ورث المترجم من والده عفة النفس، وحسن الهدي والسمت، والصفاء وحسن النية، وحب التصوف وإخلاص الصوفية - ولكنه لم يتسن له من السلوك ما تسنى له، والاشتغال بآداب اللغة، فكان منثوره كمنثوره، وقلت عنايته بالمنظوم، فلم يبلغ فيه شأو الوالد، وإنما بلغها وفاقها أخوه عبد الحميد بك شاعر طرابلس المشهور، وقد أشرت إلى ذلك في رثاء الوالد: وإن غدا فيه كل الفضل مجتمعًا ... فقد تفرق في أبنائه النسلا فللمعارف والإرشاد كاملهم ... من حالف العلم فيه الهدي والعملا وفي البلاغة كم (عبد الحميد) سما ... وللتحدي بها آي البيان تلا
وكان أيضًا يحذو حذو والده في التأنق في مطعمه وملبسه، حتى إنه كان يتولى شراء ذلك بنفسه، وإذا لم يعجبه ما يريد من الخضر والفاكهة، وغيرها في السوق القريبة من داره يذهب بالخادم إلى سوق أخرى، فكان من أهنأ الناس معيشةً جامعًا بين التمتع بالطيبات وتقوى الله تعالى، والرضا بما قسمه له، ولكنه ترك التأنق في الملبس في أواخر عمره. وورث من أستاذه الشيخ محمود نشابه حب الاستقصاء والتحقيق في العلم، فكان بعد زمن الطلب والتلقي عن الشيوخ، عاكفًا على مطالعة أشهر الكتب وأعوصها، إما وحده وإما بالمشاركة مع بعض أصدقائه من أهل العلم، كالشيخ محمد الحسيني والشيخ محيي الدين الحفار والشيخ عبد اللطيف نشابه نجل الشيخ محمود نشابه. لما بدأت بطلب العلم ألفيته يطالع مع صديقه الشيخ محمد الحسيني الذي هو أشهر علماء طرابلس اليوم، أشهر كتب المنطق والأصول والكلام، كسلم العلوم، ومسلم الثبوت، والمواقف، والمقاصد، ولم أدرك زمن حضوره دروس الشيوخ إلا درس (نيل الأوطار) على والده، ولم يتمه. والفصل بينه، وبين أستاذه الشيخ محمود نشابه أن أستاذه، وأستاذنا هذا وقف في العلوم عند غاية فهم أشهر الكتب التي تلقاها في الأزهر , والتي قرأها للطلبة، فرضي لنفسه بما صححه فقهاء القرون الوسطى ومتكلموها ومفسروها ومحدِّثوها، وغيرهم من علماء اللغة والمعقول، وكان يصرف سائر وقته في العبادة، وأكثر عبادته تلاوة القرآن، وأما المترجم فقد طلب العلم من سن التمييز إلى منتهى الأجل، فلم تكن نفسه تقف في العلم عند غاية، وإذا لم تطمئن بما قاله أشهر المدققين، وما صُحح في أشهر الكتب المتداولة، يظل يبحث وينقب إلى أن يصل إلى ما يرتاح له ويقتنع به، ولهذا كان يبحث ويسأل دائمًا عما يطبع في مصر والهند من الكتب الجديدة، ويستحضر ما يعجبه ويرجو فائدته منها، فهو أول من أطلعنا على مؤلفات السيد حسن صديق خان ملك بهوبال، وعلى (زاد المعاد في هدي خير العباد) المطبوع في الهند، وعلى (سلم العلوم) و (مسلم الثبوت) و (روح المعاني) وغيرهما من مطبوعات الهند ومصر. وورث من أستاذه الشيخ حسين الجسر الميل إلى الوقوف على حالة العصر العلمية والاجتماعية والسياسية، والعناية بمطالعة المجلات والجرائد والاقتناع بشدة حاجة المسلمين إلى مجاراة الأمم الغربية في العلوم والفنون التي عليها مدار العمران والقوة في هذا العصر، مع المحافظة على أصول