للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أسئلة من صاحب الإمضاء في صولو

(س٧١ - ٧٥ من صاحب الإمضاء في صولو)
الحمد لله وحده
حضرة عزيزي ومولاي صاحب الفضل الأكبر. ومنشئ مجلة المنار الغراء،
السيد محمد رشيد رضا، كان الله له معينًا ومرشدًا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فيا صاحب الفضيلة أرجو من جنابكم العالي أن تجيبوا على الأسئلة الآتية بأدلة
شرعية لتحوزوا الثواب والأجر من الله. وتفضلوا بقبول أوفر تشكُّراتي الجزيلة:
(١) ما قولكم عزيزي في حديث: (مَن تشبه بقوم فهو منهم) هل ذلك
حديث صحيح أو موضوع؟
(٢) وما معناه إذا كان حديثًا صحيحًا ليس بموضوع؟
(٣) وهل المسلمون الذين يستعملون (البنطلون) و (الزنار) أي حبل
الرقبة ويعرف عند الفرنساويين (قرافات) يكفرون بموجب نص ذلك الحديث أم لا؟
(٤) وما معنى الآية {وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} (هود: ١١٣) إلخ؟
(٥) وما قول جنابكم في شخص مسلم يدين بدين الإسلام كما أنه يزعم أنه
من جهابذة المسلمين الكبار وعلامة بمعنى الكلمة أفتى للفيف من المسلمين بقوله:
إن الرجل المسلم الذي يرتكب المعاصي المحرمة شرعًا كشرب الخمر والزنا -
أفضل عند الله من المسلم الذي يستعمل الزنار أي حبل الرقبة، وبالفرنساوية
(قرافات) وما حكم القائل بهذا الكلام والإفتاء الفظيع الشنيع في الشرع؟ ، وهل
يحكم عليه العقل بالجنون أو بالإلحاد؟ أفيدونا سيدي على صفحات مجلتكم المنار
الغراء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... ... ... ... ... ... عيضة بن أحمد البحري الصدفي
(ج ٧١) حديث (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أحمد وأبو داود والطبراني
قال في المقاصد الحسنة: وسنده ضعيف وصححه ابن حبان. أقول: ولكن
السيوطي أشار في الجامع الصغير إلى حسنه، ففيه ثلاثة أقوال أوسطها أنه حسن
بين الصحيح والضعيف وليس بموضوع قطعًا. وابن حبان يتساهل في التصحيح
فيتروى فيما ينفرد بتصحيحه كالحاكم.
(ج ٧٢) معنى الحديث مَن تكلف أن يكون شبيهًا بقوم في أفعالهم ومراياهم
فإنه يعد منهم، فالذي يتكلف البذل تشبها بالأسخياء الأجواد يعد سخيًّا جوادًا وقد يصير
منهم بالفعل فإن التكلف ينتهي غالبًا بأن يصير مَلَكَة كما ورد: (العلم بالتعلم والحلم
بالتحلم) ومن المعلوم بالبداهة أن الإنسان لا يميل إلى التشبه إلا بمن يراه فوقه
وأفضل منه، فكل من يترك شيئًا مما هو عليه وقومه من العادات والتقاليد والآداب
والأعمال ومنها الأزياء ويستبدل بها ما عليه غيره وغير قومه في معناها فإنما يفعل
ذلك لاحتقار ما تركه وتفضيل ما تكلفه عليه؛ ولذلك كان يكره النبي صلى الله عليه
وسلم التشبه بأهل الكتاب في عاداتهم وأعيادهم وغير ذلك وينهى عنه فهو
في الديانات محرم وفي العادات مكروه، وكان عمر بن الخطاب أميرالمؤمنين ينهى
جيوشه عن التشبه بالأعاجم الذين يفتحون بلادهم ويحتم عليهم المحافظة على
مشخصاتهم العربية. وقد فصلنا ذلك مرارًا.
