السيد الإمام محمد رشيد رضا - منشئ المنار (رضي الله عنه)
ننعي إلى الإسلام والمسلمين، إمام أئمة المفسرين المتقدمين منهم والمتأخرين غير منازَع، وأحذق الأئمة المحققين السابقين منهم واللاحقين غير مدافَع، زعيم أهل السنة العاملين، وأنفذهم بصيرة، وأرسخهم عقيدة، وألد خصوم البدعة وأبطشهم بها يدًا وأثبتهم على قتالها قدمًا، علم الهداية الخفاق، وصوتها الرنان في الآفاق، المتفاني في تحرير الشعوب الإسلامية لا من البدع والخرافات والأوهام والضلالات حسب، بل منها ومن أغلال الاستعباد وقيود الاستبداد، وأخلص المخلصين للإسلام والمسلمين، وعمدة الداعين إلى هدي الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم - السيد الإمام محمد رشيد رضا رضي الله عنه وأرضاه، وجعل جنة النعيم مستقرة ومثواه، آمين. اختاره الحي الباقي لجواره حوالي منتصف الساعة الثانية من مساء الخميس، الثالث والعشرين من جمادي الأولى، سنة ١٣٥٤ هـ، الموافق الثاني والعشرين من أغسطس، سنة ١٩٣٥، ونعاه من عرف وفاته من أهله وأصدقائه إلى من لم يعرفها منهم في القاهرة والأقاليم المصرية والأقطار الأخرى، ونعوه إلى الصحف، ونعاه محط الإذاعة اللاسلكية بالقاهرة في منتصف الساعة الثامنة مساء إلى من يبلغه صوته من سكان المعمور، وصدرت الصحف هنا وهناك ناعية باكية مؤبنة مؤرخة، وارتجت أنحاء القاهرة بهذا النعي وأُقضت المضاجع فيها، وانساب المعزون إلى دار المنار عدد ١٤ بشارع الإنشا جنوبي وزارة المعارف مساء الخميس يوم الوفاة وصبيحة الجمعة التالية له، حتى غصت بهم ساحة الدار والطريق الفسيحة أمامها. وفي تمام الساعة العاشرة حمل النعش أبناء الفقيد في الهداية والعلم وساروا به، وخلفه المشيعون، وفيهم أقطاب العلم والأدب في البلاد حتى مسجد السيدة الشامية بشارع نوبار حيث صلى عليه المصلون جمًّا غفيرًا، ثم حمل على سيارة واستقلت جمهرة من المشيعين سيارات إلى مدفن أستاذه الإمام الشيخ محمد عبده في مقابر المجاورين حيث دفن بجواره، وأبَّنه على قبره ثلاثة من الحاضرين وهمّ آخرون بالتأبين؛ ولكن رؤي أن الزمان والمكان لا يتسعان له فطلب الكف عنه إلى وقت آخر، واستمر الناس يفدون على داره أيامًا للتعزية. وقد روعي في كل مراحل هذا الخطب العظيم من ساعة الوفاة إلى نهاية التعزية السنة الشريفة النبوية. وقد نعي الفقيد بعض الأقطار الإسلامية على المآذن، وصلى عليه كثير منها صلاة الغائب، ولا سيما في المساجد الثلاثة: مكة المكرمة والمدينة المنورة وبيت المقدس. ولد السيد الإمام رضي الله عنه في جمادى الأولى سنة ١٢٨٢ هـ، الموافق ١ أكتوبر سنة ١٨٦٥ م في قرية تسمى القلمون على شاطئ البحر الأبيض المتوسط من جبل لبنان تبعد عن مدينة طرابلس الشام زهاء ثلاثة أميال، حين كان جميع أهل هذه القرية من السادة الأشراف المتواتري النسب، وقد اشتهروا إلى شرف النسب بشرف الحسب وحسن السيرة، ويمتاز بيته الكريم فيهم بأنه بيت علم وإرشاد وتقى ورياسة، وبأنه معقِد رجاء ذوي الحاجات، ومحط رحال العلماء والأدباء والحكام والعظماء، ولذلك نشأ السيد الإمام رضي الله عنه عالي النفس، كبير