ديننا وهديه، وآدابه التي تفضل كل ما عليه تلك الأمم، وغيرها ما لم يخالفها، وكثير مما هي عليه موافق لها أو مقتبس منها، فكان المترجم بهذه المزايا محبوبًا محترمًا عند العوام والخواص من المسلمين وغيرهم، ولو أنه وفق لِنزْع قلادة التقليد من عنقه، ووجّه عنايته إلى حل مشكلات المسائل بالاستقلال التام في الفهم بدلاً من كثرة مراجعة الكتب، لكان بما أوتي من الجد والاجتهاد والإخلاص والإنصاف في البحث، آية في التحقيق وحل المشاكل! على أنه كان على مقربة من ذلك. ولولا أن شغل بعمل الحكومة عن التدريس والتصنيف، لكان للأمة من سعة اطلاعه وفقه نفسه وحسن بيانه عدد غير قليل من العلماء الذين يجمعون بالتخرج على يديه بين العلم والعمل للأمة والملة، ومن المصنفات النافعة التي يخرج بها علمه وفهمه من حيز الإجمال إلى حيز التفصيل، ومن محجبات الصدور إلى سافرات السطور، فإنه - رحمه الله تعالى - كان من الأولين الذين طلبوا العلم لله، لا للمال ولا للجاه، وقلما تصدى طلابهم للتدريس والتصنيف إلا بنيتهما وباعث الرغبة فيهما، وآية ذلك أن ترى أكثر تلاميذهم يهينون العلم في سبيلهما، وأكثر تصانيفهم خالية من كل ما تصلح به الأنفس وتهذب به الأخلاق، وفاقد الشيء لا يعطيه. *** أخلاقه وآدابه وأما أخلاق الرجل وآدابه، فقد كانت المثل الذي يضرب للأسوة، والإمام الذي ينصب للقدوة: عفة وصيانة، صدق وأمانة، جود وسخاء، عزة وإباء، نجدة ومروة، شجاعة وفتوة، رأفة ورحمة، وفاء وعلو همة، وناهيك بصبره وثباته، وبحبه الخالص، وبإخلاصه لذي رحِمِه وإخوانه، فقد كان للأسرة الرافعية الكثيرة العدد في القطرين الشامي والمصري كالوالد العطوف والأم الرءوم، يقوم لكل منهم بما تقتضيه حاله من غنى وفقر، وصحة ومرض. كان من زار طرابلس من المقيمين في القطر المصري منهم يرى من حفاوته به، وإقامة المآدب النفيسة له، والعناية بخدمته، والقيام بشؤونه ما لا ينتظر مثله من والد حفي ولا ولد بار تقي، ولا صديق غني وفي، ولا أمير سخي أبي. توفي أخوه أحمد أفندي في اليمن , وكان حاكمًا إداريًّا في بعض بلادها العثمانية، وترك غلامًا وجارية صغيرين حضنتهما أمهما، ثم بلغه أنها تزوجت، فخاف أن يكون ذلك مضيعةً لهما، فأخذ إجازةً من الحكومة وسافر إلى اليمن؛ لأجل إحضارهما وتولي تربيتهما، وبعد البحث عنهما في اليمن علم أن زوج أمهما رحل بها وبهما إلى العراق عاملاً للحكومة، فسافر إلى العراق في المحيط الهندي في فصل الصيف، إذ يشتد اضطرابه واصطخابه حتى إن أمواجه لتجرف الناس عن ظهور البواخر أحيانًا، فيضطر البحارة العاملون على الظهر إلى ربط أنفسهم بالحبال، وفي مثل ذلك البحر في ذلك الزمن يظهر للمسافر أنه لا مبالغة في تشبيه التنزيل للموج بالجبال، فما حدّث به المترجم وغيره أن السفينة عندما تقع بين موجتين ترى كأنها في واد عميق من أودية الجبال، وقد عجب كل من لقيه في سفره هذا من أهل اليمن والعراق - كأهل وطنه السوري - من شدة غيرته وعلو همته وتفانيه في سعيه