للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد أمين الحسيني


تحديد سن الزواج بتشريع قانوني

صدر في أوائل هذا الشهر قانون مصري , حددت فيه سن الزواج للذكر
بثماني عشرة سنةً , وللأنثى بست عشرة سنةً , ومنع فيها سماع القضاة أية دعوى
زوجية , تقل فيها سن أحد الزوجين عن هذا الحد مطلقًا؛ أي: وإن كانا بالغين
رشيدين.
وقد بني هذا التشريع على قول فقهاء الحنفية , بجواز تخصيص القضاء في
الزمان والمكان ونوع الأحكام , بفتوى من مفتي الديار المصرية شيخ الجامع
الأزهر، فاضطرب القطر المصري بهذا القانون أي اضطراب؛ أنكره جمهور
فقهاء الأزهر وما يتبعه من المعاهد الدينية , فيما يظهر لنا من كلامهم ومن المقالات
التي نشرت في الجرائد، وحسنه وانتصر له الشيخ محمد الخضري بك فرد عليه
بعضهم، وقد سألنا كثير من الفضلاء عن رأينا فيه فبينا لهم أهم ما فيه من المفاسد
الراجحة، وما قصد به من المصلحة المرجوحة، وكون الحكومة العثمانية قد سبقت
الحكومة المصرية إلى مثل هذا التحديد منذ بضع سنين , فوضعته في مشروع
قانون سموه (قرار حقوق العائلة في النكاح المدني والطلاق) وصدرت إرادة
السلطان محمد رشاد في ٨ المحرم سنة ١٣٣٦ , بأن يعمل به على أن يكلف
المجلس العمومي (أي: المبعوثين والأعيان) جعله قانونًا , وذكرت لهم أن ما
وضعه العثمانيون خير مما وضعته الحكومة المصرية وأضمن للمصلحة , وأبعد
عن المفاسد الكثيرة التي يستلزمها القانون المصري , ومنها ما هو محرم بالنص
والإجماع، وذكرت لهم بعض المسائل ,وضربت الأمثال وقد تكرر الاقتراح علي
بأن أكتب ما أراه في ذلك , فرأيت أن أبدأ بما وضعته الحكومة العثمانية , وهو ما
جاء في اللائحة التي جعلت مقدمة لمشروع القانون المذكور , مبينة الأسباب
الموجبة له وهذه ترجمته بالعربية:
***
أهلية النكاح
(يرى الإمام أبو يوسف والإمام محمد رحمهما الله أن الذكور والإناث إذا
وصلوا إلى الخامسة عشرة من سني حياتهم , ولم تظهر عليهم آثار البلوغ يعدون
بالغين حكمًا , بناء على الغالب والشائع , وتكون عقودهم معتبرة , وكذلك الإمام
مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد رحمهم الله تعالى كلهم رأوا ذلك. وقد بنيت
المادتان ٩٨٦ و ٩٨٧ من المجلة على قول هؤلاء) .
(نعم إن الذين يبلغون الخامسة عشرة من سني حياتهم , يكونون في الأكثر
بالغين، وقد يوجد فيهم من هم غير بالغين بالفعل؛ أي: إن قواهم البدنية لم تكمل
بعد، فجعل هؤلاء تابعين للأكثرية ومنحهم حقوقًا لا يقدرون على تحملها , يستلزم
تحميلهم وظائف وواجبات مقابل تلك الحقوق تؤدي في العاقبة إلى ضررهم. وإذا
علمنا أن الشرع الشريف مع إنه اعتبر الخامسة عشرة غاية البلوغ , لم يستعجل في
إعطاء الصغير ماله عند بلوغه , بل منعه من التصرف فيه إلى أن تظهر عليه
علائم الرشد والسداد؛ نعلم أنه يتأنى في تحميل الصغار حقوقًا ووظائفًا. والنكاح لا
يقاس على المال؛ لأنه الرابطة لتكون الأسر التي هي أجزاء الجمعية البشرية.
