(روسيا) بسم الله الرحمن الرحيم روسيا ١٤ ربيع الآخر سنة ١٣٢٤هـ من أحمد جان بن محمد رحيم المصطفوي المدرس الثاني بالمدرسة المحمدية بقزان إلى صاحب مجلة المنار حضرة الأستاذ السيد رشيد رضا أرشده الله إلى ما يرضى سيدي.. أبدي إليك العذر لعدم مكاتبتي بعد مفارقتكم مع مرور سبع سنين من تشرفي بمجالسكم لعذر يطول بيانه والعذر عند كرام الناس مقبول. أما بعد: فيا سيدي إنا قرأنا في العدد الثالث من المنار رسالة مكتوبة من قزان مشحونة بالكذب والافتراء على المدرسة المحمدية التي خرج منها من طلبتها من غير إخراج انتصارًا على من أخرج منها من سيئي الخلق، وهم أربعة، وترجمة الكتاب المفتوح كذلك. فاضطررنا إلى أن نرسل إليكم بروجرام المدرسة المحمدية المتبع إليه في التدريس بها لتعرفوا بالمقايسة إليه كذبهم وافتراءهم. المدرسة المحمدية أقسام: الابتدائية والرشدية والإعدادية والعالية. ومدة التحصيل في الابتدائية ثلاث سنوات، وفى الرشدية أربع، وفى الإعدادية أربع أيضًا، وفى العالية ثلاث سنوات أيضًا. فالملتزم في القسم الابتدائي من النصوص: القراءة والكتابة على لسان الأمهات مطابقًا على قواعد اللسان - وصحيح الإملاء - وحسن الخط - وقراءة القرآن الشريف مع التطبيق على قواعد التجويد - والضروريات الدينية من الاعتقاديات والعبادات والمعاملات والأخلاق - وتوسيع الفكر بالمعلومات المختلفة من أحوال الطبيعيات والأمثال الحكمية، ومن الحساب قواعد الجمع والطرح والضرب والتقسيم، وحفظ الأذكار الصلاتية وبعض السور القرآنية التي لا بد منها للصلاة وشيء قليل من التاريخ. ويلتزم في القسم الرشدي: القراءة العربية مع التطبيق على قواعد الصرف والنحو والمطالعة الصحيحة مهما أمكن وتقرير ما فهم باللغة العربية وصحيح الإملاء والإنشاء، وقراءة القرآن في الأسبوع مرة أو مرتين، وبقية قواعد لسان الأمهات من صرفها ونحوها، وتمرين القراءة التركية العثمانية، ومن الحساب تمرين القواعد (الأربع) بعملياتها، وشيء من الجغرافيا العمومية والوطنية، وشيء من تاريخ الإسلام والملة، واللغة الفارسية بقراءتها وقواعدها وتقريرها وتوسيع الأفكار بالمعلومات المختلفة أيضًا. وتحسين الخط. وتخطيط الأشكال الهندسية لتعليم الرسم. وكتاب من (الفقه) الحنفية، وكتاب من الحديث. ويلتزم في القسم الإعدادي المنطق (الرسالة الشمسية) ، والمعاني والبيان والبديع، والعَروض، وأصول الفقه، وسيرة النبي (نور اليقين) والمسائل الاعتقادية حسبما اكتفى به السلف (عقائد الطحاوي) ، والأخلاق النظري والعملي (الطريقة المحمدية) ، والأدبيات العربية والجغرافيا. والجغرافيا العمومية، والتاريخ العمومي، والتفسير (للجلالين) والحديث (للإمام البخاري) ، والهداية (في الفقه الحنفي) ، ومن الطبيعيات الكيمياء. ومسائل الحساب كالكسور الأربعة المتناسبة والفائض وغيرها ويلتزم في القسم العالي: التفسير - والحديث - وفقه أبي حنيفة - والأدبيات العربية والعقائد المدونة مطابقًا لحالة الأمة الحاضرة (كذا) والتاريخ مع النقيد، والجغرافيا