لا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب وبيان عدم كفر المبتدع في الدين جاهلاً أو متأولاً (١)
هذه القاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة الذين يصدق عليهم هذا القول، لا من يسمون أنفسهم بهذا الاسم ليتميزوا من المعروفين بأسماء أخرى، وهي تذكر في بعض العقائد، وقد رأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيقًا نفيسًا مطولاً فيها ذكره في سياق تخطئة الرافضة في سب الصحابة - رضي الله عنهم -، وبيان أن الرد عليهم وعلى كل مخطئ في الدين يجب أن يقصد به بيان الحق وهداية الخلق دون التشفي والانتقام، وذكر أن الكلام في هذا مبني على مسألتين وبين ذلك بما نصه: إحداهما: أن الذنب لا يوجب كفر صاحبه كما تقول الخوارج، بل ولا تخليده في النار، ومنع الشفاعة فيه كما تقوله المعتزلة. الثانية: أن المتأول الذي قصد متابعة الرسول لا يكفر ولا يفسق إذا اجتهد فأخطأ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية، وأما مسائل العقائد فكثير من الناس كفروا المخطئين فيها، وهذا القول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا يعرف عن أحد من أئمة المسلمين، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع الذين يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها؛ كالخوارج والمعتزلة والجهمية ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وقد يسلكون في التكفير ذلك، فمنهم من يكفر أهل البدع مطلقًا، ثم يجعل كل من خرج عما هو عليه من أهل البدع، وهذا بعينه قول الخوارج والمعتزلة والجهمية، وهذا القول أيضًا لا يوجد في طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة ولا غيرهم، وليس فيهم من كفر كل مبتدع، بل المنقولات الصريحة عنهم تناقض ذلك. ولكن قد ينقل عن أحدهم أنه كفر من قال بعض الأقوال، ويكون مقصوده أن هذا القول كفر ليحذر، ولا يلزم إذا كان القول كفرًا أن يكفر كل من قاله مع الجهل والتأويل [١] ، فإن ثبوت الكفر في حق الشخص المعين كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه، وذلك له شروط وموانع كما بسطناه في موضعه، وإذا لم يكونوا في نفس الأمر كفارًا لم يكونوا منافقين، فيكونون من المؤمنين، فيستغفر لهم ويترحم عليهم، وإذا قال المسلم {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} (الحشر: ١٠) ، يقصد كل من سبقه من قرون الأمة بالإيمان، وإن كان قد أخطأ في تأويل تأوله، فخالف السنة أو أذنب ذنبًا، فإنه من إخوانه الذين سبقوه بالإيمان فيدخل في العموم، وإن كان من الثنتين والسبعين فرقة فإنه ما من فرقة إلا وفيها خلق كثير ليسوا كفارًا، بل مؤمنين فيهم ضلال وذنب يستحقون به الوعيد كما يستحقه عصاة المؤمنين، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخرجهم من الإسلام، بل جعلهم من أمته، ولم يقل: إنهم يخلدون في النار. فهذا أصل عظيم ينبغي مراعاته، فإن كثيرًا من المنتسبين إلى السنة فيهم بدعة من جنس بدع الرافضة والخوارج، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب وغيره لم يكفروا الخوارج الذين قاتلوهم، بل أول ما خرجوا عليه وتحيزوا بحروراء وخرجوا عن الطاعة والجماعة، قال لهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: إن لكم علينا أن لا نمنعكم من مساجدنا ولا حقكم من الفيء. ثم أرسل إليهم ابن عباس فناظرهم، فرجع نحو نصفهم، ثم قاتل الباقي وغلبهم، ومع هذا لم يسب لهم ذرية، ولا غنم لهم مالاً، ولا سار فيهم سيرة الصحابة في المرتدين كمسيلمة الكذاب وأمثاله، بل كانت سيرة علي والصحابة في الخوارج مخالفة لسيرة الصحابة في أهل الردة، ولم ينكر أحد على علي ذلك، فعلم اتفاق الصحابة على أنهم لم يكونوا مرتدين عن دين