للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(فكاهة بدوية في أخبار البلاد العربية)
تفكه القراء بنص كتاب أرسله بدوي نجدي إلى مثله من النجديين الذين
يختلفون إلى هذه الديار للتجارة ونصه:
(ورد علينا جواب من بمباي ويذكر فيه بأن ابن سعود كان على ابن سبهان
وابن جراد على النبقي، ومعهم سبعة أسلاف من شَمَّرَ وحروب وقحاطين
وصليلات، وقطعهم قطعًا ومعهم جميع ذخرة ابن رشيد وجيشه، والذي سلم منهم
زَبَنَ بريدة وابن رشيد نازل على الحفر، ويوم جاءه الخبر شدّ وشمّل. ويذكر صالح
الحسن وأهل القصيم معهم قيمة ٢٠٠ ذلول نازل البطان وجابر ابن صباح وقومهم
على الصبيحة، هذا الذي ورد علينا والكون في ٢٨ شوال) .
***
(تفسير الغريب)
ابن سبهان وابن جراد قائدان من قواد ابن رشيد، والنبقي واد في أرض
القصيم، والأسلاف الطلائع الذين يتقدمون الجيش، وله أصل في الفصيح، قال
في الأساس: وسَلَف القوم تقدموا سُلوفًا، وهم سَلَف لمن وراءهم وهم سُلاف
العسكر: وحروب يريد به طوائف من بين حرب، وعلى هذا النحو جمع قحطان
وصليلة. والذُّخرة مؤنث الذُّخر بمعنى الذخيرة. وقوله: (زَبَنَ بريدة) أي لجأ
إليها وهي قرية من قرى القصيم الكبيرة، والزبن في اللغة الدفع ومنه سُمي
الشرطة وأعوان النار زبانية؛ لأنهم يدفعون الناس ويدعُّونهم، وجاء في كلامهم
(تحته جمل يزبن المطيّ بمنكبيه) أي يسبقها. كأن البدوي هنا يريد أنهم لجؤوا
إلى بريدة مدفعوعين بقوة أعدائهم.
والحفر بين البصرة وبلاد نجد كما يقولون. وشمّل سار إلى جهة الشمال.
وفي الفصيح: شمل به: أخذ ذات الشمال، والبطان - وقال لنا من أرسل إليه
الكتاب: الصواب البطانيات - مياه ينزلون عليها في جهة الدهناء، والذَّلول الناقة
المذللة عربية فصيحة. والصبيحة بالقرب من الكويت، وهي منسوبة إلى ابن
صُباح، وجابر هذا هو ابن مبارك الصُّباح شيخ الكويت. (والكون) يريد به
الغزو الذي ذكره.
***
(مشيخة الجامع الأزهر ونقابة الأشراف)
قضت إدارة الأمير بعزل الشيخ سليم البشري من مشيخة الأزهر، وقد
استشار نظاره هذه المرة فيمن يولي بدلاً منه، فكان لهم في كل واحد من كبار
الشيوخ المرشحين من سموه لهذا المنصب علة تحول دون توليته إياه حتى إذا رشح
السيد الشيخ علي الببلاوي نقيب الأشراف اتفقوا عليه فأصدر العزيز أمره بتوليته
فنهنئه بهذه الثقة، ونسأل الله تعالى أن يجعل أيامه أيام إصلاح يتقدم فيها الأزهر
تقدمًا مبينًا، وإن لنا مع هذا الدعاء رجاء فإننا نعهد بالسيد الرفق وهو عنوان الخير،
والله يحب الرفق في الأمر كله كما في حديث عائشة عند أحمد والشيخين
والنسائي وابن ماجه. وقال صلى الله عليه وآله وسلم (ما كان الرفق في شيء إلا
زانه، ولا نزع من شيء إلا شَانَهُ) رواه عبد بن حميد والضياء عن أنس، وأما
الخُرْق (ضد الرفق) فإن صاحبه يشغله الغرور عن الإحساس بالحاجة إلى
الإصلاح. وإن لنا لَعودة إلى الكلام في الأزهر إن شاء الله تعالى.
ثم قضت إرادة الأمير بأن يعيد منصب نقابة الأشراف إلى نصابه الأول،
وهو بيت البكري الشهير فأمر بإعادة النقابة إلى صاحب السماحة السيد محمد توفيق
أفندي البكري شيخ مشايخ الطرق، وكانت تحولت عنه من بضع سنين، وعهد إلى
ديوان الأوقاف العمومية بالنظر في أوقاف الأشراف وإدارتها وكان النقيب هو الذي
يديرها.
