للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار

أسئلة في مسألة الخلافة وأحكامها والخلفاء
(س١-١٧) من صاحب الإمضاء في دهلي - الهند -بنصه وغلطه اللغوي
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (الحشر: ٧) نحمده
ونصلي على رسوله الكريم) .
استفتاء
ما تقول أيها العلماء الكرام والحاملون لواء الإسلام في سؤال مسطورات
تحت:
(١) هل حديث (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) صحيح
أم لا؟
(٢) هل يعمل به في زماننا أم لا؟
(٣) إن قلتم لا فما دليل المنع من الكتاب والسنة؟
(٤) إن كان الحديث صحيح فهل يعمل به في هذا الزمان وهل يكون
نصب الإمام واجبًا في الملة المحمدية أم لا؟
(٥) هل يشترط في الإمام القرشية مطلقًا أو ما أقاموا الدين؟
(٦) إن لم توجد إقامة الدين في قريش (كما في بلادنا الهند) فهل يجوز
أن يكون الإمام من قوم آخرين أم لا؟
(٧) إن تغافل أو تجاهل قريش أو عوام الناس , ولم يعملوا بهذه السنة فأية
طريقة تختار لإحياء هذه السنة وإلا فكيف؟
(٨) جماعة بغير إمام أو خليفة هل لهم حكم الجماعة أم لا؟
(٩) هل يكون الإمام صاحب السياسة والقدرة أو بدونهما؟
الاستفتاء الثانية
(١٠) هل كانت الزكاة تجمع على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم؟ إن كانت تجمع ففيم كانت تصرف؟
(١١) هل كانت تجمع على عهد الخلفاء الراشدين مثل ما كانت على عهد
النبي - صلى الله عليه وسلم - وكم يأخذ الخلفاء الراشدون لحوائج حياتهم من هذا
يعني (الزكاة) وكيف كان استحقاقهم شرعًا؟ وكيف كانوا ينفقون إسرافًا أم
اقتصادًا , وهل كان المسلمون يحاسبون الخلفاء في ذلك الزمن أو لا (أي في بيت
المال أم من الزكاة) .
(١٢) كيف يفعل صاحب الزكاة في زمننا , هل يؤديها إلى الإمام الشرعي
أو يقسمها بنفسه على الفقراء والمساكين كما قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (التوبة: ٦٠) إلخ.
(١٣) في أي شيء يجب على الإمام أن يصرف الزكاة , وهل يصرف
مستقلاًّ بنفسه حيث يشاء أو بالشورى؟
(١٤) كم يأخذ الإمام الشرعي لنفقة نفسه وعياله , وهل يأخذ مستقلاًّ أو
بالشورى؟
(١٥) إذا اتهم الناس الإمام بالجور في صرف الصدقة , أو ثبت لهم أن
الإمام لا يصرف الزكاة حيث أمر الله بل يجمع , فهل لهم أن يجبروه على وضع
الحساب عندهم أو لا؟
(١٧) وإذا كان الإمام مخالفًا لسيرة الخلفاء الراشدين المهديين في تصرفه ,
وأيضًا في القول والفعل فهل يصح أن يبقى إمامًا أو لا؟
(الحقيقة) أن واحد العالم المولوي في بلادنا (الهند - الدهلي) ادعى أنه
إمام وخليفة الله , وخلافته كخلافة الخلفاء الراشدين , ومن لم يبايعه ومات بدون
بيعته مات ميتة جاهلية , ويحذر الناس ويخوف المسلمين بوعيد هذا الحديث (من
مات وليس في عنقه بيعة إلخ) ويقول: إنه من لم يؤد الزكاة إلي فلن يقبل الله
زكاته وإذا اعترض الناس عليه أنه ليس بقرشي , ولا صاحب السياسة والقدرة ,
وأنه لا يقدر أن يجري حدود الله لأنه محكوم ككافة المسلمين في الهند , وأن الإمام
لا يصير إلا بانتخاب المسلمين وكثرة رأيهم , أجاب أن السياسة والقرشية ليست
بضروري فصار تنازعًا وتخاصمًا واختلافًا كثيرًا بين المسلمين في هذه المسألة
الإمامة.