معنى آية {وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} (هود: ١١٣) :
(ج٧٣) الركون ميل الثقة والاطمئنان. ومعنى الآية في الجملة (ولا
تركنوا) أيها المؤمنون (إلى الذين ظلموا) من المشركين وغيرهم فتوالوهم أو
تعتمدوا على صدقهم في ولايتكم أو تقروهم على ظلمهم أو تساعدوهم عليه
{ ... فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} (هود: ١١٣) التي هي جزاء الظالمين في الآخرة وهي
مآلهم ومآل أعوانهم، قد تعاقبون على ذلك في الدنيا والآخرة جميعًا فإن عاقبة
الظالمين في الدنيا إذا طال العهد على ظلمهم هو الهلاك كما نطقت بذلك الآيات
الكثيرة ودلت عليه عبر التاريخ {وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء} (هود:
١١٣) يتولون أمركم {ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (هود: ١١٣) بالركون إليهم فيفوتكم
ما أملتم من الركون إليهم.
حكم لبس البنطلون ونحوه:
(ج٧٤) المسلمون الذين يلبَسون السراويل الضيقة المعروفة بالبنطلون
ويضعون في رقابهم الزيق المذكور في السؤال لا وجه للقول بكفرهم ولا فسقهم
بذلك؛ لأن هذا اللباس لا يتضمن تكذيبًا لما جاء به محمد رسول الله وخاتم النبيين
من أمر الدين ولا خروجًا عنه، بل هو الآن لا يعد تشبهًا بغير المسلمين؛ لأنه
صار من ملابسهم. وتشبه المسلم بغير المسلم في بعض العادات غير الدينية لا يعد
كفرًا ولا معصية لله ولرسوله وإنما هو مكروه شرعًا كما هو مكروه سياسةً ووطنيةً.
أما شرعًا فلما تقدم، وأما وطنية وسياسة فلما ذكرناه من تضمُّنه لاحتقار عادات
أهل ملته ووطنه، وتفضيل غيرهم عليهم.
شرع ما لم يأذن به الله:
(ج٧٥) إن الذي زعم أن من يرتكب كبائر الإثم والفواحش كشرب الخمر
والربا أفضل عند الله من المسلم الذي يضع في عنقه زيق الرقبة المسمى باللغة
الفرنسية (بالكرافات) أقل ما يقال فيه إنه جاهل بدين الله يقول على الله ما لا يعلم،
وقوله هذا أعظم جرمًا وأكبر من العصاة لا من واضع زيق الرقبة على فرض أنه
إثم؛ لأن العلماء قالوا في الآية الجامعة لأصول الكفر والمعاصي {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ
رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا
لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف: ٣٣) قالوا: إن
هذه الكليات ذُكرت بطريق الترقي من المحرم إلى ما هو أشد تحريمًا منه، وإن
القول على الله بغير علم تشريع ديني وهو حق الله وحده فمن شرع للناس ما لم يأذن
به الله فقد جعل نفسه شريكًا لله في التشريع، ومن قبل تشريعه فقد اتخذه شريكًا
لقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (الشورى:
٢١) .
وإنما كان هذا أكبر من اتخاذ شريك لله في العبادة كالدعاء والاستغاثة؛ لأن
شرك مَن عبد غير الله بدعاء ونحوه قاصر عليه، ومن اتخذ نفسه شارعًا للناس
فشركه متعدٍّ إلى من يتبعه في تشريعه.
هذا، إذا كان نقلكم عمن ذكرتم صحيحًا. ويحتمل أن يكون الرجل قال هذا
في الزنار الذي كان في العصور الأولى شعارًا لأهل الذمة يمتازون من المسلمين
وصار لابسه يعد منهم، ولكن هذا قد بطل منذ قرون. وزيق الرقبة في هذا العصر
يتخذه ملايين من المسلمين وغيرهم، ولا يصح على أي حال أن يقال: إن مرتكبي
كبائر الإثم والفواحش أفضل عند الله ممن يلبَس لبسًا خاصًّا بالنصارى أو غيرهم
ولا من النصارى أنفسهم، فإن المقام ليس مقام تفاضل مطلقًا.
وقد اعتاد بعض المتنطعين من لابسي لباس العلماء على المجازفة في التحريم
والتكفير بغير علم ولا عقل وإنما يغرهم قبول أكثر العامة لأقوالهم، وهذا سلطان
كان لهم وقد أشرف على الزوال لإساءتهم التصرف فيه.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.