إسقاط الدولة العثمانية، وتأسيس دولة تركية، وجعْل سلطة الخلافة العثمانية روحية بحرمان الخليفة من السلطتين التشريعية والتنفيذية، عملاً بقاعدة الديمقراطية الأوربية. بَيْنَا كان صديقنا الزعيم الهندي الكبير (مولانا أبو الكلام) يُجهد قريحته في استنباط الدلائل لإقناع العالم الإسلامي بوجوب طاعة الخليفة العثماني السلطان محمد وحيد الدين، والخضوع لخلافته، وإن أساء وظلم، وفعل ما فعل ما لم يكن كفرًا بواحًا، وارتدادًا عن الإسلام صراحًا -كان هذا الخليفة يستفتي شيخ الإسلام في دولته في اعتبار حماة الدولة من أبطال الأناضول الكماليين - بُغاة خارجين على الإمام (الخليفة) ، يجب قتالهم شرعًا، ويعد المقاتل لهم بأمر الخليفة غازيًا مأجورًا، والمقتول بأيديهم شهيدًا مغفورًا، وكان هؤلاء الكماليون قد ألفوا حكومة تركية محضة، لها السلطان كله على الأمة باسم الأمة، ولا سلطان عليها لملك ولا خليفة، وما يتبع ذلك من ثل عرش آل عثمان! وضع هؤلاء الغزاة المستبسلون ميثاقًا وطنيًّا لإنقاذ بلادهم من السلطة الأجنبية التي فرضتها عليهم معاهدة الصلح مع الحلفاء، وقَبِلها السلطان وحيد الدين، وحكومته، ثم وضعوا لحكومتهم الوطنية قانونًا أساسيًا نسخوا به قانون حكومة آل عثمان، وأسقطوا دولتهم. وإننا ننشر الآن هذا الميثاق، وهذا القانون مترجمَيْن بالعربية، ونقِّفي عليهما بنشر ترجمة الخط السلطاني بتأليف وزارة الداماد فريد باشا المتضمن لأمره بقتال الكماليين، وترجمة فتاوى شيخ الإسلام بذلك، وبلوغ الصدارة العظمى في تنفيذ أمر الخليفة المؤيَّد بهذه الفتاوى، ونجعل هذا أصلاً، وتمهيدًا لبيان ما ترتَّب عليه من الانقلاب بالفعل. ترجمة الميثاق القومي التركي بالعربية (وهو الذي تأسست الحكومة الكمالية في الأناضول لأجل تنفيذه) المادة الأولى: أن الأقطار العثمانية - التي أكثر سكانها من العرب، والتي تحتلها جيوش الأعداء منذ عقد الهدنة في أكتوبر سنة ١٩١٨ - يجب أن يقرَّر مصيرها طبقًا لإرادة أهليها، على أن يمكَّنوا من الإعراب عن إرادتهم بملء الحرية. وأما الأقطار العثمانية - الواقعة أمام خط الهدنة ووراءه، التي أكثر سكانها من المسلمين العثمانيين الذين تجمعهم وحدة الدين، والمذهب، والغاية الوطنية - فهي حريصة على حقوقها القومية، ومزاياها الاجتماعية، فلا تقبل التجزئة، والتقسيم على أي حالٍ ولا بأي شرط. المادة الثانية: أن ألوية قارص وأردهان وباطوم - التي أثبت أهلوها منذ تحريرهم بصورة علنية صريحة إرادتهم الرجوعَ إلى حمى أمِّهم التركية - فلا يرى الموقعون على هذا اليثاق بأسًا بأخْذ رأي سكانها مرة أخرى في مصيرها بتمام الحرية. المادة الثالثة: أن النظام القانوني لتراقية الغربية - الذي كان تقريره معلقًا على عقد الصلح مع تركيا - يجب أن يؤسَّس طبقًا لإرادة الأهالي على أن يعربوا عنها بحرية تامة. المادة الرابعة: تكون سلامة الآستانة (عاصمة الدولة، ومقر الخلافة) وبحر مرمرة - مصونة كل الصيانة، وفي مأمن من كل اعتداء. إذا قُبل هذا المبدأ فإن الموقعين على هذا مستعدون لقبول أي قرار يؤخذ باتفاق الرأي بين الحكومة السلطانية والدول صاحبات الشأن لضمان حرية