وكلما كانت الأفراد التي تتألف منها الأسرة تقدر حقوق الزوجية حق قدرها ,
تكون الأسرة التي تتألف منها قوية , ويكون ارتباطها مع الأسر الأخرى صميميًّا
ومتينًا، فاعتبار الصغار بالغين حكمًا لمجرد إكمالهم الخامسة عشرة , ومنحهم حق
الزواج يستفاد منه أنه لم ينظر إلى النكاح بالعناية اللائقة به.
والذي يستدعي مزيد الرحمة في هذه المسألة هو حالة البنات؛ إذ من المعلوم
أن الزوج والزوجة هما مشتركان في تأليف الأسر (البيوت) وإدارتها , ففي السن
التي يكون الأطفال فيها معذورين بإضاعة أوقاتهم باللعب في الأزقة , تكون البنت
في مثلها مشغولة بأداء وظيفة من أثقل الوظائف في نظر الجمعية البشرية , وهي
كونها والدة ومدبرة أمور أسرة. وإن صيرورة بنت مسكينة لم يكمل نموها البدني
أُمًّا يضعف أعصابها إلى آخر العمر , ويكسبها عللاً مختلفةً , ويكون الولد الذي تلده
ضاويًا (ضعيفًا هزيلاً) مغلوبًا للمزاج العصبي , وذلك من جملة أسباب تدلي
العنصر الإسلامي.
على أن ابن عباس رضي الله عنهما وتابعيه يقولون: إن سن البلوغ هي
الثامنة عشرة , كما أن بعض أجلة الفقهاء يذهبون إلى أنها الثانية والعشرون , بل
يوجد بينهم من يقول: إنها الخامسة والعشرون , والإمام الأعظم رحمه الله قد اعتمد
تمام الثامنة عشرة نهاية لسن البلوغ في الذكور , وتمام السابعة عشرة نهاية لسن
البلوغ في الإناث احتياطًا وتبعًا لابن عباس رضي الله عنهما، لذلك قبل قول الإمام
المشار إليه هذا في النكاح , ووضعت المادة الرابعة [١] على هذا الأساس؛ منعًا
لهذه الأحوال التي هي من أعظم مصائب مملكتنا.
(وهذا نصها) :
المادة ٤- يشترط في أهلية النكاح أن يكون الخاطب في سن الثامنة عشرة
فأكثر , والمخطوبة في سن السابعة عشرة فأكثر.
وقد قبل قول الإمام محمد رضي الله عنه باشتراط رضاء الولي في نكاح
المراهقة , التي تدعى أنها بالغة وتريد أن تزوج نفسها من آخر، وتعليق الإذن لها
بالزواج على إجازة الولي، وقوله بإعطاء الحاكم حق النظر في تحمل المراهق
والمراهقة , اللذين يريدان التزوج ويدعيان أنهما بالغان , أو عدم تحملهما للزواج،
كما قرر ذلك جميع الأئمة رضوان الله عليهم، وبنيت المادتان الخامسة والسادسة
على هذا الأساس (وهذا نصهما) :
المادة ٥ - إذا ادعى المراهق الذي لم يتم الثامنة عشرة من عمره البلوغ
فللحاكم أن يأذن له بالزواج إذا كانت هيئته محتملة.
المادة ٦ - إذا ادعت المراهقة التي لم تتم السابعة عشرة من عمرها البلوغ
فللحاكم الشرعي أن يأذن لها بالزواج , إذا كانت هيئتها أيضًا محتملة , ووليها أذن
بذلك.
***
تزويج الصغير والصغيرة
إن الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم أجازوا للولي تزويج الصغير والصغيرة ,
ولذلك كانت المعاملة حتى الآن جارية على هذا الوجه , لكن تبدل الأحوال في
زماننا , قد اقتضى العمل بأصول أخرى في هذا الباب.