الهمة، محبًّا للعلم والتقوى والصلاح، ضاربًا في هذا وذاك بسهام صائبات. تعلم في كتّاب القرية قراءة القرآن الكريم والخط وقواعد الحساب الأربع، ثم أدخل المدرسة الرشيدية بمدينتهم طرابلس الشام، وكان التدريس فيها باللغة التركية، فأقام فيها سنة، ثم انصرف عنها ودخل المدرسة الوطنية الإٍسلامية التي كان يديرها أحد الساعين لتأسيسها أستاذه العلامة الشيخ حسين الجسر الأزهري، رحمه الله، ولما لم تقبل الحكومة العثمانية أن تعدها من المدارس الدينية التي يعفى طلابها من الخدمة العسكرية، ألغيت وتفرق طلابها، فذهب بعضهم إلى مدارس بيروت المختلفة، وانقطع بعضهم لطلب العلم في المدارس الدينية في طرابلس والفقيد منهم، فخف في طلب العلوم الدينية والعربية والعقلية ووضع وتلقى على أقطابها وهم مشايخه حسين الجسر ومحمود نشابة وعبد الغني الرافعي هناك، ولازم أستاذه الشيخ حسين الجسر دهراً طويلاً حتى أتم دراسته وبرع في العلم والشعر والكتابة، وكان في إبان طلبه العلم منصرفًا إلى عبادة ربه، داعيًا إلى الإصلاح حتى علا في بلاده ذكره، وضاقت به حريتها المخنوقة وميدان العلم والإصلاح فيها، فهمّ بالاتصال بالسيد جمال الدين الأفغاني حكيم الشرق الأول ولم يوفق، فقدم مصر، وفي اليوم التالي لقدومه اتصل بالأستاذ الشيخ محمد عبده حكيم الشرق الثاني وبقي ملازمًا له يأخذ عنه ما كان عنده وعند أستاذه من العلم والحكمة ووجوه الإصلاح الديني والاجتماعي والسياسي , وأصدر أول عدد من مجلة المنار في العشر الأخير من شوال لسنة ١٣١٥ هـ، مارس سنة ١٨٩٧ م، وأخذ ينشر فيه ما عنده وعند أستاذيه من علم وحكمة وهدى وإصلاح، ويشد بذلك وبالكتابة في الصحف اليومية أزر أستاذه الإمام في دعوته حتى اختاره الله لجواره وبقي هو وحده في الميدان بعد ذلك دهراً طويلا وفيًّا لأستاذه ولدعوته حتى اختاره الله هو الآخر لجواره رضي الله عنهم وأرضاهم بعد أن صدر من مجلدات المنار أربعاً وثلاثين مجلدة وجزءًا من الخامسة والثلاثين، وعدة كتب من إنشائه، وعدة كتب من إنشاء غيره من المصلحين. توفي السيد الإمام - أسبغ الله عليه شآبيب الرحمة والرضوان - عن نحو اثنتين وسبعين سنة هجرية، أو نحو سبعين سنة ميلادية قضاها إلا قليلًا منها - وهي سنوات الطفولة- في دراسة العلم ونشره بالكلام وبالكتابة، لا سيما العلم بالكتاب والسنة وهدايتهما وأحكامهما وأسرارهما، وفي رياضة النفس على العمل بهما، وعلى التحلي بالخلق الكريم الذي كان عليه جده الأعظم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الدعوة إلى سبيل الله وإلى الإصلاح، وفي محاربة أعداء الدين، وردِّ الشبهات عنه، حتى بلغ في كل هؤلاء الذروة والغارب، وأصبح منقطع النظير لا يشق له في ميدان من ميادينها غبار، ولا يدرك له فيها شأو. وإن أعجب لشيء فعجبي العظيم لآماله الكبار في إعزاز الإسلام والمسلمين، التي لم يخمد لها لهب ولم يهمد لها جمر، والتي شغلته العمر كله، وأنهكت قواه، وأقامت العالم الإسلامي وأقعدته. وكان أكبر همه - رضي الله عنه - مصروفًا إلى رد المسلمين إلى أصل دينهم وهو الكتاب والسنة، وإلى تحريرهم من رق البدع