للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


آثار علمية أدبية

(تفسير جزء عم يتساءلون)
تلامذة المدارس الأميرية وكثير من المدارس الأهلية يحفظون الجزأين
الأخيرين من القرآن، ولكنهم لا يفهمون معاني سورهما التي تتلى عادة في الصلاة
وقد توجهت عزيمة الأستاذ الإمام رئيس الجمعية الخيرية إلى تفسيرهما لأجل قراءة
تفسيرهما في مدارس الجمعية إلزامًا ولينتفع بهما من شاء من المسلمين في المدارس
وغيرها، وقد تم تفسيره لجزء عم يتساءلون وقال في مقدمته أنه كتب (ليكون مرجعًا
للأساتذة لمدارس الجمعية في تفهيم التلامذة معاني ما يحفظون من الجزأين
لينشأوا متعودين على فهم ما يحفظون وتدبر ما يقرؤون، وليكون ما في تلك
السور من دلائل التوحيد والعظات والعبر، مشرقًا للعقائد السليمة في نفوسهم،
وعاملاً للإصلاح في أعمالهم وأخلاقهم) وقد تبرع حفظه الله بالتفسير للجمعية
فطبع على نفقتها. أما الجزء فإن أكثر سوره مكية وهى من أول القرآن نزولاً لذلك
تراها تقرر أساس الدين وأصوله الكلية بالإجمال وهي توحيد الله تعالى والحياة
الآخرة وعمل الخير وترك الشر وهذا ما يحتاج كل ناشئ من البشر إلى الاهتداء
به ولو من غير المسلمين. وأما التفسير فحسبنا أن نقول أنه للشيخ محمد عبده، وإن
كان لا بد من التنبيه على بعض المسائل التي انفرد بتحريرها فيه دون من أعرف
من المفسرين فليكن ذلك ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر، وأن سورة
الفلق نزلت في ذلك. ولا تغفل فيه عن الدقة في تجلية المعاني بما يطابق العلم
الحديث مع المحافظة على مذهب السلف كقوله في معنى بناء السماء: (والبناء ضم
الأجزاء المتفرقة بعضها إلى بعض مع ربطها بما يمسكها حتى يكون عنها بنية
واحدة وهكذا صنع الله بالكواكب، وضع كلاًّ منها على نسبة من الآخر مع ما يمسك
كلاًّ في مداره حتى كان عنها عالم واحد في النظر، سُمي باسم واحد وهو السماء التي
تعلونا ... ) إلخ.
ثمن النسخة من الجزء خمسة قروش صحيحة فهي على قلتها في مقابلة
الكتاب إعانة للجمعية الخيرية، وأجرة البريد قرش واحد وهو يطلب من مكتبة
الجمعية ومن إدارة مجلة المنار بمصر.
* * *
(كتاب الصناعتين: الكتابة والشعر)
سبق أهل القرون الثلاثة الأولى للإسلام ببلاغة القول وفصاحة المنطق.
وحس الأسلوب، وكمال البيان، وكان ما طرأ على اللغة من العجمة، وما اختاره
الضعفاء من الصنعة والكلفة، مغلوبًا صاحبه على أمره، مغمولا في أهل عصره.
ثم قوي في القرن الرابع والخامس سلطان المتكلفين، وكثر عدد الكتاب الأعجميين،
فانبرى أهل الذوق السليم والنقد الصحيح من فرسان الآداب وأئمة الكتاب
إلى كشف عوارهم وهتك أستارهم، وكان من السابقين في هذا المضمار أبو هلال
الحسين بن عبد الله بن سهل العسكري المتوفى سنة ٣٩٥ وأشهر ما كتبه في
البلاغة كتاب (الصناعتين) وقد بين سبب تأليفه في المقدمة فأورد أمثلة من
الكلام الفج الغليظ، والوخم الثقيل، مما قاله الأعراب واختاره محبو الغريب
والإغراب من علماء الإعراب، ثم قال: (فلما رأيت تخليط هؤلاء الأعلام فيما
راموا من اختيار الكلام، ووقفت على موقع هذا العلم من الفضل ومكانه من
الشرف والنبل، ووجدت الحاجة إليه ماسة، والكتب المصنفة فيه قليلة. وذكر أن
أكبرها وأحسنها كتاب (البيان والتبيين) وقال بعد وصفه وعدم كفايته: فرأيت أن
أعمل كتابي هذا مشتملاً على جميع ما يُحتاج إليه في صنعة الكلام: نثره ونظمه،
ويستعمل في محلوله ومعقوده؛ من تقصير وإخلال وإسهاب وإهذار.
