للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(لائم مليم)
تألم مما كتبناه عن قراء الصحف رجل هضم حقوق المنار سنتين أو ثلاثًا كان
يعد ويمطل، ثم صرح بأنه لا يجوز أخذ قيمة الاشتراك منه؛ لأنه كاتب وأديب ولم
نعرف عن غيره أن تعريف الأديب أو خاصته هضم حقوق خدمة العلم والدين
والآداب. تألم فكان طول ليله يحسو كؤوس المُدام، ويسدد إلينا سهام الملام،
ويحرض سمَّاره (الأدبا) ، على اتباع سنة صاحب اللواء، في معاداة الذين
يسميهم الدخلاء، بأن ينفروا عن المنار وصاحبه؛ لأنه ذكر المصريين في مقال يذكر
فيه معاملة الأمم وأصناف الناس لقراء الصحف فضَّل فيه بعض البلاد على بعض،
وبعض الأصناف على بعض، وقال: إن هذا يعد شتمًا للمصريين.
ونعيد بهذه المناسبة ما كنا كتبناه من قبل، وهو أن أكثر المشتركين في المنار
من أهل الفضل والدين، والكثيرون منهم يدفعون قيمة الاشتراك من غير مطالبة حتى
أنه لا يكاد توجد جريدة أو مجلة منتشرة مثل المنار ليس لها وكلاء إلا في بلدين أو
ثلاثة بلاد. ولم نكتب ما كتبناه تألمًا منهم، ولكن عظة وذكرى، وإنا لنحن المقصرون
إذ تمر السنة بعد السنة ولا نطالب الواحد منهم بشيء. نعم إن فيهم من يمطل
ولكن لا يكاد يوجد فيهم من يهضم إلا تسعة رهط، نحن منهم في شك وعسى أن
يصلح الله حالهم.
***
(جريدة المناظر، إبطالها)
سبق أن نوهنا بهذه الجريدة التي يصدرها في سان باولو (البرازيل) نعوم
أفندي لبكي السوري، وسبق أن افتخرنا بنهضة السوريين المهاجرين إلى أمريكا في
الآداب لأجلها؛ فإننا كنا معجبين بحرية هذا الجريدة وإنصافها وشدة غيرة منشئها
على قومه وحبه لجنسه ولوطنه، وحسن اختياره فيما يكتب وتوخيه النفع فيه. ومن
دلائل طفولية الشعوب الشرقية (حاشا اليابان) أن يضطر صاحب هذه الجريدة
النافعة إلى إبطالها بعد جهاد بضع سنين. أقول الحق ولا أستحي من رصفائي
الفضلاء: إنه إذا صح الاستدلال بفحوى الكلام ولحنه على قصد المتكلم وغرضه،
فإن صاحب المناظر في مقدمة المخلصين في قصدهم الذين يقدمون نفع قومهم حتى
على مصلحة أنفسهم. ويظهر أن أكثر قراء العربية هناك يجهلون أقدار أهل الإخلاص
وأصحاب الوجدان الشريف، ولا همّ لهم من الجرائد إلا أن يتلذذوا بمدح أنفسهم أو ذم
أعدائهم.
كتب صاحب المناظر نشرة يودع بها الصحافة ووزعها على قراء جريدته.
قال في أولها: (غدًا تنضب دمعة وتذرف دمعة، تنضب دمعة هذا القلم، وتذرف
دمعة هذا الكاتب، غدًا يودع الصاحبان بعضهما بعضًا، لا يرجوان التقاءً حيث
اجتمعا على مكتب الصحافة) وأقول: إن كل ذي شعور بقيمة أهل الوجدان الشريف
يشارك هذا الكاتب في ذرف الدموع، ولكن ما أقل الذين يشعرون!