الإسلام. قال الإمام محمد بن نصر المروزي: وقد ولي علي - رضي الله عنه - قتال أهل البغي، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ما روى، وسماهم مؤمنين، وحكم فيهم بأحكام المؤمنين، وكذلك عمار بن ياسر. وقال محمد بن نصر أيضًا: حدثنا إسحاق بن راهويه، حدثنا يحيى بن آدم، عن مفضل بن مهلهل، عن الشيباني عن، قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: كنت عند علي حين فرغ من قتال أهل النهروان فقيل له: أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا. فقيل: فمنافقون؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل: فما هم؟ قال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم. وقال محمد بن نصير أيضًا: حدثنا إسحاق، حدثنا وكيع، عن مسعر، عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل قال: قال رجل: من دعي إلي البغلة الشهباء يوم قتل المشركون؟ فقال علي: من الشرك فروا. قال: المنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، قال: فما هم؟ قال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم فنصرنا عليهم. قال إسحاق: حدثنا وكيع، عن أبي خالد، عن حكيم بن جابر قال: قالوا لعلي حين قتل أهل النهروان: أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا. قيل: فمنافقون؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل: فما هم؟ قال: قوم حاربونا فحاربناهم وقاتلونا فقاتلناهم. قلت: الحديث الأول وهذا الحديث صريحان في أن عليًّا قال هذا القول في الخوارج الحرورية أهل النهروان الذين استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذمهم والأمر بقتالهم، وهم يكفرون عثمان وعليًّا ومن تولاهما، فمن لم يكن معهم كان عندهم كافرًا ودارهم دار كفر، فإنما دار الإسلام عندهم هي دارهم. قال الأشعري وغيره: أجمعت الخوارج على تكفير علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ومع هذا قاتلهم علي لمَّا بدأوه بالقتال فقتلوا عبد الله بن خباب، وطلب علي منهم قاتله، فقالوا: كلنا قتله، وأغاروا على ماشية فقتلوا الناس، ولهذا قال فيهم: قوم قاتلونا فقاتلناهم، وحاربونا فحاربناهم. وقال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم. وقد اتفق الصحابة والعلماء بعدهم على قتال هؤلاء، فإنهم بغاة على جميع المسلمين سوى من وافقهم على مذهبهم، وهم يبدؤون المسلمين بالقتال، ولا يندفع شرهم إلا بالقتال، فكانوا أضر على المسلمين من قطاع الطريق، فإن أولئك إنما مقصودهم المال، فلو أعطوه لم يقاتلوا وإنما يتعرضون لبعض الناس، وهؤلاء يقاتلون الناس على الدين حتى يرجعوا عما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة إلى ما ابتدعه هؤلاء بتأويلهم الباطل وفهمهم الفاسد للقرآن، ومع هذا فقد صرح علي - رضي الله عنه - بأنهم مؤمنون ليسوا كفارًا، ولا منافقين، وهذا بخلاف ما كان يقوله بعض الناس كأبي إسحاق الإسفرائيني ومن تبعه يقولون: لا نكفر من يكفرنا، فإن الكفر ليس حقًّا لهم، بل هو حق لله، وليس للإنسان أن يكذب على من يكذب عليه، ولا أن يفعل الفاحشة بأهل من فعل الفاحشة بأهله، بل ولو استكرهه رجل على اللواطة لم يكن له أن يستكرهه على ذلك، ولو قتله بتجريع خمر أو تلوط لم يجز قتله بمثل ذلك، لأن هذا حرام لحق الله تعالى، ولو سب النصارى نبينا لم يكن لنا أن نسب المسيح، والرافضة إذا كفروا أبا بكر وعمر فليس لنا أن نكفر عليًّا، وحديث أبي وائل يوافق ذينك الحديثين، فالظاهر أنه كان يوم النهروان أيضًا. وقد روي عنه في أهل الجمل وصفين قول أحسن من هذا، قال إسحاق بن راهويه: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: سمع علي يوم الجمل ويوم صفين رجلاً يغلو في القول، فقال: لا تقولوا إلا خيرًا إنما هم قوم زعموا أنَّا بغينا عليهم، وزعمنا أنهم بغوا علينا فقاتلناهم. فذكر لأبي جعفر أنه أخذ منهم السلاح فقال: ما كان أغناه عن ذلك. وقال محمد بن نصر: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا محمد بن راشد، عن مكحول: أن أصحاب علي سألوه عمن قتل من أصحاب معاوية: ما هم؟ قال: هم المؤمنون. وبه قال أحمد بن خالد، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الواحد بن أبي عون، قال: مر علي - وهو متكئ على الأشتر - على قتلى صفين، فإذا حابس اليماني مقتول فقال الأشتر: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا حابس اليماني معهم يا أمير المؤمنين عليه علامة معاوية، أما والله لقد عهدته مؤمنًا. قال علي: والآن هو مؤمن. قال: وكان حابس رجلاً من أهل اليمن من أهل العبادة والاجتهاد. قال محمد بن يحيى: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا مختار بن نافع، عن أبي مطر قال: قال علي: متى ينبعث أشقاها؟ قيل: من أشقاها؟ قال: الذي يقتلني. فضربه ابن ملجم بالسيف فوقع برأس علي - رضي الله عنه - وهَمَّ المسلمون بقتله، فقال: لا تقتلوا الرجل، فإن برئت فالجروح قصاص، وإن مت فاقتلوه. فقال: إنك ميت. قال: وما يدريك؟ قال: كان سيفي مسمومًا. وبه قال محمد بن عبيد، حدثنا الحسن - وهو ابن الحكم النخعي - عن رياح بن الحارث قال: إنا لبوادٍ، وإن ركبتي لتكاد تمس ركبة عمار بن ياسر، إذ أقبل رجل فقال: كفر والله أهل الشام. فقال عمار: لا تقل ذلك فقبلتنا واحدة ونبينا واحد، ولكنهم قوم مفتونون، فحق علينا قتالهم حتى يرجعوا إلى الحق. وبه قال ابن يحيى. حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن الحسن بن الحكم، عن رياح بن الحارث، عن عمار بن ياسر قال: ديننا واحد وقبلتنا واحدة ودعوتنا واحدة، ولكنهم قوم بغوا علينا فقاتلناهم. قال ابن يحيى: حدثنا يعلى، حدثنا مسعر، عن عبد الله بن رياح بن الحارث قال: قال عمار بن ياسر: لا تقولوا: كفر أهل الشام، قولوا: فسقوا، قولوا: ظلموا. قال محمد بن نصر: وهذا يدل على أن الخبر الذي روي عن عمار بن ياسر أنه قال لعثمان بن عفان: هو كافر. خبر باطل لا يصح؛ لأنه إذا أنكر كفر أصحاب معاوية وهم إنما كانوا يظهرون أنهم يقاتلون في دم عثمان، فهو لتكفير عثمان أشد إنكارًا، (قلت) : والمروي في حديث عمار أنه لما قال ذلك أنكر عليه علي - رضي الله عنه - وقال: أتكفر برب آمن به عثمان؟ وحدثه بما يبين بطلان ذلك القول، فيكون عمار إن كان قال ذلك متأولاً قد رجع عنه حين تبين له أنه قول باطل. ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلون خلفهم، وكان عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - وغيره من الصحابة كانوا يصلون خلف نجدة الحروري، وكانوا أيضًا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلمُ المسلمَ، كما كان عبد الله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل، وحديثه في البخاري، وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة، وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن كما يتناظر المسلمان، وما زالت سيرة المسلمين على هذا ما جعلوهم مرتدين، كالذين قاتلهم الصديق - رضي الله عنه - هذا مع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم في الأحاديث الصحيحة، وما روي من أنهم شر قتلى تحت أديم السماء خير قتيل من قتلوه؛ في الحديث الذي رواه أبو أمامة. رواه الترمذي وغيره؛ أي: أنهم شر على المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد شرًّا على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم مكفرين لهم، وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة، ومع