المضايق للتجارة العالمية والمواصلات الدولية. المادة الخامسة: أن الموقعين على هذا الميثاق يقبلون القواعد الخاصة بحقوق الأقليات التابعة للبلاد الأجنبية، كما تقررت في المعاهدات الخاصة المعقودة بين دول الحلفاء وبين أعدائهم وبعض الدول المشتركة معهم. ومقابل ذلك يجب أن تتمتع الأقليات الإسلامية النازلة في الممالك المجاورة بنفس هذا الضمان لحقوقها. المادة السادسة: أن الموقعين على هذا يعتبرون الاستقلال التام، والحرية المطلقة شرطًا لا بد منه لحياتهم الوطنية، ولترقية بلادهم الاقتصادية والقومية، ولتأسيس حكومة الدولة وإدارتها على أساس ثابت جديد. ولهذه الأسباب صحت عزيمة موقِّعي هذا الميثاق على مقاومة كل قيد تشريعي أو مالي من شأنه الحيلولة دون الارتقاء القومي. ويجب على كل حال أن تكون شروط القيام بما سيُفرض على تركيا من الواجبات غير مخالفة للقواعد المقررة في هذا الميثاق. الآستانة في ٢٨ يناير سنة ١٩٢٠ *** القانون الأساسي للدولة التركية الجديدة (أو قانون التشكيلات الأساسيَّة) المواد الأساسية المادة ١: السيادة للشعب بلا قيدٍ ولا شرطٍ، وأصول الإدارة مستندة إلى قيام الشعب - بالذات وبالفعل - بإدارة شئونه. المادة ٢: تجتمع القوة التنفيذية والقوة التشريعية في الجمعية الوطنية الكبرى، التي تمثل الشعب وحدها تمثيلاً حقيقيًّا. المادة ٣: تقوم الجمعية الوطنية الكبرى بإدارة الدولة التركية، وتُدْعَى حكومتها (حكومة الجمعية الوطنية الكبرى) . المادة ٤: تتألف الجمعية الوطنية الكبرى من أعضاء ينتخبهم أهل الولايات. المادة ٥: تُنتخب الجمعية الوطنية الكبرى مرة كل عامين، والمدة الانتخابية لكل عضوٍ هي عامان، ويجوز أن يُنتخب العضو كَرَّة أخرى، وتستمر الجمعية في عقد اجتماعاتها إلى حين انتخاب الجمعية التي تخلُفها، فإذا تعذَّر الانتخاب يُمَدُّ أجل الجمعية سنة أخرى، وكل عضوٍ من أعضاء الجمعية ينوب عن الشعب جميعه، لا عن الأهالي الذين انتخبوه فقط. المادة ٦: تجتمع الهيئة العامة للجمعية الوطنية الكبرى في أول نوفمبر من كل عام بغير دعوة. المادة ٧: تنفيذ الأحكام الشرعية، وسَنُّ جميع القوانين أو تعديلها أو إلغاؤها، وعقد الصلح والمعاهدات، وإعلان الدفاع الوطني، وما يشابهها من الحقوق الأساسية - خاصة بالجمعية الوطنية الكبرى، وتتخذ الأحكام الفقهية والحقوقية الموافِقة لمعاملات الناس، وحاجيات الزمان والآداب والمعاملات أساسًا لوضع القوانين والنظم، وتعين واجبات الوزراء ومسؤولياتهم بقانون مخصوص. المادة ٨: يقوم بإدارة دوائر الحكومة مَن تنتخبهم الجمعية الوطنية الكبرى لذلك وفاق القانون المخصوص، وتعيّن الجمعية للوزراء وجهة الإدارة فيما يختص بالتنفيذ، وتستبدل بهؤلاء الوزراء غيرهم عند الحاجة. المادة ٩: الرئيس - الذي تنتخبه الهيئة العامة للجمعية الوطنية الكبرى - يرأس الجمعية مدة عقدها، وللرئيس أن يضع توقيعه باسم الجمعية، وأن يصدق على قرارات الوزارة، ورئيس الجمعية هو الرئيس الطبيعي للوزارة. الإدارة المادة ١٠: تنقسم الإدارة التركية - باعتبار أحوالها الجغرافية والاقتصادية - إلى ولايات، وتنقسم الولايات إلى أقضية، وتتألف