ثم ذكر أبوابه وما فيها من المسائل كموضوع البلاغة وحدودها ووجوهها
وتمييز جيد الكلام من رديئه , ومعرفة الصنعة فيه وبيان حسن السبك وجودة
الوصف، وذكر الإيجاز والإطناب وحسن الأخذ والتضمين وقبحه والقول في التشبيه
والسجع والازدواج وأنواع البديع ومقاطع الكلام ومباديه. وفي كل باب وفصل منه
من الأمثلة المختارة ما يطبع ملكة البلاغة في النفوس المستعدة. وقد طبع الكتاب
طبعًا جميلاً في الآستانة على نفقة أحمد أفندي ناجي الجمالي ومحمد أمين أفندي
الخانجي الكتبي ويطلب منهما ومن إدارة مجلة المنار وثمن النسخة منه غير مجلدة
عشرة قروش صحيحة والمجلدة تجليدًا أفرنجيًّا ١٥ وأجرة البريد قرشان.
* * *
(تاريخ علم الأدب عند الإفرنج والعرب وفيكتور هوكو)
وهو كما قال ناشره: يشتمل على مقدمات تاريخية واجتماعية في علم الأدب
عند الإفرنج وما يقابله من ذلك عند العرب من إبان تمدنهم إلى عصورهم الوسطى
وما اقتبسه الإفرنج عنهم من الأدب والشعر في نهضتهم الأخيرة وخصوصًا على يد
فيكتور هوكو. ويلحق بذلك ترجمة هذا الشاعر الفيلسوف ووصف مناقبه ومواهبه
ومؤلفاته ومنظوماته وغير ذلك. طبع الكتاب في في مطبعة الهلال بنفقتها وكان نشر
في الهلال وقد عزي إلى المقدسي (ونظن أنه محمد روحي أفندي الخالدي الشهير)
والكتاب مما يقرأ ويشكر لمؤلفه العناية بتصنيفه لما فيه من الفوائد التي تذكر أبناء
هذه اللغة بما يجب عليهم لإحياء لغتهم وما يفتح لمتأدبها من الأبواب الجديدة للفكر
والشعر. ولولا ضيق في الوقت وكثرة في الكتب المهداة الجديرة بالنظر فيها لوفيته
حقه من النقد، وقد فتحته عند كتابة هذه الكلمات فوقع نظري في الصفحة (٥١)
على ذكر أشهر الشعراء المولدين فإذا هو يقول في أبي تمام: هو ميال للتصنع
والتكلف والتعويص في المعاني. ولم يصفه ولا شعره بأكثر من هذا، وقد ظلمه فهو - ولا ننكر الصنعة والتفاوت في كلامه - في مقدمة الطبقة العليا وله من
المحاسن ما لم يدرك فيه شأوه أحد ممن حاول مجاراته. وذكر أبا نواس فقال: وله سبك جيد وحلاوة ورقة، وهو ما وصفه به المتقدمون، ولكن كان يجب أن
يوفيه حقه فهو أشعر المولدين على الإطلاق حاشا بشار بن برد. والكتاب يطلب
من مكتبة الهلال وثمنه عشرة قروش.