والخرافات، وحمايتهم من عقارب الفتن والشبهات، وسلّ من أجل ذلك حساميه: لسانه وقلمه وكلاهما أحدّ من الآخر، وما زال يرمي البدع والخرافات والمشكلات والشبهات حتى أصاب منها الكُلى والمفاصل، وكاد يجهز عليها لانحراف المسلمين بها عن الدين؛ ولأن هذا الانحراف أصل بلائهم وذلتهم واستعبادهم. وما كان رضي الله عنه يقنع بهذا - وفي هذا وحده الكفاية - بل كان يسعى ويجاهد ويشارك في تحرير الشعوب الإسلامية من الاستبداد قولاً وكتابة وعملاً. ومن أجل هذا وذاك هجر وطنه الشام إلى مصر وسافر إلى الأقطار الإسلامية الشاسعة: الهند والعراق وتركية أوربا وبلاد العرب، بل وعلى أوربا نفسها لدعوة علماء الإسلام وملوكه وأمرائه وزعمائه لما يعتقد أنه الحق، ولمشاركته من كان على شاكلته منهم في السعي والجهاد لإحياء الإسلام والمسلمين. ومن أجل هذا وذاك كان رضي الله عنه مغتبطًا كل الاغتباط بالمملكة العربية السعودية؛ لأنها متوجهة حكومة وشعبًا للعمل بالكتاب والسنة في الشؤون الدينية والدنيوية معاً، منصرفة كل الانصراف عن المنكرات والبدع والخرافات وهو ما يريد أن يوجه العالم الإٍسلامي كله إليه ويصرفه عنه؛ ولأنها تقيم الدليل الحسيّ العملي في هذا العصر المادي الطاغي على إمكان حياة الأمم حكومات وشعوبًا بالكتاب والسنة حياة منزلية اجتماعية سياسية سعيدة، وبذلك يثبت ما يدعو إليه من أن القرآن الكريم وما يوافق روحه من السنة الصحيحة أصل لسعادة البشر في الدنيا كما أنه أصل لسعادتهم في الآخرة، وكان لا يدخر جهدًا ولا وقتًا في تأييد هذه المملكة السعودية السعيدة ومحاربة خصومها بلسانه وقلمه وبمساعيه الحميدة. ومن أجل هذا وذاك كان يحب آل سعود أعزهم الله وأيدهم بروح من عنده حبًّا جمًّا، ويقعد للفرص التي يتمكن فيها من الاتصال بهم والإفضاء إليهم بكل ما عنده من وجوه الإصلاح كل مرصد ويفترصها ولا يدع واحدة منها تفوته. ومن أجل هذا وذاك كان حريصاً كل الحرص على أن يحتفي بتكريم سمو الأمير سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية حين مروره بالديار المصرية عائدًا من أوروبا إلى وطنه العزيز، ويمضي معه أكثر أوقاته ويختلي به ليفضي إليه بما يجيش في صدره من وجوه الإصلاح. وكان الفقيد - تغمده الله برحمته ورضوانه، وأسكنه فسيح جناته - مصابًا في آخر أيام حياته بعلة تعرف في الطب الحديث (بضغط الدم) وكان يعلم علم اليقين أن خير وقاية تُتقى بها أخطار هذه العلة اجتناب الأعمال العقلية والجسدية، وكان مهدداً بفتكها به، وقد جاءه نذيرها وكشّر له عن نابه وألقي عليه إنذاراً مفزعاً وهو نوبة قاسية من نوباتها، وحذره الطبيب شرها. وأشهد أني سألته في الأسابيع الأخيرة من حياته غير مرة عن صحته سؤال محبٍّ مشفق يعرف هو مقاصده وأنه لا يخشي شيئاً خشية فقده، فكنت أفهم منه أنه يجد في جسمه كله فتورًا وضعفًا، وكان ذلك يقع من نفسي أسوأ وقع. وما كان يخفى على السيد الإمام رضي الله عنه - وهو حكيم من أرجح الحكماء عقلا وأبعدهم نظرًا - أنه يستهدف بالمتاعب العقلية والجسدية للخطر الأكبر وهو الموت الفجائي المقض لمضاجع الأحياء، ولكن إيمانه