للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


إصلاح عظيم في وزارة المعارف
وإخراج الدكتور طه حسين منها
وخروج أحمد بك لطفي السيد من الجامعة المصرية

لقد كان أكبر هم الاحتلال الإنكليزي في مصر إفساد ما يتوقف عليه استقلالها
في مستقبل أمرها، إذا قضت الأقدار الإلهية خروج جيشهم منها وهو المدارس
والجيش، فأما الجيش فلا كلام لنا فيه هنا، وأما المدارس فكان همهم من السيطرة
عليها تخريج نشء جديد لا هم له من الحياة إلا التمتع باللذات الجسدية والزينة في
اللباس والأثاث والرياش والتنافس في خدمة الحكومة ووظائفها، والتوسل إلى ذلك
بالشهادات المدرسية، والتملق للرؤساء المسيطرين من الإنكليز في المرتبة الأولى
ومن صنائعهم الوطنيين في المرتبة الثانية.
لهذا كان أهم ما عني به المسيطر على وزارة المعارف منهم (ألا وهو
القسيس مستر دانلوب) أن يطمس كل أثر كان للدين الإسلامي في المدارس
الأميرية، ولا يدع للتربية الإسلامية ولا للتعليم الديني منفذًا يشرف منه على
القلوب، أو يشرق على العقول؛ تيسيرًا للإلحاد والإباحة أن ينفثا سمومهما في
إفساد الأخلاق، وعبادة الشهوات، وإيثارها على هداية الملة، ومصالح الأمة،
وحجابًا دون مقاصد الإسلام العالية في السيادة الملية، وعدم الخضوع لأي سيطرة
أجنبية، أن تتمكن في الأذهان، وتغلغل في أعماق الوجدان، وإلهاء للمعلمين
والمتعلمين عن ذلك بمظاهر التربية الوطنية الإقليمية، التي تفصل بين مسلمي
مصر ومسلمي سائر الأقطار ولا سيما العربية، وهو الأمر العظيم الذي كان
استشرف له محمد علي الكبير فحالت الدولة الإنكليزية دونه بحيلة الانتصار للدولة
العثمانية التي كانت تراها سائرة إلى الانحلال.
نجح مستر دانلوب في سياسته أتم النجاح، وشغل المدارس بألعاب الرياضة
الجسدية عن ترويض الأرواح - على سهولة الجمع بينهما - وكان شر العواقب
لنجاحه أن طبع وزارة المعارف المصرية بطابع سياسته، ووجهها شطر مقصده،
حتى إذا جاء الاستقلال المقيد وصار أمر التعليم في أيدي الوطنيين كان بعض
وزراء المعارف من بعده شرًّا على التربية والتعليم مما كان في عهده، بل لم
ينهض وزير منهم لإصلاح التربية الدينية ومقاومة نزعات التفرنج وصد تيار
الإباحة والإلحاد، الذي يقذف بالأمة في فوضى الأخلاق والفساد.
ومن العجيب أن نرى جميع الأذكياء من العلماء والأدباء والكُتَّاب مجمعين
على أن أقتل أمراض هذه الأمة فساد الأخلاق، وأنه لا ينفعها بدون تهذيب الأخلاق
علم ولا استقلال، ثم لا نجد لهذا الإجماع أدنى تأثير في التربية المدرسية، مع
الإجماع على فقد التربية المنزلية.
وأعجب من هذا أننا لم نر من حزب من أحزاب البلاد السياسية، ولا من
تقاليد الحكومة طريقة متبعة في اختيار وزير المعارف من رجال الإصلاح الملي
والأدبي الذين يهمهم حفظ دين الأمة ووقايتها به من الفساد والفوضى؛ وإنما
الطريقة المتبعة عند كل حزب تقسيم الوزارات بين رجال الحزب المستمسكين به،
لا يصرفهم صارف عن جعل وزير المعارف أحد المعروفين بالإلحاد، كما لا
يصدهم صاد عن جعل وزير الحربية أحد الأدباء أو رجال الاقتصاد.
