حضرة الأستاذ العلامة حجة الإسلام بهذا العصر، وقائد كتيبة المحققين الذي كُتب له النصر، السيد رشيد رضا، أطال الله بقاءه ونفع به: قرأت في الجزء المؤرخ في ٣٠ المحرم ١٣٥٤ من المنار فصلاً وافيًا عن العقبة، وفيه كلام نقلتموه عن أمين أفندي سعيد معناه أن العقبة أدخلت سنة ١٩٠٦ ضمن الحدود العثمانية وألحقت بلواء الكرك (شرقي الأردن اليوم) وصارت جزءًا من أجزائه. والذي أعرفه أنا أن العقبة لم تلحق في وقت من الأوقات بلواء الكرك، وهذا هو أصل المعترك، فإن الإنجليز يريدون أن يجعلوا العقبة من البلاد التي كانت الدولة العثمانية ألحقتها بلواء الكرك حتى يقولوا: إنهم لم يغيروا شيئًا من الوضع القديم، بل أبقوا العقبة تابعة للخطة التي كانت تابعة لها من قبل. والحقيقة أنه لما تشكل لواء الكرك ألحقوا به قصبة معان وتوزيعها ما عدا العقبة، وكان ذلك من الدولة قصدًا وعمدًا، حتى لا تجعل العقبة تخرج من أرض الحجاز نظرًا لاستثناء الحجاز من أمور كثيرة، كان متفقًا عليها بين الدولة والدول الأجنبية، ومن جملتها عدم جواز تملك الأجانب. وقد كنت مرة في دمشق في أيام ولاية ناظم باشا وعلمت من المرحوم محمد فوزي باشا المعظم وكان هو عمدة مجلس الإدارة أن ولاية سورية راجعت الباب العالي في أن العقبة باتصالها بأرض معان وبكونها ميناء لمعان وبلاد الشراة يجب إلحاقها بمتصرفية الكرك تسهيلاً للأشغال. فأجاب الباب العالي ولاية سورية قائلاً: (إن هذه الملاحظة لا تخفى علينا، ولكن هناك ملاحظات سياسية أهم منها، وهي: أنه إذا ألحقت العقبة بلواء الكرك صارت من ولاية سورية ودخلت تحت المعاهدات التي بين الدولة والدول الأجنبية، فصار يجوز للأجانب أن يتملكوا فيها بخلاف ما إذا كانت تابعة للحجاز، فليس للأجانب حق أن يتملكوا شيئًا في الحجاز، وهو أمر متفق عليه بين الدولة والدول، فبقيت العقبة إذن تابعة للحجاز، ولم تتبع الكرك كما طلبت ولاية سورية، فقصدت أن أصحح هذه الرواية التي نقلتموها عن أمين أفندي سعيد والتي لو صحت لما كان محل للتعجب من سعي الإنكليز بإلحاق العقبة بشرقي الأردن لأنهم يكونون حينئذ بنوا على أساس قديم. والحال أن هذا الأساس لم يوجد، وأن العقبة كانت ولم تخرج من الحجاز لا أولًا ولا أخيرًا ووضعها الحاضر لا يستند على شيء قانوني. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ... ... ... ... ... ... ... ... ... شكيب أرسلان ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... جنيف (المنار) هذا ما يقال من جهة ما يسمى التشكيلات الإدارية في الدولة. وأما من الجهة الشرعية الإسلامية فالعقبة وما حولها من الحجاز. وبصفة أوسع نقول: من جزيرة العرب التي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بألا يبقى فيها دينان كما بيناه مرارًا، فاحتيال إنكلترة للاستيلاء عليها أفظع اعتداء على دين الإسلام.