للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: صالح خمور العلوي الحضرمي


العلويون في أوغندة والمنار

جاءتنا هذه الرسالة مع كتاب خاص من حضرة صاحب الإمضاء:
من أوغندة ميالة في ذي القعدة سنة١٣٤٩ الموافق ٢٥ مارس سنة ١٩٣١.
مجلة المنار هي المجلة الوحيدة التي انفردت دون سواها من المجلات
والجرائد لخدمة دين الإسلام والمسلمين، وصاحبها هو العالم الفذ الذي كرس كل
حياته في هاته الوظيفة السامية، وما انفك - أيده الله وأطال بقاءه - منذ أنشأ مجلته
(المنار) وهو يكافح المبشرين تارة، والملحدين من المجددين أخرى، وتارة نراه
شاهرًا قلمَه في وجوه المبتدعة من غلاة الروافض والخوارج، والمتمشيخين من
دجاجلة التصوف الكاذب، وعبَدَة القبور أو معظِّميها. ولا يعرف قدر ما يبذله من
الخدمات العمومية إلا مَن وجدت عنده مجموعة صالحة من أجزاء المنار ومصنَّفات
صاحبه، وأمكنه مطالعة ذلك بإمعان وتدقيق، وتروٍّ وتحقيق، ومنها يعرف قدر ما
له من الفضل في دين الإسلام على المسلمين.
امتاز صاحب المنار على أقرانه من العلماء الأعلام بخدمته الجليلة، ومواقفه
الشهيرة في كل موطن من مواطن الجهاد، وناهيك بفتاويه القيِّمة، وردوده المؤيَّدة
بالحجة والبرهان (بمناره الأغر) ومباحثه الطلية المفيدة وتفسيره المشهور، ولو لم
يكن له من المصنفات غيره لكفاه فخرًا في الدنيا والدين، وذخرًا يوم يلقى رب
العالمين.
مما لا شك فيه أن الأقطار الإسلامية وغيرها لا تخلو من العلماء العظام،
والفطاحل الأعلام، وأنه قد يوجد فيهم مَن يداني صاحب المنار أو يوازنه في العلم بيد أننا نجده قد فاق الكل في الناحية العملية، وقد وجدنا فيه كل ما فيهم من العلم
والفضل، ولم نجد فيهم بعض ما فيه من تكلُّفه المشاقّ، وحمل ما لا يطاق،
ومواصلة الليل بالنهار بحثًا وتحقيقًا وكتابةً ونشرًا وتأليفًا، في كل شأن له تعلق
ومساس بالدين.
... ليس على الله بمُسْتَنْكَرٍ ... أن يجمع العالم في واحد
حقًّا لقد امتاز عليهم بصفات كثيرة أهمها وأعظمها كما قدمنا آنفًا: غيرته على
الدين، ويليها شجاعته الأدبية وعفة نفسه، وتواضعه مع علو قدره، وها نحن نراه
اليوم قد سلخ من عمره - أطاله الله - ثلاثة عقود ونصفًا من السنين مكافحًا ومنافحًا
- بمناره الأغر - عن دين الإسلام، ولم نره يومًا ما وضع قلمه تحت إرادة حزب
معين، أو طائفة مخصوصة، أو حكومة جائرة، وهكذا دأب المخلصين من
المجاهدين المؤمنين.
وقد غلا وافترى من قال: إنه من حين ظهور الملك ابن السعود على مسرح
السياسة ما زال في خدمته لأغراض مادية صرفة، وإنه (أي الملك ابن السعود)
بذل له من المال كذا وكذا عوضًا عن خدمته {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} (النور: ١٦) . ...
إننا ننزه الاثنين من أن يتواطآ على مثل هاته الفعلة، وحاشاهما من ذلك، وقد
أراد المفتري بقوله هذا أن يذم فمدح، وأن يفضح فافتضح، وما على صاحب
المنار من غضاضة أو عار إذا أيده الملك ابن السعود، فتأييده إياه هو - والحق
يقال - في نظر المنصفين من المسلمين عين الخطة التي رسمها صاحب المنار
لنفسه، وهي نصرة دين الإسلام وتأييده، ولا شك أن ابن السعود أعظم أنصار هذا
الدين نصره الله وأيده. وقد أيد قبله الملك حسين بن علي حيث كان يؤمل فيه
المصلحة العامة للإسلام والمسلمين حتى بان له غلطه فانتقده في ذلك وبذل له
النصح.