الأقضية من نواحٍ. الولاية المادة ١١: الولاية ذات شخصية معنوية، وهي حائزة لاستقلالها الداخلي (Autonomie) في أمورها المحلية، وللمجالس الشورية في كل ولاية أن تقوم بإدارة أوقافها ومعاهدها الدينية ومعارفها وصحتها واقتصادياتها وزراعتها وأشغالها والمعاونة الاجتماعية بموجب القوانين التي تضعها الجمعية الوطنية الكبرى، وتُستثنى من ذلك السياسة الداخلية والخارجية، والأمور الشرعية والعدلية والعسكرية والعلاقات الاقتصادية الدولية، وتكاليف الحكومة العامة، وما يشمل منافعه أكثر من ولاية واحدة. المادة ١٢: يتألف مجلس شورى الولايات من أعضاء ينتخبهم أهالي الولايات، ومدة اجتماع هذه المجالس عامان، وتجتمع في كل عام شهرين. المادة ١٣: ينتخب مجلس شورى الولاية من بين أعضائه رئيسًا للقيام بوظيفة الإجراء (التنفيذ) مع هيئة إدارة من بين الأعضاء، تُنتخب لإدارة شُعَب الإدارة، بحيث تكون وظيفة الإجراء في يد هذه الهيئة الدائمة. المادة ١٤: للجمعية الوطنية الكبرى والٍ يمثلها في كل ولاية، تعينه حكومة الجمعية الوطنية، ووظيفته القيام بالواجبات العامة المشتركة للدولة، ولا يتداخل الوالي - في غير ذلك - إلا عند وقوع تعارض بين واجبات الدولة والواجبات المحلية. الأقضية المادة ١٥: القضاء جزء إداري، ليست له شخصية معنوية، يقوم بإدارته (قائمقام) معين من قِبَل حكومة الجمعية الوطنية الكبرى، ويكون تحت أمر الوالي. الناحية المادة ١٦: الناحية: شخصية معنوية حائزة لاستقلال ذاتي في حياتها الخاصة. المادة ١٧: لكل ناحية مجلس شورى وهيئة إدارة ومدير. المادة ١٨: مجلس شورى الناحية ينتخبه أهل الناحية مباشرة. المادة ١٩: ينتخب مجلس شورى الناحية هيئة إدارتها ومديرها. المادة ٢٠: لمجلس شورى الناحية وهيئة إدارتها قوةٌ قضائية اقتصادية ومالية، تعين القوانين المخصوصة درجاتها. المادة ٢١: تتألف الناحية من قرية أو عدة قرى. التفتيش المادة ٢٢: تعين مناطق التفتيش العام بتوحيد الولايات باعتبار علاقاتها الاقتصادية والاجتماعية. المادة ٢٣: يتكفل المفتش العام بالأمن العام في منطقته وتفتيش المعاملات في الدوائر، وتنظيم الأمور المشتركة بين الولايات التي في منطقته، ويراقب المفتش العام وظائف الدولة العامة والوظائف الخاصة بالإدارات المحلية مراقبة دائمة. مادة منفردة المادة المنفردة: هذا القانون مرعيّ من يوم نشره، لكن الجمعية الوطنية الكبرى الحالية لاجتماعها على الدوام إلى حين تحقيق غاياتها - كما هو مصرح في المادة الأولى من قانون (نصاب المذاكرة) المؤرخ ٥ سبتمبر ١٩٢٠ - لا تنفذ المواد الرابعة والخامسة والسادسة من هذا القانون (قانون التشكيلات الأساسية) ، إلا إذا قررت الجمعية ذلك بأكثرية ثلثيها بعد تحقُّق تلك الغايات. ١٠ جُمادَى الأولى سنة ١٣٣٩ - ٣٠ يناير سنة ١٩٢١ (المنار) قد عُلم من هذا القانون أن الترك قد أزالوا به السلطة الملكية العثمانية، والخلافة الإسلامية معًا؛ فليس لغير الجمعية الكبرى في بلادهم أمر، ولا نهي، وهذه أمنية لحزب (التركية الفتاة) منذ عشرات السنين، سنحت الفرصة الآن لنيْلها بسهولة كما سنفصله بعد. *** ثلاث وثائق تاريخية (في مناهضة دولة السلطنة والخلافة العثمانية للنهضة الكمالية)
