لعلنا قد سبقنا جميع الكتَّاب إلى بيان خطر العصبية الجنسية على الدولة العثمانية في عصر الدستور فإننا أشرنا إلى ذلك في أول مقالة كتبناها عند حدوث الانقلاب وإعلان الدستور إذ كان جميع العثمانيين يصفقون طربًا ويحسبون أنهم نالوا السعادة صفوًا من كل كدر، آمنينَ من كل خطر، تلك المقالة التي جعلنا عنوانها (عيد الأمة العثمانية بنعمة الدستور والحرية) ، ونشرناها في (ج ٦ م ١١) الذي صدر ٢٩ جمادى الآخرة سنة ١٣٢٦ (٢٨ يوليو و١٥ تموز) أي بعد إعلان الدستور بأربعة أيام، وقد جاء فيها بعد بيان مزايا هذه النعمة ما نصه: إن أمامنا عقبات كثيرة (منها) ما يتوقع من مقاومة بعض الحكام الظالمين للحرية الجميلة التي يرقص لها طلاب الدستور طربًا ويهيمون بها شغفًا (ومنها) ما هو أقرب إلى الوقوع كالنزاع بين الأحرار المستقلين، وبين المتعصبين والمقلدين، (ومنها) مسألة الجنسية العثمانية، وما يقف في طريقها من جنسيات الشعوب التي يتألف منها جسم الدولة العلية، فمن المطالب بالنظر في ذلك؟ . ثم أنشأنا بعد شهر مقالة أخرى نشرناها (ج٧ م ١١) أوضحنا فيها خطر اختلاف الأجناس وشدة الحاجة إلى تكوين جنسية عثمانية تتحد فيها جميع الأجناس والملل، وبينا أن الواجب على أحرار الترك وعقلائهم أن يبدأوا بالدعوة إلى ترك العصبية الجنسية (اللغوية) ولا سيما زعماء جمعية الاتحاد والترقي منهم، لأن دعوتهم هي التي يرجى أن تسمع ويستجاب لها، ثم كررنا الكتابة في ذلك كثيرًا. وقد راءى الاتحاديون عقب الانقلاب بإظهار الرغبة في الوحدة العثمانية وكراهة العصبية الجنسية فحمدنا ذلك لهم كتابة وخطابة ولكنهم ما عتموا أن نزعوا ثوب الرياء الشفاف بعد أن استقرت سلطتهم، فنبذوا الجنسية العثمانية وراء ظهورهم، ونهضوا بالجنسية التركية بغلو وإسراف وعجلة خارجة عن طور العقل، فنصحنا لهم أولاً بالكتابة وبينا لهم أن تحويل العربي عن عربية والألباني عن ألبانيته والأرمني عن أرمنيته والرومي عن روميته مما يستحيل في هذا العصر، وأنه لو كان ممكنا لعذرناهم في محاولة تتريك جميع الشعوب العثمانية سياسة لا دينًا. ثم قصدت إلى الآستانة للسعي إلى منع التفرق بين العرب والترك وتأسيس مدرسة الدعوة والإرشاد فيها، ونشرت في جرائدها مقالات العرب والترك المعروفة لقراء المنار فجعلتها تمهيدًا للسعي في الوفاق ومنع سريان التفرق الجنسي، إذ بينت فيها ضرورة اتحاد هذين العنصرين مع محافظتهما على لغتهما، وأنه يجب أن يكونا كعنصري الهواء أو الماء في تكوينهما لحقيقة واحدة، أعني الجنسية السياسية العثمانية، وبينت فيها أسباب الخلاف ومثاراتها في الآستانة، وما أخطأَتْ به وزارات الدولة وجرائد العاصمة وجمعياتها في ذلك فنقم العرب منها، فكان أول من شكر لي هذا السعي، واهتم به ووعد ببذل نفوذه لتلافي الخلاف حسين حلمي باشا الصدر الأعظم في ذلك العهد، وكان من سوء الحظ أن أجل صدارته لم يطل، ولا تزل، أزمة الحكومة بيده، فكان يعدني بتخصيص وقت للبحث معي في هذه المسألة وانقضت السنة التي قضيتها في الآستانة ولم يف بوعده، على