* * *
(إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد)
رسالة نفيسة للشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري
السنجاري من علماء القرن الثامن (توفي سنة ٧٤٩) ذكر فيها أنواع العلوم
وأصنافها وموضوعاتها ومنافعها ومراتبها، فذكر ستين علمًا وأرشد في كل علم إلى
كتب من أحسن ما صنف فيه، ومنها علم النواميس وعلم البيطرة والبيزرة وعلم
المرايا المحرقة وعلم عقود الأبنية وعلم مراكز الأثقال وعلم جر الأثقال وعلم أنباط
المياه وعلم البنكامات وعلم الآلات الحربية. ومن هذه الرسالة يتبين لمن لم يطلع
حق الاطلاع على تاريخ المسلمين أن سلفنا رحمهم الله لم يتركوا علمًا من علوم
العمران وغيرها إلا واشتغلوا به وحصلوه وألفوا فيه وقد اخترنا ذكر بعض العلوم
التي صارت غريبة عندنا حتى إن علماء الأزهر لا يدرون موضوعاتها ولا أن
سلفهم الصالح اشتغل بها، فما بالك بما ذكره من سائر العلوم الرياضية والطبيعية
والاجتماعية كعلم السياسة وعلم تسطيح الكرة وعلم الآلات الظلية وعلم حساب
التخت والميل، ولو اقتُرح على علماء الأزهر إدخال شيء من هذه العلوم فيه
لصاحوا صيحة منكرة وقالوا: إن هذا إلا إزهاق لروح الدين وإبطال لعلومه من
المسلمين، فهل نصدق أنهم أعرق في الدين من آبائهم الأولين وسلفهم الصالحين؟
وقد أحيا هذه الرسالة بعد ما قُبرت في المكاتب القديمة الشيخ طاهر المغربي
الشهير بغيرته وعلمه، وأصلح بالمقابلة على ما عثر عليه من نسخها ما أفسد النساخ
فيها، وطبعت على نفقة أسعد بك حيدر أحد وجهاء قضاء بعلبك، وصححها سليم
أفندي البخاري من علماء دمشق، فجزى الله الأستاذين والبيك الجزاء الحسن على ما
أحسنا إلينا بهذه النصيحة والموعظة الحسنة.
* * *
(الزهرة السوداء)
قصة لإسكندر دوماس الكبير، الكاتب الفرنسي الشهير، نقلها إلى اللغة العربية
سامي أفندي نوار وموضوعها أن أحد علماء النبات كان مشغولاً باتخاذ الوسائل
الصناعية لإيجاد زهرة سوداء من (الطوليب) وأن حاسدًا كسولاً من جيرانه كان
يراقبه ليسرق الزهرة إذا هي وجدت ليفوز بشرف الاختراع وبالجائزة التي عينتها
لجنة معرض الزهور لمن يجيء بالزهرة وهي مائة ألف جنيه. ثم سجن العالم
بذنب سياسي اتهم به، فعشق ابنة السجان وعشقته وساعدته على تربية الزهرة بعد ما
وجد بصلة نباتها، وهيأه بالصناعة لإنباتها، حتى إذا ما ظهرت سرقها المراقِب
وقدمها للجنة الزراعة وكاد يفوز بالجائزة لولا أن تأثرته البنت وأثبتت سرقته إياها
بوجه كان مبرئًا لعاشقها من الذنب السياسي وانتهت القصة بتزوجه بها. هذا
الموضوع كله ولكنه مبسوط في ٢٤٠ صفحة بسطاً يروق ويفيد بما فيه من تصوير
سلامة القلب وكرم الأخلاق والتوله في حب العلم والعشق المُجمَّل بالعفة والنزاهة،
كما يفيد الكتاب بأسلوب الإسهاب؛ وقد أودعها المترجم من التنبيه على مواضع
الاستفادة بما وضعه في خلال الكلام بين الأقواس ما يزيد في فائدتها الأدبية. وقد
طبع القصة صاحب مكتبة الشعب في مطبعته وهي تطلب منها وثمنها خمسة قروش
صحيحة.
* * *
(برح الخفاء)
سبق ذكر هذه القصة في تقريظ سوابقها وقد صدرت بعد صدورهن وفيها من
الفوائد تصوير الصدق والوفاء في الصحبة وتمثيل الروابط الطبيعية بين الأهل
والأقربين وكيف تبلغ كمالها في بيوت المجد، وبيان سوء عاقبة فاسدي الأخلاق في
أنفسهم وأهليهم ولا تنس ما مهدت له القصة التي قبلها من بيان طريق اختيار
الأزواج وما للإفرنج من الحيل في ذلك، فعسى أن يتنبه قراء هذه القصص لهذه
العِبر ولا يكون حظهم منها محض التفكه، كالجاهلين الذين يرون العبر بأعينهم في
الخليقة كل يوم ولا يفقهون.