***
(مدرسة ماهر)
كنا استبشرنا عندما علمنا بأن المرحوم عثمان باشا ماهر أوقف أرضًا واسعة
على إنشاء مدرسة إسلامية، ونوهنا بذلك تنويهًا حسنًا، ولكن قد خاب أملنا في هذه
المدرسة منذ علمنا أنه عُيِّنَ في الوقفية لكل معلم يعلِّم فيها راتب لا يزيد على أربع
مائة قرش في الشهر، وما كان لأحد يحسن التعليم أن يرضى بهذا الراتب في
مصر وإنما فائدة المدرسة بالمعلمين، ولقد كان الذي أشار بهذا التعيين هو الذي
أحبط عمل الواقف بما جعله صورة بغير معنى، وإن هذا لَمِنَ البراهين المثبتة
لرَأْينا بأن نجاح الأمة لا يُعْوزه المال وإنما يُعْوزه الرجال، فالمال كثير والرجال
قليل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
***
(إصلاح حروف المطابع العربية)
للحروف العربية شكل في الإفراد وشكل في تركيب الكلمات، بل أشكالٌ
فائدتها الاختصار فإن الكلام إذا كتب بالحروف المفردة يشغل من مساحة الورق
أكثر مما يشغله إذا كتب بهذا التركيب المعروف، وبهذا يَفْضُل خطنا خطوط اللغات
الإفرنجية ولكن له سيئة في الطباعة وهي كثرة أشكال الحروف التي تتألف منها
الكلم وقد زاد هذه السيئة سوءاً واضعو أشكال حروف الطبع، فإنهم جعلوا أشكالها
بضع مئين؛ لأنهم جعلوا للحرف الواحد أشكالاً مفردة وأشكالاً مركبة مثنى وثُلاث
ورُباع فبلغت أشكال الحروف في مطبعة بولاق الأميرية تسعمائة شكل وهي في
غيرها من مطابع أوربا والأستانة والشام أقل من ذلك ويزعمون أن كثرة الأشكال
لحفظ جمال الخط العربي، ولكننا نرى أن أكثر هذه المطابع أشكالاً أقلُّها جمالاً.
وقد ارتقت الطباعة العربية في الأستانة والشام وقلت أشكال الحروف
الإستامبولية ووجدت هذه الحروف في مصر فحسنت بها الطباعة وصار طبع
المطبعة الأميرية - وهي أشهر المطابع العربية في الدنيا - أقبح الطبع، وإن كانت
لا تزال ممتازة بالتصحيح لذلك توجهت عناية نِظَارة المالية إلى إصلاح هذه
المطبعة فألفت لجنة للبحث في طرق الإصلاح رئيسها إبراهيم باشا نجيب وكيل
الداخلية وأعضاؤها الشيخ حمزة فتح الله مفتش في نظارة المعارف وشيلو بك ناظر
المطبعة الأهلية والجرائد الرسمية وأمين سامي بك ناظر مدرسة الناصرية وأحمد
زكي بك الكاتب الثاني لأسرار مجلس النظَّار، وكان عمل هذا النظر في اختصار
صندوق الطباعة وتسهيل جمع الحروف فاختبر حال المطابع العربية في الآستانة
وأوربا فوجد أن أقل المطابع حروفًا مطبعة أكسفورد في إنكلترا، فأشكال حروفها
٢٨٢ شكلا، وبعد البحث والتدقيق اهتدى إلى جعل هذه الحروف ١١٢ يضاف إليها
بعض الحروف الأعجمية المستعملة في اللغات الشرقية التركية والفارسية والهندية
والجاوية والماليزية، وبعض المركبات والأرقام والعلامات التي لا بد منها فتكون
١٧٨ وَفاتَهُ أن يضيف علامات العلوم الرياضية أيضًا.
وذكر أن فوائد هذه الطريقة تقليل أدوات الطباعة والاقتصاد في المال والوقت
والعمال، والتناسق الهندسي في السطور، وقد كتب مذكرة في رأيه فقبلتها اللجنة
وسمحت نظارة المالية بثمانية آلاف جنيه ونيف لتنفيذ الإصلاح.
وأهل الصناعة يتنازعون في بعض الفوائد ولكنهم لا ينكرونها من أصلها وقد
أضافوا إلى زعمهم أن هذا الاختصار يذهب ببعض جمال الخط الذي يحفظ الطبع
صورته بسبب حذف بعض الأشكال واستبدال المفضول بالأفضل ولو اتَّخذت
المطبعة الأميرية صندوقًا أو أكثر من الأشكال التي قضي بحذفها وخصتها بكتابة
العناوين ورقاع الزيارة والدعوة ونحو ذلك لأحسنت عملاً. الاقتصاد في الوقت
يظهر بادئ الرأي ولعله لا يتم تجربة لأن العامل يمد يده إلى الصندوق الذي كل
حروفه مفردة بعدد حروف الكلمة وإلى ما فيه حروف مركبة أقل من ذلك. ومن
الجلي أنه لا اقتصاد في ثمن الحروف لأن قلة الأشكال لا يقتضي قلة عدد الحروف.
ولكن قلة الحروف مسهلة لتعليم جمع الحروف وسرعة التمرن بل هي مسهلة لتعليم
القراءة والكتابة أيضًا.
***
(تنبيه للمشتركين)
يرى القراء من الخاتمة الآتية أننا سنزيد المنار إتقانًا، ولكننا لم نزد ثمنه
إلا قليلا بالنسبة إلى خارج البلاد المصرية، فكل مَنْ قَبِلَ العدد الأول من السنة
السادسة في القطر المصري فهو يعد مشتركًا إلى نهاية السنة ويلزم بدفع خمسين
قرشًا صحيحًا، وقيمة الاشتراك في خارج القطر ١٨ فرنكا وفي الهند ١٠ روبيات
وفي روسيا ٧ ريالات (روبل) .