أنه وفى لي بعدة جلسات في داره وفي الباب العالي للنظر في المسألة الأخرى، أي مشروع التعليم والإرشاد، ولكن لم يكن لذلك ثمرة. وقد علمت في أواخر أيامي في الآستانة أن الاتحاديين قد صمموا على حل مسألة الجنسيات بالقوة القاهرة، وأنهم بدأوا بالتنكيل بالأرنؤط وسيتلوهم الأرمن والعرب والأكراد، وقد كان هذا أحد الباعثين لي على تلك الحملات الشديدة التي حملتها على جمعية الاتحاد والترقي في المنار، والباعث الثاني هو الديني ولا أبحث فيه الآن. لم أكن أنا الذي قاومت الجمعية بالكلام وحدي بل كانت المقاومة لهم بالقول والعمل على أشدها في الآستانة وسائر بلاد الترك حتى آلت إلى تسلل الألوف من جمعيتهم، ثم إلى قيام الأحزاب في مجلس الأمة عليهم، ثم إلى تأييد الجيش لحزب الحرية والائتلاف في إسقاط وزارتهم، ومما يجب أن يذكر أنهم اعترفوا في أثناء ذلك الجهاد وبعده بأنهم كانوا يريدون تتريك جميع عناصر الدولة وأنهم رجعوا عن ذلك. ولما عادت الوزارة إليهم باغتيال ناظم باشا ناظر الحربية في الباب العالي والقبض على كامل باشا الصدر الأعظم فيه هالنا الأمر وخفنا من وقوع الفوضى في الآستانة والدولة في حال حرب مع البلقان غُلبت فيه على أمرها، ولكن وزارة كامل باشا لم يكن لها حزب يؤيدها، إذ كان حزب الحرية والائتلاف غير متفق معها، ثم عقدت الوزارة الاتحادية الصلح وأنشأت تعقد مع الدول الكبرى الاتفاق تلو الاتفاق على جعل البلاد العثمانية مناطق نفوذ اقتصادي لهن، وتقترض عشرات الملايين منهن، وبدأت بالعراق العربي فاعترفت للإنكليز فيه بما طلبوا من النفوذ والحقوق، فأنكرنا ذلك عليهم أشد الإنكار، ولم يمنعهم ذلك طبعًا من الاتفاق مع فرنسة على نفوذها في سورية إلخ. على أننا لما رأينا البلقانيين قد انتصروا على الدولة في الحرب حتى كادوا يستولون على الآستانة علمنا أن الخطر على الدولة أقوى وأسرع مما كنا نخشى، وأن الدولة إذا كانت قد عجزت عن حفظ الرومللي وهو سياج الآستانة وحصنها أمام البلقان، ومعظم قوتها الحربية هنالك وباقيها على حدود الروس، فلا بد أن تعجز بالأولى عن الدفاع عن بلادنا العربية إذا هجمت عليها دولة قوية. إذ ليس في بلادنا حصون ولا سلاح، وكان هذا الأمر منبها لكثير من أهل الغيرة والفهم من العرب إلى ما سبقهم بعض أذكياء الترك إلى الدعوة إليه وهو وجوب إدارة الدولة من نوع اللامركزية؛ لأن ذلك أدعى إلى عمران كل قطر واستعداده للدفاع عن نفسه عند عجز المركز العام عن الدفاع عنه. تأسس حزب اللامركزية بمصر في أثناء حرب البلقان وسرت دعوته في المملكة العثمانية كلها، ولم يكن للحكومة الاتحادية وجه للشكوى منه؛ لأنه حزب عثماني يحاول الوصول إلى غايته من الطريق القانوني الذي ينتهي إلى مجلس الأمة، وتأسست في أثناء ذلك الجمعية الإصلاحية في بيروت بإذن الحكومة فشذت في موضوع ما طلبته من تعيين مستشارين ومراقبين للحكومة من الأجانب وأنكرنا عليها شذوذها في المنار، ثم أنشئت جمعية أخرى في البصرة صارح رئيسها طالب بك النقيب حكومة الاتحاديين بالإنكار بل