للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مبرة الدمرداش باشا الكبرى
في الأسبوع الأخير من شهر صفر ثاني شهور هذا العام نوَّهت الصحف
اليومية بما كتبه صاحب السعادة الشيخ عبد الرحيم باشا ابن مصطفى الدمرداش
المثري الشهير إلى الحكومة من تبرعه هو وزوجته الكريمة وكريمته قوت القلوب
هانم بقطعة من الأرض في حي الدمرداش المشهور بجانب شارع الملكة نازلي من
جهة العباسية لأجل أن يُبْنَى فيه مستشفى، وبمبلغ ستين ألف جنيه مصري تستغلها
الحكومة لصرف غلتها السنوية على المستشفى على أن تقوم هي بباقي النفقة إذا لم
تكف هذه الغلة لها.
واشترط في وقف هذا المستشفى أن يكون عامًّا لجميع الأمراض غير المعدية،
وأن يقبل فيه جميع المرضى الفقراء مجانًا على اختلاف جنسياتهم وديانتهم، وأن
يبنى بفنائه مسجد لأداء فريضة الصلوات ويجعل بجانبه ثلاثة ضرائح لدفن
المتبرعين فيها بعد وفاتهم، وأن يقام داخل المستشفى تمثال نصفي لحضرة
صاحب السعادة عبد الرحيم باشا الدمرداش وأن يحتفل سنويًّا بذكرى سعادته في
اليوم الذي يوافق تاريخ الاحتفال بافتتاح المستشفى.
وقد قرَّر مجلس الوزراء في ٢٨ صفر الموافق ١٤ أغسطس قبول ذلك وشكر
سعادته وأسرته على هذه الهبة الجليلة.
ثم قامت مصلحة المباني الأميرية بتجهيز مشروع البناء وتم ذلك وشرع فعلاً
في التنفيذ وتبلغ مساحة الأرض التي سيقام عليها المستشفى ١٢. ٤٠٠ متر مسطح
تقريبًا، ويتكون المشروع من مستشفى يسع حوالي ٩٠ سريرًا، وسيحتوي
المستشفى على الأقسام الآتية:
(١) الإدارة مع سكن للطبيب المقيم ورئيسة للممرضات بالدور الأول.
(٢) عنبران للمرضى: أحدهما بالدور الأرضي ويخصص للرجال والآخر
بالدور الأول، ويخصص للنساء ويشمل الأخير قسمًا للولادة.
(٣) قسم العمليات يكون فيه غرفة لأشعة إكس.
(٤) قسم للعيادة الخارجية.
(٥) قسم للمطابخ.
(٦) قسم للمغسل.
(٧) قسم للمشرحة.
(٨) قسم للعزل.
(٩) المسجد والمقابر.
وسيكون البناء بحجر الدبش المبيض مع أحزمة من الطوب وميول مغطاة
بالقراميت تكون كرنيشًا بالوجهات العمومية.
الشيخ عبد الرحيم باشا الدمرداش هذا هو شيخ الطريقة الدمرداشية المشهورة،
وكان من أصدقاء شيخنا الأستاذ الإمام وأنصاره وقد عرفناه وعرفنا منذ جئنا
مصر باتصالنا بالأستاذ الإمام والعمل معه في سبيل الإصلاح، وكان من أول
المشتركين في المنار.
قد سبق جميع الذين كانوا يقيمون الموالد المعروفة إلى منع الفسق والفجور
من احتفالاتها بمنعه ذلك من مولد الدمرداش الكبير المشهور بلقب (المحمدي)
ونوَّهنا بعمله هذا في العدد ٤٢ من سنة المنار الأولى الذي صدر في ٢٤ شعبان
سنة ١٣١٦ (٧ يناير ١٨٩٩) تحت عنوان (وميض لمع في ظلمات بدع) ويجد
القارئ ذلك في ص ٨٢٨، ٨٢٩ من الطبعة الثانية للمجلد الأول.
ومما قلناه في ذلك: وعسى أن يكون الأستاذ الفاضل الشيخ عبد الرحيم خير
قدوة لهم (أي أهل الطريق) في تطهير الطريق من كل البدع، وتحريره على
السنة السنية ولو بالتدريج إلخ.
ونقول الآن: عسى أن يكون قدوة للأغنياء في المبرات والأعمال النافعة
للناس، ونقترح عليه أن يجعل المقابر الثلاث التي ستُبْنَى موافقة لأحكام الشريعة بأن
تكون بمعزل عن المسجد وأن لا يجعل لها مصابيح توقد فيها لما ورد في الأحاديث
الصحيحة من لعن الذين يبنون المساجد على القبور والذين يوقدون عليها السُّرُج،
ونسأله تعالى أن يطيل أعمارهم ويوفقهم لغير ذلك من المبرات، ولا سيما نشر
العلم والإصلاح الديني.