للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الإلحاد في الجامعة المصرية

الدكتور طه حسين المتخرج من الجامعة المصرية والمدرس بها ألقى
محاضرات فيها وجمعها في كتاب سماه (الشعر الجاهلي) وقد طعن فيه على الإسلام
والقرآن، فأهاج الرأي العام، وتناول كتابه الأدباء والكتاب بالرد والتفنيد، وقد كلف
فضيلة شيخ الأزهر ورئيس المعاهد الدينية لجنة من علماء الأزهر بالنظر في
الكتاب ووضع تقرير عنه فقامت بذلك ورفعت لفضيلته التقرير الآتي.
وهذا نصه كما جاء في مقطم يوم الأحد ٢٦ شوال سنة ١٣٤٤هـ.
كتاب الشعر الجاهلي
رأي لجنة العلماء فيه
حضرة صاحب الفضيلة مولانا الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر
السلام عليكم ورحمة الله:
وبعد فقد اجتمعت اللجنة المؤلفة بأمر فضيلتكم من الموَقِّعين عليه لفحص
كتاب طه حسين المسمى (في الشعر الجاهلي) بمناسبة ما قيل عنه من تكذيب
القرآن الكريم واطلعت على الكتاب، وهذا ما ترفعه إلى فضيلتكم عنه بعد فحصه
واستقراء ما فيه.
يقع الكتاب في ١٨٣ صفحة وموضوعه إنكار الشعر الجاهلي وأنه منتحَل بعد
الإسلام لأسباب زعمها. وقال: إنه بنى بحثه على التجرد من كل شيء حتى من
دينه وقوميته عملاً بمذهب ديكارت الفرنسي، والكتاب كله مملوء بروح الإلحاد
والزندقة، وفيه مغامز عديدة ضد الدين مبثوثة فيه، لا يجوز بحال أن تُلقى إلى
تلامذة لم يكن عندهم من المعلومات الدينية ما يتقون به هذا التضليل المفسد لعقائدهم،
والموجب للخُلْف والشقاق في الأمة، وإثارة فتنة عنيفة دينية ضد دين الدولة
ودين الأمة.
وترى اللجنة أنه إذا لم تكافح هذه الروح الإلحادية في التعليم، ويُقتلع هذا
الشر من أصله، وتطهر دور التعليم من (اللادينية) التي يعمل بعض الأفراد على
نشرها بتدبير وإحكام تحت ستار حرية الرأي اختل النظام وفشت الفوضى
واضطرب حبل الأمن؛ لأن الدين هو أساس الطمأنينة والنظام.
الكتاب وضع في ظاهره لإنكاره الشعر الجاهلي، ولكن المتأمل قليلاً يجده
دعامة من دعائم الكفر، ومعولاً لهدم الأديان، وكأنه ما وضع إلا ليأتي عليها من
أصولها وبخاصة الدين الإسلامي، فإنه تذرع بهذا البحث إلى إنكار أصل كبير من
أصول اللغة العربية من الشعر والنثر قبل الإسلام مما يرجع إليه في فهم القرآن
والحديث. هذا ما يرمي إليه الكتاب في جملته، ولنذكر نبذًا منه بعضها كفر صريح
وبعضها يرمي إلى الإلحاد والزندقة فنقول:
قال في صفحة ٢٦ ما نصه (للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل،
وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا
يكفي لإثبات وجودهما التاريخي فضلاً عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة
إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة) .
أنكر المؤلف بهذا هجرة [١] سيدنا إبراهيم مع ولده إسماعيل عليهما السلام وقال:
إن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي
وهو تكذيب صريح لقول الله تعالى في سورة إبراهيم حكاية عنه عليه الصلاة
والسلام {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ *
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا
لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ
يَشْكُرُونَ} (إبراهيم: ٣٥-٣٧) وقال في الصفحة نفسها (ونحن مضطرون إلى
أن نرى في هذه القصة - يريد قصة الهجرة - نوعًا من الحيلة لإثبات الصلة بين
اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى) .
وهو في هذا النص يصرح بأن القرآن اختلق هذه الصلة بين إسماعيل
والعرب ليحتال على جلب اليهود وتأليفهم، ولينسب العرب إلى أصل ماجد زورًا
وبهتانًا لأسباب سياسية أو دينية، وهذا من منتهى الفجور والفحش، والطعن على
القرآن الكريم في إثباته أبوة إبراهيم للعرب في قوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي
الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} (الحج: ٧٨) الآية.
وقال في صفحة ٢٧ (وقد كانت قريش مستعدة كل الاستعداد لقبول مثل هذه
الأسطورة - الهجرة المذكورة - في القرن السابع للمسيح. إلى أن قال في صفحة
٢٨: إذاً فليس ما يمنع قريشًا من أن تقبل هذه الأسطورة التي تفيد أن الكعبة من
تأسيس إسماعيل وإبراهيم كما قبلت روما قبل ذلك، ولأسباب مشابهة أسطورة
أخرى صنعتها لها اليونان تثبت أن روما متصلة بإينياس بن بريام صاحب
طرواده، أمر هذه القصة إذًا واضح فهي حديثة العهد قبل الإسلام، واستغلها
الإسلام لسبب ديني، وقبلتها مكة لسبب ديني، وسياسي أيضًا. وإذًا فيستطيع
التاريخ الأدبي واللغوي ألا يحفل بها عندما يريد أن يتعرف أصل اللغة العربية
الفصحى) .