مع تاريخها، والطبيعيات، والبيداجوجيا (لحضرة الشيخ حسن توفيق المرحوم) . هذا، وليحكم أهل الإنصاف بما يحصل لهم في تطبيق أقوال السفهاء لهذا البروجرام من الصحة والفساد والصدق والكذب والحق والاختلاق. أعني هل يصح بعد هذا قولهم: إن مدارسنا لا يدرس فيها إلا ما بقي من خيالات اليونان والتفتازاني. وقولهم: ولا يدرس فيها غير ما ذكر لا من التفسير ولا من الحديث وغيره. وقولهم فأخرج من مدرسة عالمجان اثنان وثمانون طالبًا من ذوي النهى وأبقوا (أو بقي) مَن لا يهتم بشيء من الإصلاح (والمترعرعين الذين خرجوا من المدرسة جلهم من الصنف الرشدي وغيرهم من طلبة السنة الأولى للصنف الإعدادي، وهل يمكن لهم أن يكونوا من أهل النهى دون الباقين مع أن طريق التعليم فيها وخيم (كما قالوا) . وهل يصح أيضًا قولهم: والعلوم التي نحصلها في مدارسنا لا تكفي للإمامة والخطابة أيضًا. وقولهم: ولا يعلموننا فيها من الأخلاق والتربية. وقولهم: نحن لا نكون بما تعلمنا فيها إلا مصيبة للعوام وعلماء السوء. وقولهم: أما أساتذتنا فيملؤون أدمغتنا بالخرافات والإسرائيليات، ويشوشون عقائدنا باليونانيات والتفتازانيات، ويسوموننا حفظ الحواشي والتعليقات. وقولهم وقولهم.. فنرجو من جنابكم أن تنشروا هذا البروجرام في المنار وأن لا تدنسوا وجه المنار بمثل هذه الأقوال السافلة والمختلَقات الباطلة. ثم يسألنا قراء المنار: فما سبب انتصار هؤلاء الرعاع على الباطل؟ ! . والجواب: أن ناسًا من الذين يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وإن لم يقروا بألسنتهم يظنون أن التدين والعلوم الدينية مانع من الترقي والتمدن الحقيقي (كما يظنه أمثالهم من أهل الغرب) ويرون جُل المسلمين في روسيا متمسكين على الدين ومعتمدين على أهله والمدارس الدينية. ويستخرجون من هذا وذاك أن تمدن المسلمين في روسيا (بل وفى غيرها) موقوف على حل هذه العقدة أعنى تفرق المسلمين من العلماء والمدارس الدينية، ولوصول هذا المقصود طريق واحد وهى (كذا) إلقاء العداوة والبغضاء فيما بين العوام والعلماء وتشتيت المدارس الحاضرة أيدي سبأ ثم جمعها على الأساس الصحيح كمدارس أوروبا. فصاروا يتخذون لهذا الإلقاء والتشتيت واسطة كل ما يتيسر لهم من الأقوال والأفعال. منهم إغواء الطلبة وأن حالهم ليست حالة مرضية لا من جهة الدروس ولا من جهة المدرسة ولا من جهة المدرسين ولا من جهة الإدارة والقوانين المدرسية ولا من جهة المعيشة ولا من جهة الحال ولا من جهة المال. وليدرس في المدارس الدينية الفنون العصرية واللغة الروسية وما يتعلق بها أصلاً والعلوم الدينية تبعًا، وليحول المدارس الدينية مدارس دنيوية وهكذا؛ لأنهم لا يحسون الاحتياج إلى المدارس الدينية كأكثر أهل فرنسا ويقولون: إن هذه المدارس مهما تكمل يلزم أن تندرس وتفنى بنفسها بعد ما تأسس المدارس الدنيوية بين الأمة، فيلزم عليكم أن تعجلوا الأمر ولو بسنة. ونحن نقول: لا تمسوا مدارسنا الحاضرة ولنصلحها بالتدريج، لئلا يكون حالنا كحال حنين، وابنوا أنتم وأسسوا المدارس