للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


السياسة الإنكليزية
في البلاد العربية

نشرت جريدة التيمس في لندن مقالات في القضية العربية لمراسلها مِن
طهران بين إنكلترة وفرنسة، صرح فيها بحقائق لم يسبقه إلى التصريح بها أحد
مِن قومه، وارتأى آراءَ نوافقه على بعضها دون بعض، وقد نشرت جريدة الأهرام
بعض هذه المقالات مترجمةً بالعربية، فترتب على نشرها ما يأتي ذكره من الوثائق
الرسمية في المسألة العربية.
ومما قاله أن إنكلترة أرغمت العراق على قبول فيصل ملكًا عليها، وجزمت
الحكومة البريطانية رأيها بعدم السماح بتأسيس جمهورية في العراق ناكثة بذلك
عهودها للعرب، ويعتقد الكثيرون أنه لو أُخذ رأي أهل العراق بحريةٍ لأسفر
استفتاؤهم عن رغبتهم في تأسيس حكومة جمهورية؛ ولذلك كانت استشارة الرأي
العام هنالك صورية بأن سئل زعماء مشايخ القبائل، وأعيان البلاد: هل يقبلون
نصب الأمير فيصل ملكًا دستوريًّا عليهم أو يرفضون؟ ! ، ولم يكن مِن المنتظر أن
يكون بينهم شيخٌ واحدٌ تصل به الغباوة إلى حد الإجابة بالرفض بعد أن رأى ما حل
بالسيد طالب [١] . بل كان كل منهم يخشى على حياته إذا عارض في توليته، فلم
يعارض أحدٌ، بالرغم مِن أنهم جميعًا يرفضون، فالعراق في هذه اللحظة ملؤها
البغض، والحقد، والرغبة في الانتقام.
ثم ذكر عودًا على بدءٍ طمع أمراء الحجاز بتأسيس مملكةٍ عربيةٍ مِن البحر
الأحمر إلى خليج فارس، يدخل فيها شواطئ سورية وقال: إن فكرة الوحدة العربية
الجنسية غير موجودةٍ في هذه البلاد الآن، وإن بعض رجال الإنكليز في القاهرة،
ولندن، وفلسطين، والعراق يؤيدون هذا المشروع خلافًا لخطة حكومتهم المتفقة
مع فرنسا على تقسيمها، وذكر ما سلم به مستر تشرشل وزير مستعمراتهم من
ثبوت وجود تيار خفي من الترامي بالتهم بين الموظفين البريطانيين والفرنسيس،
قال: وستزداد الحال سوءًا إلى أن يكبح الرأي العام البريطاني جماح دعاة الجامعة
العربية بيد قوية.
ثم ذكر مهاجمة الملكِ حسين وابنه الأميرِ عبدِ اللهِ سعود، وكون ذلك نقضًا
لعهدهم الصريح بعدم التعدي على أحدٍ مِن أمراء البلاد العربية، قال: (ولكن
الوهابيين هزموهما ثلاث مرات هزيمةً معيبةً، وصارت مكة في (مايو سنة
١٩١٩) تحت رحمتهم؛ إذ إنه لم يبق لهم إلا السير إليها، ودخولها، ولكننا طلبنا
مِن ابن سعود أن يسحب قواته، ففعل إجابة لطلبنا، وطالما صبر على تحمل
الاعتداءات المتكررة التي يرتكبها الحجازيون اعتداءً عليه، ويلوح لنا أنه لا شك
في أن الوهابيين هم الأقوى، وأنهم يستطيعون في كل وقتٍ أن يقضوا على قوات
الملك حسين) ، وذكر مِن قوتهم أنهم لو لقوا مِن المساعدة ما لقي الملك حسين
لاستطاعوا إخضاع جبل شمر ... على أنهم أخضعوا هذا الجبل مِن غير مساعدة
أحدٍ.
ثم ذكر أنهم أنذروا المعتمد البريطاني في العراق (السير برسي كوكس) بأنه
عيل صبرهم، وسيضطرون إلى معاملة الملك حسين بمثل اعتدائه إلا إذا استطعنا
رد شكيمته، وأن ابن سعود لا يرى بجعْله بين نارين بوضع فيصل في العراق مع
عبد الله خصمًا ثالثًا في شرق الأردن، (قال) : فرد عليه السير برسي كوكس
مخاطبًا إياه بملك نجد. وبهذه المداهنة، وبدفعة قدرها ستون ألف جنيه تدفع مؤخرًا
(كذا، والصواب أنها تُدفع مشاهرة كل شهر خمسة آلاف جنيه) يرجون إبقاءه
ساكنًا، ثم صرح الكاتب باستنكار هذه السياسة المالية، وجزم بخيبتها، ثم قال:
(لم تبق إلا خطةٌ واحدةٌ: يجب علينا أن نجلو عن العراق في الوقت الذي نستطيع
فيه الجلاء، وهذا أنسب الأوقات؛ ففي العراق حكومة عربية، وحاكم عربي)
إلخ.