الصادق الراسخ بالله سبحانه وتعالى - وما أصدق إيمانه وأرسخه - القائل وقوله الحق {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَراًّ وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَئْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (يونس: ٤٩) وتعطشه الشديد الدائم إلى بذر بذور الإصلاح وتعهدها دائمًا بمدارسة أهل الإصلاح، وولوعه الشديد بتأييد آل سعود، كل هذا دفعه إلى بذل جهوده العقلية والجسدية بسخاء في الحفاوة بالأمير سعود، وفي مدارسته إياه شؤون الإصلاح حين مروره بالديار المصرية عائدًا إلى وطنه العزيز، ولم يستطع سمو الأمير - أعزه الله وأيد ملك والده بنصره المبين - ولا بعض من معه أن يحملوا السيد الإمام رضي الله عنه على القصد في الجهود التي بذلها على النحو الآتي: استقبل سمو الأمير على رصيف الميناء في الإسكندرية في منتصف الساعة الخامسة من مساء الاثنين، الثاني عشر من أغسطس سنة ١٩٣٥، ساعة قدومه مصر من أوروبا، ثم بات في الإسكندرية ورافق سمو الأمير منها إلى بنها يوم الثلاثاء ١٣ منه وحضر فيها الحفلة التي أقامها لسمو الأمير الكاتب البليغ والخطيب المصقع الأستاذ الجليل محمد توفيق دياب صاحب الجهاد، ثم عاد إلى القاهرة واستقبله في محطها في أواخر الساعة الحادية عشرة من مساء الاثنين التاسع عشر من أغسطس وكان المحط ساعتئذ غاصًّا بالمستقبلين حتى لم يبق فيه موضع لقدم، وانغمس السيد الإمام في هذه الجموع المحتشدة مكرهًا وقد قال من رآه إنه تعب كثيراً، وما كادت عين سمو الأمير - حفظه الله - تقع عليه حتى أخذه من يده وسار به ولكن الزحام غلبهما على أمرهما وحال بينهما، وفي هذا ما لا يخفى من التعب والضرر اللذين تعرض لهما السيد الإمام، رحمه الله. وفي يوم الثلاثاء العشرين من أغسطس أخذ سمو الأمير يستقبل المهنئين فسارع السيد الإمام إلى تهنئته، وتغذى معه ثم حضر الحفلة التي أقامها حضرة صاحب السعادة محمد طلعت حرب باشا لسمو الأمير، ودعا فيها سموه لزيارة دار المنار فتفضل بإجابته الدعوة وزارها يوم الأربعاء ٢١ منه، وكان السيد حريصًا الحرص كله على أن يخلو بسمو الأمير ساعة يفضي إليه فيها بأشياء في نفسه من شؤون الإصلاح فلم تتيسر له هذا الخلوة في دار المنار، فاتفق هو وسموه فيها على أن تكون هذه الخلوة في (الذهبية) التي يقيم فيها سمو الأمير في فجر يوم الخميس ٢٢ منه وهو يوم سفر الأمير، وعلى أن يرسل إليه سيارته تقله من دار المنار إلى الذهبية وكان الفجر يومئذ على الساعة الرابعة صباحاً إلا دقيقتين، فجاءته السيارة - رحمه الله - قبيل الفجر وهو يتنفل، ثم استقلها إلى الذهبية وكان فيها مع سمو الأمير الدكتور فؤاد سلطان عضو مجلس الإدارة المنتدب ببنك مصر، والسيد محمد الغنيمي التفتازاني شيخ السادة الخلوتية التفتازانية، ثم حضر بعده الأستاذ الجليل محمد توفيق دياب صاحب الجهاد، فاختلى فيها السيد بالأمير ساعة أفضى إليه فيها بما أراد وحينئذ استراح فؤاده وطابت نفسه وقرت عينه ولكنه أبى أن يقتصر في الحفاوة بالأمير على هذا القدر المضني لأمثاله وهو في مثل حاله، ولم ينم أكثر ليلة