المحتاج إليها الأمة بجميع أنواعها من متوسطها وعاليها وليندرس المدارس بعدها بنفسها (على ما تزعمون) ، ونحن لا ننكر احتياج الأمة لمثل تلك المدارس وإلى تعلم اللغة الروسية والعلوم الرسمية، بل نحن نحس هذا الاحتياج كإحساسكم بل أشد، وندعو الناس إليها ومع ذلك نحس الاحتياج إلى المدارس الدينية ولا نرضى انقراضها ولا نخيل كما تخيلون وسنُدخل اللغة الروسية إلى المدارس الدينية أيضًا بشرط أن يتخذ العلوم الدينية أساسًا لما يتعلم فيها ولكن هذا يقتضي شيئًا من التأني ولا يستقيم بالعجلة ولا نصدق انقراض الدينية عند انتشار المعارف، ويؤيد هذا قيام المدارس الدينية في الممالك الغربية والأمريكية مع ارتقاء المعارف فيها غايته، ثم بعد برهة من الزمان وضعنا قبح هذه الحركة على علم الطلبة من الصنوف العالية فانتبه المتبصرون منهم ولم يساعدوهم بعده في حركاتهم فتفرقوا فرقتين فصاروا يسبّون الطلبة الذين لا يتحركون بتحريكهم فعجزوا! ثم أخذوا طريقًا آخر يُخْفون فيها مرادهم من تحريكهم. وصاروا يدّعون أن مرادهم من التحريك إصلاح هذه المدارس مدارس دينية وهم أيضًا يهتمون للعلوم الدينية كما نهتم بل أشد، ولكن العلوم الدينية ليس ما نسميها علومًا دينية بل غيرها وهكذا. اهـ بنصه وفيه غلط قليل أشرنا إلى بعضه ولعله لم يراجعه. (المنار) نشرنا رسالة هذا الأستاذ برمتها؛ لأن الوقوف على حال مسلمي روسيا في التعليم والتربية يهمنا جدًا طالما فيهم من الرجاء وحسن الظن وصاحبنا الأستاذ كاتب الرسالة أدرى بتلك الحال. وما ذكره من ترتيب التعليم في المدرسة المحمدية لا ينطبق على ما كتب إلينا بعض التلاميذ ولا يخلو على إجماله من انتقاد وحاجة إلى الإصلاح، ويا ليته يتفضل ويرسل لنا نسخة من البروغرام لنبدي رأينا في ذلك على بصيرة تامة، وقد اطلعنا على ما كتب رياض أفندي الشهير في إصلاح التعليم في المدرسة الحسينية في أورنبورغ وودنا نشر خلاصته في هذا الجزء وإلقاء دلونا مع دلوه لولا أن جاءت هذه الرسالة فحالت دون ذلك وفتحنا بابًا جديدًا من التروي في الحكم على تعليم مسلمي روسيا. علمنا من هذه الرسالة أنهم يتعلمون لغة الأمهات ويظهر لنا أنها اللغة التترية ويتعلمون اللغة العثمانية والفارسية واللغة العربية وهم في أشد الحاجة إلى اللغة الروسية ولا يستغني أهل التعليم العالي عن لغة أوروبية عامة كالفرنسية أو الإنكليزية وهذا عبء ثقيل فلعل صديقي كاتب الرسالة يعرّفني وجه الحاجة إلى تعلم لغة الأمهات في المدارس وليست لغة علم ولا دين ووجه الحاجة إلى اللغة الفارسية والتركية أي جعل تعلم ذلك إلزاميًّا عامًّا. وعلمنا أنهم يقرأون معاملات الفقه في كل قسم من الابتدائي إلى العالي ولم يذكر مصطلح الحديث. وذكر من المنطق (الشمسية) فقط وكل ذلك منتقد كما سنبينه بعد، وأما ما ذكره في سبب انتقاد المدارس الإسلامية فإلصاقه ببعض المبتدئين من المدرسة المحمدية محل نظر واعتبار، ويهمنا أن نعرف مثار هذه الأفكار، وكيف السبيل إلى تلافيها، وما يجب على العلماء فيها وسنعود إلى البحث في ذلك.