ثم أيد هذا بما ستُسْتَهْدَف له السياسة البريطانية في العراق مِن المشكلات،
والخسائر، واتساع مسافة الخُلف بينهم وبين فرنسة، وبحث في قواتهم العسكرية
في العراق، وتوقع حدوث حرب جديدة بينهم وبين العراقيين إن لم يقبل اقتراحه
بعد أن أشار متهكمًا بلطفٍ إلى الأساطيل الهوائية الثمانية التي أوجدوها في العراق
لتحقيق فكرة مستر تشرشل الجميلة في المواصلات الهوائية فوق الصحراء!
ثم ألمَّ بذِكر المعاهدة التي سيعقدونها مع فيصل محذرًا مِن انتفاع أصحاب فكرة
الجامعة العربية بها، وذكر ما قرره مؤتمر القاهرة [٢] مِن إبقاء الجنود العربية
تحت قيادة ضباط بريطانيين مِن حيث هم قوة إمبراطورية، وإباحته زيادة هذه
الجنود، وذكر تجنيد الأكراد، والكلدانيين، والأوربيين وإنفاقهم عليهم كثيرًا من
النفقات [٣] وحذر من العاقبة، ومن الاغترار بربح زيت البترول.
هذا ملخص هذه المقالة، وقد نقلتها جريدة القبلة عن الأهرام بنصها في العدد
٥٥٣ الذي صدر بمكة في ٢١ جمادى الأولى سنة ١٣٤٠ الموافق ٩ يناير سنة
١٩٢٢، وردت عليها في هذا العدد، وفي العدد ٥٥٥ ردًّا طويلاً معسلطًا مشتملاً
على الوثائق الرسمية التي أشرنا إليها في صدر هذا المقال. وها نحن أولاء
ننشرها بعد مقدمة وجيزة، ونقفّي عليها ببعض ما كان من سوء تأثير نشرها.
***
وثائق رسمية في المسألة العربية
وإخلاص ملك الحجاز للإنكليز على خداعهم له وللعرب
كان الملك حسين يكتم كل ما كان لديه من المكتوبات بينه وبين الحكومة
الإنكليزية التي كان يظن أنه يملك بقوتها بلاد العرب كلها، ويكون آمنًا بحمايتها من
كل مقاومةٍ ومعارضةٍ. ومن العجيب أنه لا يزال عاضًّا على تلك الأماني بالنواجذ،
وقد خذلته (العظمة البريطانية وحسياتها النجيبة) التي ينوه بها، ويتَّكل عليها
أشنع خذلان، ولكنه يتوهم أنه يستميلها إلى الوفاء له بما ينشره في جريدة القِبلة،
وفي المكتوبات، والمنشورات الرسمية التي يبثّ بها آلامه، وتململاته من خذلها
إياه، وقد اضطر المرة بعد المرة إلى نشر بعض تلك المكتوبات الرسمية احتجاجًا
على الإنكليز، وتبرئةً لنفسه لديهم مما تتهمه به جرائدهم مِن نكث عهودهم، وغير
ذلك أو لدى العالم الإسلامي والعرب من جنايته عليهما، فأما تبرئة نفسه من عدم
الإخلال بشيءٍ ينافي الإخلاص للإنكليز أو (للعظمة البريطانية) - فحجته عليهم
فيه قوية، وأما التبرئة الثانية فكل ما نُشر في سبيلها فهو حجةٌ عليه لا له، ثم إننا
لم نَرَ من تلك المكتوبات الرسمية التي نشرها شيئًا ينتفع به العرب في إقامة الحجة
على الإنكليز كالوثيقة الثالثة مِن الوثائق الآتية:
***
الوثيقة الأولى: المصرّحة بجعْل الحجاز
في حماية إنكلترة
قالت جريدة القِبلة في ردها على مقالة التيمس في عدد ٥٥٣:
(أما ما يفهم من كل ما في قولكم أن لولا ردعكم ومنعكم له - أي ابن سعود -
لاستولى على مكة فيا أعزاءنا ليس معنا ما نقوله بالاختصار عن الإطالة أو
الخروج عن الصدد إلا بيان عجزنا عن شكر ذلك المنع، ومننه وأنه من مقتضى
شهامة بريطانيا، وشعبها النجيب فهو من مقتضيات مواد عهدنا الذي تقول فيه
المادة الثانية ما يلي:
تتعهد بريطانيا العظمى بالمحافظة على هذه الحكومة وصيانتها من أي مداخلة
كانت، بأي صورة كانت في داخليتها وسلامة حدودها البرية والبحرية من أي تعدٍّ
بأي شكل يكون، حتى ولو وقع قيام داخلي من دسائس الأعداء أو من حسد بعض
الأمراء - فهي تساعد الحكومة المذكورة مادةً ومعنًى على رفع ذلك القيام لحين
اندفاعه، وهذه المساعدة في القيامات أو الثورات الداخلية تكون مدتها محدودة، أي
لحين يتم للحكومة العربية المذكورة تشكيلاتها المادية) انتهى.
