للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أبو زبيد الطائي


وصف الأسد
لأبي زبيد الطائي

دخل أبو زبيد الطائي على عثمان بن عفان رضي الله عنه في خلافته فقال له
(أي عثمان) : بلغني أنك تجيد وصف الأسد , فقال له: لقد رأيت منه منظرًا،
وشهدت منه مخبرًا لا يزال ذكره يتجدد على قلبي. قال: هاتِ ما مر على رأسك
منه. قال: خرجت يا أمير المؤمنين في صيَّابة من أفناء قبائل العرب [١] ذوي
شارة حسنة ترتمي بنا المهاري بأكسائها القزوانيات [٢] , ومعنا البغال عليها العبيد
يقودون عتاق الخيل نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام , فاخروَّط [٣] بنا
المسير في حمارة القيظ [٤] حتى إذا عصبت [٥] الأفواه، وذبلت الشفاه، وشالت [٦]
المياه، وأذكت الجوزاء المعزاء [٧] وذاب الصيخد [٨] وصرَّ الجِنْدَب [٩] وضايقت
العصفور الضب في وجاره [١٠] قال قائلنا: أيها الركب غوروا بنا في ضوح [١١]
هذا الوادي؛ فإذا وادٍ كثير الدغل [١٢] دائم الغلل [١٣] شجراؤه مغنة وأطياره مرنة،
فحططنا رحالنا بأصول دوحات كنهبلات [١٤] فأصبنا من فضلات المزاود [١٥]
وأتبعناها بالماء البارد، فإنا لنصف حر يومنا ومماطلته ومطاولته إذ صرّ [١٦]
أقصى الخيل أذنيه، وفحص الأرض بيديه، ثم ما لبث أن جال فحمحم [١٧] وبال
فهمهم [١٨] ثم فعل فعله الذي يليه واحد بعد واحد فتضعضعت الخيل، وتكعكعت
[١٩] الإبل، وتقهقرت البغال. فمِن نافرٍ بشكاله [٢٠] وناهضٍ بعقاله [٢١] فعلمنا أن
قد أُتينا وأنه السبع لا شك فيه، ففزع كل امرئ منا إلى سيفه واستله من جربانه
[٢٢] ثم وقفنا له زردقًا [٢٣] , فأقبل يتظالع [٢٤] في مشيته كأنه مجنوب أو في هجار
[٢٥] لصدره نحيط [٢٦] ولبلاعيمه [٢٧] غطيط، ولطرفه وميض [٢٨] ولأرساغه
نقيض [٢٩] كأنما يخبط هشيمًا [٣٠] أو يطأ صريمًا [٣١] وإذا هامة كالمجن، وخدّ
كالمسن، وعينان سجراوان [٣٢] كأنهما سراجان يقدان [٣٣] , وقصرة ربلة [٣٤]
ولهزمة رهلة [٣٥] وكتد مغبط [٣٦] وزور مفرط [٣٧] وساعد مجدول وعضد مفتول
وكف شثنة البراثن [٣٨] إلى مخالب كالمحاجن [٣٩] , ثم ضرب بذنبه فأرهج [٤٠]
وكشر فأفرج عن أنياب كالمعاول [٤١] ، مصقولة، غير مفلولة، [٤٢] وفم أشدق،
[٤٣] كالغار الأخرق، ثم تمطَّى [٤٤] فأسرع بيديه، وحفز [٤٥] وركيه برجليه، حتى
صار ظله مثليه، ثم أقعى فاقشعرّ [٤٦] ثم مثل فاكفهرّ [٤٧] ثم تجهم فازبأر [٤٨] . فلا
والذي بيته في السماء ما اتقيناه بأول من أخ لنا من بني فزارة، كان ضخم الجزارة
[٤٩] فوهصه [٥٠] ثم أقعصه [٥١] فقضقض متنه [٥٢] وبقر بطنه، فجعل يالغ [٥٣]
في دمه. فذمرت [٥٤] أصحابى فبعد لأي [٥٥] ما استقدموا , فكر مقشعر الزبرة [٥٦]
كأن به شيهمًا حوليا [٥٧] فاختلج [٥٨] من دوني رجلاً أعجر ذا حوايا [٥٩] فنفضه
نفضة فتزايلت أوصاله [٦٠] وانقطعت أوداجه [٦١] , ثم نهم [٦٢] فقرقر، ثم زفر
فبربر [٦٣] ثم زأر فجرجر [٦٤] ثم لحظ، فواللهِ لخِلت البرق يتطاير من تحت جفونه،
عن شماله ويمينه، فارتعشت الأيدي واصطكَّت [٦٥] الأرجل وأطَّت [٦٦] الأضلاع،
وارتجت الأسماع، وحمجت [٦٧] العيون وانخزلت المتون [٦٨] ولحقت الظهور
بالبطون ثم ساءت الظنون:
عَبوس شموس مصلخدّ خنابس [٦٩] ... جريء على الأرواح للقرن قاهر
منيع ويحمي كل وادٍ يريده ... شديد أصول الماضغين مكابر
براثنه شثن وعيناه في الدجى ... كجمر الغضا في وجهه الشر ظاهر
يدل بأنياب حداد كأنها ... إذا قلص الأشداق عنها خناجر [٧٠]
فقال عثمان رضي الله عنه: اكفف لا أُمَّ لك؛ فلقد أرعبت قلوب المسلمين
ولقد وصفته حتى كأني أنظر إليه يريد يواثبني! .