إن أول وظيفة تترتب على الأبوين في كل زمان , وخاصة هذا الزمان الذي
اشتد فيه التنازع في شؤون الحياة هي: تعليمهم , وتربيتهم , وإيصالهم إلى حالة
تكفل لهم الظفر في معترك الحياة , وتمكنهم من تأليف أسرة منتظمة , ولكن الآباء
عندنا في الغالب يهملون أمر تعليم أولادهم وترببتهم , ويخطبون لهم الزوجات وهم
في المهد , بقصد أن يسروا بهم أو يكسبوهم ميراثًا , وفي النتيجة يزوج أولئك
التعساء قبل أن يروا شيئًا من الدنيا , وتكون أعراسهم أساس مصائبهم الآتية.
إن أكثر البيوت التي يؤلفها أمثال هؤلاء الأولاد , الذين لم يدرسوا في مدرسة
ولا تعلموا كلمة واحدة من أمور دينهم , فضلاً عن عدم تعلمهم قراءة لغتهم وكتابتها
يحكم عليها بالتفرق من أول شهور الزفاف كالجنين الذي يولد ميتًا. وهذا أحد
الأسباب في وهن أساس البيوت عندنا، ولا يعرف مقدار الدعاوى المتولدة من مثل
هذه الأنكحة إلا بالنظر في سجلات المحاكم الشرعية والرجوع إلى أبواب الكتب
الفقهية , وفصولها المتعلقة بتزويج الأب والجد صغيرهما، وتزويج غير الأب والجد
من الأولياء الصغير، وما أعطي للصغير والصغيرة من حق الخيار عند البلوغ
إذا كان المزوج غير الأب والجد.
على أن ابن شبرمة وأبا بكر الأصم رحمهما الله يقولان بأن الولاية على
الصغار مبنية على منافعهم، وفي الأحوال التي لا يحتاج فيها إليها: كقبول
التبرعات مثلاً لا يكون لأحد فيها حق الولاية عليهم , وتزويجهم ليس فيه من فائدة
لا طبعًا ولا شرعًا نظرًا لعدم احتياجهم إليه , لذلك لا يجوز تزويجهم قبل البلوغ من
قبل أحد ألبتة. وقالا: إن النكاح ليس بشيء مؤقت , بل هو عقد يدوم ما دامت
الحياة , فإذا جعل النكاح الذي يعقده أولياء الصغار نافذًا عليهم , فإن آثاره وأحكامه
تستمر بعد بلوغهم أيضًا , في حين أنه لا يجوز لأحد أن يقوم بعمل يسلب منهم
حرية التصرف بعد البلوغ , وحيث إن التجارب المؤلمة المستمرة منذ عصور قد
أيدت قول الإمامين المشار إليهما , فقد قبل رأيهما في هذه المسألة , ووضعت المادة
السابعة على هذا الوجه (وهذا نصها) :
المادة ٧ - لا يجوز لأحد أن يزوج الصغير الذي لم يتم الثانية عشرة من
عمره , ولا الصغيرة التي لم تتم التاسعة من عمرها.
***
تزويج الكبيرة نفسها
إن الكبيرة قادرة على تزويج نفسها بناءً على المذهب المختار , وإنما للولي
حق الاعتراض في أحوال محدودة. على أن إزالة أمثال تلك العوارض قبل النكاح
أولى من فسخه بعد تكوين الأسرة , باعتراض الولي , وأوفق لمصلحة الطرفين ,
وفي المذهب المالكي أن الكبيرة إذا رفعت أمرها إلى الحاكم تطلب تزويج نفسها من
آخر؛ فعليه أن يتعرف حالها من الجيران، وإذا كان وليها موجودًا يأخذ رأيه في
ذلك، فإذا رأى أن الاعتراضات التي يوردها الولي غير واردة , يعين وكيلاً لتزويج
تلك البنت , وفي الحقيقة أن إخبار الولي واستطلاع رأيه على هذه الصورة يدفع
المحذور المذكور، ولذلك استحسن إخبار الولي عند مراجعة الكبير الحاكم لأجل
الإذن , ووضعت المادة الثامنة على هذا الأساس (وهذا نصها) :
المادة ٨- إذا راجعت الكبيرة التي لم تتم السابعة عشرة الحاكم بقصد التزوج
بشخص , يخبر الحاكم وليها بذلك , فإذا لم يعترض الولي أو كان اعتراضه غير
وارد , يأذن لها بالزواج.