ولقد كان من مثار العجب جعل الأستاذ أحمد لطفي السيد المحامي وزيرًا
للمعارف، حتى إذا ما تبوأ هذا المنصب مراد بك سيد أحمد القاضي الأهلي زال
ذلك العجب، واعتقد كل غيور على الدين أن الحكومة المصرية متعمدة القضاء
على هداية الدين في الأمة بتربية بنيها وبناتها على الإلحاد والإباحة المطلقة.
لئن كان الدكتور طه حسين من سيئات الأول بتغذيته مبادئ الإلحاد في نفسه،
وتجرئته على بثها بقلمه أولاً، وفي دروسه في الجامعة آخرًا؛ فإن الثاني قد ابتدع
في وزارة المعارف من فنون التربية على الإباحة، وإلقاء جلابيب الحياء والصيانة،
من رقص التهتك والخلاعة، وتصوير الشبان والشواب، مجردين ومجردات من
الثياب، ما يتضاءل أمامه ذلك الإفساد القولي الذي يمكن إبطاله بما هو أقوى منه
في نوعه.
ليس بكثير على مثل مراد بك سيد أحمد أن يفترص ارتقاءه إلى منصب
وزارة المعارف، فيبتدع فيها تعليم النابتة المصرية من البنين والبنات التمثيل
الإباحي والرقص التوقيعي بأنه من الرياضة الجسدية وتجديد المدنية، ويربيهم على
التجرد من الثياب بحجة الترقي في صناعة التصوير، وهو هو الذي كان قاضيًا
فرُفعت إليه قضية رجل يطلب فيها عقاب أستاذ في المدارس على التصدي لتخبيب
امرأته وإفسادها عليه بمخاطبته إياها في الطريق بعبارات التصبي والاستمالة،
كقوله لها إن جمالها قد سلب منه الرقاد، وحكم عليه بطول السهاد، فحكم هذا
القاضي الذي ارتقى من كرسي القضاء إلى كرسي الوزارة بأن ما وقع من الأستاذ
المعلم المربي مظهر من مظاهر حب الجمال وهو فضيلة من الفضائل؛ وإنما
يعاقب القانون على الرذائل، فحكم ببراءة الفاسق المتصدي لإفساد نظام الزوجية،
وكفى به إفسادًا للأمة.
أجدر برجل هذا رأيه وهذا وجدانه في القضاء أن يعد من أعلى الفضائل التي
يخدم بها أمته بتربيتها عليها بالفعل تمتع شبانها وشوابها بكل ما في أبدان الحسان
من الجمال الخفي والظاهر، على مذهب الشاعر القائل:
حسن الغصون إذا اكتست أوراقها ... ونراك أحسن ما تكون مجردا
ولكن الغريب المريب أن يجعل مثل هذا القاضي الجمالي والمجدد الإباحي
وزيرًا للمعارف، وأن يبتدع فتنته وتقره هيئة الوزارة عليها، ولا تبالي إنكار أهل
الدين ومحبي الصيانة لها، وما منعني أن أرفع صوتي يومئذ بمشايعة المستنكرين،
إلا أنني ظننت أن الحكومة المصرية قد أجمعت أمرها على إلقاء هذا الشعب
المتدين في فوضى الإباحة المطلقة، وقذفه في تيهور الإلحاد والزندقة، وأنه لم يبق
لهذا المزاج الحكومي من علاج، إلا أن يصب الله المنتقم عليها صوت عذاب.
بيد أن الحكومة لم تلبث أن أخرجت هذا الرجل من الوزارة، وجعلته سفيرًا
لها في أوربة، وناطت وزارة المعارف بمحمد حلمي باشا عيسى فأبطل البدعتين
الإباحيتين، فعلمنا أن ابتداعهما إنما كان بسوء رأي الوزير الذي افتجرهما، لا
بمقتضى خطة إجماعية من الحكومة قام بتنفيذها.
