للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مدرسة الجمعية الخلدونية
كما تم في هذه الأيام امتحان المدارس التعليمية في مصر تم في بلاد الهند
وتونس وغيرها، وقد جاءتنا كراسة من إدارة (مدرسة محمدي) في مدارس الهند
تبين خلاصة أعمالها، وإذا تسنى لنا من يترجمها من لغة أوردو ننشر خلاصتها،
ووردت جريدة (الحاضرة) الغراء من تونس شارحة احتفال المدرسة العلوية،
ومدرسة الجمعية الخلدونية، وامتحان جامع الزيتونة الشريف، وقد سرّنا جدًّا ترقي
(الجمعية الخلدونية) عامًا بعد عام، وقرأنا فيما نشرته الجريدة من خبر الاحتفال
خطابًا بليغًا لجناب (الوزير المقيم) في تونس من جانب فرنسا وافق فيه ما كتبه
منشئ هذه المجلة من أيام في (المؤيد) الأغر تحت عنوان (السياسة الأدبية) ،
حيث قلت: لا بد للمسلمين من الجمع بين علوم الدنيا والآخرة، وقد قال الوزير مثل
ذلك، وقابل بين تعليم الجمعية الخلدونية، وبين جامع الزيتونة، كما قابلت أنا بين
تعليم (دار العلوم) وتعليم الأزهر، وسائر المدارس الأميرية، وهاؤم اقرؤوا كلامه
نقلاً عن (الحاضرة) الغراء بالحرف:
قال جنابه: يسرني كل السرور أن حضرت في هذا الاحتفال لمشاهدة تقدم
الخلدونية ونجاحها، ولا حاجة لي للإعراب عما يختلج بين أضلعي من دواعي
الخير والتقدم لهاته البلاد، أما الجمعية الخلدونية، فلما كنت ممن أعان على غرس
شجرتها، يسرني اليوم ما نراه من ثبات أصلها، ونمو فرعها، وتفتق أزهارها،
وطيب ثمارها ... ثم قال: وحيث حدا بنا المقام لتشبيه الخلدونية بشجرة يانعة
نقول: إن جامع الزيتونة هو الدوحة المباركة العلمية، والمدرسة الخلدونية بمثابة
لقاح بها حتى إذا ثبت مغرسها أثمرت ثمارًا شهية مكملة للذة ثمرات الدوحة الأصلية،
ووجه التشبيه بالشجرة كما تقدم نراه من وضع الشيء في محله ضرورة أن الجامع
الأعظم مسمى بجامع الزيتونة (نسبة للشجرة المباركة) فلا غرو أن كانت
الخلدونية فرعًا من فروعها (فاستحسن الحاضرون هذا المجاز) ثم قال: وقد
كنت وعدت في مناسبة أخرى بتقديم مَن أحرز على شهادة التحصيل مِن نجباء
الخلدونية للوظائف الإدارية، والآن نؤكد ذلك الوعد بوفاق، وبمشهد من رجال
الدولة التونسية، وليس معنى تخويل الوظائف إعطاؤها لمستحقيها بمجرد التحصيل
على تلك الشهادة، بل بمجرد شغور الخطط بالمصالح الإدارية التي ترشحوا لها
بأنوار المعارف، ثم قال: وهاته المعارف، لاتنافيها الشريعة الإسلامية، بل جاءت
بالحث عليها حثًّا لاينكر، كما برهن على ذلك الأستاذ العلامة الشيخ سالم بوحاجب
في درسه البليغ بمناسبة افتتاح الخلدونية، ثم قال: ومما يدل على نفع العلوم
المزاولة بالخلدونية، ما نراه من الاعتناء بتلك العلوم في البلاد الشرقية كالأستانة
والقاهرة، ومع ذلك فلا تكاد توجد بها مدرسة تحاكي الخلدونية في وضعها ومقصدها،
كما تأكدنا من الفضلاء الثقات، ومن الأميرة نزلي هانم (من الأسرة الخديوية
المصرية، وقد كانت بتونس لعهد قريب) فإن طلبة العلم بالجامع الأزهر مثلاً
منقطعون لمزاولة علوم الدين وما تعلق بها معرضون عن التعاليم الوقتية التي لا
يُنْكَر فضلها ولزومها في الأوقات الحالية، كما أن تلاميذ المكاتب المصرية لا
يتعاطون إلا الفنون الوقتية، وليس لهم أدنى إلمام بعلوم الدين، بحيث افترق جمهور
الطلبة المصريين فريقان، كلاهما مضاد الآخر في أفكاره ونزعته وأخلاقه، وليس
هناك رابطة بين ذينك الفريقين، وإن شئت قلت: بين ذينك التعليمين، بخلاف
المملكة التونسية، فقد امتازت بوجود المدرسة الخلدونية التي أضحت الرابطة
الجامعة بين التعليم الديني والتعليم الدنيوي، سيما والقائمون بتلك الوساطة نخبة من
نجباء المسلمين التونسيين.
ثم تخلص جنابه لمبحث سياسي دقيق، فقال: ولفرنسا اهتمام عظيم بشأن
الديانة الإسلامية، وثقة تامة بمن حصل على نصابها بحيث إنها تعتمد من كان
متمسكًا بأمور دينه محافظًا على شعائر قومه، متثقفًا بالكمالات الإنسانية، وذلك أن
الدولة الفرنسوية لا تزال خاطبة ود الإسلام، لما تعلم أن غرس محبتها في قلوب
المسلمين، وترويج سياستها في دواخل البلاد الإفريقية معلقان على موالاة المسلمين
في شمال أفريقيا، لا سيما عاصمة المملكة التونسية التي تكون مركزًا علميًّا تنبعث
أشعته على سائر أرجاء البلاد السودانية (تصفيق استحسان) اهـ ما أردنا نشره.
(المنار)
أسست مدرسة دار العلوم في مصر قبل المدرسة الخلدونية بسنين، ولكن
السياسة الإنكليزية ضغطت عليها حتى كادت تسحقها، واجتهدت في محو ما كان
للدين وللغة في المدارس الأخرى من الأطلال والرسوم، وإنما فعلوا هذا بخيانة
الأمين ومساعدة المارقين من اللابسين لباس المسلمين، الذين لا يزال يقترح
بعضهم تعليم التاريخ الإسلامي بالإنكليزية بدلاً من العربية، وبعضهم إبطال حفظ
شيء من القرآن، فصبر جميل والله المستعان.