* ولم يتبين الرشد إلا ضحى الغد *
وهكذا نراه اليوم قائمًا بجانب الملك ابن السعود فإذا حاد لا سمح الله عن النهج
القويم والطريقة المثلى فبلا شك أنه (أي صاحب المنار) لا يذره وشأنه، بل
يعرِّفه بخطئه، ويفعل معه مثل ما فعل مع الملك الحسين بن علي [*] .
هاته هي عقيدتنا وعقيدة السواد الأعظم من المسلمين في شرق الأرض
وغربها (في صاحب المنار) ولا عبرة بمن يشذ من المنافقين والملحدين والدجالين
المتاجرين بالدين، والمضللين لطغام المسلمين.
وليثق صاحب المنار أننا عرب هذا القطر (أوغندة) وأهاليه من إخوان
المؤمنين، وأنصاره المخلصين، الذين يقدرونه قدره، ويوفونه حقه من الإجلال
والإكبار والاحترام، ومن المقتفين أثره في العقيدة، وهديه في الدين، بيد أننا معشر
العلويين المقيمين بهذا القطر لا نرى بأسًا إذا شكوناه (أي صاحب المنار) إلى
نفسه بسبب الرسالة التي بعث بها إليه من جاوة أخونا في الدين عبد الله منصور
الجاوي ونشرها في المنار في الجزء الثامن من المجلد السابع والعشرين في صحيفة
٦٠٤ وجاء فيها ما نراه ماسًّا بكرامتنا وشرفنا وعقيدتنا، والمنار كما يعلم الخاص
والعام - قد انتشر في أنحاء المعمورة انتشارًا هائلاً ونال صاحبه ثقة الجمهور لا
سيما فيما يتعلق بالدين، فهو فيه إمام الأنام، وخادم المقام، ويقرؤه العالم والجاهل
والمطلع على أحوال العلويين وغير المطلع فيتخذ نشر المنار لها (أي الرسالة)
كقضية مسلَّمة، وحجة ثابتة لزامًا على العلويين البريئين مما يجري هناك ... (بجاوة) بين بعض إخوانهم العلويين والإرشاديين من سفاسف الأقوال والأفعال.
إننا معشر العلويين المقيمين هنا بإفريقية الشرقية - أسوة لسائر إخواننا بكل
قطر ومصر - ننكر ونستهجن ككل ذي وجدان حي ما يبلغنا من حين إلى آخر من
التشاجر والتناحر والتنابز بالألقاب، والطعن في الأنساب، ومن كل فعل شائن بين
الطائفتين بجاوة أو غيرها، كما أننا نبرأ إلى الله ككل ذي عاطفة دينية وغير عربية
مما ينشره أصحاب المقاصد والأغراض في جريدة (حضرموت) أو غيرها من
الجرائد في حق الملك ابن السعود من الكلام الذي نرى فيه عدوانًا صريحًا أو تلميحًا
في حقه.
إن كثيرًا من ضعفاء النفوس وأرباب الأغراض السافلة ينشرون ويذيعون
أخبارًا عارية عن الصحة يُفهم منها أن العلويين غير راضين عن الملك ابن السعود
وسلطانه، وأنهم ناقمون عليه ويناصبونه العداء لأنه على غير مذهبهم، ومشربه
على غير مشربهم، إلى غير ذلك من لغو القول وهذره؛ ليدخلوا على أنفسهم
الضعيفة شيئًا من السرور وليحطوا - بظنهم - من قَدْر العلويين شيئًا وأنَّى لهم ذلك؟ !
