جاءتنا هذه الرسالة من صاحب التوقيع، وهو أحد الأشراف المخلصين في جاوى، وقد سألنا نشرها، فأجبنا سؤله مع الشكر له لأنها بمثابة ردّ على الصادفين عن الحق بلا برهان ولا دليل، بل بمحض التمحل والتأويل، قال:
(بسم الله الرحمن الرحيم) أيها المنار حيّاك الله وبيّاك، لقد أوضحت السبيل، وبينت الدليل، وشفيت الغليل، ونحن إليك بالأشواق، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، من قوم نظروا إليك بعين الإنصاف، فشاهدوا بها ما حُزت من محامد الأوصاف، فأبصارهم إلى طلعتك مشتاقة، وبصائرهم لما عودتها من لذائذ الحكمة مفتاقه (كذا) ثبت الله دعائمك أيها المنهج القويم، والقِسْطَاس المستقيم، لقد كشفت قناع الحقائق، وبينت تباين الطرائق، وشددت أزر الحق، وشيدت مباني السنة، وخربت مصانع البدع، وجددت لهذه الأمة دينها، ودعوتها لتدرك يقينها، فمنها من اتبعك، ومنها من ضَلَّلَكَ وبدَّعَك، هكذا سنة الله في المصلحين، ولن تجد لسنة الله تبديلاً. أيها المنار أنت والله الحق الثابت في الكتاب وروده، والواضحة في سني السنة حدوده، والمرفوعة عليها قواعده، والموطّدة على طوديهما شواهده، فلا يحزنك (وحاشاك) ما هذى به بعض حاسديك، وما فاه به الأغبياء من راديك، فقد وردت إلينا ردودهم التي هي أوهن من بيت العنكبوت، واطلع عليها المستبصرون عندنا من طلاب الحق فأنشدوا بلسان واحد. إن العرانين تلقاها محسدة ... ولا ترى للئام الناس حسادا وانقلبوا يتضاحكون من تلك الردود التي هي ليست بشيء ولا بعض شيء، فلا تهدم حقًّا، ولا تبني باطلاً، فما عليك ولا على الحق بأسٌ من تلك الكلمات المزورة، وهاتيك السطور المصورة، فهي غاية ما قصر رأيهم عليه، ومنتهى ما بلغوا من العلم إليه، وإننا لا نكره اطلاع الناس عليها إذ ليست هي بمعقول ولا منقول، والحمد لله الذي لم يجعل بيان الحق بزخارف اللسان، ولكن بالدليل والبرهان، والأخذ بما في القرآن، وأحاديث سيد ولد عدنان. أيها المنار لا تروعنك (وحاشاك) ثراثر الجهلة والحسدة، ولا تهمنك وأنت الليث هماهم السفلة والقردة، فتالله ما أوضح منار الحق لرائديه، وما أرفع أعلامه لوارديه، وما أحلى الرجوع إليه لدى طالبيه، وما أدحضه لحُجة محاربيه، هو الحق والله أجل من أن تخفض أعلامه، أو تخفى أحكامه، أو تحلو لك أيامه، ما فتئت والله مناهجه مسلوكة، وما انفكت نواقضه متروكة، لدى حماة ذمار الشريعة، وحراس حصونها المنيعة، معاذ الله أن يستر شمس الحق ضباب الهذيان، أو يخفي سنا مناره عنا حجاب البهتان، بنفسي أفديك أيها المنار من أن يدنس طاهر ساحتك المدنسون، أو يدلس في واضح أحكامك المدلسون. أيها المنار لك أسوة بالأنبياء والمرسلين، وفي جميع المصلحين، فَادْأَبْ فَلِلْحَقِّ طُلاّب، ولا تعبأْ بفرقتين إحداهما عمشت بصائرها عن رؤية الحق، مذ عميت عليها أنباء العلم، فصارت إذا حدثتها بما صحّ سندُهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم شاغبت، وإذا حدثتك هي بما لا سَنَدَ له عن بعض من تعظمهم طلبَتْ منك الإيمان بالمحالات، فهذه جاهلة ملبس عليها، ثبت التقليد في قلبها. والثانية ثقلت عليها وطأة الحق إذ جاءها، وطفقت تضلل من رام إهداءها، وتذمرت من ورود حق المقال، خوفًا من انثلام اعتقاد أولئك الأنذال، وهذه غير ملومة؛ لأنك جذذت عليها أصول الكُدْيَة، وسددت دونها سبل الفرية، وكسدت بضاعتها الرائجة التي طالما استنزفت بها الأموال، وأضلت بها عقول الجهال، وأنت بالرغم منها حولت الهزل جدًّا، ومددت لها من الضيم بظهور الحق مدًّا. أيها المنار إنني أعتقد كما يعتقد كل منصف، وأدين الله تعالى بأنك أنت الحق الصراح الذي لا يتردد فيه عاقل، ولا يرده إلا متهور جاهل، أو أحمق متجاهل، فويلك آمِنْ أيها الحائد عن السنن القويم، والناظر إلى المنار بعين السخط الذميم، ولا تُبارِ قومًا لا يشق لهم في المعارف غبار، ولا يدرك لعباب علومهم قرار، طالما أزاحوا دَيَاجِيرَ الجهل بشموس المعارف، وأزالوا بقواطع الأدلة هام المجادل المجازف، فارجع البصر، وأنعم النظر في أجزاء المنار الماضية والقادمة، تدرك هناك وصفك ووصفهم، وجراءتك وخوفهم، وأنا أبتهل إلى الله أن يميتني على ما ضمه وشمله منار الحق , ويبعثني عليه إنه بالإجابة جدير , والسلام. ... ... ... ... ... ... ... السيد محمد هاشم بن طاهر ... ... ... ... ... ... ... بجاوا - المالاغ