(المنار)
هذه ما قررته الحكومة العثمانية في المسألة كما تقدم في فاتحة هذا البحث،
وورد في الصحف أن حكومة أنقرة التركية عادت إلى البحث في هذا القانون ,
وأبقت المواد التي ذكرناها على ما كانت عليه.
وأما الحكومة المصرية فقد أصدرت ثلاث مواد قانونية , حددت فيها سن
الزواج بمثل الباعث الذي بعث الحكومة العثمانية إلى تحديدها , ولكنها زادت على
ذلك منع سماع أي دعوى تتعلق بالزوجية , إذا كانت سن الزوجين دون ما حددته
إلا بأمر خاص من الملك , فكان هذا مثار القيل والقال والإنكار من رجال الشرع
كما تقدم، وها نحن أولاء ننشر نص هذه المواد , ونص المذكرة التي وضعها
بعض رجال المحاكم الشرعية في مدركها الشرعي، ووافق عليه مفتي الديار
المصرية وشيخ الجامع الأزهر , ثم نقفي على ذلك بما ينبغي بيانه في الموضوع:
***
نص قانون الزواج (رقم ٥٦)
الذي وضعته الحكومة المصرية
المادة الأولى:
يضاف على المادة ١٠١ من القانون نمرة ٣١ سنة ١٩١٠ فقرة رابعة نصها:
(ولا تسمع دعوى الزوجية , إذا كانت سن الزوجة تقل عن ست عشرة سنة
وسن الزوج تقل عن ثماني عشرة سنة وقت العقد إلا بأمر منا) .
المادة الثانية:
يضاف على المادة ٣٦٦ من القانون سالف الذكر فقرة ثانية نصها: (ولا
يجوز مباشرة عقد الزواج , ولا المصادقة على زواج مسند إلى ما قبل العمل بهذا
القانون , ما لم تكن سن الزوجة ست عشرة , وسن الزوج ثماني عشرة سنة وقت
العقد) .
المادة الثالثة:
على وزير الحقانية تنفيذ هذا القانون , ويسري العمل به بعد ثلاثين يومًا من
تاريخ نشره في الجريدة الرسمية [٢] .
***
صورة المذكرة الملحقة بهذا القانون
مما اتفقت عليه كلمة علماء الفقه الإسلامي أن الصغير والصغيرة غير
العاقلين , إذا باشرا عقد الزواج فالعقد باطل لا يقبل الإجازة , لا من وليهما ولا
منهما بعد البلوغ، وهذا من بديهيات التشريع؛ لأن أي عقد سواء كان عقد زواج
أم غيره , يعتمد فهم المقصود منه، فما لم يكن متوليه من أهل الفهم فهو عمل لغو
وعبث.
كذلك مما اتفقت عليه علماء الحنفية , أنه بعد بلوغ الصغير والصغيرة ليس
لأحد ولاية إجبار عليهما في عقد الزواج؛ لأن البلوغ آية الرشد واستكمال العقل ,
وقد كانت الولاية عليهما؛ لضرورة قصورهما عن الاهتداء إلى الصالح في
شؤونهما , وبالبلوغ زال هذا القصور فيزول ما كان لضرورته.
وقد اختلف علماء الفقه الإسلامي في صحة عقدهما , إذا بلغا سن التمييز قبل
أن يبلغا الحلم , فمنهم من يرى صحة العقد موقوفًا نفاذه على إجازة الولي , ومنهم
من يرى بطلانه وعدم توقفه , كما إذا عقدا غير مميزين، وقال بالأول علماء
الحنفية , وقال بالثاني علماء الشافعية.
