للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المعاهدة العراقية البريطانية
(تابع ما قبله)

والمادة التاسعة تسلب الحكومة العراقية حريتها القضائية بهذا النص: (يتعهد
جلالة ملك العراق بقبول اللائحة التي يشير بها جلالة ملك بريطانية، ويكفل تنفيذها
في أمور العدلية لتأمين مصالح الأجانب بسبب إلغاء الامتيازات) إلخ، وقد
كافح المصريون أشد الكفاح في رفض ما هو أقل من هذا القيد مما عُرض عليهم،
ويكافح الترك في لوزان الآن مثل ذلك، فيما هو دونه أيضًا، فيا حسرةً على
العراق!
والمادة العاشرة في عقد اتفاقات منفردة لتأمين تنفيذ المعاهدات، والاتفاقات،
أو التعهدات التي تعهد ملك الإنكليز بتنفيذها في العراق! ، ووراء هذا من الغوائل
ما هو سالب لكل استقلالٍ.
والحادية عشرة في مساواة الرعايا البريطانيين في العراق لغيرهم من دول
عصبة الأمم، والقصد فيها إلى إرضائهم مع امتياز الدولة البريطانية بالسيادة الفعلية.
والثانية عشرة نص في أن: (لا تتخذ وسيلة ما لمنْع أعمال التبشير أو
التدخل فيها) ، وهذا حَجْرٌ شديدٌ على حكومة العراق يَحُولُ دون محافظتها على
كرامة دينها من تكذيب القرآن الحكيم، وخاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم -
والطعن فيهما، والتنفير عن الإسلام من قِبَل مبشري النصارى، وتأويل النصوص
بالباطل من البهائية أنصار الدولة البريطانية السائدة، ويمنعها من مراقبة أعمالهم،
ومطبوعاتهم الضارة كما نراه في مصر، وستُحدِث هذه المادة من الفتن والفساد ما
لا يعلم عاقبتَه إلا اللهُ؛ لأن العراق لم يألف احتمال مثل هذا كمصر، ولولا سوء
نية الإنكليز - في هذه المادة - لاكتفوا بحرية الأديان، حتى في الدعوة إليها،
بشرط أن لا يطعن واحد في دين الآخر، ولا يشوه نصوصه، فإن قيل: إنه قد
اشترط فيها: (أن لا تخل الأعمال بالنظام العام وحسن إدارة الحكومة) - قلنا: هذا
الشرط سيكون حجة على الحكومة لا لها، إذا فرضنا أنها تجرأت على التصدي
لمنع شيء مما أشرنا إليه.
والثالثة عشرة في التزام ملك العراق تنفيذ ما تقرره جمعية الأمم لمنع
الأمراض.
والرابعة عشرة في سَنِّ قانون للآثار القديمة.
والخامسة عشرة في عقد اتفاق مالي بين الطرفين، يُنص فيه على ما يعطي
ملك الإنكليز لحكومة العراق من المرافق العامة، وعلى مساعدة حكومته لهم بالمال
حسب الحاجة، وعلى تصفية ديون العراق، وهذا الاتفاق سيكون مثار آفات
وغوائل كبيرة إن لم تقُم به حكومة عليمة بدقائق الفنون المالية، والمكايد السياسية،
ومسلحة بالشجاعة الأدبية، فالإنكليز استباحوا سلب السودان من مصر؛ بحجة أنهم
ساعدوها على فتحه، بعد أن أجبروها على تقرير تركه، ثم على فتحه برجالها
ومالها، وإنما ساعدوها بمبلغٍ حقيرٍ، لا يوازي ما استفاده بعض رجالهم منها.
السادسة عشرة في تعهد ملك الإنكليز بقدر ما تسمح له التعهدات الدولية -
المجهولة لدى العراق - بأن لا يضع عقبة في سبيل ارتباط العراق مع الدول
العربية المجاورة بمقاصد جمركية أو غيرها، وفحواها أن حكومة العراق غير
مستقلة ولا حرة في مثل هذا الارتباط بنفسها.
والسابعة عشرة في تحكيم محكمة العدل بجمعية الأمم في الخلاف الذي يمكن
أن يقع بين الطرفين في هذه المعاهدة، على أن يكون الاعتماد على النص
الإنكليزي (؟ !)
والثامنة عشرة - وهي الأخيرة - في كوْن مدة هذه المعاهدة عشرين سنة،
وليس فيها نص في شكل حكومة العراق بعدها إذا قررت وجوب إلغائها، تكون
حرة مستقلة بعد تكوين الإنكليز إياها كما يشاؤون، وتقييدها بالقيود المالية وغيرها
كما يهوون، أم يقرون ما شاؤوا في أمرها بدعوى أنهم هم الذين أوجدوها، وما لهم
من المصالح فيها، والديون عليها؟ ، نعم، هكذا يفعلون، وإذا لم يستقل العراق
في فرصة ارتباك العالم الحاضر فستكون كَرَّتهم خاسرة.
وإننا ننصح لأعضاء الجمعية التأسيسية المنتخَبة بأن يطَّلعوا على جميع ما
كتبه المصريون في قضيتهم الحاضرة، أو المطبوع منه خاصة؛ ليكونوا على
بصيرة من هذه المعاهدة التي ستكون حجة القوي على الضعيف، كما قال
(بسمارك) في المعاهدات المنطبقة على القانون الدولي مع الدول العظمى، فما
القول في العراق الذي جعلوه تحت وصايتهم، وأقرتهم دول عصبة لصوص الأمم
على ذلك؛ لأنها آلة في أيديهم؟ !