للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أيها المسلم

إن كنت تترك الصوم لارتيابك في أصل الدين فمصيبتك أعظم المصائب
ومرضك أقتل الأمراض، ويجب عليك بحكم العقل -إن كنت تعقل - أن تبحث قبل
كل شيء عن علاج الكفر الذي كمُن في قلبك بسبب الجهل. سل العلماء العقلاء عن
الشُّبه التي عنَّت لك فأوقعتك في الريب، ويسهل عليك أن تورد السؤال مورد البحث
والاستفهام من غير تظاهر بأن الشبهة متمكنة من نفسك، وإذا كانت شبهتك جائية
من الفنون الطبيعية، فإياك أن تسأل عنها من لا وقوف له على تلك الفنون، فإنه
يزيدك مرضًا ولا يصيب منك غرضًا. وإذا كان يصعب عليك قصد العلماء أو
الظهور بالسؤال فاكتب إلى إدارة هذه الجريدة، ولك الخيار في التصريح باسمك
وعدمه، إلا إذا كنت تحب أن يكون الجواب خالصًا لك من دون الناس لأمر ما.
هذا هو الاحتياط، والعلم لا يعطيك إلا نورًا، والسكوت قد يكون سبب هلاكك
الأبدي.
قال المنجم والطبيب كلاهما ... لا تُبعثُ الأموات، قلت إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر ... أو صح قولي فالخسار عليكما
وإن كنت تترك الصوم مغلوبًا للشهوة البهيمية، فعليك أن تعالج نفسك لتكون
إنسانًا يغلب شهوته، لا حيوانًا لا يحول بينه وبين شهوته إلا العجز عن تناولها،
يساعدك على هذا تصور فوائد الصوم الرياضية، من تجفيف الرطوبات البدنية،
وإفناء المواد الرسوبية التي تكون من آثار الطعام (هكذا سماها الرئيس ابن سينا
الحكيم الشهير) وقد يتولد منها أمراض. وتصور الفوائد الأدبية التي أشرنا إليها في
العدد الماضي، مع تذكر ما أعد الله تعالى للصائمين من الأجر، وما على تاركي
الصوم من الوزر والإصْر وأنت مؤمن بكل هذا.
(كلمة أخرى) : وإذا أعيتك الحيلة في شهوتك واخترت أن لا يكون لك تفوق
على القرد والخنزير اللذين لا يصبران عن شهوة الأكل والوقاع متى عرضت لهما،
فاستتر بحجاب، فإن معصية العلانية أشد وأقبح من معصية السر؛ لأن في العلانية
هتك الحرمة وعدم المبالاة بالدين وآدابه، وإيناس الناس بالرذيلة وتجريئهم على
ارتكاب المنكرات واجتراح السيئات، فتحمل بذلك أوزارهم مع أوزارك، وليكن
احتجابك على أشده على ولدك وأهلك، لكيلا تفسد أخلاقهم وتسيء تربيتهم،
فينشأون عبيد الشهوات وحلفاء الإسراف وأولياء الشيطان.
بالتربية الحسنة تسعد العائلات والأمم، ومدار التربية على الاقتداء، والرجل
قدوة المرأة، والآباء والأمهات هم الأسى (جمع أسوة بمعنى القدوة) التي تأتسي بها
الأبناء، والدين هو المرشد الأمين والنور المبين، فمتى ضل عن نهجه الآباء لحقه
الأمهات، إما مشايعة ومتابعة وإما إقرارًا وسكوتا، فكيف يكون مع هذا حال الأبناء
والبنات؟ ليل بهيم، وفساد عظيم، فلا تكونوا معاشر المسلمين أعوانًا للشياطين
على أبنائكم وأنصارًا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} (التحريم:
٦) .