... أنفق بطانك يا جرير فإنما ... مَنَّتك نفسُك في الخلاء محالاً
والعلويون أجل قدرًا من كل ما يتوهم هؤلاء المساعير، وما بينهم وبين الملك
ابن السعود غير السلام والوئام والاحترام، التي ظهرت آثارها من جانب الملك ابن
السعود في حق مَن وصل إلى مكة من أعيان العلويين وسراتهم، فقد لقوا من جلالته
(أيده الله) فوق ما يتوقعونه من الإجلال والإكبار، حتى أنهم رجعوا إلى أوطانهم
وألسنتهم رطبة بحمده وشكره والثناء عليه، لما شاهدوه هناك من صنوف الحفاوة
بهم وبغيرهم من الناس، والعدل والأمان، ووسائل الراحة لسائر الرعية أفبعد ذلك
يأتي {هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} (القلم: ١١) ويقول عن العلويين غير ما هم متصفون
به؟ ! {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج:
٤٦) .
إن علماء العلويين وأعيانهم والسواد الأعظم منهم قد رسموا لأنفسهم خطة
الحياد من كل أمر من شأنه تكدير العلائق الودية، وتحريك العواطف الدينية بينهم
وبين إخوانهم المسلمين، وقد عرفوا مسألة المتنازعين بجاوة، فرأوها مسألة هزلية
صرفًا أوجدها أصحاب المقاصد والأغراض والمطامع الأشعبية ليصطادوا في الماء
العكر فغشوا سذج العوام الحضارمة فاتبعوهم وهم لا يعلمون عن المسألة فتيلاً ولا
نقيرًا.
ومَن فهم منهم شيئًا حببوا إليه الظهور الكاذب، والفخر المزيف، فيغتر بهذا
ويتوهم أنه قد حاز علوم الأولين والآخرين.
... أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا يا سعد تورد الإبل
ربما يعترض معترض ويقول لي: فكيف بك وقد ألزمت نفسك أنت وغيرك
من إخوانك في البلدين في هذه المسألة خطة (الحياد) ثم نراك تأتي اليوم وتبعث
المسألة من جديد؟ !
فأقول له: إن ظهور هاته المسألة هو من نحو عشرين عامًا تقريبًا ولم أنبس
فيها أنا ولا غيري ببنت شفة، حتى ظهرت لنا رسالة أخينا عبد السميع منصور
الجاوي ونشر في أعزّ مجلة علينا (المنار) فعظم علينا ذلك وعلمنا أن الحالة غير
مرضية، وأنها قد دخلت في طور جديد بدخول بعض إخواننا الجاويين، فجئنا بكلمتنا
هاته إلى المنار على سبيل الشكاية منه وإليه، والنصح لإخواننا الكرام الجاويين.
إننا ننصح لأخينا في الدين عبد السميع منصور - إن كان هناك شخص يُدعَى
بهذا الاسم - خصوصًا ولإخواننا الجاويين عمومًا فنقول له ولهم: ما لكم والدخول
في هذه المسألة المشئومة التي تشتت بسببها شمل الحضارمة هناك، وأضحوا شذر
مذر، لا يُوقَّر كبير لكبره، ولا يُرحَم صغير لصغره، في زمن ومحل هم أحوج
الخلق فيهما إلى التعاون والتعاضد تبعًا لأوامر دينهم القويم، ورسولهم الكريم، ولما
تقتضيه الظروف الزمانية، والمنطق الصحيح لو كانوا يعقلون.
أيها الإخوان: خلوا الحضارمة وشأنهم ما داموا يمثلون هاته المسألة المحزنة
والرواية الهزلية، واسمعوا ما نشره عالمهم الأشهر، وزعيمهم الأكبر، السيد
العلامة عبد الرحمن بن عبيد الله بجريدة الشورى الغراء بالعدد المؤرخ ١٤ شوال
من درر النصائح الغالية التي هي أحرى بالاتباع وأولى أن تكتبوها على صفحات
قلوبكم بماء الذهب، وتضعوها في أعز ما تضعون فيه نفائس أموالكم كذخيرة
لأحفادكم.