الخميس وعزم أن يودع سمو الأمير في السويس، ولم يقبل رجاءه ولا رجاء بعض من معه في إعفائه من هذا العناء، وذهب إلى السويس في سيارة مع الذاهبين - وما أشق السفر بالسيارات، فأقل ما فيه من مشقة أن يبقى الراكب في السيارة قاعداً في وضع واحد لا يمكنه تغييره طول الطريق وما أطولها - ووقف على الرصيف يودع سمو الأمير حيث أقلعت السفينة التي تقله وعاد أدراجه بالسيارة إلى القاهرة من غير أن يلوي على شيء في السويس؛ وذلك لأعمال بدار المنار لابد من إنجازها. وبينما هو عائد يجتاز طريق السويس إلى القاهرة بالسيارة مع رفيقيه، وهما إبراهيم أدهم بك زوج حماة سمو الأمير فيصل ابن جلالة الملك عبد العزيز سعود وهو تركي لا يحسن العربية، وزكي أفندي محمد ثنيان شقيق حرم سمو الأمير وهو شاب يافع، وهو منصرف إلى تلاوة القرآن الكريم في المصحف كعادته في أواخر أيام حياته كلما خلا من عمل أو كلام نافع، إذ شعر وهو في السيارة بدوار فاستوقفها ونزل منها، وقاء ثم ركبها وسارت الهوينى، واستأذن زميليه أن يضطجع واضطجع وظنه رفيقاه نائمًا فتركاه، وقبيل أن يدركوا مصر الجديدة أرادا تنبيهه فإذا به جثة هامدة، فسارعا به إلى مركز الإسعاف بمصر الجديدة، وهناك ثبت أنه رضي الله عنه قضى نحبه، فأحضر إلى داره وكان من أمر النعي والتشييع والدفن والتأبين والتعزية ما بيناه في صدر هذا المقال. وبعد، فهل مات السيد الإمام محمد رشيد رضا صاحب المنار حقًّا؟ نعم مات، إذ فارق روحُه الطاهر جسده الشريف، فأودع القبر هذا الجسد العزيز أما الروح فبقي معنا وسيبقى ما بقيت هذه الدنيا إن شاء الله تعالى. بقي روحه الطاهر متلألئًا باسمًا في أكثر من أربعين مجلدة من مجلدات المنار، وغيره من مؤلفاته، وفيما اختاره وقام على طبعه وتصحيحه بنفسه من مؤلفات غيره الأحياء منهم والأموات، وفي إخوانه وأبنائه الذين اقتبسوا من علمه واهتدوا بهديه وفي سيرته التي نسج فيها على منوال الصحابة والتابعين والسلف الصالح رضي الله عنه وعنهم أجمعين. فمن مجموع هذه الثروة التي تركها يمكن - إن شاء تعالى - أن يبقى المنار حيًّا يمثل السيد الإمام رضي الله عنه ولو بعض التمثيل، وينشر ولو بصيصًا من النور الذي بعثه السيد - رحمه الله - إلى مشارق الأرض ومغاربها، ويستمد حياته ومادته من هذا المجموع، والنية معقودة - إن شاء الله - على إصداره واستمراره. هذا ما وسعه المقام الآن من نعي السيد الإمام رضي الله عنه، وإن لهذا اليوم ما بعده وإن لنا لعودًا على بدء، أحسن الله عزاء آل رضا، وعزاء إخوانه وأبنائه، وعزاء الإسلام والعالم الإسلامي فيه، وأغدق عليه ما هو - إن شاء الله تعالى - أهل له من سحائب رحمته ورضوانه، وجعله {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقا} (النساء: ٦٩) . ... ... ... ... ... ... ... ... ... عبد الله أمين (قلم التحرير) كتب حضرة العالم الأديب الكبير كلمته هذه من أكثر من ستة أشهر لتنشر في المنار، وها قد صدق فأله الحسن وصدر المنار بعد استيفاء المعاملات الرسمية لإصداره. والله نسأل أن يوفقنا للاستمرار في خدمة أثر فقيدنا وفقيد الإسلام والمسلمين.