين العارفين لغتهم كلها (الرانون)
لأهوائهم - ونالت مصر (باؤا) فخرًا كبيرًا؛ لأن يدها (حبت) - دنت - من
رئيس لوبيا فأسرته حيًّا هكذا ظفر الملك المقدس (العادل) أمام المعبود (رع)
(بكاتفه) [١٩] مريري - فاعل (السوء) الذي (سخط) عليه (الزون رب منف [٢٠]
فوفاه) - حسابه - في مدينة عين شمس، وبذلك حكم عليه التتسيع المقدس (وهو
المؤلف من تسعة آلهة) بسبب (عثوه البذيء) فقال السيد الكلي (أي رئيس الآلهة)
سأعطي (الخشيب) [٢١] لابني منفتاح (القوي اللب الآين) [٢٢] الرءوف المدافع
عن منف (المجاوب عن مدينة عين شمس الفاتح (المعني) [٢٣] الذي (يفك)
أسارى الكثير من المقيدين في كل بلد، ويعطي (الإطابات) [٢٤] للبرابي (أي
المعابد) ، ويدخل (الكندر) [٢٥] أمام (الزون) ويجعل (السراة تقتمي أشياءها) [٢٦] ،
ويدخل الفقراء بلادهم) .
فقالت الآلهة على مشهد من أرباب مدينة عين شمس بخصوص ابنهم منفتاح
ليعط الحياة مثل (رع) (وليجاوب) عن كل من (رديء) - أي اختلس - لأنه
(وصي) على مصر لحسبانها جزءًا تابعًا له إلى الأزل - أي الأبد - (ولينجد) أهلها
(وليلمأ [٢٧] بالطول) متقاعديها في (لوقته) فتكون أنفاس الحياة (بقوة) ذراعيها
(وتخبط الأشياء) [٢٨] للمستحق بلا (جور) ولا (قمأ) والذين (يونّ [٢٩] لبهم)
الصغير ويلقون بزور العسف (يحبون) [٣٠] إليك بالأشياء بلا أطفال لهم) هكذا
يقال فيهم -وقد (تأياّ) مريري الملعون (الخسيس الخارّ) [٣١] رئيس لوبيا
(ليهوي) في أسوار ملك مصر وسيدها وهو (اللقب) الذي أطلقه المعبود (رع)
على (سليله) هذا وهو (الصيدن والقب) [٣٢] منفتاح (المتربع) على (سدته)
ويقول يتاح (أي الفتاح) عن لوبيا: إن (خار) لوبيا - أي العاثر بعد استقامته -
(ستحصى) جميع بذاته (وتطوف - فوق - نطابه) - أي رأسه - وليجعل في (يد)
منفتاح (وليبق ما يقم) [٣٣] مثلما - يفعل - التمساح لأن (الشوشاءة تعنو
الشوشاء) في شبكته ولو كان (نابًا) [٣٤] لأن أمون (يلخ بحسه فيطفه) [٣٥] من (يده) ، ويجعله تحت (قوة) منفتاح في أرمنت.
وقع (أشر) [٣٦] كبير في مصر (وبرز النهيم) [٣٧] في (مدن) مصر،
وتحدث الناس بنجدات منفتاح التي حازها على التحنو - ما أطيبه من (حاكم
نجد) [٣٨] ، ما أعظمه من (صيدن بين الأزوان) ، وما أسعده حظًّا (الناب
الناهي) اجلس أيها الملك متنعمًا وتكلم (وامش شطنا) على (المتن) [٣٩] فلا (زأد)
في (لب النات) [٤٠] فالقلاع تركت ونفسها (والقلائب) [٤١] فتحت، وأخذ
(يطوف الوافدون) الاستحكامات ذات الأسوار (متفيحين) من الشمس حتى تصحى
حراسها (والماصعون ينكرون وينامون) [٤٢] وقوم (نوو) و (تكتينوا) يكونون
في الحقل (كأبابهم) [٤٣] ، وحيوانات الحقل تترك بلا راع (فتذئ [٤٤] مياه
الغدير) ، ولا (صاخب) يصيح في (جنح) - أي من الليل - (هيا إمق الآتي
بلغة) الأجنبي [٤٥] (اءت) واذهب (محظوظًا) فلا (نياحة) من (نات مهمومة) قد
(عنت) المدن ثانيًا، وسيقم الفلاح محصوله والتفت (رع) إلى مصر فوُلد
منفتاح ملك مصر، وشيء له بأن يكون (مناضلاً) عنها، وأن تكون (الولاة
منبطحة) - له - وتقول (سلامًا) ، وأن (لا يرفع أحد من البدو نطابه) [٤٦]
(فانفكت التحنو وتحفظت) خِيتا [٤٧] (واقتحيت كنعان لوبنتها [٤٨] وعنيت عسقلان) ،
وقبض على جزال، وصارت ينعمام عدمًا في الوجود (وانفك الإسرائيليون فلا
بزر لهم، وأصبحت فلسطين خلية) [٤٩] لمصر، (والأراضي) كلها (مضمومة)
في (حفظ) وكل (أشم وعفه [٥٠] الصيدن القب منفتاح سليل) الشمس معطي
المعيشة كل نهار مثل الغورة (أي الشمس) . اهـ.
((يتبع بمقال تالٍ))