في العشر الأخير من رمضان هذا العام قضى نحبه ولقي ربه صديقنا الأستاذ الكبير، العلم الشهير، الشيخ مصطفى نجا مفتي بيروت ورئيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، فخسرت بوفاته الأمة الإسلامية والبلاد السورية رجلاً من أفضل رجال عصره علمًا وفضلاً وديانة وصيانة ووطنية وإخلاصًا ودفاعًا عن الدين وقدوة صالحة في التقوى والعمل الصالح النافع للأمة والوطن، في مصالح الدين والدنيا، بغيرة وشدة لا هوادة فيها ولا مداراة، وأخذ بالعزائم لا يجنح فيه إلى رخصة إلا ما صرح به الفقهاء، بيد أنه كان على تقليده للفقهاء في العمل والفتوى لم يهبط به الجمود إلى غمط حق أولي الاستقلال في العلم والفهم، الداعين إلى هداية الكتاب والسنة إذا رآهم من المعتصمين بحبل الله والأسوة الحسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا من الجاهلين الأدعياء الذين يتبعون أهواءهم، ويتخذون دعوى اتباع الدليل ذريعة لمخالفة علماء المذاهب وتجرئة العوام على المعاصي. كان من قراء المنار منذ إنشائه الراضين عنه وعن منشئه، بل المحبين المثنين، وقد نشرنا له فيه ما قرظ به تفسيرنا وكتابنا الوجيز (خلاصة السيرة المحمدية) ولم ينكر علينا يومًا شيئًا مما قررناه أو أفتينا به مخالفًا لما يراه تقليدًا لفقهاء مذهب الشافعية الذي يعتمد عليه في عبادته، أو مذهب الحنفية الذي كان يفتي به بحكم وظيفته، وكنت من جهتي أعذره في تشديده التقليدي فيما يقوم الدليل من الكتاب والسنة أو قواعد الأصول على الرخصة أو السعة فيه، وأرى أن من مصلحة الشعب أن يوجد فيه مثله في الورع والتقوى والنفور من اللهو واللعب ولو مباحًا تجاه ما يوجد فيه من الفساق والميالين إلى الإباحة المطلقة ومن القدوة السوأى في بعض الذين يعدون من علماء الدين، وأرى أن الاعتدال في الإرشاد بوضع كل من العزائم والرخص في مواضعها لا يظهر أنه اعتدال بين طرفين إلا إذا وجد من يقفون في كل طرف منهما موقفًا ظاهرًا. أجدر بي أن يحزنني موت صديقي الشيخ مصطفى نجا، وإني لأراني أحق بأن أعزى عنه من أن أعزي، وكنت أرجو أن يكتب إلي بعض آله أو تلاميذه ترجمة له أنشرها مع تأبينه ورثائه فخاب الرجاء إلى الآن، وعسى أن تكون هذه الكلمة باعثة لأحد منهم على كتابة ما يدونه المنار من تاريخه النافع (رحمه الله تعالى) .