قد كان بدء خروج فيصل الدويش على ملكه وإمامه اعتداؤه على نجد بغزو القبائل والسلب والنهب كدأب قبائل الأعراب في كل حياتهم البدوية، وكان كثير من الناس يظنون أن ذلك العدوان بإيعاز خفي من الملك عبد العزيز وإن أنكره وتنصل منه في الظاهر، ثم ظهرت الحقيقة فكانت عاقبة نجاح الملك في تأديب الخارجين وما خسره في ذلك من المال، وما أدت إليه الفتنة من سفك الدماء النجدية من الجانبين - حجة حسية قطعية على حسن نية الملك عبد العزيز ورغبته في الاتفاق وحسن الجوار بين الممالك العربية ولا سيما العراق، وبذل السعي من قبله وقبل الحكومة العراقية، في أثناء وجوده بقرب الحدود لعقد مؤتمر عربي يضع قواعد لهذا الاتفاق، وأوعزت الحكومة البريطانية إلى ممثليها في العراق والخليج الفارسي أن يدخلوا في ذلك، وأن يجتمع ملك الحجاز ونجد وملك العراق ويعقدا رابطة الاتفاق بحضرتهم، بل في بارجة بريطانية حتى لا يفوتهم شيء مما يجري بينهما، بل يكون كل شيء بموافقتها وكذلك كان، فالتقى الملكان العربيان في بارجة إنكليزية في ثغر الكويت فتعانقا وتبادلا عبارات الود والأخوة، واجتمع رجالهما فوضعا بمراجعتها مواد مكتوبة لتكون أساسًا لكتابة معاهدة رسمية بين الحكومتين مبنية على اعتراف كل منها بالأخرى، وتبادل المفوضين الرسميين بينهما، ومنع تعدي قبائل كل منهما على الأخرى، وتبادل تسليم المجرمين، وتنقل العشائر، وحل ما يقع من المشكلات على الحدود بالتحكيم، وأما المشكلة الكبرى ومنشأ كل خلاف وتنازع بينهما وهو ما بنته حكومة العراق من المخافر أو المعاقل العسكرية في المنطقة المختلف عليها بين العراق ونجد، فقد تقرر إرجاؤها ستة أشهر لتأليف لجنة تحكيم من الفريقين يكون حكمها فيه قطعيًّا يقبله كل منهما، إن لم يتفق كل منهما فيه بالمفاوضة، وقد سرَّ جميع زعماء الأمة العربية وأهل الرأي فيها ومحبيها من غيرها هذا الاتفاق، وكانوا يودون أن لا يكون للأجنبي شأن في ذلك؛ ولكن هذا فوق الإمكان.