أيها الإخوان الكرام: إن دخولكم في هذه المسألة يزيدها إعضالاً وتعقيدًا
وتتسع دائرة الشقاق بين الفريقين، وتدخل في طور جديد من التكيف والتلون وبه
يجد الغاصب القاعد لكم بالمرصاد مدخلاً بين صفوفكم فيثبت تقدمه (بأندونيسية)
الفتية التي تتجاوز اليوم عقبات كأداء لاستقلالها المطلوب، بلَّغها الله إياه.
أيها الإخوان الكرام: إننا - والله - لا نخاف ضيرًا عليكم ولا على وطنكم
المحبَّب إلينا وإليكم، ومازالت المسألة مقتصرة على مَنْ أوجدوها من الحضارمة؛
لأنهم أقلية وصوتها غير مسموع، لكننا نخشى ونخاف دخولكم فيها، فيتفاقم الأمر
وتندمون ولات ساعة مندم.
يا عبد السميع: هاته نصيحتنا لكم ولقومكم الكرام فإن تلقيتموها بالقبول -
ومثلكم مَن يفعل - كنا لكم من الشاكرين الحامدين، وإن أبيتم قبولها (وهو ما لا
نرضاه) ولكن قد يستفيد الظنة المتنصح - فنقول لك ولإخوانك: إن عقلاء العلويين
وذوي الفضل من السواد الأعظم منهم لا قدرة لهم على النزول إلى الميدان الذي
تدعونهم إليه، لعلمهم أن الغالب به أظلم من المغلوب كما جاء في الحديث ولعلمهم
أيضًا أن السب والشتم والمهاترة في العرض، والمشاجرة في الأنساب - هي أسلحة
لا يحملها إلا كل وغد جبان، قد قصر باعه في العلم؛ فضعف مزاجه في الدين،
وخارت عزيمته في العمل، وإنه من سقط المتاع.
يا عبد السميع: لو أنه تكلم غيرك من العرب الإرشاديين أو غيرهم بما
تكلمت به على العلويين في رسالتك لكان الأمر في غاية السهولة والبساطة، ولكان
جوابه من كل علوي فاضل السكوت الدال على الإهمال؛ لأنه قد سمع منهم ما هو
أعظم من ذلك.
يا عبد السميع: إن العلويين في شرق الأرض وغربها يعيشون مع إخوانهم
في الدين والإنسانية على اختلاف مشاربهم في سلام ووئام واحترام، وإخاء إسلامي
وإنساني بكل شأن من الشؤون الدينية والدنيوية، وإنهم ما زالوا ولن يزالوا - إن
شاء الله - سائرين على الخطة التي رسموها لأنفسهم لخدمة الإسلام والمسلمين،
والقيام بالشعائر الدينية بمعاونة أُولِي الفضل منهم والسعة، ونشر الدعوة المحمدية
لكل قطر ومصر، والصبر واحتمال كل ما يصل إليهم من أذى، والمرور على لغو
القول وهذره مر الكرام.
يا عبد السميع: إن المعتقدات التي ذكرتها في رسالتك ونسبتها اليوم إلى
زنوج الكنغو (أو أوغندة هنا) كذبك الحس وشواهد الحال، فكيف بك وقد نسبتها
اليوم - إرضاءً لإخوانك الإرشاديين وتزلفًا لديهم - إلى آل الرسول، وأبناء البتول
الذين تلقيت أنت وأجدادك الكرام رحمهم الله تعاليم دينكم القويم وعقائده الصحيحة
عنهم؟ ! أفيحسن بك بعد هذا أن تأتي اليوم وتنسب إليهم ما هم برآء منه ومما
تعملون؟
عبد السميع: إننا نقول لك ولغيرك من المفترين علينا - بغير ما سبب نعلمه
غير مفتخرين عليكم ولكن نعمة الله نتحدث بها - إن للعلويين الذين بدأت أنت
دون سواك من الجاويين بالحط من شأنهم - لهم على سكان أهالي الهند الهولندية
وإفريقية الشرقية من الفضل، بقدر ما لهم عند الله من الأجر، فإن أنكر جاحد أو
غضب غاضب قلنا له:
يا مرسل الريح جنوبًا وصبا ... إن غضبت قيس فزدها غضبا
يا عبد السميع: إن ما ذكرت برسالتك من العقائد الفاسدة، والخرافات الباردة
- فإنه غير ممكن قبوله اليوم ولا بعد اليوم. وقد تنورت العقول وتفتقت الأذهان،
وتفتحت العيون، وبان الصبح لذي عينين. وإن ما أمكن وقوعه في القرن الثاني
عشر لا يمكن وقوعه اليوم وقد انتشر المنار الأغر في أنحاء المعمورة، وتغلغل في
خلال الأقطار الإسلامية، فجلى الأبصار والبصائر من الأوهام والخرافات.