واختلفوا أيضًا في صحة تولي الولي عقد زواجهما جبرًا عليهما قبل البلوغ ,
فمنهم من قال بصحته وعمم في الولي الذي له هذا الحق فجعله العاصب بترتيب
الإرث , بل زاد بعضهم باقي الأقارب، ومنهم من قصره على الأب والجد , ومنهم
من قصره على الأب فقط، وبعضهم قال بعدم صحة تولي العقد جبرًا عليهما من أي
شخص كان مستدلاً بقوله تعالى: {وَابْتَلُوا اليَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاح} (النساء:
٦) فجعل حد بلوغ النكاح هو ما به يصلح لتولي شؤون أمواله , وهو ما إذا
وصل إلى سن البلوغ رشيدًا , وبقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح اليتيمة حتى
تستأمر) واليتيمة هي القاصرة عن درجة البلوغ؛ بدليل قوله عليه الصلاة والسلام:
(لا يتم بعد الحلم) فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن نكاح اليتيمة , ومد النهي
إلى استئمارها، ولا تصلح لأن تستأمر إلا بعد البلوغ فكأنه قال: حتى تبلغ.
وللبلوغ أمارات كثيرة: أضبطها السن، وأقصى الأقوال في تقديره أنه سن
ثماني عشرة سنة , وقد أخذ بهذا القول في الولاية المالية , ولذا حددت سن الرشد
فيه ببلوغ السن المذكورة.
من هذا يعلم أن لبعض علماء الشريعة الإسلامية قولاً , بأنه لا ولاية إجبار على
الصغير والصغيرة لأحد في عقد الزواج , وأن سن البلوغ أقصاه ثماني عشرة سنة.
ومن حيث إن عقد الزواج له من الأهمية في الحالة الاجتماعية منزلة عظمى
من جهة سعادة المعيشة المنزلية , أو شقائها والعناية بالنسل وإهماله , وقد تطورت
الحالة المتبعة , بحيث أصبحت تتطلب المعيشة المنزلية استعدادًا كبيرًا؛ لحسن
القيام بها , ولا يستأهل الزوج والزوجة لذلك غالبًا قبل سن الرشد المالي , فمن
المصلحة الواضحة منع الزواج قبله؛ لأنه إذا كان لا يباح لهما قبل بلوغ سن الرشد
المالي , أن يتصرفا فيما قيمته دراهم معدودة , مع أن الضرر المنظور محدود
وغير ملازم للحياة , فلأن لا يباح لهما التصرف في أنفسهما بعقد الزواج وآثاره إن
خيرًا وإن شرًّا , قد لا تزول طول حياتهما - أولى وأوجه.
كذلك لما كان عقد الزواج يرجع الأمر فيه أولاً إلى الزوجين , وهما اللذان
يتأثران بنتائجه مباشرةً , فإما أن يكونا به سعيدين , وإما أن يكونا به شقيين , فإن
الواجب أن يكون الخيار إليهما فيه , وتراعى إرادتهما قبل كل إرادة , وليس لإرادة
غيرهما إلا حق النصح والمشورة , بحيث لا تعوقانهما عما يريان المصلحة لهما فيه
وكان من اللازم أن يناط سن الزواج بسن الرشد المالي , بالنسبة لكل من
الزوجين , ولكن لما كانت بنية الأنثى تستحكم وتقوى , قبل استحكام بنية الصبي
وما يلزم لتأهل البنت لمعيشة الزوجية , يتدارك في زمن أقل مما يلزم الصبي،
كان من المناسب أن يناط سن زواج الأنثى ببلوغ ست عشرة سنة , والصبي ببلوغ
ثماني عشرة سنة.