فعليكم أيها العلماء الإسلام أن تبينوا بالدلائل الواضحة والبراهين القاطعة
بالكتاب والسنة والكتب السير المعتبرة , بينوا بالدليل تؤجروا عند الجليل.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... المحقق الهندي ...
(المنار)
نجيب عن هذه الأسئلة بالإجمال الموجز استغناء عن التفصيل في أكثرها
بكتاب (الخلافة أو الإمامة العظمى) الذي نشرنا فصوله في المنار , ولأن سببها
إبطال ادعاء أحد صعاليك الدجالين للخلافة في الهند , وهو لا يحتاج إلى كل هذه
الأسئلة ولا إلى التفصيل في أحكامها , بل لولا عموم الجهل لم تحتجْ هذه الدعوى
السخيفة إلى سؤالٍ ما؛ إذ من المعروف أن الخلافة الصحيحة إنما تنعقد بمبايعة أهل
الحل والعقد من المسلمين لرجل مستجمع للشروط التي بينها العلماء في كتب العقائد
وكتب الفقه، وأن خلافة التغلب تحصل بمبايعة أهل القوة والعصبية لأي رجل
يؤيدونه وينفذون أحكامه - وكل من الأمرين محال وقوعه في الهند وهي مقهورة
تحت سلطان دولة أجنبية - وهذا المعتوه الذي ادعى الخلافة في الهند يظن بجهله
أو عَتَهه أن دعوى الخلافة من مجنون مثله كافية لوجوب اتباعه , ودفع أموال الزكاة
وغيرها له يتمتع بها.
ولعل الذي أغراه بهذه الدعوى ما رآه من ادعاء الدجال غلام أحمد القادياني
للنبوة والرسالة والوحي والمعجزات , وأنه مسيح الملة المحمدية , فوجد من
المارقين والجاهلين الذين وُصفوا بأنهم (أتباع كل ناعق) من صدقه وصار له ولهم
دين جديد كمسيحية النصارى بالنسبة إلى شريعة التوراة.
أما الجواب عن الأسئلة الأربعة الأولى فهي أن الحديث صحيح رواه مسلم
عن ابن عمر مرفوعًا , ويجب العمل به في كل زمان , فنصب الإمام واجب في
الملة في هذا الزمان كغيره , وجميع المسلمين آثمون بعدم نصب إمام تجتمع كلمتهم
عليه بقدر طاقتهم , ومعاقبون عليه في الدنيا بما يعلمه أهل البصيرة منهم
وسيعاقبون في الآخرة بما يعلمه الله تعالى وحده.
وأما الجواب عن الثلاثة بعدها فهي أن النسب القرشي شرط في الإمام الحق
مطلقًا بإجماع أهل السنة والشيعة , بل سبق إجماع الصحابة على ذلك ولا يُعتد
بمن خالفهم من الخوارج وغيرهم , وإنما ورد في الصحيح أنه يجب أن يُسمع لهم
ويُطاعوا ما أقاموا الدِّين إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والواجب على أهل
الحل والعقد حمل من قصر منهم في إقامة الدين على ما يجب عليه من ذلك.
وأما الجواب عن السؤال الثامن فهو أن الجماعة التي أمرنا باتباعها لا تسمى
جماعة المسلمين إلا إذا كان لها إمام بايعته باختيارها , ومما يدل على ذلك حديث
حذيفة الذي رواه الجماعة كلهم وفي آخره أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له:
(تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) قال: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال صلى
الله عليه وسلم (فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك
الموت وأنت على ذلك) فلم يأمره بالتزام طاعة أي فرقة من فرق المسلمين الذين
ليس لهم جماعة ولا إمام يقيم الحق والقسط.