يا عبد السميع: إننا أصبحنا في عصر لا نخاف فيه من تعظيم عليّ أو غيره
تعظيم ربوبية، فإن الناس قد انقلب حالهم إلى تفرنج وزندقة وإلحاد، وسقطت
كرامة الصالحين من نفوسهم وتمردوا على الدين وأهله، فضلاً عن الغلو في
الصالحين بل إننا نشكو اليوم من أقوام بدؤوا يهاجمون مقام النبوة ويحطون من
قدرها. وغلا آخرون ومالوا إلى التعطيل والإلحاد وهذا صاحب المنار - أطال الله
بقاءه - نراه اليوم بمصر يقاسي منهم عرق القربة وقد ثبت لهم في الميدان حتى
أرجعهم مدحورين مذؤومين {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ} (الروم: ٤٧) .
... ... ... ... ... الشريف صالح خمور العلوي الحضرمي
(المنار)
نشرنا هذه الرسالة برمتها بعد إقفالنا باب هذه المسألة وذيولها لما آنسناه فيها
من الإخلاص في النية والاعتدال في الرأي والوقوف على الحقائق إلا شدة النكير
على عبد السميع الجاوي الذي يشك في وجوده، فقد اتهمه بأنه يعني بما كتبه جميع
العلويين في الدنيا وهذا غير معقول.
وقد جاءتنا رسائل أخرى من جاوة وغيرها تؤيد رأي الشيخ عبد السميع فلم
ننشر منها شيئًا؛ لأنها تذكي نار الشقاق ونحن نود إطفاءها ويجيئنا رسائل أخرى من
جزائر أندونيسيا وغيرها يشكو فيها دعاة الإصلاح ومقاومو الخرافات من بعض
العلويين المقاومين للإصلاح وأنهم يطعنون على المنار لدعوته إلى التمسك بالكتاب
والسنة وهدي السلف الصالح واجتناب البدع والخرافات التي يعيشونها، وهم الذين
يذيعون أن صاحب المنار خصم للعلويين وهم يعلمون أنه علوي حُسيني الأب
حسَني الأم، وجميع أهل السنة والجماعة من العلويين وغيرهم أنصار له، ويوجد
في الشيعة المعتدلين منهم ومن غيرهم مَن يعترف له بأنه قد سعى أفضل السعي
لخير خطة ترفع قدر العلويين، وتجعلهم الأئمة الوارثين، وزعماء الإسلام في
مصالح الدنيا والدين، والحمد لله رب العالمين.
وقد اتهمنا بعض الخائضين في مسألة التنازع والتخاصم بين العلويين
والإرشاديين بأننا نصرنا الفريق الثاني وهي تهمة باطلة لا ندري سببها. وقد كنت
أنا الواضع الأول للكتاب الذي نشرته جمعية الرابطة الشرقية للإصلاح بينهما وإن
أبغض شيء إلينا - بعد الكفر والنفاق في الدين - جريمة التنازع والتفرق بين
المسلمين.