هذا فالصحابة والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم ولا جعلوهم مرتدين، ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل، بل اتقوا الله فيهم وساروا فيهم السيرة العادلة , وهكذا سائر فرق أهل البدع والأهواء من الشيعة والمعتزلة وغيرهم، فمن كفر الثنتين والسبعين فرقة كلهم فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان، مع أن حديث الثنتين والسبعين فرقة ليس في الصحيحين، وقد ضعفه ابن حزم وغيره، لكن حسنه غيره أو صححه، كما صححه الحاكم وغيره، وقد رواه أهل السنن، وروي من طرق، وليس قوله: (ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة) أعظم من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} (النساء: ١٠) ، وقوله: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّّهِ يَسِيراً} (النساء: ٣٠) ، وأمثال ذلك من النصوص الصريحة بدخول من فعل ذلك النار، ومع هذا فلا نشهد لمعين بالنار لإمكان أنه تاب، أو كانت له حسنات محت سيئاته، أو كفر الله عنه بمصائب أو غير ذلك كما تقدم، بل المؤمن بالله ورسوله باطنًا وظاهرًا الذي قصد اتباع الحق وما جاء به الرسول إذا أخطأ ولم يعرف الحق كان أولى أن يعذره الله في الآخرة من المتعمد العالم بالذنب، فإن هذا عاص مستحق للعذاب بلا ريب، وأما ذلك فليس متعمدًا للذنب، بل هو مخطئ، والله قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان، والعقوبة في الدنيا تكون لدفع ضرره عن المسلمين، وإن كان في الآخرة خيرًا ممن لم يعاقب، كما يعاقب المسلم المتعدي للحدود، ولا يعاقب أهل الذمة من اليهود والنصارى، والمسلم في الآخرة خير منهم. وأيضًا فصاحب البدعة يبقى صاحب هوى يعمل لهواه لا ديانة، ويصد عن الحق الذي يخالف هواه، فهذا يعاقبه الله على هواه، ومثل هذا يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة، ومن فسق من السلف الخوارج ونحوهم كما روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: نزل فيهم قوله تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} (البقرة: ٢٦-٢٧) ، فقد يكون هذا قصده، لا سيما إذا تفرق الناس، فكان منهم من يطلب الرياسة له ولأصحابه، وإذا كان المسلم الذي يقاتل الكفار قد يقاتلهم شجاعة وحمية ورياءً، وذلك ليس في سبيل الله، فكيف بأهل البدع الذين يخاصمون ويقاتلون عليها، فإنهم يفعلون ذلك شجاعة وحمية، وربما يعاقبون لما اتبعوا أهواءهم بغير هدى من الله، لا لمجرد الخطأ الذي اجتهدوا فيه، ولهذا قال الشافعي: لأن أتكلم في علم يقال لي فيه: أخطأت، أحب لي من أن أتكلم في علم يقال لي فيه: كفرت. فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضًا، ومن ممادح أهل العلم أنهم يخطئون ولا يكفرون، وسبب ذلك أن أحدهم قد يظن ما ليس بكفر كفرًا، وقد يكون كفرًا؛ لأنه تبين له أنه تكذيب للرسول وسب للخالق، والآخر لم يتبين له ذلك، فلا يلزم إذا كان هذا العالم بحاله يكفر [٢] إذا قاله أن يكفر من لم يعلم بحاله. والناس لهم فيما يجعلونه كفرًا طرق متعددة، فمنهم من يقول: الكفر تكذيب ما علم بالاضطرار من دين الرسول. ثم الناس متفاوتون في العلم الضروري بذلك، ومنهم من يقول: الكفر هو الجهل بالله. ثم قد يجعل الجهل بالصفة كالجهل بالموصوف، وقد لا يجعله، وهم مختلفون في الصفات نفيًا وإثباتًا، ومنهم من لا يحده بحد، بل كل ما تبين أنه تكذيب لما جاء به الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر جعله كفرًا، إلى طرق أخر. ولا ريب أن الكفر متعلق بالرسالة، فتكذيب الرسول كفر وبغضه وسبه وعداوته مع العلم بصدقه في الباطن كفر عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة العلم وسائر الطوائف، إلا الجهم ومن