الوثيقة الأولى الخط السلطاني الصادر بمنصبَيْ الصدارة ومشيخة الإسلام، وبإقرار وزارة الداماد فريد باشا المتضمن للأمر بالقضاء على نهضة الأناضول الوطنية. محمد وحيد الدين وزيري سمير المعالي فريد باشا.. بناءً على استقالة سلفكم صالح باشا وجّه مسند الصدارة إلى عهدتكم لما هو مشهود من درايتكم وأهليتكم، وأحليت المشيخة الإسلامية أيضًا إلى عهدة دري زاده عبد الله أفندي، وقد اقترنت بإقرارنا هيئة الوكلاء الجديدة، التي ألفتموها طبقًا للمادة السابعة والعشرين من القانون الأساسي. إن موقفنا السياسي - الذي بدأ منذ عقد الهدنة يقترب تدريجًا من الإصلاح - أصبح في حالة وخيمة بسبب الاضطرابات التي وقعت تحت اسم القومية (في الأصل الملِّية) ، وظلت التدابير الإصلاحية التي اتُّخِذت حتى الآن لصدِّها عقيمة. وقد أظهرت الوقائع الأخيرة أنه إذا استمر - معاذ الله تعالى - هذا العصيان فسيكون مصدرًا لأحوال وخيمة؛ فلذلك نطلب إنفاذ الأحكام القانونية بحق مُثيري هذه الاضطرابات المعروفين والداعين إليها، وإعلان العفو العام عن الذين انضموا إليها، واشتركوا فيها بسائق الغفلة، واتخاذ التدابير النهائية لإعادة الأمن والانتظام، وتأييده في ممالكنا الشاهانية بسرعة تامة وإكمالها، وتوطيد ارتباط رعايانا الصادقين بمقام الخلافة والسلطنة المحقق الذي لا يتغير، وإنشاء الروابط الصميمة الاطمئنانية مع الدول المتحالفة العظمى، والاهتمام بالدفاع عن منافع الدولة والأمة استنادا على أساس الحق والعدل؛ لتكون شروط الصلح معتدلة، وبذل الجهد لعقد الصلح بأسرع ما يمكن، وريثما يتم ذلك يجب التوسل بأنواع التدابير المالية والاقتصادية لتخفيف العسرة العامة بقدر الإمكان، وأسأل جناب الحق أن يجعلكم مظهرًا لتوفيقاته الإلهية) . *** الوثيقة الثانية فتاوى شيخ الإسلام بأن الكماليين بُغَاة يجب قتالهم ما قول مولانا شيخ الإسلام ومفتي الأنام في بعض أشخاص شرِّيرين، اتحدوا واتفقوا في البلاد الإسلامية الواقعة تحت ولاية قطب نظام العالم خليفة المسلمين - أدام الله تعالى خلافته إلى يوم القيامة - وانتخبوا رؤساء لهم، وأخذوا يحتالون على الرعية الشاهانية الصادقة، ويغفلونهم، ويضلونهم بالتزوير، ويجمعون الجنود بلا أمر عالٍ، ويفرضون أنواع الغرامات والضرائب خلافًا للشرع الشريف، ومغايرةً للأمر المنيف؛ زاعمين في الظاهر أن ذلك لتجهيز الجيش، والحقيقة أنه لمحض الرغبة في جمع المال، ويستعملون أنواع التضييق، ويأخذون أموال الناس وأشياءهم غصبًا بعد تعذيبهم، فعوَّدهم ذلك ظلم عباد الله، وجرَّأهم على ارتكاب الجرائم، فهجموا على بعض القرى والبلاد من الممالك المحروسة، فخربوها، وجعلوا عاليها سافلها، وقتلوا عددًا من الأبرياء، وسفكوا دماءً طاهرة، وعزلوا بعض الموظفين العلميين والملكيين والعسكريين المنصوبين من قِبَل أمير المؤمنين، ونصبوا غيرهم أُناسًا من رهطهم، وقطعوا وسائط المواصلات والنقل بين مقر الخلافة والممالك المحروسة، ومنعوا إنفاذ الأوامر الصادرة من جانب الدولة قاصدين - بتجريدهم مقر الخلافة عن الأقطار الأخرى - كسرَ شوكة