هذا إلى أن المنصوص عليه شرعًا , أن لولي الأمر ولاية تخصيص القضاء
بالزمان والمكان والحادثة , فله أن يولي القضاء في زمن معين دون غيره , وفي
مكان معين دون غيره , وفي نوع من المسائل دون غيرها , حتى لو قضى القاضي
فيما لم يوكل أمره إليه كان قضاؤه باطلاً. وله أيضًا أن يأمر بسماع الدعوى فيما
منع سماعها فيه , وقد تدعو الضرورة إلى ذلك.
ومن حيث إن المصلحة واضحة فيما ذكر لما بيناه , فلا مانع شرعًا من أن
يضاف على المادة ١٠١ من القانون نمرة ٣١ سنة ١٩١٠ فقرة رابعة نصها:
(ولا تسمع دعوى الزوجية إذا كانت سن الزوجة تقل عن ست عشرة سنة ,
وسن الزوج تقل عن ثماني عشرة سنةً وقت العقد إلا بأمر منا) , ويضاف على
المادة ٣٦٦ من القانون سالف الذكر فقرة ثانية نصها: (ولا يجوز مباشرة عقد
الزواج ولا المصادقة , على زواج مسند إلى ما قبل العمل بهذا القانون , ما لم تكن
سن الزوجة ست عشرة سنةً , وسن الزوج ثماني عشرة سنةً وقت العقدِ) ومرفق
بهذا مشروع التعديل المنوه عنه.
عبد السلام علي ... ... ... طه حبيب ... ... عبد المجيد سليم ... ... ... ... ... ... مفتش المحاكم الشرعية ... نائب محكمة بني سويف ... نائب محكمة
... الشرعية ... مصرالشرعية
... ... ... ...
أوافق على أن مذهب الحنفية لا يمنع من ذلك , لما نص عليه من أن القضاء
يتخصص بالزمان والمكان والحادثة.
... ... ... ... ... ... ... عبد الرحمن قراعة
... ... ... ... ... ... ... مفتي الديار المصرية
اطلعت على بعض كتب الحنفية , فرأيت فيها أن لولي الأمر تخصيص
القضاء بالزمان والمكان والحادثة. ...
... ... ... ... ... ... ... ... ... محمد أبوالفضل
(أطلب النقد في الجزء الآتي) ... شيخ الجامع الأزهر
***
منشور في المهور
من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى (في القدس)
إلى حضرات القضاة والمفتين , والخطباء والمدرسين , ومأذوني عقود
الأنكحة والمسلمين عامة في فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً
وَرَحْمَةً} (الروم: ٢١) .
لما كان بقاء هذا العالم متوقفًا على التناسل بالزواج الشرعي , الذي تتكون
منه الأسرة والأمم، وتتقوى بفضله أواصر المودة والقربى بين الناس، وكانت
الأمم التي لا تستن بسنته، ولا تسير على منهاجه قليلة النسل، معرضة لخطر
الانحطاط والاضمحلال، كان من أقدس الواجبات تسهيل الزواج , وتقريب سبله
على الطالبين , ورفع الموانع التي تحول دونه أو تقلل منه.
ولسنا نفيض في فوائد الزواج، فقد أقره الشرع والعقل والطبع، واجتمع فيه
من الفضائل ما لم يجتمع في غيره من أحكام الشرع، قال بعض الفقهاء: (ليس لنا
عبادة شرعت من عهد آدم إلى الآن , ثم تستمر إلا النكاح والإيمان) وجاء في
الحديث الشريف: (لا رهبانية في الإسلام، ( ... وأتزوج النساء فمن رغب
عن سنتي فليس مني) .
وفي الزواج صون الزوجين عن الفاحشة، وحفظ لهما من الرزوح تحت
أعباء نفقات المعيشة الطائلة، بما يرزقهما الله من الذرية الصالحة.