وافقه كالصالحي والأشعري وغيرهم، فإنهم قالوا: هذا كفر في الظاهر، وأما في الباطن فلا يكون كفرًا إلا إذا استلزم الجهل بحيث لا يبقى في القلب شيء من التصديق بالرب، وهذا بناء على أن الإيمان في القلب لا يتفاضل، ولا يكون في القلب بعض الإيمان، وهو خلاف النصوص الصريحة وخلاف الواقع، ولبسط هذا موضع آخر. والمقصود هنا أن كل من تاب من أهل البدع تاب الله عليه، وإذا كان الذنب متعلقًا بالله ورسوله، فهو حق محض لله، فيجب على الإنسان أن يكون في هذا قاصدًا لوجه الله، متبعًا لرسوله؛ ليكون عمله خالصًا صوابًا، قال تعالى: {وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة: ١١١-١١٢) ، وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (النساء: ١٢٥) ، قال المفسرون وأهل اللغة: معنى الآية: أخلص دينه وعمله لله، وهو محسن في عمله. وقال الفرّاء في قوله: {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ} (آل عمران: ٢٠) أخلصت عملي. وقال الزجاج: قصدت بعبادتي إلى الله، وهو كما قالوا: كما قد ذكر توجيهه في موضع آخر، وهذا المعنى يدور عليه القرآن، فإن الله تعالى أمر أن لا يعبد إلا إياه، وعبادته فعل ما أمر وترك ما حظر، والأول هو إخلاص الدين والعمل لله، والثاني هو الإحسان والعمل الصالح، ولهذا كان عمر يقول في دعائه: اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا. وهذا هو الخالص الصواب، كما قال الفضيل بن عياض في قوله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (هود: ٧) قال: أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. والأمر بالسنة والنهي عن البدعة هما أمر بمعروف ونهي عن منكر، وهو من أفضل الأعمال الصالحة، فيجب أن يبتغى به وجه الله، وأن يكون مطابقًا للأمر، وفي الحديث: (من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فينبغي أن يكون عالمًا بما يأمر به، عالمًا بما ينهى عنه، رفيقًا فيما يأمر به، رفيقًا فيما ينهى عنه، حليمًا فيما يأمر به، حليمًا فيما ينهى عنه) [٣] ، فالعلم قبل الأمر، والرفق مع الأمر، والحلم مع الأمر، فإن لم يكن عالمًا لم يكن له أن يقفو ما ليس له به علم، وإن كان عالمًا ولم يكن رفيقًا كان كالطبيب الذي لا رفق فيه فيغلظ على المريض فلا يقبل منه، وكالمؤدب الغليظ الذي لا يقبل منه الولد، وقد قال تعالى لموسى وهارون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: ٤٤) ، ثم إذا أمر أو نهى فلا بد أن يؤذى في العادة فعليه أن يصبر ويحلم، كما قال تعالى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (لقمان: ١٧) ، وقد أمر الله نبيه بالصبرعلى أذى المشركين في غير موضع، وهو إمام الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فإن الإنسان عليه أولاً أن يكون أمره لله، وقصده طاعة الله فيما أمر به، وهو يحب صلاح المأمور وإقامة الحجة عليه، فإن فعل ذلك لطلب الرياسة لنفسه ولطائفته وتنقيص غيره كان ذلك خطيئة لا يقبله الله، وكذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة والرياء كان عمله حابطًا، ثم إذا رد عليه ذلك أو أوذي أو نسب إلى أنه مخطئ وغرضه فاسد طلبت نفسه الانتصار لنفسه، وأتاه الشيطان، فكان مبدأ عمله لله، ثم صار له هوى يطلب به أن ينتصر على من آذاه، وربما اعتدى على ذلك المؤذي، وهكذا يصيب أصحاب المقالات المختلفة إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه، وأنه على السنة، فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هوى أن ينتصر جاههم ورياستهم، وما نسب إليهم لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، بل يغضبون على من خالفهم، وإن كان مجتهدًا معذورًا لا يغضب الله عليه، ويرضون عمن كان يوافقهم، وإن كان جاهلاً سيئ القصد ليس له علم ولا حسن قصد، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله، وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله، وهذا حال الكفار الذين لا يطلبون إلا أهواءهم، ويقولون: هذا صديقنا وهذا عدونا. وبلغة المغل: هذا (بال) هذا (باغي) لا ينظرون إلى موالاة الله ورسوله ومعاداة الله ورسوله. ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس، قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (الأنفال: ٣٩) ، فإذا لم يكن الدين كله لله كانت فتنة، وأصل الدين أن يكون الحب لله والبغض لله، والموالاة لله والمعاداة لله، والعبادة لله والاستعانة بالله، والخوف من الله والرجاء لله، والمنع لله والإعطاء لله، وهذا إنما يكون بمتابعة رسول الله الذي أمرُه أمرُ الله، ونهيهُ نهيُ الله، ومعاداته معاداة الله، وطاعته طاعة الله، ومعصيته معصية الله، وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك، ولا يطلبه ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه شبهة دين أن الذي يرضى له ويغضب له هو السنة، وهو الحق وهو الدين، فإذا قدر أن الذي معه هو الحق المحض دين الإسلام، ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، بل قصد الحمية لنفسه وطائفته، أو الرياء ليعظم هو ويثنى عليه، أو فعل ذلك شجاعة أو طبعًا، أو لغرض من الدنيا لم يكن لله، ولم يكن مما هو في سبيل الله، فكيف إذا كان الذي يدعي الحق أو السنة هو كنظيره، معه حق وباطل وسنة وبدعة؟ وهذا حال المختلفين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا، وكفر بعضهم بعضًا، وفسق بعضهم بعضًا، ولهذا قال تعالى فيهم: {وَمَا تَفَرَّقَ الَذينَ أُوتُوا الكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} (البينة: ٤-٥) ، وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} (البقرة: ٢١٣) ، فاختلفوا [٤] كما في سورة يونس [٥] وكذلك في قراءة بعض الصحابة، وهذا على قراءة الجمهور من الصحابة والتابعين أنهم كانوا على دين الإسلام، وفي تفسير ابن عطية عن ابن عباس أنهم كانوا على الكفر، وهذا ليس بشيء، وتفسير ابن عطية عن ابن عباس ليس بثابت عن ابن عباس، بل قد ثبت عنه أنه قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، وقد قال في سورة يونس: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} (يونس: ١٩) ، فذمهم على الاختلاف بعد أن كانوا على دين واحد، فعلم أنه كان حقًّا. والاختلاف في كتاب الله على وجهين، أحدهما أن يكون كله مذمومًا كقوله: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} (البقرة: ١٧٦) ، والثاني أن يكون بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل، كقوله: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} (البقرة: ٢٥٣) ، لكن إذا أطلق الاختلاف فالجميع مذموم كقوله: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود: ١١٨-١١٩) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم) ، ولهذا فسروا الاختلاف في هذا الموضع بأنه كله مذموم، قال الفراء: في اختلافهم وجهان: أحدهما كفر بعضهم بكتاب بعض، والثاني تبديل ما بدلوا، وهو كما قال، فإن المختلفين كل منهم يكون معه حق وباطل، فيكفر بالحق الذي مع الآخر ويصدق بالباطل الذي معه، وهو تبديل ما بدل، فالاختلاف لا بد أن يجمع النوعين، ولهذا ذكر كل من السلف أنواعًا من هذا) ثم قال المؤلف بعد ذكر ستة أنواع من اختلاف أهل الكتاب حذفناها للاختصار ما نصه: واختلاف أهل البدع هو من هذا النمط [٦] فالخارجي يقول: ليس الشيعي على شيء. والشيعي يقول: ليس الخارجي على شيء. والقدري النافي يقول: ليس المثبت على شيء. والقدري الجبري المثبت