بالعداء، وقد كادت الجمعية له فحاولت اغتياله فلم تظفر، ثم حاسنته وكلفته السعي للتوفيق بينها وبين الأمير ابن سعود فبذل جهده في ذلك. ثم تعلقت رغبة كثير من أذكياء العرب بعقد مؤتمر عربي في باريس لإظهار مطالب العرب الإصلاحية للعالم كله، وعهدوا بذلك إلى حزب اللامركزية فعقد المؤتمر وحضره مندوبون من البلاد العربية والجمعيات العربية واختير لرياسته السيد عبد الحميد الزهراوي أحد مندوبي حزب اللامركزية، وكان المؤتمر في غاية الاعتدال في مباحثه وقراراته. حينئذ اهتمت جمعية الاتحاد والترقي وحكومتها بأمر العرب وأوفدت مندوبا من زعمائها إلى باريس للاتفاق مع رئيس المؤتمر على إجابة العرب إلى ما يطلبونه من الإصلاح المعقول، وعقدا ذلك الاتفاق المشهور، ثم قرر مجلس الوكلاء، وصدرت الإرادة السلطانية ببعض مواد ذلك الاتفاق مع الوعد بأن تعطى العرب حقوقًا أخرى بالتدريج، وكل ذلك مدون في كتاب (المؤتمر العربي الأول) ونشر في المنار وفي الجرائد العربية المشهورة، ولكن ما تقرر من ذلك لم يرض جمهور المطالبين بالإصلاح من العرب، وقد عده أكثرهم خديعة مؤقتة من الاتحاديين، وكان فريق منهم أشهرهم الزهراوي وعبد الكريم قاسم الخليل يرجحون إخلاص الاتحاديين وعزمهم على إرضاء العرب دائما، وقد كان من إظهار الاتحاديين الميل إلى العرب أن صار أكبر زعمائهم كطلعت بك يحضرون الاحتفالات التي يقيمها أعضاء المنتدى الأدبي في الآستانة. هذه خلاصة ما كان من أمر الخلاف والوفاق بين العرب والترك أو الاتحاديين منهم خاصة قبل هذه الحرب، فلما وقعت الحرب بين الدول الكبرى وعلم طلاب الإصلاح من العرب أن دولتهم تريد أن تستفيد منها وتوقعوا أن تدخل فيها، كفوا جميعًا عن المطالبة بالإصلاح، وأظهروا الميل إلى تأييدها في كل ما تقرره وإن لم يعتقدوا أنه الصواب حذرًا من المنازعات الداخلية، وقد حبذنا عملهم هذا بمقالة نشرناها في جريدة الأهرام التي صدرت في سادس ذي القعدة ١٣٣٢ (١٦ سبتمبر سنة ١٩١٤) أي قبل دخول الدولة في الحرب، ثم في منار ذي الحجة أي بعد دخول الدولة في الحرب، وقد قلنا في أول تلك المقالة وهي خطاب لمسلمي سورية ما نصه: ثم أشكر لكم ما أظهرتموه من النجدة والهمة، في الإخلاص والطاعة للدولة، وبذل الأنفس والأموال والثمرات لها، والكف المؤقت عن طلب الإصلاح منها، وتقديركم الحال الحاضرة قدرها، حتى أنكم ساهمتم في هذا أرقى أمم الأرض التي سكتت عن جميع مطالبها ومنازعاتها الداخلية. إلخ. وماذا جرى بعد ذلك؟ ولى الاتحاديون جمال باشا أحد زعمائهم منصب القيادة العامة في سورية فأظهر الميل التام إلى العرب وصار يقرب إليه أذكياء المتعلمين منهم ويحثهم على الاستمساك بعروة عروبيتهم وعثمانيتهم معا، فصدقوه وازدادوا حماسة ورغبة في بذل دمائهم وأموالهم في سبيل الدولة، حتى إذا ما تم له ما أراد من الاختبار، نزع عنه ثوب الرياء والمكر، ولبس لهم جلد النمر، وقتَّلهم تقتيلاً، ونكل بهم أحد عشر شابًّا من خيار شبان المسلمين منهم النابغة محمد الحمصاني وأخوه عبد الكريم قاسم الخليل الذي