لكفالة هذين الولدين، وما كان من غبطته وسروره بالظفر بهما بعد ما كابده في سبيلهما من المشاق والأهوال، وبذل ما يفوق طاقته من المال. وقد قال فيه أخوه الصغير (وهو لأب) : (والله لم يمضني فقد أبي كفقدي أخي، فقد كفاني غصص اليتم بعطفه وبره وإحسانه، ثم أدبني فأحسن تأديبي بقوة روحه وسعة فضله وبيانه) اهـ. أقول: كذلك كان عطفه ووفاؤه لأصدقائه وإخوانه، يكاد يضاهي بره وإحسانه بذي قرباه ورحمه، فكانت داره مثابةً لهم في كل وقت من ليل أو نهار، ولكن عنايته بهم كانت أشد وزيارته لهم أكثر، وقد أجمع على حبه والاعتراف بفضله والثقة بإخلاصه، النصارى كالمسلمين، ولم نر دارًا من دور علماء الدين في طرابلس كداره، يتردد عليها أهل الوجاهة والأدب من جميع الطوائف، ولا يظن القارئ أن سائر علماء طرابلس جفاة أو متكبرون، أو ضُرب على أبواب دورهم حجاب من التعصب الديني فلا يزورون ولا يزارون، كلا إنهم بالرقة واللطف مشهورون، ولكن الفقيد كان ممتازًا فيهم وفي سائر الناس بما ذكرنا من الشمائل والصفات، كما أنه كان ممتازًا بين رجال الدين بالعناية بشؤون السياسة والعمران؛ لأن نفسه كانت تعشق جميع المعارف والحقائق، وتطلب فيها الكمال. كتب إليَّ أخوه عمر أفندي صاحب العبارة التي ذكرناها آنفًا، وهو أصغر إخوته وأشدهم عشقًا لمذهبه واستعذابًا لمشربه، جملةً بمعنى ما تقدم في وصفه، قال: كان رحمه الله على صحة موفورة من العلم والفضل ومكارم الأخلاق، عَزوفًا عن اللغو واللهو، ولوعًا في البحث والدرس، كثير التنقيب عن نفائس الكتب واقتنائها، والوقوف على نوادر مسائلها، فكانت داره لذلك ناديًا لأهل العلم ينتابونه من كل جانب للمذاكرة والمحاورة والإفادة والاستفادة، وقد كان - رحمه الله - شديد الاهتمام بالعالم الإسلامي والأمم الإسلامية لحد لا يوصف، فتراه دائمًا مستطلعًا طلع أخبارهم، متسائلاً عن أحوالهم وأطوارهم، فكان إذا سمع خيرًا استبشر وتهلل، وإن سمع شرًّا بات بليلة الملسوع يتأسف ويحوقل، وكان شديد العناية والعطف على أهله وقرابته، كثير الوفاء لأصدقائه وذوي مودته، وناهيكم بما نُكب به في سبيل تمسكه بمودة الصديق الوحيد والأستاذ الكامل الرشيد، وذلك في أواخر أيام السلطان عبد الحميد، وأما إيتاؤه ذوي القربى واليتامى من أهله، فحدث ولا حرج، فقد كان يلقب نفسه بأبي العشيرة والقبيلة (رحمه الله) نظرًا لكثرة ما كان يهتم للقريب والبعيد عنه من أهله المنتشرة في سورية ومصر وبلاد الله أجمع. ولولا تعهده إياي مدة اليتم في الصبا، وأيام نكبتي السياسية في دور الشباب لهلكت، وايم الله، ولولا غرسه في نفسي حب الفضيلة والالتحاق بأهلها لما كنت لمثلكم عاشقًا، وبكم طروبًا. (كان - رحمه الله - صبورًا على اللأواء والضر، ولقد خسرت طرابلس بوفاته عالمًا كريمًا وبارًّا رحيمًا، بكاه المسلم وغير المسلم؛ لصلابته في دينه وعلمه وفضله وثباته العجيب في مبدئه الحق، وهو حب الحق ونصرته بكل وسيلة وذريعة، ولكثير من المسيحيين النبلاء عندنا