وهو تكذيب صريح لقول الله تعالى {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ
وَإِسْمَاعِيلُ} (البقرة: ١٢٧) الآية. ولقوله {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَن لاَّ
تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ
بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج: ٢٦-٢٧)
وقوله تعالى {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (البقرة: ١٢٥) إلى غير ذلك
من الآيات التي في هذا الموضوع، وهو فوق تكذيبه للقرآن يقول: إن فيه تدليسًا
واحتيالاً لأسباب سياسية ودينية من أجلها اختلق هذه الأخبار - بهذا وأمثاله يقرر
المؤلف أن القرآن لا يوثق بأخباره ولا بما فيه من التاريخ.
وكم يترك هذا الكفر الفاحش في عقول الطلبة من أثر سيئ، وهدم لعقائدهم
ودينهم! وماذا بقي في القرآن من ثقة وحرمة في نفوسهم بعد هذا التكذيب؟
وقال في صفحة ٣٣ (وهناك شيء بعيد الأثر لو أن لدينا أو لدى غيرنا من
الوقت ما يمكننا من استقصائه أو تفصيل القول فيه، وهو أن القرآن الكريم الذي
تُلي بلغة واحدة ولهجة واحدة، هي لغة قريش ولهجتها، لم يكد يتناوله القراء من
القبائل المختلفة حتى كثرت قراءاته، وتعددت اللهجات فيه، وتباينت تباينًا كثيرًا
إلى أن قال: إنما نشير إلى اختلاف آخر في القراءات يقبله العقل ويسيغه النقل،
وتقتضيه ضرورة اختلاف اللهجات بين قبائل العرب التي لم تستطع أن تغير
حناجرها وألسنتها، وشفاهها لتقرأ القرآن كما كان يتلوه النبي (صلى الله عليه
وسلم) وعشيرته من قريش فقرأته كما كانت تتكلم) إلى آخر ما قال.
وهذا تصريح منه بأن القراءات لم تكن منقولة كلها عن النبي صلى الله عليه
وسلم، بل هي من اختلاف لهجات القبائل، فالسبع المتواترة ليست عنده واردة عن
النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم في أصول الدين أن السبع متواترة، وأن
طريقها الوحي فمنكرها كافر.
وعدا ما سردناه توجد صحائف عديدة فيها مغامز مؤلمة، منها ما قاله في صفحة
٨١ (وشاعت في العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده فكرة أن الإسلام يجدد دين
إبراهيم) وفي الصفحة التي قبلها (أما المسلمون فقد أرادوا أن يثبتوا للإسلام أولية
في بلاد العرب كانت قبل أن يبعث النبي، وأن خلاصة الدين الإسلامي وصفوته
هي خلاصة الدين الحق الذي أوحاه الله على الأنبياء من قبل) وهو في هذا يكذب
قوله تعالى {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ} (النحل: ١٢٣) وقوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ
وَالَّذِينَ آمَنُوا} (آل عمران: ٦٨) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في هذا
الموضوع، ومنها غير ذلك كثير مما هو مبثوث في الكتاب.
ولا ريب في أن هذا هو عين ما كان يطعن به المشركون على القرآن في مبدأ
أمره قال تعالى في سورة الفرقان {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ
عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى
عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفرقان: ٤-٥) .
فاللجنة ترفع إلى فضيلتكم ما وصلت إليه على سرعة من الوقت مما سطره
المؤلف من الكفر الصريح، وتترك ما ينطوي في ثناياه من الإلحاد والزندقة مما لا
يخفى على الناظر.
نرفعه مطالبين فضيلتكم والحكومة بوضع حد لهذه الفوضى الإلحادية
خصوصًا التي تنبث في التعليم لهدم الدين بمعول الزندقة كل يوم، فما نفرغ من
حادثة إلا ونستقبل حوادث لا تدع المؤمن مطمئنًا على دينه.
نطالب فضيلتكم والحكومة بذلك حرصًا على أبناء الدولة أن يتفشى هذا الداء
فيهم وهم رجال المستقبل، وسيكون بيدهم الحل والعقد في مهام الأمور.
ونحن لا نفهم كيف تصرف أموال المسلمين وأوقافهم على تعليم نتيجته هذا
الإلحاد الذي يبثه هذا الداعي ويتقاضى عليه مرتبًا ضخمًا من هذه الأموال.
وهل بهذه الطريقة وعلى هذا النحو تخدم وزارة المعارف أبناء الأمة ورجال
الغد وتبني صرح التعليم والتربية؟
... ... ... ... نسأل الله أن يوفقكم لما فيه المصلحة والسلام
... ... ... ... ... ... ... ٢٦ شوال سنة ١٣٤٤هـ
... ... ... ... ... ... ... ... الإمضاءات
محمد الديناري - عبد المعطي الشرشمي - محمد عبد السلام القباني - عبد
ربه مفتاح - عبد الحكم عطا - محمد هلالي الإبياري - عبد الرحمن المحلاوي -
محمد علي سلامة
((يتبع بمقال تالٍ))