وقال: إنه دخل باب الصحافة لثلاثة أغراض: مقاومة فساد الأمة حيث الكلمة
حرة، وترقية المهاجرين السوريين، وتمكين علاقتهم بوطنهم لئلا تبتلعهم الأمة
التي هاجروا إليها. وأنا أعتقد أنه صادق في دعواه وأحترم أغراضه، وأحترمه على
البُعد؛ لأني أعتقد أنه يريد نفع الناس، ولكن أكثر رجالنا كالأطفال يحبون من يسعى
في لذتهم، لا من يسعى في منفعتهم، ولقد كان يجل كل كلام جليل نافع للناس، وإن
لم يكونوا ممن أنشأ لهم جريدته. ومن آية هذا أنه كان ينقل عن المنار مثل مباحث
جمعية أم القرى ومقالات (الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية) نعم إنه نشر
ردًّا لبعض الكتاب على الثانية في شيء من التحامل، ولكن لا أقول إنه هو كان
متحاملاً.
وقال في سبب إبطال الصحيفة: إنه كان يعلم أن من يكتب لتلك الأغراض لا
يكون موضوعًا للإقبال، ولكنه لم يكن يحسب أنه يهمل ويقاوم حتى يعجز عن النفقة
عليها؛ لأنه يقصر في مدح الذين يتجنسون بغير جنسيتهم (السورية) وفي ذكر
حركات المشتركين، وتقلبهم في البلاد. وقد لقي ما لم يكن في الحسبان.
وبالجملة: إن إبطال هذه الجريدة خسارة على السوريين لا عوض عنها،
فعسى أن يوجد من أهل الغيرة والنجدة من يسعى في إعادتها من حيث يجدّون في
مساعدتها.
***
(كتاب دلائل الإعجاز)
نشرنا نموذجًا من هذا الكتاب الجليل في البلاغة بالحروف والهوامش التي
نطبعه فيها ومنه يرى القراء أن المطبعة قد استكملت أنواع الحروف حتى الشكل،
وصارت مستعدة لطبع الكتب وغيرها. أما الاشتراك في الكتاب فهو ١٥ على كبره
وحسن ورقه وطبعه، وسيكون ثمنه بعد تمام الطبعة عشرين قرشًا.

***
(كيفية جمع إعانة سكة حديد الحجاز)
أخبرَنا شاهدا عدلٍ أن أحد مختاري القرى في سوريا جمع من كل رجل من
قريته ريالاً للإعانة، ولكنه لم يدفع مما جمعه إلا نحو ثلثيه، فإذا كان المتصرف
يأخذ ثلث الباقي أيضًا ويرسل إلى الولاية ثلثيه، وكان الوالي يفعل هكذا فيما يرسله
إلى الآستانة فإن الذي يبقى للآستانة نحو الخمس، حتى كأن المال غنيمة لا يصل إلى
بيت المال منه إلا خُمسه. والسبب في وقوع هذه الخيانة من مثل ذلك المختار -
الذي لا ذمة له ولا أمانة - هو عدم نشر كل ما يدفعه الناس هناك في الجرائد، وعدم
طبع وصولات مسلسلة الأعداد يحاسب بها الجامعون للإعانة. فعسى أن تتنبه
الحكومة العثمانية في جميع الولايات لتلافي ذلك، وأن تأمر بإصدار صحف تابعة
للجرائد الرسمية في كل ولاية يبين فيها كل ما يدفعه الناس، وترسل كل صحيفة إلى
الجهة التي ذكر أسماء أهلها فيها. وأن لا يجمع شيء من الإعانة التي يأمر بها
السلطان أخيرًا إلا بوصولات مختومة مسلسلة الأعداد.
هذا وقد كثر الذين يجمعون الإعانة في هذه البلاد، ومنهم من لا يوثق بأمانته
فيجب على كل أحد أن يحتاط فيما يتبرع به فلا يضعه إلا في يد أمين كإدارة المؤيد
في مصر، واللجنة الكبرى التي يرأسها أحمد باشا المنشاوي في الغربية.