يقول: ليس القدري النافي على شيء. والوعيدية تقول: ليست المرجئة على شيء. والمرجئة تقول: ليست الوعيدية على شيء. بل ويوجد شيء من هذا بين أهل المذاهب الأصولية والفروعية المنتسبين إلى السنة، فالكلابي يقول: ليس الكرامي على شيء. والكرامي يقول: ليس الكلابي على شيء. والأشعري يقول: ليس السالمي على شيء. والسالمي يقول: ليس الأشعري على شيء. وصنف السالمي كأبي علي الأهوازي كتابًا في مثالب الأشعري، وصنف الأشعري كابن عساكر كتابًا يناقض ذلك من كل وجه، وذكر فيه مثالب السالمية، وكذلك أهل المذاهب الأربعة وغيرها، لا سيما وكثير منهم تلبس ببعض المقالات الأصولية وخلط هذا بهذا، فالحنبلي والشافعي والمالكي يخلط بمذهب مالك والشافعي وأحمد شيئًا من أصول الأشعرية والسالمية وغير ذلك، ويضيفه إلى مذهب مالك والشافعي وأحمد، وكذلك الحنفي يخلط بمذهب أبي حنيفة شيئًا من أصول المعتزلة والكرامية والكلابية ويضيفه إلى مذهب أبي حنيفة، وهذا من جنس الرفض والتشيع، لكنه تشيع في تفضيل بعض الطوائف والعلماء، لا تشيع في تفضيل بعض الصحابة. والواجب على كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله أن يكون أصل قصده توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له، وطاعة رسوله، يدور على ذلك ويتبعه أين وجده، ويعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء هم الصحابة، فلا ينتصر لشخص انتصارًا مطلقًا عامًّا إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا الطائفة انتصارًا مطلقًا عامًّا، إلا للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار، ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا، فإذا اجتمعوا لم يجتمعوا على خطأ قط بخلاف أصحاب عالم من العلماء، فإنهم قد يجتمعون على خطأ، بل كل قول قالوه ولم يقله غيرهم من الأئمة لا يكون إلا خطأ، فإن الدين الذي بعث الله به رسوله ليس مسلمًا إلى عالم واحد وأصحابه، ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيرًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام المعصوم، ولا بد أن يكون الصحابة والتابعون يعرفون ذلك الحق الذي بعث الله به الرسول قبل وجود المتبوعين الذين تنسب إليهم المذاهب في الأصول والفروع، ويمتنع أن يكون أحدهم علم من جهة الرسول ما يخالف الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فإن أولئك لم يجتمعوا على ضلالة، فلا بد أن يكون قوله إن كان حقًّا مأخوذًا عما جاء به الرسول، موجودًا فيما قبله، وكل قول قيل في دين الإسلام مخالف لما مضى عليه الصحابة والتابعون، لم يقله أحد منهم، بل قالوا خلافه، فإنه قول باطل. والمقصود هنا أن الله تعالى ذكر أن المختلفين جاءتهم البينة وجاءهم العلم، وإنما اختلفوا بغيًا، ولهذا ذمهم الله وعاقبهم، فإنهم لم يكونوا مجتهدين مخطئين، بل كانوا قاصدين البغي، عالمين بالحق معرضين عن القول وعن العمل به، ونظير هذا قوله: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} (آل عمران: ١٩) ، قال الزجاج: اختلفوا للبغي لا لقصد البرهان. وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ العِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (يونس: ٩٣) ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ المُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} (الجاثية: ١٦-٢٠) ، فهذه المواضع من القرآن تبين أن المختلفين ما اختلفوا حتى جاءهم العلم والبينات، فاختلفوا للبغي والظلم، لا لأجل اشتباه الحق بالباطل عليهم، وهذه حال أهل الاختلاف المذموم من أهل الأهواء كلهم لا يختلفون إلا من بعد أن يظهر لهم الحق ويجيئهم العلم، فيبغي بعضهم على بعض. (للبحث بقية) ((يتبع بمقال تالٍ))