(س ١٣) من صاحب الإمضاء في بلده طنبدي - البتانون (المنوفية - مصر) طبنده في ١٠-١١-١٩٢٦ حضرة صاحب الفضيلة الأعظم محيي السُّنة ومميت البدعة السيد رشيد رضا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد، فإن القرية عندنا فريقان فريق ينفون البدعة بتاتًا في الدين ويتمسكون بأحاديث وآيات كثيرة وعلى رأسها حديث (كل بدعة ضلالة) وفريق يقولون: إن حديث (كل بدعة ضلالة) ... إلخ، عام مخصوص كما قال عنه الزرقاني على الموطأ، ويقولون: إن للبدعة أحكامًا خمسة منها الواجب كتعلم النحو وما يتعلق عليه فهم الشريعة، والمحرم كمذهب القدرية والمندوب كإحداث الربط والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول والمكروهة كزخرفة المساجد والمباحة كالسلام خلف الأذان والقرآن خلف الجنائز كما قال ابن عبد السلام: ويحتجون بقوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} (الحديد: ٢٧) وقوله عليه السلام: (ما استحسنه المسلمون فهو حسن ومن سن سنة حسنة ... إلخ) وقول عمر رضي الله عنه في الموطأ بشأن جماعة التراويح: (نعمت البدعة) . هذا وإنا قد ارتضيناك بيننا حَكَمًا، ونأمل أن ترشدونا بما جبلتم عليه من نصر الحق ودفع الباطل والسلام. ... عن أهل القرية ... ... ... ... ... ... متولي أحمد ... ... ... ... ... ... ناظر طنبدي مركز شبين الكوم نرجو توضيح أسماء الكتب التي يرجع إليها في هذا الأمر (ج) قد شرحنا هذه المسألة في المنار مرارًا، فنختصر الآن ما نقول فيها اختصارًا: إن لكلمة بدعة إطلاقين إطلاقًا لغويًّا بمعنى الشيء الجديد الذي لم يسبق له مثل وبهذا المعنى يصح قولهم: إنها تعتريها الأحكام الخمسة ومنه قول عمر - رضي الله عنه - في جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح نعمت البدعة، وإطلاقًا شرعيًّا دينيًّا بمعنى ما لم يكن في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يجئ به من أمر الدين كالعقائد والعبادات والتحريم الديني وهو الذي ورد فيه حديث (فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وهو لا يكون إلا ضلالة؛ لأن الله تعالى قد أكمل دينه وأتم به النعمة على خلقه فليس لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يزيد في الدين عقيدة، ولا عبادة، ولا شعارًا دينيًّا ولا أن ينقص منه ولا أن يغير صفته كجعل الصلاة الجهرية سرية وعكسه، ولا جعل المطلق مقيدًا بزمان أو مكان أو اجتماع أو انفراد لم يرد الشارع ولا أن يحرم على أحد شيئًا تحريمًا دينيًا تعبديًا بخلاف التحريم غير التعبدي كالمتعلق بمصالح الحرب أو المعاش كالزراعة.. إلخ وفي هذا النوع ورد حديث (من سن سنة حسنة) ... إلخ وهو حديث صحيح معروف، وأما قول ابن مسعود رضي الله عنه ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن فلا حجة فيه لا لكونه غير مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط بل؛ لأنه في معنى الإجماع وهو لا يكون إلا عن دليل وليس معناه أن الابتداع في الدين مشروع لكل أحد أو كل جماعة. فما ذكر في السؤال عن الزرقاني من أمثلة البدعة اللغوية صحيح إلا جعله السلام خلف الأذان والقرآن خلف الجنائز من المباحات نقلاً عن ابن عبد السلام فالأذان عبادة من شعائر الإسلام ورد بألفاظ معدودة، جرى عليها العمل في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين فلو جاز أن يزاد فيه سلام لجاز أن يزاد فيه غيره من الأذكار كسبحان الله، والحمد لله، وبعض آيات القرآن، ومقتضى هذا أنه يجوز لكل أحد أن يغير شعائر الإسلام بما استحسن من زيادة أو نقصان ولم يقل بجواز هذا أحد من أئمة المسلمين المجتهدين ولو جرى المسلمون على هذه البدعة فعلاً لما بقي شيء من شعائر الإسلام على ما جاءنا به الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الله تعالى ولصرنا في أديان جديدة كل طائفة أو جماعة أو فرد يخالف فيها سائر المسلمين. ولو جاز أن يزاد في عبادة الآذان لجاز أن يزاد في غيرها كجعل الصلاة الثلاثية رباعية والرباعية خماسية وجعل الركوع في ركعة مرتين أو أكثر والسجود ثلاثًا أو أكثر وهلم جرا، وهل يوجد أحد شم رائحة العلم الديني والعقل يجيز هذه الفوضى والتصرف في دين الله؟ وليعلم السائل أن الفقيه ابن حجر الهيتمي ذكر مسألة البدعة في موضعين من فتاواه الحديثة أولهما جواب سؤال عن الموالد والأذكار التي تفعل في مصر هل هي سنة أو فضيلة أو بدعة؟ فأجاب بأن أكثرها مشتمل على خير وعلى شر، بل شرور وإن ما كان هكذا يجب منعه عملا بقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ثم ذكر أن الاجتماع للبدع المباحة جائز وذكر الأحكام الخمسة للبدعة ومثَّل لها بما نقلتم عن الزرقاني إلا المباحة فإنه مثَّل لها بالمصافحة بعد الصلاة وهذا أهون من التمثيل بالسلام خلف الآذان؛ إذا كان المراد به الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - كما هو الظاهر وإباحة المصافحة بعد الصلاة مقيدة بالأمن من اعتقاد الناس أنها مشروعة بعدها ومن جعلها شعارًا دينيًّا، وقد شرح الإمام الشاطبي اشتراط مثل هذا في كتاب الاعتصام ثم ذكر ابن حجر المسألة في جواب من سأله عن أصحاب البدع الذين ورد في الحديث الترغيب في الإعراض عنهم وفي انتهارهم وصرح بمثل ما قلناه من أن قول عمر في التراويح نعمت البدعة هي أراد به البدعة اللغوية وهو ما فعل على غير مثال كما قال تعالى: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ} (الأحقاف: ٩) وليست بدعة شرعًا فإن البدعة الشرعية ضلالة كما قال - صلى الله عليه وسلم - فمعناه البدعة الشرعية. اهـ وذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بعض ليالي رمضان صلاة القيام واقتدى به الصحابة ولم يستمر على ذلك لئلا تفرض أو تعد فرضًا ثم صار الناس بعده يعقدون لها عدة جماعات حتى جمعهم عمر- رضي الله عنه- على إمام واحد كراهة التفرق المذموم شرعًا فجماعتها مأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بدعة شرعية، وأما استدلال محبي البدع وأنصارها بآية رهبانية النصارى فلا دليل لهم فيه؛ لأن شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا ولأن الآية ليست نصًّا في موضع النزاع إذ قيل إن الاستثناء فيها متصل وقيل منقطع وقد فصل الشاطبي الكلام فيها بما يدحض شبه المبتدعة فيراجع في كتابه الاعتصام وهو أوسع الكتب في هذا الشأن.