حب له بوجه خاص نظرًا لما عرفوا من حريته وشجاعته وصدق وطنيته، ولولا مخافة التطويل لأقمت لكم على ذلك ألف دليل، وحسبي مع ذلك أن أقول: إن مجاهرة المرحوم بكل ما كان يعتقد من حق صريح، ووقوفه في وجه الظلمة الطغاة من كبار رجال الحكومة البائدة في عهد عبد الحميد ومن بعده، بل وإحسانه إلى مواطنيه المسيحيين على اختلاف طبقاتهم بالتأمين والتطمين لهم أيام الحرب العامة كلما هم بهم شيطان من شياطين الحكومة، أو طرأ عليهم حادث من حدثان يطرأ على الأمة - قد عرفهم بكثير من مزايا الإسلام، وفضل علمائه العاملين....) . (ويلي هذا كلام قطعه المراقب من الكتاب) . *** مودة المترجَم وولايته لصاحب المنار كان بين آل بيتنا وبين الرافعية في طرابلس مودة ورثها الأب عن الجد، ولكنها مع بعض الأفراد أقوى من بعض، فكان الشيخ عبد الغني أحب شيوخهم إلى والدي، ونجله المترجم أحب شبانهم إليه، لذلك كنت منذ الشروع في طلب العلم أتردد عليه وأحب مذاكرته على شدة إعراضي عن معاشرة الناس، محافظةً على سلامة الفطرة والأخلاق، وقد وجدته أقرب المشتغلين بالعلم إلى ذوقي؛ لحبه التصوف وعنايته بكتبه، وكنت لا أعرف من كتب الصوفية إلا إحياء العلوم للغزالي - رحمه الله تعالى - فشوقني إلى كتب الشعراني وكان مغرمًا بها، وأعارني المتن والعهود الكبرى والطبقات، فألفيتها دون الإحياء، فكنت أعرف منها وأنكر، وكنت أحضر في بعض الأوقات دروس مطالعته الخاصة التي بينتها من قبل، وألقي السمع إلى بعض المسائل في الكلام والأصول، فإذا فهمتها ذكرت له ولرفيقه رأيي في الخلاف فيها، فإذا تبين له بعد البحث ومقابلة الدلائل أن ما قلته هو الراجح، قال لي: من أين جئت بهذا الرأي وأنت لم تحضر درسًا واحدًا في هذا الفن، ولا سمعت هذه المسألة وأمثالها من قبل؟ فكنت أقول له: إنني رجعت إلى نفسي، فوجدتها لا تعقل الحق إلا فيما قلته، أو ما هذا ما معناه، ولما تكرر ذلك صار يبتدأني أحيانًا بالسؤال، فيذكر مسألةً مشكلةً، ويقول بعد بيان الخلاف فيها: ارجع إلى نفسك، واذكر لي حكمها فيها. كان هذا مبدأ حسن ظن المترجم بأخيه في الله، ثم نمى الاعتقاد، كما ينمي في اليد الخضاب، حتى انتهى فيه أخيرًا إلى رأي العالم الناسك الشهير الشيخ عبد الباقي الأفغاني، إذ كان يقول: إن علم (فلان) لدنِّي، فإن مثل هذا لا يأتي بالتحصيل الكسبي، فكان المترجم - أجزل الله ثوابه - وليًّا ونصيرًا لي منذ أقدمت على الدعوة إلى الإصلاح الديني والمدني في عهد طلب العلم إلى أن توفاه الله تعالى إليه كما أشار إلى ذلك أخوه فيما رويناه عنه آنفًا. ولا مندوحة لي عن ذكر بعض الأمثلة والشواهد على ذلك؛ لأنها من أهم ما يكتب في ترجمة الرجل من حيث هو ركن من أركان النهضة الإسلامية الحديثة في طرابلس: دعاني بعض إخواننا مرةً إلى حضور حفلة الذكر السنوية الأولي للمولوية في طرابلس، ويسمونها المقابلة، ولم أكن رأيتها قبل ذلك - ولا رأيتها بعده - فذهبنا بعد صلاة الجمعة إلى تكيتهم في وادي نهر أبي علي