وعليه وبصرف النظر عن مؤدَّاها، وكل ما اشتمل عليه مضمونها ومراميها
(قبل كل قبل) فإن شرف مفكرة ذلك العهد منزَّهة بطبيعتها عن أقل مما
رميتونا به يثبته برقية جلالة مولانا المنقذ الصادرة لمدير هيئة شيختنا الموقرة
(التيمس) ننقلها للقراء، وما نقلها - وأبيك - إلا لزيادة وقوف المجموع عمومًا،
والشعب البريطاني خصوصًا، على أن جلالة مولانا المنقذ، وشيعته منزهون
بعنايته السبحانية عن أمراض الأغراض، والعلل ودناءة النحل إلا الغاية التي
اعترفت لهم بها، وإنها هي الغاية التي قلتم بعاليه عنها: إنكم ترفعون لها القبعات،
وهي الآمال والغايات التي عليها نحيا، وعليها نموت، وها هي البرقية المنوَّه عنها
تبتدي:
***
الوثيقة الثانية: المصرحة بكوْن ملك الحجاز
موظفًا إنكليزيًّا [٤]
المدير العمومي لصحيفة (التيمس)
اطلعت على عددكم المشتمل الرد، والقدح باتحاد العرب، والتزامكم أحد
أمرائهم، ولزيادة إقناع حكومة جلالة الملك، وإيضاح الحقيقة لعموم الشعب النجيب
البريطاني أكرر بهذا طلبي بواسطتكم من حكومة جلالته تأكيد تعيين الأمير المذكور،
أو مَن تراه ليستلم البلاد؛ فإن غايتي الراحة العمومية وخدمتها، كما يعلم من
أساسات قيامي وشرائطه يؤيده طلبي هذا المثبت للحقيقة من سائر وجهاتها.

(المنار)
قول ملك الحجاز (أكرر طلبي) إلخ يفيد أنه قد سبق له مطالبة الدولة
البريطانية (والعظمة البريطانية كما يسميها هو) أن تنصب أميرًا أو ملكًا غيره
على الحجاز إذا كانت غير راضيةٍ عنه، وقد سبق لنا أن نقلنا عن (القِبلة) نص
الكتاب الذي كان أرسله إلى نائب ملك الإنكليز بمصر في ٢٠ ذي القعدة سنة ١٣٣٦
الذي يطلب فيه منها أن تختار له ولأولاده بلدًا يقيمون فيه وتنصب على الحجاز
مَن تختاره له! ، وقد تكرر نشر جريدة القِبلة لذلك الكتاب ومفاخرتها به لأمم الأرض
كلها (راجع ص ٢٣٣، م٢٢) ، وليس افتخار هذه الجريدة الجاهلة بهذه الفضائح
المخزية بأغرب من وجود أناسٍ محبين لاستقلال الأمة العربية، ويقرؤون هذا وذاك
في جريدة القِبلة، ثم لا يرون لأنفسهم سياسة غير
سياستها، ولا زعيمًا يتبع غير واضع هذه الوثائق لها.
انتقاد الجرائد المصرية جعْل الحجاز تحت الحماية البريطانية
اطَّلع بعض مديري الجرائد الإسلامية بمصر على الوثيقة الأولى من هذه
الوثائق؛ فهالهم أمر جعْل الحجاز تحت الحماية البريطانية، فبعضهم تساءل بصيغة
استفهام الإنكار: هل يصح أن يكون الحجاز تحت حماية دولة أجنبية غير إسلامية؟ !