ثم إن هذا الوزير جعل الدكتور طه حسين عميد كلية الآداب في الجامعة مفتشًا
للغة العربية في الوزارة، فأخرجه من الجامعة التي يبث فيها إلحاده، فكان
لإخراجه ضجة شديدة ورجة عنيفة في الجامعة، لا لأجل طه حسين نفسه، بل
لأجل المحافظة على جعل الجامعة مستقلة كجامعات أوربة لا يملك وزير المعارف
نقل عميد منها، ولا أستاذ إلا بقرار من مجلس إدارتها، وقد افترص هذه الضحة
والرجة معارضو الحكومة فكبروها تكبيرًا وكبروا طه حسين بالتبع لها، فهب في
وجوههم مجلس النواب المؤيد للحكومة، فطلب أحد أعضائه الدكتور عبد الحميد
سعيد (رئيس جمعية الشبان المسلمين) استجوابًا من وزير المعارف في مسألة طه
حسين واستنكار إبقائه في وزارة المعارف على ما عرف الخاص والعام من سوء
سيرته في نفث سموم الإلحاد في الطلبة وإفساد عقائدهم وآدابهم بدروسه وكتبه، وقد
ألقى المستجوب على المجلس بيانًا طويلاً لما تضمنته كتب هذا المدرس من نزعات
الكفر والإلحاد والإباحة، فوعدت الحكومة المجلس بأنها ستنظر في مسألته وتقررها
وما يرضي المجلس والأمة في شأنه.
أسهب مجلس النواب والجرائد الموالية للحكومة في الطعن على طه حسين،
فأطنبت الجرائد المعارضة لها في إطرائه، وذلك دأب المناظرات السياسية، وكان
من تأثير إطراء الجرائد المعارضة وبعض طلبة الجامعة وغيرهم في نفس طه
حسين أن شمخ أنفه، واهتز عطفه، فأفلت من لسانه ما أرادت الحكومة تحقيقه
فسألته عنه فامتنع من الجواب، وعتا عتوًّا كبيرًا انتهى بعزله من وظيفة التفتيش
قبل أن يعمل فيها عملاً، وهذا ما تبغيه المعاهد الدينية والنواب وكل مسلم يعرف
إفساد طه حسين في الجامعة.
وكان مما دفعته سيول هذه الحوادث أن استقال أستاذه ومربيه أحمد لطفي بك
السيد من رياسة الجامعة المصرية، فقبلت الحكومة استقالته، فتم بذلك سرور أهل
الدين.
لقد أوتي طه حسين من الحظ والتأييد أضعاف ما أوتي من العلم والتأديب،
فهو يدعي التجديد ولم يأت بجديد، إلا أن خدم دعاة النصرانية بالصد عن الإسلام
وبغيه عوجًا، وقلد بعض فلاسفة الإفرنج في الشك والتشكيك، وهو ضرب من
السفسطة قديم، كان الذين ابتلوا به يشكون فيما يرونه بأعينهم ويسمعونه بآذانهم،
ويذوقونه بألسنتهم، حتى شكوا في وجود ذواتهم، فما تعوده أحد وانتحله مذهبًا له
إلا وأعقبه جهلاً لا مخرج له منه، ومن شك في كلام الله، وفيما تواتر من أخبار
الناس، فأنى له أن يوقن بآراء طه حسين، كلا إنما مثله كمثل من يبيع الموجود
بالمعدوم، والمتحقق بالموهوم، أو كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ
كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ
حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ
مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ
اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} (النور: ٣٩-٤٠) .