كان رئيس المنتدى الأدبي في الآستانة، ثم اتصل بالاتحاديين وجعل جُل سعيه إقناع العرب بالإخلاص لهم، فلم نصدق الخبر إلا بعد أن وصل إلى مصر بعض الفارين من الشنق وبعض الأسرى من الجيش وأثبتوا لنا الخبر، ولكننا مع ذلك لم نكتب كلمة إنكار على جمال باشا ولا على شيعته لأجل العلة التي أشرنا إليها آنفا. ثم تواترت الأنباء بشنق أناس آخرين من دمشق وغيرها بتهمة السياسة وقتل آخرين بالرصاص ونفي بيوت كثيرة إلى الأناضول، فثبت عندنا حينئذ أن الاتحاديين اغتنموا فرصة الأحكام العرفية في البلاد، والقبض على الأرزاق والأعناق، لأجل القضاء المبرم على النهضة العربية وإكراه العرب بالقوة القاهرة على ترك لغة أمتهم ودينهم، وعدم المطالبة بحق من حقوقهم، ولكن الثابت في سنن الاجتماع وتاريخ الأمم أن هذه الطريقة من الاضطهاد تؤدي إلى ضد ما يراد منها، وقد كنا قلنا من قبل: إن الإسلام قد أمات العصبية الجنسية في بلاد العرب الحضرية فلا يقدر على إحيائها أحد إلا حكومة الآستانة، ويمكننا أن نقول الآن إنها قد كونت الجنسية العربية الجديدة وجعلتها خالدة، لأنها زرعتها في البدو والحضر وسقتها بالدم، وبالدم استقل من استقل من جميع الأمم، وكنا نخاف منهم هذه العجلة في هذه الأيام لئلا تجيء منافية لمصلحة الإسلام، إذ يخشى أن تكون هذه القسوة في اضطهاد العرب في سورية سببًا ليأس الأمة العربية كلها من الدولة وجزمهم بأنه يستحيل عليهم أن يحافظوا على وجودهم تحت سيادتها، وأن يحمل ذلك عرب الجزيرة على الخروج عليها، خوفًا أن يحل بهم شر مما حل بغيرهم، فإن الترك يحاربون اليمن وعسير ونجد منذ قرون فكل حكامها الحاضرين قد قوتلوا، وأمير مكة لا ينسى لهم ما فعله معهم وهيب بك قبل هذه الحرب إذ حاول الفتك به وسلب امتياز الشرفاء من الحجاز وجعله كولايات الشام، ولما ظهر عليه الأمير أظهرت الدولة الاستياء مما حصل ونسب إلى الدفتردار. واسترضى الصدر الأعظم الشريف بالاعتراف له بجميع حقوق أمراء مكة التي كانت في عهد السلطان سليم، ولكن الشريف يعرف ظواهر هذه الأمور وبواطنها، بل لا يخفى على أحد من العقلاء أن الدفتردار لا يجرؤ على إحداث أمر كبير في الحجاز بدون أمر رئيسه (الوالي) وأن الوالي لا يجرؤ عليه بدون أمر الآستانة، وأوامر الآستانة في عهد الاتحاديين قسمان: أوامر الجمعية وهي الحاكمة، وأوامر الحكومة وهي المنفذة، على أنه يقيس وفاء الحكومة بما كتبه إليه الصدر الأعظم على وفائها العرب بالاتفاق الذي عقد مع رئيس المؤتمر العربي وما قررته في مجلس الوكلاء وصدرت به الإرادة السلطانية من المطالب العربية. كان يجب على دولة الاتحاديين في هذا الوقت أن تتودد للعرب أكثر مما كانت تتودد اليوم بعد حرب البلقان، وأن تتم بالفعل ما بدأ به أنور باشا من استمالة أمراء الجزيرة بالكتابة، وذلك بإرسال السلاح والذخيرة والضباط من العرب إليهم لأجل أن يكونوا ذخرًا لها إذا استظهر الروس عليها في الأناضول، فإذا كان مثل إنكلترة وألمانية تحسب الحساب لوصول أعدائها إلى بلادها وتعد الآلات والجيوش