للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مسيح الهند القادياني الدجال
(٤)

نقلنا في النبذة الثالثة من هذا الرد بعض نصوص القادياني في مسألة نسخ
الجهاد وما فيها من إطراء الإنكليز بالمدح والحكم بوجوب شكرهم على المسلمين،
وتحريم جهادهم من كتابه (الهدى والتبصرة لمن يرى) الذي ألفه للرد على
صاحب المنار.
وقد أيد هذا في مواضع أخرى من كتبه محتجًّا بأن الجهاد انقطع بطبعه
بظهور المسيح؛ إذ زالت به غربة الإسلام وضعفه وانتصر أهله على النصارى
المعبر عنهم عنده بيأجوج ومأجوج، وحصل كل ما ورد أنه يحصل بظهور المهدي
والمسيح من عزة الإسلام، والقضاء على أعدائه الكافرين. ومن ذلك ما فصله في
أواخر خطبة له سماها (خطبة إلهامية) وزعم أنها من معجزاته، فإنه بعد أن زعم
أن الذلة التي أصابت الملة الإسلامية في عصره ما أصابتها من قبل ولن تصيبها
إلى يوم الدين قال: (فعند ذلك تنزل النصرة من السماء، ومعالم العزة من حضرة
الكبرياء، من غير سيف ولا سنان ولا محاربين [١] وإليه إشارة في قوله تعالى:
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً} (الكهف: ٩٩) وهو مراد من بعث المسيح
الموعود يا معشر العاقلين [٢] وفي لفظ النزول الذي جاء في الأحاديث إيماء إلى أن
الأمر والنصر ينزل كله من السماء في أيام المسيح من غير توسل أيدي الإنسان
ومن غير جهاد المجاهدين.. إلخ. اهـ. بحروفه.
وكنت أريد أن أبحث في كتبه على نصوص أخرى في هذا الموضوع
فراجعت بعض ما عندي منها على كثرة شواغلي في هذه السنة فشغلني عن مسألة
الجهاد ما رأيته فيها من الجهالات السخيفة في الاستدلال على كونه هو المهدي
المنتظر والمسيح الموعود به، وغرائب تحريفه لآيات القرآن والأحاديث الواردة
في هذه المسألة. ومنها ما كنت رأيته ونسيت تفصيله، ومنها ما لم أكن قرأته،
فإن ذا المعرفة الفنية والملكة الذوقية في اللغة العربية يمل ويسأم وتفنى نفسه من
أسجاعه المتكلَّفة التي حاول بها محاكاة فواصل القرآن، على ما فيها من الأغلاط
النحوية والصرفية، دعْ قواعد المعاني والبيان.
وهو لعراقته في الجهل باللغة لا يستحيي من الاستدلال على مسيحيته بسورة
الفاتحة وبسورة العصر، وبآيات كثيرة من القرآن، ليس فيها أدنى إشارة إلى هذا
الشأن، كما رأى القارئ فيما نقلناه آنفًا من خطبته الإلهامية وحواشيها الجهلية!
وكذلك يحمل على شخصه جميع الأحاديث الواردة بشأن عيسى عليه السلام
ومن أغربها قوله في حاشية ص ٩١ من التبصرة: (أول بلدة بايعني الناس فيها
اسمها لدهيانة، وهي أول أرض قامت الأشرار فيها للإهانة، فلما كانت بيعت (كذا)
المخلصين، حربة لقتل الدجال اللعين، بإشاعات الحق المبين. أشير في الحديث
أن المسيح يقتل الدجال على باب اللُّدّ بالضربة الواحدة - فاللد ملخص من لفظ
لدهيانة - كما لا يخفى على ذوي الفطنة) ! اهـ بحروفه. ومعلوم أن (اللد) اسم
مدينة في فلسطين. فزعم هو أن المراد بها بلدة لدهيانة في الهند وأن معنى لفظ
الدجال مخالفة أعدائه. وأن الحربة مبايعة المغرورين به له. وكان أتباعه يقبلون
مثل هذا منه لجهلهم باللغة العربية وأما الآن فقد صار لهم جمعية غنية يعتصمون
بها لمنافعها. وقد ظهر لمتقني هذه اللغة بعده مقدار جهله وسخفه وهوسه العقلي في
دعواه فمنهم من ترك ضلالته، ومنهم من اعتدلوا في دعاويهم فيه. وإنما يصر
عليها الجاهلون، ويؤْثِر الانتفاع الطامعون الجشعون. ولله في خلقه شؤون.