ولعل سبب تأييد بعض كبار الملاحدة له أنهم رأوه مستولغًا مستهترًا لا يبالي
في سبيل الشهرة بالإلحاد والإباحة ذمًّا ولا عارًا، وهم حريصون على نشر هذه
الدعوة في الجامعة المصرية ليهدموا بمعاول المتخرجين فيها كل ما بقي للإسلام في
مصر من هداية دينية وجنسية عربية، فهم أرادوا جعل الجامعة حربًا على الأزهر
وما يتبعه من المعاهد الدينية وعلى دار العلوم أيضًا، وقد صرَّح بعض كتابهم بهذا
في مقالات نشرت في بعض الصحف، بل صرحوا بأن ثقافة هذه الجامعة المصرية
ستحل محل ثقافة الأزهر الدينية في مصر وفي سائر البلاد العربية، ويسرنا أن
بعض الذين جاهروا بهذا العداء للدين وصلينا نار قذفهم للرد عليهم فيه قد ثابوا في
هذا العهد أو العام إلى رشدهم، وأنابوا إلى ربهم، ولقد كان أظهر الأسباب لعناية
أولئك الملاحدة ببث دعايتهم في الجامعة هو اعتقادهم أن الشعب ما زال يغلب عليه
الدين، فهو يحتقر في نفسه أمثالهم من الزنادقة والمعطلين، وقد رأى طه حسين أن
في كفالتهم له وتقديمهم إياه ربحًا لا يصل إليه بدون هذه الوسيلة، وأن الذين لا
يزالون يغارون على الدين لا ينصرون أنصاره، ولا يضرون أعداءه، إلا أذى من
القول، وقد كان من دهائه وعدم مبالاته بالذم أن لا يرد على معترض، ولا يثأر
من منتقص، فكان الرد عليه يزيده شهرة، ولولا كثرة الردود عليه لما ذاعت
شهرته وانتشرت مصنفاته، فكان هذا من أكبر حظه أيضًا.
ولعلمي بهذا لم أعن بالرد عليه والعناية بإظهار جهله، بل لم أنظر إلا في
قليل مما كتبه، وكان المرحوم رفيق بك العظم أول من أنبأني بمقالاته في جريدة
السياسة التي جعل عنوانها (حديث الأربعاء) وما فيها من الجناية على التاريخ
العربي والإصلاح الإسلامي وإغراء النابتة بالفسق والإباحة - لأقرأها وأرد عليها فلم
أفعل، ولعله كان رحمه الله أول من رد عليه؛ ولكنني عنيت بإظهار ما كان خفيًّا
على الناس من أمر الحزب الذي اتخذه داعية له والجمعية التي تؤيده وتنوه به، وقد
سميتها (جمعية الإلحاد والزندقة، والإباحة المطلقة) فانتقموا مني بهجر من القول،
وقذع فاحش من البهت، وتبديل حسناتي سيئات، كقولهم إنني كنت أقل الناس
وفاء وأشدهم كنودًا للشيخ محمد عبده حتى أنني بعت مذكراته ومستندات تاريخه
للخديو عدوه! ! ! ها هو ذا تاريخ الأستاذ الإمام قد ظهر ناطقًا بما يعلم الناس،
وبما لم يكونوا يعلمون من سيئات الخديو في مقاومة الشيخ محمد عبده في إصلاحه،
وناشرًا لما كان مطويًّا من مذكراته، فهل رجع المفتري علينا عن بهتانه؟ وإذا
كان صاحب المنار قليل الوفاء للشيخ محمد عبده وهو الذي يشهد له ٣٢ مجلدًا من
المنار بالتنويه بفضله والإشادة بذكره، فليدلنا ذلك الكاتب على الأوفياء له على
واحد من أحيائهم وأمواتهم؟
لقد كان وجود الدكتور طه حسين أستاذًا معلمًا للآداب العربية في الجامعة
المصرية ذنبًا كبيرًا لوزارة المعارف؛ فإنه مفسد لآداب النفس التي لا قوام لها إلا
بالدين، ولا دين إلا باليقين، ومن قواعد آدابه الشك والتشكيك في الدين وفي غير
الدين، فهو من أكبر المفسدين، وإنه على إفساده لآداب النفس غير مصلح في
آداب اللغة، بل هو مفسد فيها أيضًا، وإن شهد له إخوانه الملاحدة في مصر
وأوربة وأخوه - الذي في حلب أيضًا - بأنه إمام المصلحين، كما شهد هو لأبي
نواس أفسق أهل عصره بأنه إمام المصلحين! ! فإن كل آدابه اللسانية خلابة لفظية،
ونظريات جدلية، وإذ كان وجوده ذنبًا لها وللحكومة فإخراجه كفارة لهذا الذنب،
وإذ كان هو مفسدًا للآداب فإخراجه إصلاح لا ريب فيه.