لأجل الدفاع عنها، أفليس الترك أجدر بذلك وهم لولا الألمان لم يستطيعوا حربًا في ميدان ما من ميادين هذا القتال، وحسبهم أنهم فقدوا بحرب البلقان كل ما كان عندهم من ذخيرة وسلاح، وهل يوجد لهم ملجأ يلجئون إليه إذا غلبوا في بلادهم إلا العرب وبلاد العرب، بل العرب وبلاد العرب هي الملجأ للإسلام، ولذلك جاء في الحديث الصحيح (إذا ذلت العرب ذل الإسلام) وأنى يبالي بالإسلام وعز الإسلام، من ينشرون في دار سلطتهم أمثال كتاب (قوم جديد) و (صوك كتاب) التي يفضلون فيها زعانفهم الغاوين، على الخلفاء الراشدين وعلى من دونهم من الأولياء الكرام، ومن فوقهم من الأنبياء حتى خاتمهم عليهم الصلاة والسلام. وأما العرب الذين أوجد الله بهم الإسلام، فإنهم أجدر الناس بالغيرة على المسلمين ودار الإسلام، ولولا ذلك لما سكتوا على الضيم كل هذا الزمان، ونخشى أن يكون قد زال ما كانوا يحذرون، ويئسوا من كل خير كانوا يرجون، فيبدو للمنافقين ما كانوا يحذرون، كما نخشى أن تكون عاقبة ذلك لغيرهم وهم لا يشعرون. إنما يحرص سواد المسلمين الأعظم على حياة هذه الدولة؛ لأنه يهم كل مسلم أن يكون للإسلام دولة مستقلة قوية وهي أمثل دول المسلمين في ذلك، وإن كانت لا تقوم بدعوة الإسلام ولا تحيي علومه ولا تحمي شعوبه ولا أفراده ممن يريد بهم سوءًا، ولكن لا يرضي أحدًا من المسلمين أن تجني على لغة القرآن، وأن تضطهد العرب وتذلهم، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا ذلت العرب ذل الإسلام) رواه أبو يعلى من حديث جابر بسند صحيح، وهذا الحديث من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ظهرت في هذا الزمان ظهورا بيناه فإن الدولة قد تعرضت لخطر الزوال وفقد الاستقلال غير مرة، وإنما كان يقيها منه تنازع أوربة على اقتسامها، فإذا زال التنازع بزوال التوازن عقب هذه الحرب زالت الدولة بزواله، وأكبر المصائب على الإسلام حينئذ أن تعد بلاد العرب تابعة لها، ومعدودة فيما يقسم بين الغالبين من تراثها، إذ يكون المسلمون حينئذ أدنى حالاً من اليهود، إذ يزول استقلالهم الديني والسياسي وهم في فقر مدقع لا يستطيعون معه عملاً، ولا توجد بقعة في الأرض تمثل استقلال الإسلام غير بلاد العرب، ولولا جعل جزيرة العرب تحت سيادة الدولة العثمانية بعضها بالاسم وبعضها بالفعل لما تسنى لها أن تجعل نفسها دولة الخلافة ويعترف لها الناس والدول بذلك. فجملة القول أن مصلحة المسلمين عامة أن تكون بلاد العرب قوية بنفسها، غير محتاجة إلى قوة من خارجها لحمايتها، وقد بينا ذلك مرارًا، ولا خطر في ذلك على الدولة إذا كان فيها من جراثيم الحياة ما يكفي لبقاء استقلالها، وإنما الخطر كل الخطر في إضعاف العرب وجعل بلاد العرب عالة على غيرها، وستظهر الأيام صدق هذا الكلام، ونسأله تعالى أن يكون بما فيه عز الإسلام. حاشية: كتبنا هذه المقالة لجزء الشهر الماضي فلم يتيسر نشرها فيه، ثم جاءنا روتر بنبأ إظهار أمير مكة الشريف حسين الاستقلال في الحجاز وسنفصل القول فيه في الجزء التالي لهذا إن شاء الله.