ولم تشأ حكمة الشارع أن تجعل هذا الأمر الخطير صعب المنال , لا يستطيعه
إلا أولو القوة واليسار من الناس، بل مهدت لمن يرغب فيه كل سبيل، وجعلته
بحيث يستطيعه كل من الأغنياء والفقراء؛ إذ إنها لم تشترط فيه سوى الكفاءة
ورضاء الطرفين , وكلمتين خفيفتين على اللسان يتبادلهما الزوجان [٣] من إيجاب
وقبول، وقدرت له شيئًا يسيرًا سمته مهرًا، وجعلت أقله عشرة دراهم فضة معجلة
أو مؤجلة، واجتازته بلا تسمية شيء تسهيلاً على الطالبين، وتيسيرًا للراغبين.
فقد جاء في صحيح البخاري أنه عليه الصلاة والسلام قال لمن يريد الزواج ولا
يجد ما ينفق: (التمس ولو خاتمًا من حديد) وقال لآخر: (زوجتكها بما معك من
القرآن) ، وقال بعض الأئمة: (إن ما يجوز أن يكون ثمنًا في البيع يجوز أن يكون
مهرًا) .
والإغراق في المهر مكروه , بدليل ما روي عن عائشة - رضي الله عنها -
أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يُمن المرأة تسهيل أمرها،
وقلة صداقها) [٤] ، وقال عروة: وأنا أقول من عندي: ومن شؤمها تعسير أمرها،
وكثرة صداقها.
وقالت أيضًا - رضي الله عنها -: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
أدخل امراة على زوجها قبل أن يعطيها شيئًا [٥] ، وفي صحيح ابن ماجه: أنه عليه
السلام تزوج عائشة - رضي الله عنها - على متاع بيت قيمته خمسون درهمًا , وأنه
أولم على صفية بسويق وتمر. وعن عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما - قالتا:
أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجهز فاطمة حتى ندخلها على علي ,
فعمدنا إلى البيت ففرشناه ترابًا لينًا من أعراض البطحاء , ثم حشونا مرفقتين ليفًا
فنشفناه بأيدينا , ثم أطعمنا تمرًا وزبيبًا وسقينا ماء عذبًا، وعمدنا إلى عود فعرضناه في
جانب البيت؛ ليلقي عليه الثوب ويعلق عليه السقاء، فما رأينا عرسًا أحسن من عرس
فاطمة رضي الله عنها.
وقال عمر - رضي الله عنه -: (لا تغالوا في صداق النساء , فإنه لو كانت
مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله , كان أولاكم وأحقكم بها محمد صلى الله عليه
وسلم) .
ولم يزل أمر الزواج من السهولة على ما وصفنا , إلى أن تبدلت الأحوال
فأفرط الناس في المهور، وغلوا في النفقات، ووقعوا في الإسراف الممقوت،
والتبذير المنهي عنه، فقل الزواج والنسل، وكثر الفجور والفحش، وفسدت
الأخلاق ووهنت الأجسام , وضعفت العقول، إلى غير ذلك مما يسبب انحطاط
الأمة , وتدهورها في هاوية الشقاء والبؤس والعياذ بالله.
وقد لفت هذا الأمر نظر الحكومة العثمانية في الماضي , ففكرت في سوء
عاقبة هذا الإسراف في المهر والجهاز وتوابعه، والولائم المتخذة فيه، واهتمت له
اهتمامًا لائقًا به، فبينت محاذيره , وما ينجم عن توالي محنه وتتابع نكباته، ورأت
أن اجتثاث جذور هذه العادة من بلادها أعظم واجب يكون فيه الخير، فأصدرت
الإعلان المنشور في الجزء الأول من الدستور (صحيفة ٤٩٤) ذكرت فيه ما حاق
بالناس من شر الإسراف والتبذير في المهور، والولائم المتخذة في الأعراس
وحرمان الكثيرين رجالاً ونساءً بسبب ذلك من الزواج، وبقاء من تزوج منهم
رازحًا تحت أعباء الديون، واضطرار المحرومين منه إلى الوقوع في الجنايات
الجسيمة، وزجهم في أعماق السجون، وارتكاب الفتيات عار الفرار، وغيره مما
مزق حجاب صونهن وعفافهن، وجر الويلات على عائلاتهن، وأدام الأمراض
الفتاكة فيهم، ورمى الأمة بالنقص في النفوس والثمرات. إلى آخر ما جاء فيه.
