أخرنا هذا الجزء، وهو الأول من هذا العام؛ انتظارًا لأجوبة المشتركين الذين خيرناهم في الجزء الماضي بين أكرم الخصال وأشرف الخلال، ولم أرضَ لأحد منهم إلا ما يرضاه الله - عز وجل - للذين أورثهم الكتاب من عباده المصطفين لدينه: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه} (فاطر: ٣٢) ويؤسفنا أن كثيرًا منهم رضي لنفسه ما لا يرضاه الله لأحد من أهل دينه وارثي كتابه، حتى أدنى الطبقات وهم الظالمون لأنفسهم، رضوا بأن يأكلوا حقه بالباطل سحتًا، واختاروه على أكله حلالاً عن سماح ورضا، وعفوا عما مضى؛ كما علم كل من قرأ الجزء الماضي، ومنهم من وفّى واعتذر فقبلنا عذره، ومنهم من وعد وطلب النظرة إلى الميسرة فأنظرناه، ومنهم من طلب العفو والسماح فسامحناه، ولكن أكثر مشتركي هذا القطر لم يردوا لنا جوابًا، فهؤلاء لا نرسل إليهم هذا الجزء، وإن جاز أن يكون بعضهم لم يقرأ خطاب التخيير بعد، وأما أهل الأقطار البعيدة، ولا سيما جزائر الهند الشرقية، فموعد رجع الخطاب منهم قد صار قريبًا. وعَدت بتجديد حياة المنار صورة ومعنى، فأما الورق فكما يرى القراء جودة وحسنًا، وأما الحروف فلما يتم كل ما أوصينا عليه منها، وأما الصحائف فقد زدنا في هذا الجزء كراسة، ونرجو أن نزيد فيما بعده أيضًا حتى يعود مجلده كما كان - إذ كانت سنته اثني عشر شهرًا أو أكثر - إن وفَّى لنا المشتركون في تجديد النظام، وصاروا يؤدون قيمة الاشتراك في أوائل العام، ونفتح لهم فيه الأبواب الأدبية والعلمية التي عزمنا عليها. ونحمد الله أن الذين يعرفون قدر المنار لا يعدلون به غيره من المجلات الدينية التي قلما يجدون فيها شيئًا إلا منقولاً من الكتب المطبوعة الرخيصة، يمكن أن يستغنوا به عنها، وما يجدونه فيه من حقائق التفسير وحل المشكلات بالفتاوى وغيرها لا يجدونه في غيره ألبتة، وإنما يجدون شيئًا تطمئن به القلوب، وتنشرح له الصدور، كما تراه في تفسير أمر يعقوب - عليه السلام - أبناءه بالدخول من أبواب متفرقة، والحاجة التي كانت في نفس يعقوب فقضاها بهذه الوصية، فاقرأ جميع التفاسير من أقدمها إلى أحدثها، ثم ارجع إلى تفسير المنار، وكذلك سائر ما تقدم وما تأخر من هذه السورة وغيرها، واسأل عقلك، واستفت قلبك في ذلك كله.