الخلافة، وتوهينها، وإهانة مقام الإمامة المعلَّى بخروجهم عن طاعة الإمام، ونشرهم الأراجيف والإشاعات الكاذبة للإخلال بالنظام والانتظام، والأمن العام في بلاد الدولة العلية، وسَوْق الناس إلى الفتنة، والسعي بالفساد، كما هو ظاهر ومحقق، فإذا أصر الرؤساء المذكورون وأعوانهم وأتباعهم من الباغين على عنادهم وفسادهم، ولم يتفرقوا - بعد الأمر العالي الصادر إليهم بالتفرق - فهل يجب قتلهم وقتالهم، وتخليص العباد من مضرتهم، وتطهير البلاد من شرهم وخباثتهم؟ وهل يكون ذلك فرضًا مشروعًا طبقًا لما نصت عليه الآية الكريمة: {فَقَاتِلُوا الَتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (الحجرات: ٩) أم لا؟ نرجو الجواب. الجواب: نعم، والله تعالى أعلم. ... ... ... ... ... ... ... ... ... كتبه الفقير ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... دري زاده السيد عبد الله ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... عُفِيَ عنهما وفي هذه الصورة: أيكون [١] من الواجب على المسلمين - القاطنين في الممالك المحروسة، والقادرين على الحرب والضرب - إجابة دعوة الإمام العادل خليفتنا السلطان محمد وحيد الدين، والالتفاف حوله لقتال البغاة المذكورين أم لا؟ نرجو الجواب. الجواب: نعم، والله تعالى أعلم. وفي هذه الصورة: هل يكون امتناع الجنود - الذين يجرِّدهم الخليفة المشار إليه لقتال البغاة المذكورين - عن قتالهم وفرارهم منه كبيرة أم لا؟ وهل يكونون آثمين يستحقون في الدنيا التعزير الشديد، وفي العُقبى العذاب الأليم أم لا؟ نرجو الجواب. الجواب: نعم، والله تعالى أعلم. وفي هذه الصورة: هل يكون الذين يقتلون البغاة من جنود الخليفة - غزاة، أم لا؟ ويكون الذين يقتلهم البغاة من الجند شهداء، ومن التوابين أم لا؟ نرجو الجواب. الجواب: نعم، والله تعالى أعلم. وفي هذه الصورة: هل يكون المسلمون - الذين لا يطيعون الأمر السلطاني الصادر بقتال هؤلاء البغاة - آثمين، ومستحقين للتعزير الشرعي أم لا؟ نرجو الجواب. الجواب: نعم، والله تعالى أعلم.
*** الوثيقة الثالثة (بلاغ الصدارة لإنفاذ الخط السلطاني بعقاب الترك الكماليين) (تجتاز الدولة العثمانية اليوم أزمة حرجة لا عهد لها بمثلها من قبل، فالوطن في خطر حقيقي. لقد كان الواجب على هذه الأمة أن تسلك سبيل السلامة والعقل بعد ما لاقته من عِبَر الحرب العظمى، التي سِيقت إليها بدون علمها ورضائها، والتي استنفدت أموالها ودماءها، وانجلت عن انكسارها، الذي انتهى باستسلامها إلى الدول حين عقد الهدنة، فتتعظ بهذه النتائج، وتعود إلى رشدها وصوابها. بَيْدَ أن بعض الأشخاص الذين لم يدركوا هذه الحقيقة - كما يجب - قاموا بدافع الأنانية والنفع الذاتي يسعون للفتنة والفساد، متسترين باسم الأنظمة الوطنية، فأحرج ذلك موقفنا السياسي، وجعله في أشد الأخطار، ونكأ من جهة ثانية جروح هذا الوطن المقدس، الذي أثقلتْه تكاليف الحرب، وجرحته أنواع الجنايات، وسوء الاستعمالات التي ارتُكِبت في سِنِي الحرب - جراحًا بالغات. وقد أنتجت بعض الحوادث المؤسفة - التي وقعت - إثارة الرأي العام في أوربة وأميركا علينا؛ فكان