وأما الجواب عن التاسع فهو أن إمام المسلمين هو رئيس حكومتهم السياسية ,
ويجب عليهم أن يكونوا قوة وشوكة له بمقتضى مبايعتهم له , وليس معنى قوة الإمام
أن تكون له قوة وعصبية قبل مبايعته وأن يبايع لأجلها كما توهم الكثيرون , فإن
هذا أصل فاسد مفسد للدين والدنيا إذ مقتضاه أن الحق للقوة فكل قوي يتبع ويطاع
لقوته , وإن كان ظالمًا عاصيًا له تعالى , ويقر على سلبه الحق من أهله إلخ؛ وقد
وضحنا هذا في كتاب الخلافة.
وأما الأسئلة المتعلقة بالزكاة فجوابها أن الزكاة كان لها عمال في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين يجمعونها من الناس , وكانت تصرف في
مصارفها الثمانية المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (التوبة: ٦٠) إلخ؛ وللإمام أن يصرف بنفسه وأن يعهد بالصرف إلى غيره كما هو
شأن كل رئيس حكومة أو مصلحة أو شركة , أما الشورى فإنما يحتاج إليها في
الوقائع والمسائل المشكلة التي ليس فيها نص صريح قطعي , أو يتوقف تنفيذ النص
فيها على الوجه المطلوب على بحث , ففي مثل ما ذكر كان الخلفاء الراشدون
يجمعون أهل العلم والرأي ويستشيرونهم، وعلى البلاد التي ليس فيها حكومة
إسلامية تنفذ أحكام الشرع في الزكاة أن يدفعوا الصدقات لمستحقيها بأيديهم , وفي
مثل نجد واليمن يؤدونها للإمام.
وأما معاملة الخلفاء في نفقاتهم ومعاملتهم فهي منوطة بأهل الحل والعقد من
جماعة المسلمين , وقد فرضوا للخليفة الأول ما يناسب حالة أمثاله في المعيشة من
حيث هو رجل من أوساط المهاجرين لا أعلاهم ثروة كعثمان وعبد الرحمن بن
عوف ولا أدناهم كعمار بن ياسر، ويجد السائل ما يحتاج إليه من تفصيل لأحكام
الإمامة وأهل الحل والعقد في كتابنا (الخلافة أو الإمامة العظمى) .
***
الاحتيال على الربا بورق النقد
(س١٨) من صاحب الإمضاء
إلى حضرة الأستاذ الكبير صاحب الإمضاء المنير أدام الله فضله:
ورق النقدي يباع ويُشرى في الأسواق بقيمة غير محدودة , فهل يجوز للإنسان
أن يبيع قسمًا من الورق النقدي متفقًا مع المشتري في أسعار أكثر من أسعار السوق
الحاضرة لمدة معينة أم لا؟ نرجوكم أفتونا عنها ولكم من الله جزيل السلام.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... كاتبه
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ياسين السيد
(ج) سبق لنا تفصيل لأحكام الأوراق المالية (بنك نوت) , فنكتفي هنا
بأن نقول: إن هذه الصورة المذكورة في هذا السؤال ليست صورة بيع وشراء، بل
هي صورة دَين مؤجل بزيادة معينة في مقابل الأجل , وهو عقد ربوي ظاهر
صريح ليس من قبيل الحيل التي اختلف فيها الفقهاء، وأما اضطراب أسعار ما
يُسمى الورق السوري فسببه معروف , وهو يشبه فيه نقد الفضة التركي كالريال
المجيدي , فإذا اختلف سعر الريال إذا صُرف بغيره من نقد المعدن أو الورق فهل
يبيح ذلك إعطاء مائة ريال لرجل على أن يرد لمعطيها مائة وعشرة ريالات بعد
أشهر أو سنة مثلاً؟ وهل يسمى هذا بيعًا؟ لا , على أن بيع الربويات المختلفة
الجنس التي يجوز فيها التفاضل يشترط فيها التقابض في المجلس , وإلا كان من
ربا الفضل الذي حرم؛ لأنه ذريعة لربا النَّساء المجمع على تحريمه.