وهو ما اكتفت به جريدة (الأخبار) الشهيرة في العدد ٢٩٢، وبعضهم شدَّد
في تغليظ الإنكار كجريدة (الأمة) في الإسكندرية.
فلما وصلت هذه الجرائد إلى مكة المكرمة صمد سائس جريدة القِبلة إلى الرد
عليها كعادته، فنُشر في صدر العدد ٥٦١ ردًّا على جريدة الأخبار عنوانه بقلم
الثلث:] فََلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ [، وصواب الآية الكريمة: {وَلاَ تَكُ فِي
ضَيْقٍ ... } (النحل: ١٢٧) إلخ، قال فيه ما نصه:
(وما مثل الصحيفة المذكورة بإسناد مزاعمها على المادة الثانية التي أوردتها
(القِبلة) إلا كمثل مَن وقف على قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ... } (الماعون:
٤) دون أن يكمل الآية، فسوغ لنفسه بذلك ترك الصلاة، وكذلك الجريدة المذكورة
نظرت إلى أول المادة المشار إليها دون أن تلتفت إلى آخرها وهو: (وهذه
المساعدة تكون مدتها محدودة لحين يتم للحكومة العربية تشكلاتها المادية)
إلخ.
نقول: إن هذا الرد لم ينفِ ما صرحت به المادة من جعل البلاد تحت حماية
الدولة البريطانية في داخلها وخارجها؛ بل أكده وغايته أنه جعل المساعدة الداخلية
مغياة باقتدار الحكومة المحلية المحمية على حفظ داخليتها بنفسها، وأما الحماية
الخارجية، وحفظ الحدود البرية والبحرية فلم يقيَّد بهذه الغاية، وكأن سبب السكوت
عن تقييده علم واضع المادة - وهو الملك حسين نفسه - بأنه لا يستطيع أن ينشئ
أسطولاً ولا جيشًا قويًّا يستطيع حماية الحدود، فجعل ذلك حقًّا دائمًا للدولة
البريطانية التي يتكل على (حسياتها النجيبة) ، ولكنه وهب ما لا يملك هو، ولا
الدولة العثمانية التي كان هو تابعًا لها يوم وضع هذه المادة وغيرها مما يسميه
(مقررات النهضة) لأنه بنى عليه ما قام به من الثورة والخروج على الدولة،
ولكن الإنكليز بنَوْا على هذه المادة تأسيس محافظة سموها (محافظة البحر الأحمر)
وجعلوا مركز محافظها ثغر جدة، على أنهم لم يفوا لمَن أعطاهم هذا الحق الذي لا
يملكه بما طلبه منهم في مقابله هو تأسيس دولة عربية له، تكون ربيبةً لهم وتحت
كنفهم ووصايتهم بشرط ألا يستولوا على شيءٍ منها مباشرة إلا ولاية البصرة ...
وكان يجب على محرر القِبلة - بل على ملك الحجاز - أن يستفيد من هرب مصر
من الحماية الإنكليزية، ومن تذكير جرائد مصر له، ولا سيما مدير جريدة الأخبار
العليم بأصول السياسة الدولية، الخبير بخفايا الدسائس الإنكليزية، فيتبرأ من هذه
(المقررات) التي تعد أكبر جناية على الحرمين الشريفين وعلى البلاد العربية والأمة
الإسلامية، لا أن يعبر عن تذكيره ونصحه بالسفاسف ويصفه بالغمز واللمز،
{وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ} (غافر: ١٣) .
***
الوثيقة الثالثة: وعود إنكلترة
باستقلال بلاد العرب
أرسل بعض قواد الترك في أثناء الحرب كتبًا إلى الأميرين فيصل، وعبد
الله لاستمالتهما إلى الصلح باعتراف الدولة باستقلال البلاد العربية، مع الارتباط
بها (كارتباط المجر بالنمسة على ما قيل) فالملك حسين أبى قبول الصلح،
وأرسل كل ما كتبه الترك إلى ولديه إلى نائب الملك البريطاني بمصر، وهو
أرسلها إلى وزارة الخارجية، فأجابت عنها بالكتاب الآتي - الذي نُشر في العدد
٥٥٥ من جريدة القبلة الصادر في ٢٨ جمادى الأولى سنة ١٣٤٠ الموافق ١٦ يناير
سنة ١٩٢٢ في أثناء مقالة في الرد على مقالة جريدة التيمس المشار إليها آنفًا -
وهذا نصه:
برقية الحكومة الإنكليزية في تأكيد الوعد باستقلال البلاد العربية:
جدة في ٨ فبراير سنة ١٩١٨ - ٢٧/٤/١٣٣٦
جلالة صاحب السيادة العظمى ملك الحجاز، وشريف مكة، وأميرها
المعظم ...