ولقد سر هذا الإصلاح جميع أهل الدين وكل من يغار على الفضائل والآداب
الصحيحة، ولو وقع في عهد سعد باشا عقب حملته عليه في مجلس النواب تلك
الحملة الشديدة لعده السواد الأعظم من الأمة من أكبر حسنات سعد، ولفاضت أنهار
الجرائد الوفدية بمقالات الثناء على سعد، والقذف والرجم لطه حسين، إذ كان
يدخل حجرة الدرس في الجامعة فيسمع من صفير طلبتها وزفيرهم ما يكاد يحرقه
إحراقًا.
ولكن جاء هذا الإخراج أو الإصلاح في وقت لم تظهر فيه مزاياه لجمهور
الأمة وسوادها الأعظم، أو ظرف غير مناسب كما قال بعض الأدباء المستقلين،
فكان من أثره ما كان من الدفاع عن طه حسين وإطرائه بالتبع للدفاع عن استقلال
الجامعة المصرية، والهجوم على الوزارة الصدقية، ورميها بإخراجه لأسباب
سياسية.
وما لنا نحن معاشر المستقلين في الرأي والمنتبذين لأقصى مكان من السياسة
الحزبية لا نقول الحق ولا نخاف فيه لومة لائم، على أنه لا يقدر أحد أن يتهمنا
بالانتصار للحكومة أو الدفاع عنها، بل يعلم السعديون الخلص أننا كنا مع سعد من
حزب شيخنا وشيخه الأستاذ الإمام رحمه الله، وما زلنا أقرب إلى مبادئ سعد
والوفد الشعبية أو الوطنية (الديمقراطية) منا إلى خصومها مع المحافظة على
استقلالنا في الرأي، وجهرنا بما نعتقد أنه الحق، وعدم نصبنا العداء لأحد، ما لنا
لا نقر ونقرر وننوه بما نعتقد أنه إصلاح، ونقول إنه إصلاح، ونظهر سرورنا به،
ونثني على فاعله، من غير أن نماري خصومه في سياستهم، وأي صحيفة أجدر
بنصر الإصلاح الإسلامي من منار الإسلام الذي نصب للعناية به والدعوة إليه.
قال حكيمنا المصلح الكبير السيد جمال الدين الأفغاني لأستاذنا العلامة الشيخ
حسين الجسر الطرابلسي في الآستانة: إننا لا يمكننا أن نخطو خطوة واحدة إلى
الأمام إلا إذا كنا نعطي كل ذي حق حقه، فنقول للمحسن أحسنت، وللمسيء أسأت.
ولئن كان غلاة التجديد الصوري الإباحي يحمدون وزير الرقص وتصوير
العراة ويسمونه مجددًا، ويذمون وزير الفضيلة والصيانة ويسمونه رجعيًّا مقلدًا،
فأجدر بأهل الاعتدال في الإصلاح على صراط الإسلام المستقيم، الجامع بين
مصالح الدنيا والدين، أن يحمدوا لحلمي باشا عيسى عمله ويسموه من المصلحين.
ألا إنني كلمت من أدركت قبل حلمي باشا من وزراء المعارف إلا واحدًا أو
اثنين منهم فيما يجب من الإصلاح الديني فيها فما رأيت من أحد منهم ما رأيت منه
من الارتياح والقبول والتوجه إلى العمل من تلقاء نفسه، وقد بدأ بالتمهيد والتخلية،
وفقه الله تعالى لإتمام ما بدأ به، بالتعليم والتربية.