وقد عزز صاحب الرسالة ما كتبه فيها بكتاب خاص لنا فيه فوائد عن مسلمي
أوغندة يسر بعضها ويسوء بعض. ومما قاله في كتابه بعد تأكيد الرجاء علينا بنشر
الرسالة لأسباب ثلاثة تعلم من غضونها الاستطراد الآتي:
استطراد إلى صاحب الفضيلة
حالة العرب والهنود من المسلمين غير مرضية هنا ولا سيما من الجهة الدينية
لأسباب ليس هنا محل شرحها ولكن مما يبعث على الارتياح الكثير حالة الأهالي
فإنهم والحق يقال راغبون كثيرًا في الدخول إلى دين الإسلام، وقد كفونا مؤنة
التبشير؛ إذ قام بعضهم يدعو البعض الآخر إلى الدخول في دين الإسلام.
والمبشرون (بالنصرانية) بهذا القطر كل يوم في ازدياد وناهيك بنفوذ
سلطانهم وكثرة أموالهم الواردة عليهم من كل الجهات غير أنهم مع كثرتهم وقوة
شكيمتهم ما فازوا بأكثر مما فاز به الإسلام، بل إنه قد فاقهم في كثير من المواضع
لا سيما الأماكن يقطنها العرب، فالإسلام في انتشار عظيم فيها كمثل (كمبلا)
عاصمة الأوغندة (وجنجة) وميالة ونواحيهن.
وقد بدأت الكراهة تظهر من الأهالي للأوربيين لأسباب كثيرة أهمها أنهم -
أي الأهالي - فهموا روح الدين الحق وأحسوا بكابوس الظلم الملقَى عليهم من
المستعمرين وهو مما يستفيد منه المسلمون.
وهنا نطلب من فضيلتكم إرسال ثلاث نسخ من كتابكم اللطيف الذي صنفتموه
وغاب عن ذهني الآن اسمه (لأني بمحل غير الذي أنا مقيم فيه) في حقيقة
الدين الإسلامي وتعاليمه وهو كما ذكرتم في الإعلان عنه مختصر ومفيد (يعني
خلاصة السيرة المحمدية..) وهذا الكتاب قصدنا أن نترجمه إلى اللغة السواحلية لأنها
هي المنتشرة هنا ونكتبه بحروف إفرنجية؛ لأن الكتابة العربية غير منتشرة ولا
يعرفها من الأهالي غير آحاد لا يعتد بهم، والفائدة من ترجمته للسواحلية وكتابته
بالأحرف الإنكليزية إطلاع الأهالي المسيحيين على حقيقة روح الإسلام وتعاليمه؛
لأن المبشرين هنا لا همّ لهم إلا الحط من شأن هذا الدين الكريم وتشويه سمعته في
نظر الأهالي، وإذا جاء هذا الكتاب وترجم إلى اللغة السواحلية وكتب بحروف إفرنجية واطلع عليه الأهالي فلا شك أنه يكون هنا نكبة كبرى على المبشرين،
وسوف ينكشفون وينكشف عوارهم وينهزمون شر هزيمة؛ لأن الأهالي هنا
خالية أنفسهم من التعصب ومتسامحون بعضهم مع بعض من جهة الديانة، ويرون أن
كل شخص منهم حتى الطفل له الحرية التامة في اختيار أي دين كان، وقد تجد
الأسرة المؤلفة من أشخاص مثل الأب وأولاده مثلاً مختلفي الدين فتجده هو على دين
أجداده، وأولاده منهم مسلم، ومنهم مسيحي! والمسيحيون هنا ينقسمون
إلى قسمين: بروتستانت وكاثوليك، وهكذا تجدهم لا يعيرون أحدًا ولا يعتبونه. نعم،
المسلمة هنا لا تتزوج المسيحي، وفي وقت الأعياد تجد كلاًّ منهم يحتفل بعيد الثاني!
وخصوصًا أعياد المسلمين، فيجتمع يوم العيد جمع غفير هناك ويدخل في الإسلام عدد
كثير (أي في يوم العيد) .
لهذا نرجو من ترجمة الكتاب وطبعه فائدة تُذكر إن شاء الله، والباري
يحرسكم، والسلام على المنار وصاحبه وأهل إدارته.
... ... ... ... ... ... ... من المخلص
... ... ... ... ... صالح زيد بك خمور العلوي الحضرمي