بعد بيان ما يجب بيانه من الاحتشام والتوقير، قد أمرني فخامة نائب جلالة
الملك أن أبلّغ جلالتكم البرقية التي وصلت إلى فخامته من نظارة الخارجية
البريطانية بلندن، وقد عنونتها حكومة جلالة ملك بريطانيا العظمى باسم جلالتكم،
وهذا نصها بالحرف الواحد:
(إن الرغبة والصراحة التامة التي اتخذتموها (جلالتكم) في إرسالكم
التحريرات التي أرسلها القائد التركي في سورية إلى سمو الأمير فيصل، وجعفر
باشا (الصواب سمو الأمير عبد الله بدل جعفر باشا إلى جناب فخامة نائب جلالة
الملك - كان لهما أعظم التأثير الحسن لدى حكومة جلالة ملك بريطانيا العظمى،
وإن الإجراءات التي اتخذتموها (جلالتكم) في هذا الصدد لم تكن إلا رمزًا يعبر
عن تلك الصداقة والصراحة التي كانت دائمًا شاهد العلاقة بين كل من الحكومة
الحجازية، وحكومة جلالة ملك بريطانية العظمى، ومما لا يحتاج إلى دليل أن
السياسة التي تنسج عليها تركيا هي إيجاد الارتياب والشك بين دول الحلفاء والعرب،
الذين هم - تحت قيادة وعظيم إرشادات جلالتكم - قد بذلوا الهمة الشمَّاء؛
ليظفروا بإعادة حريتهم القديمة، إن السياسة التركية لا تفتأ تغرس ذلك الارتياب
بأن توسوس للعرب أن دول الحلفاء يرغبون في الأراضي العربية، وتلقي بأذهان
دول الحلفاء أنه يمكن إرجاع العرب عن مقصدهم، ولكن أقوال الدساسين لن تقوى
على إيجاد الشقاق بين الذين اتجهت عقولهم إلى فكرٍ واحدٍ وغرضٍ واحدٍ.
إن حكومة جلالة ملك بريطانيا العظمى وحلفاءها مازالت واقفةً موقف الثابت
لكل نهضةٍ تؤدي إلى تحرير الأمم المظلومة، وهي مصممةٌ أن تقف بجانب الأمم
العربية في جهادها؛ لأن تبني عالمًا عربيًّا (الذي) يسود فيه القانون والشرع بدل
الظلم العثماني! وتتحد (كذا) التنافس الصناعي الذي أحدثته الصفات الرسمية
التركية، وإن حكومة جلالة ملك بريطانيا العظمى تكرر وعدها السالف بخصوص
تحرير الأمة العربية، وإن حكومة جلالة ملك بريطانيا العظمى قد سلكت مسلك
سياسة التحرير، وتقصد أن تستمر عليه بكل استقامة وتصميم بأن تحفظ العرب
الذين تحرروا من السقوط في وَهدَة الدمار، وتساعد العرب الذين لا يزالون تحت
نَير الظالمين؛ لينالوا حريتهم) انتهى، وفي الختام ألتمس قبول خالص التحيات،
وعظيم الاحتشامات، (نائب المعتمد البريطاني بجدة) .

(المنار)
هذا الكتاب الرسمي هو أقوى الوثائق التي نشرتها جريدة القِبلة حجة على
الدولة البريطانية، ومن الغريب تأخير نشره إلى الآن، وأغرب من ذلك أنها
نشرته في ضمن مقالة قالت: إنها جاءتها مِن أحد قرائها في جدة أقسم عليها الأيمان
الشديدة بأن تنشرها؛ فبرَّت قسمه! كأنها تعتذر بذلك عن ذنبٍ! وهي لم تنشر-
منذ وُجدت - شيئًا أنفع منه في إقامة الحجة على الإنكليز، وإن كانت حجج
الضعفاء لا تقنع هذه الدولة مهما تكن ناهضةً، وإنما الذي يقنعها حجج الأقوياء،
وإن كانت داحضةً.