* * *
(الأرجوزة العصرية)
نظم أخنوخ أفندي فانوس المحامي المشهور بمصر أرجوزة سماها بهذا الاسم
(تبحث في تاريخ اليابان وأسباب تقدمها وفي أن كثيرًا من الشرائع الدينية جاءت
بحسب الظروف والمكان، ونصائح للأمة المصرية، وتحرير المرأة، وأضرار
تعدد الزوجات، وأضرار الطلاق والتسري، وغير ذلك من المباحث الهامة) بهذا
عرفها وقدمها إلى الأمة المصرية سلالة أولئك الفراعنة ورعاياهم الذين تنطق
آثارهم بمدنيتهم، وإلى الإنسانية. وإننا نورد منها أمثلة، قال في فاتحتها:
ما لليباني عن خباه مالا ... فزلزل السهول والجبالا
وذكره صبح في الآذان ... يشجي نفوس القوم كالألحان
وبطشه قد سار في الركبان ... أحدوثة الفرسان والشجعان
وحبه للموت والجهاد ... في خدمة الأوطان والبلاد
أضحى نشيد القوم في (النوادي) ... لم تخلُ منه بقعة أو وادي
قد حير الألباب والعقولا ... إذ خالف المعقول والمنقولا
فيله شبلاً نراه أسدًا ... في لحظة معفراً مرعداً
قد اذبأر الشبل والناب بدا ... فاذعر الدب فولّى وعدا
وكل يوم يكشف الستار ... عن آية فيها النهى تحار
لكن هذي آية بالزمان ... هادية الشيوخ والشبان
ثم ذكر أن لكل شيء سببًا وأن سبب ارتقاء اليابان ما وهبه الميكادو الحاضر
من الحرية في الرأي والدين والرواية، وانتقل من هنا إلى ذم التعصب الذميم الذي
يخرب البلاد ويهلك الأمم ومنه إلى اختلاف الشرائع والأديان باختلاف الزمان
والمكان، وذكر الأمثلة من لدن آدم حتى انتهى إلى كلمة المسيح: (أعط ما لقيصر
لقيصر وما لله لله) فنظمها هكذا:
أما ترى المسيح ابن مريم ... إذ قال قولا صائبًا ومحكما
لمّا به احتاطوا وقالوا مكرًا ... العشر يعطى قيصراً أم نمرى
قال لهم وقوله حكم سرى ... لله أعطوا ما له وقيصرا
ثم زعم أن اليابان أدركوا هذه الحكمة فانطلقوا من بؤسهم للنعمة وذلك أن
كُتاب النصارى يأخذون من هذه الكلمة أو أكثر مما تعطي والناظم حسن القصد وإن
كان يعلم أنه لم يكن في اليابان أديان متنازعة وأن تنزعها كان سبب ضعفها السابق
وأن الحرية التي منحها الميكادو للأمة التي هي أزالت التعصب حتى تسنى لها
النهوض والارتقاء.
ويعلم أن الديانة البوذية لا تعصب فيها وذلك سهَّل على القوم اقتباس العلوم
والصنائع الأوربية عندما أحسوا بالحاجة إليها بعدما أرسلت إليهم حكومة الولايات
المتحدة سفنها الحربية ونكلت بها تنكيلاً، فمن هذه الجهة يصح أن نعتبر بمضرة
الجمود الذي يحول بيننا وبين اقتباس العلوم والصنائع النافعة لا سيما الحربية من
الأمم القوية وأن هذا الجمود الذي نسميه دينًا هو خلاف أمر الدين وسبب لضعفه
وإذلال أهله.
ثم ذكر ما يقصد من النصيحة بنظم الأرجوزة وهو:
وهذه نصيحتي الصفية ... إليكم من خالص الطوية
أن تجعلوا المسائل الدينية ... في حيز عن صالح الأرضية
وتقفوا في وجه كل مفسد ... وقفة من لا ينثني كالأسد
وتجعلوا المصرية الإخاء ... وكل شيء دونها هباء
ومن هنا استطرد إلى ذكر النصائح في النساء والتعليم، وختمها بنصيحة الأمير
فقال:
إليك يا مليكنا المعظما ... نبسط كفًّا سائلا مسترحما
رعاية للأمة الحزينة ... قبل فوات الفرص الثمينة
فأوسعن للفُضلا المجالا ... تحط في رحابك الرحالا
وأقصينّ الكاذب الخسيسا ... وأبعدنّ الخائن الدّسيسا
واجعل لديك الرتب السنية ... جوهرة ثمينة علية
ينالها النوابغ العظام ... أهل العلا الأفاضل الأعلام
فتزدهي في ملكك الآداب ... ويختفي من أرضك المعاب
وأمسك بحسن الرأي والمشورة ... من خبرة وحنكة مشهورة
ونظم سائر الأرجوزة كما ترى , ولعل نصائحها تنفع المستعد لقبولها.