جنوبي القلعة، وإنه لواد وسيم صح فيه الماء، واعتل النسيم , وإنها فيه لدار من أجمل الديار , في جنات تجري من تحتها الأنهار , وقد أمها في ذلك اليوم خلق كثير من العلماء والوجهاء وسائر الطبقات، فجلسنا مع أمثل النظارة (المتفرجين) في منظرة (كُشك) تجاه مكان المقابلة، فرأينا شيخ المولوية جالسًا على جلد من جلود الضأن أو الماعز، ورأينا جماعة الذاكرين - بل الراقصين - منهم وقوفًا لابسين جلابيب رقصهم المعروف عند أكثر الناس في كل بلد يوجدون فيه، ورأيناهم يقبلون على شيخهم الجالس، فيحيونه بالركوع وتنكيس الرؤوس، وسمعنا العازفين بالناي يعزفون لهم في موضع معين من تلك (الحضرة) ويخيل إلي أنه كان هنالك معازف أخرى، فلما رأيت ما رأيت وسمعت ما سمعت، أخذتني صورة الغضب ورأيت - والقوم كلهم سكوت مقرون لذلك - أنه تعين عليّ القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فوقفت في وسط النظارة وبينت لهم أن هذه بدع ومنكرات شر ما فيها أنها جُعلت من الدين، والدين بريء منها إلخ، وأمرت الناس بالخروج؛ لأن إقرار المنكر كفعله، وخرجت ولم ينبس أحد من الناس بكلمة استحسان ولا استهجان، ولما بعدت عن المكان قليلاً نظرت ورائي فوجدت أناسًا يتبعونني، ولكنهم قليل بالنسبة إلى من بقي. كان هذا الإنكار مثارًا للعجب في طرابلس الشام، وصار حديث الناس في أنديتهم وسمارهم وملاهيهم، وهم بين مستحسن ومستهجن، ومعترض ومجيب، وكنت أرى أن أقوى المؤيدين لي، والمدافعين عني صاحب الترجمة على شدة أدبه مع جميع المنتسبين إلى طرق التصوف وتأثره ببعض خرافات كتب الشعراني، ومن العجائب أن أستاذي الشيخ حسينًا الجسر وصديقه وصديق والدي الشيخ عبد الله البركة من العلماء - كانا من المنكرين عليّ الناصحين ليّ بالسكوت عن مثل هذه الأمور، فقد دعاني معهم في تلك الأيام إبراهيم أفندي السبع إلى طعام أعده لنا في بستان، وهو ما يسميه أهل طرابلس بالسيران، وهنالك سألني الشيخان عن حقيقة ما يتحدث به الناس في تلك الحادثة، فنصصت القول على غره، فصار شيخنا يدافع عن المولوية بمثل ما يؤثر في الكتب من الدفاع عن الصوفية، وأنا أحتج بالسنة ونصوص الشرع، حتى قال متبرمًا: إن مذهبنا (يعني الحنفية) أشد من مذهبكم (يعني الشافعي) في تحريم السماع والمعازف ولكن الصوفية لهم حالة أخرى مع الله، وإني أخاف عليك من عاقبة الخوض فيهم والطعن عليهم، قلت له: إن هؤلاء القوم ليسوا من الصوفية في شيء حتى يسلم لهم بأن لهم اجتهادًا وأحوالاً تعرض لهم في بعض الأوقات يعذرون فيها بما لا يعذر به غيرهم، قال: فما بالك تخص هؤلاء بالإنكار، وتسكت عن مرتكبي المعاصي الصريحة التي لا تأويل لها، فإن من الناس من يشرب الخمر ومن يلعب بالقمار؟ قلت: إني لم أر من هؤلاء أحدًا، على أن حالهم أهون من حال مَن يجعل البدع والمنكرات دينًا، قال: لك الحق من الجهة الشرعية، وقد بينت لك رأيي وبذلت نصحي، فاختر لنفسك ما يحلو، أو ما هذا معناه. (للترجمة بقية) ((يتبع بمقال تالٍ))