من أثره تشديد شروط الصلح فوق شدتها، واحتلال الدول العظمى للآستانة احتلالاً عسكريًّا مؤقتًا طبق أحكام الهدنة، فقام - على أثر ذلك - العصاةُ يسعون لقطع المواصلات بين الأناضول والعاصمة، وإن ذلك لأعظم خيانة وطنية. إن هذه الحركة الباغية - المتستِّرة بستار الوطنية - جعلت الأناضول عُرضة لاحتلال مخيف من جهة، وتكاد تورد الدولة موارد جديدة من الأخطار والمصائب، إن أعظم أعداء الأمة العثمانية اليوم هؤلاء الذين يضحُّون الأمة والوطن تجاه مطامعهم الشخصية متسترين بدعوى الوطنية الكاذبة، وإن هؤلاء يهيئون سلسلة ثقيلة من الجنايات للعاقبة التي يعملون لأجلها، فقد داسوا على الدستور وعلى قوانين الدولة بأرجلهم، وأخذوا يرتكبون الفضائح المتوالية، ويجمعون الدراهم من الأهالي بالإكراه، ويجنِّدونهم بالقوة، ويوصلون أنواع الأذى إليهم، ويقتلون مَن لا يقدم لهم الدراهم، ولا يدخل في جيشهم، ويباغتون القرى، وينهبونها، ويحرقون القصبات، هذه الأفعال منافية للأمر الإلهي، ومردودة في نظر الشرع الشريف، كما هو مبين في الفتوى الشريفة المنشورة أعلاه، وإن الحكومة الحاضرة تعد الاحتفاظ بحياة كل فرد من الأمور الواجبة في هذه الأوقات، أكثر منها في كل زمان للمساعدة على إنهاض هذا الوطن العثماني، الذي أُصيب بأنواع المصائب، وتعميره، وتلافي خَسارته في النفوس والقوة. إن هذه الحكومة - التي تفضل إدراك آمالها من خير وصلاح بغير سفك دماء- لا تتردد في تأديب هؤلاء الذين حادوا عن الطريق المستقيم امتثالاً لإرادة حضرة صاحب الخلافة السنية المبلّغة بموجب الخط الهمايوني، ووفقًا للشرع الشريف والخط المنيف؛ وذلك لإنقاذ حياة الدولة والأمة، وسلامتها من خطر محقق. بناءً عليه نعلن: أولاً - أن الذين اشتركوا في حركات العصيان - مخدوعين بأقوال القائمين بهذه الحركات، أو متأثرين بتهديدهم، وهم يجهلون ما تجرُّه من النتائج الوخيمة - إذا عادوا نادمين، وعرضوا صداقتهم وإخلاصهم لجلالة مولانا (أفندينا) في مدى أسبوع؛ يكونون محلاً للعفو العالي. ثانيًا - أن الحكومة ستؤدب القائمين بالعصيان، والداعين إليه، والمشتركين فيه من المصرِّين على عنادهم، كما يقضي بذلك الشرع والقانون، ولما كانت الحكومة لا تتسامح في أي جهة من جهات المملكة باعتداء الأهالي المسلمين على مواطنيهم من غير المسلمين - فكل مَن يرتكب مثل هذه الأعمال، أو يتغافل، ويتسامح في إيقاعها شخصيًّا يكون عرضة لأشد العقاب) انتهى. *** (المنار) لو كان ذلك الخط السلطاني والفتاوى الشرعية وهذا الأمر الوزاري صدرت في حالة عادية، والحكومة متمتعة باستقلالها في شأن فئة من رعيتها بغت عليها، وخرجت عن طاعتها - لم يكن عليها غبار، ولكن هذه الحكومة كانت واقعة في أَسْرِ الأعداء المحتلين لعاصمتها، والمسيطرين عليها بالقهر والدسائس جميعًا، وقد قَبِلت معاهدة الصلح المخزية السالبة لاستقلالها، بعد سلخ ما سلخت من بلادها، وكان الكماليون هم الذين أبوا قبول هذا الخزي باختيارهم، وقاوموه بسلاحهم؛ فكان ضلع العالم الإسلامي كله معهم، وتم ذلك بنصر الله تعالى لهم. والناس مَن يلقَ خيرًا قائلون له ... ما يشتهي ولأم (المخطئ) الهبل