وقد قسمت الناس أربعة أقسام: قدرت للفريق الأول (١٠٠٠) قرش وللثاني
(٥٠٠) قرش وللثالث (١٠٠) ولم تقدر للرابع شيئًا. وأسهبت في بيان وتحديد
ما يجب اتخاذه من الأطعمة والأكسية وغيرها، وقضت على كل من لم يأتمر
بأحكام هذا الإعلان بالعقاب الزاجر، والجزاء العادل , ولم يشغلها ما دهم من
الحروب الأخيرة عن هذا الأمر , بل ظلت مثابرة على عملها، وتنفيذ رغبتها، وسنت
من عهد قريب قانونًا آخر , منعت فيه التبذير والإسراف في الزواج وتوابعه؛
لإعمار بلادها، وتكثير النسل , وإعداد الرجال، وقسمت فيه الناس ثلاثة أقسام،
وأمرت بأن لا يزيد الفريق الأول في المهر على (٥٠٠٠) قرش , والثاني على
٢٥٠٠ قرش , والثالث على ٥٠٠ قرش , ومنعت كل ما فيه إتلاف الأموال،
وتعسير أمر الزواج إلى آخر ما جاء فيه من المنافع الحيوية المادية والمعنوية.
ولما رأى المجلس الإسلامي الأعلى الثقافي هذا الأمر , وعدم وقوفه عند حد،
وتحقق أنه إن دام انهماك هؤلاء المبذرين , الذين كانوا إخوان الشياطين في جر
الويلات على أفراد الأمة , مما يبتدعونه ويتفننون به من بذل المهور الطائلة،
وتوطيد دعائم هذه البدع السيئة؛ ابتغاء الفخر الكاذب، والزهو الباطل، تضمحل
الأمة , وتسقط في أدنى دركات الانحطاط والشقاء، لذلك عقد النية على تطبيق
أحكام ذلك الإعلان، فقرر تبليغ القضاة والمفتين الكرام ومأذوني النكاح بأن
يطلعوا على ذلك المنشور والقانون المذكور , ويتبعوا أحسن ما جاء فيهما جهد
المستطاع، وبالصورة الممكنة، وأن يشكل في البلاد لجان من مفتيها وقاضيها
وأهل الدين والزعامة فيها؛ لتكليف المدرسين والوعاظ والخطباء وأهل الفضل
حمل الناس على ما ذكر من الاعتدال في المهر، والبعد عن الإسراف، وإرشادهم
إلى تسهيل أمر الزواج , وتخفيض المهور، وبيان المنافع المتحققة من ذلك،
وتعداد المضارّ والمفاسد الناجمة من عكسه، إلى آخر ما يفتحه الله عليهم مما يسهل
اتباع هذه السنة الحسنة والخير الأتم.
والمجلس الإسلامي يرجو من الأمة كلها أن تنظر في هذه القضية بعين
الاعتبار والتدبر، وأن تعمل على قمع مثل هذه البدع الممقوتة والمضرة في الدنيا
والآخرة , وأن تسعى إلى الإصلاح ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وفقنا الله لاتباع
أوامره واجتناب نواهيه، وهدانا الله إلى الصراط المستقيم.
... ... ... ... ... ... (رئيس المجلس الشرعي الإسلامي)
... ... ... ... ... ... ... ... محمد أمين الحسيني
(المنار)
جمع هذا المنشور في المطبعة منذ أشهر واضطررنا إلى تأخير نشره.
((يتبع بمقال تالٍ))