للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(مسألة تزوج الهندي بالشريفة في سنغافوره)
اختلف علينا القول في هذه المسألة التي استفتينا فيها من قبل. وقد كتب إلينا
السيد حسن بن علوي بن شهاب أحد شرفاء الحضارمة المقيمين في سنغافورة حقيقة
الواقعة فنحن ننشرها هنا (إذ فاتنا نشرها في باب الانتقاد على المنار) لئلا نكون
مصرين على الخطأ بعد ظهور الصواب قال بعد رسوم الخطاب:
تكرر في المنار المنير ذكر مسألة تزوج هندي بشريفة بسنغافوره، ولكن لم تكن
المسألة كما قالوا بل كستها الأغراض أثواب اللبس والتدليس، فأحببت أن أفيدكم
بالواقع وما راء كمن سمع، وإني أعتقد أن المنار طالب للحق ولا تهمه الشخصيات
ولذلك لم أكتب له فيما سبق حرفًا ولسيدي الرأي في نشر ما كتبته وإغفاله.
الهندي رجل نفي من الهند مؤبدًا إلى سنغافوره وليس له نسب يعرف ولكن
يقال: إن أباه معلم صبيان والشهود الذي قيل عنهم: إنهم شهدوا له بالشرف لا صحة
لما قيل في كثرتهم، بل قال اثنان نسمع أنه سيد ولا يعرفون له ثلاثة آباء في
الإسلام هذه هي حال الزوج المشهود له بالشرف. وأما المرأة فبنت لم تتجاوز
خمس عشرة سنة من السادة العلويين الحضارمة المشهور نسبهم المدون في الأسفار
بالتواتر عند أهله وفي آبائها العدد الجم من العلماء والمصنفين وأهل الفضل والزهد
والتقوى لا يمتري في ذلك أحد من الحضارمة.
عجز الهندي عن استمالة الشريفة فقصد رجلاً من بني العطاس جعله العرب
عريفًا لتسجيل العقود في المحكمة الإنكليزية فتوسل به الهندي فتردد إلى أم الشريفة
حتى أقنعها وكان للشريفة أخوان أحدهما غائب، والثاني حاضر إلا أنه جاهل
فراوده العطاس في تزويجها بالهندي فتأبى وامتنع، وقد تم أمر العطاس مع
الأم، فلما لم يجد الأخ بدًّا من تزويجها طلب من العطاس أن يتحقق من العلماء
الموجودين من العرب عن نسب ذلك الرجل فأكد له وأقسم بأنه قد تحقق الأمر ولم
تبق لديه شبهة ولا ريبة فدلاهما بغرور ولقن العطاس أخا المرأة العقد في الساعة
الحادية عشرة ليلاً فعير الجميع أخاها ووبخوه حتى إنه بعد ذلك هرب مما أصابه من
التعيير ثم إن أخا المرأة الغائب شكا من ذلك وتذمر فبما ذكر يتضح فساد النكاح على
مذهب الشافعي كما لا يخفى على من له إلمام بالفقه، والله على ما نقول شهيد
وحسبنا الله، وما شرحته ثبت بالتحقيق الذي أجرته الجمعية العربية وبشهادة الشهود
وإقرار أهل القصة فلا مرية في شيء منه ألبتة.
أما ما قيل من إهانة بعض من حضر العلم الشريف وكتبه فأمر مبالغ فيه
والواقع أن اثنين من طلبة العلم وجها كلامًا قارصًا إلى رجل له شرف وسن وجاه
لدى الجميع أراد المناضلة عن العطاس؛ لأنه بكى إليه واستنصره ولبَّس عليه وكان
ذلك الرجل ساذجًا ويرى ذينك الطالبين مثل أولاده فقصد ردعهما عن تعنيفه لا
استخفافًا بالعلم وأهله. وأما ما جاء في فتيا السيد عمر بن سالم العطاس في بيان
خطأ ابن عمه من أن إسقاط الكفاءة من الشريعة غير ممكن لأن شرفها ذاتي فذلك
مذهب لكثيرين من علماء حضرموت واليمن والحجاز وعدد منهم مجتهدون فلا
غرو إذا خالفوا الشافعي أو هو وبقية الثلاثة، ولا يلزم من المخالفة التحقير أو عدم
الاتباع ويطول الشرح والقصد إيضاح الحق وتحقيقه جعلنا الله وإياكم من الطالبين له
المنقادين آمين.
... ... ... ... ... ... ... ... حسن علوي بن شهاب
(المنار)
قد كتب إلينا غير هذا السيد أيضًا ممن نثق به أن الواقعة كما قال. أما الحق في
الكفاءة بالنسب فهو ما بيناه من قبل من أنها مسألة اجتهادية مدارها على التعيير
فحيث كانت المرأة تعير هي وأولياؤها بالرجل فهو غير كفؤ لها، وما قاله العطاس في
الشرف الذاتي لا يصلح دليلاً شرعيًّا. نعم، إن مخالفته للشافعي أو لغيره لا يعد
تحقيرًا، ومن قال: إن الخلاف يستلزم التحقير فقد زعم أن السلف وغيرهم من الأئمة
والعلماء في كل زمان يحقر بعضهم بعضًا؛ إذ لم يتفق اثنان منهم في كل مسألة والله
أعلم.
***
(السيد علي الببلاوي - وفاته)
السيد علي الببلاوي من شرفاء مصر وكبار علماء المالكية في الأزهر، ولما
جئنا مصر كان نقيب الأشراف وشيخ المسجد الحسيني وكان يلازم هذا المسجد،
وقد عرفناه فيه وكلمناه في إبطال البدع التي يأتيها العوام عند القبر الحسيني وعمود
الرخام الذي أمام مقصورته، وهو كما سبق لنا القول يُتَمَسَّحُ به للتبرك والاستشفاء؛
لأنه يسمى عمود السيد، فقال: إن هذه البدع قد استحكمت في نفوس العامة
وصارت أرسخ العقائد فيها فلا يمكن نزعها إلا بالتدريج البطيء، وإذا فاجأناهم
بقولنا أن هذا ليس من الدين خشينا عليهم أن يشكوا في أصل الدين ويمرقوا منه.
وقد ناقشناه يومئذ في رأيه بل ظننا أنه لا يود إطال شيء من تلك البدع، وإنما قال ما
قال جدلاً، ثم تبين لنا ظننا هذا كان على إطلاقه خطأ، ولم نعرف حقيقة
فضل الرجل بل لم يعرفه جمهور أهالي البلاد إلا بعد أن صار شيخًا للأزهر.
عين شيخًا للأزهر بعد عزل الشيخ سليم البشري في ٢ ذي الحجة سنة ١٣٢٠
وكانت إدارته قد وقفت حركتها فكان خير عون للإصلاح؛ إذ اتفق مع الأستاذ
الإمام في كل رأي ولم يخالفه إلا فيما كان يسميه التدريج في التنفيذ وإن كان بطيئًا،
وكان الأستاذ الإمام يفضل التعجيل بالتنفيذ اغتنامًا للفرصة، وخوفًا أن تفوت قبل
إتمام العمل وكذلك كان. وقد قلنا في كلام عن الأزهر في أجزاء هذه السنة أنه
قد ظهر للحكام وغيرهم من حسن إدارة هذا الرجل فوق ما كانوا يظنون. ومن أراد
أن يعرف ما كان على عهده من حسن الإدارة والنظام فليرجع إلى كتاب (أعمال
مجلس إدارة الأزهر) .
وجملة القول: إن الرجل كان في عقله وفضله وإدارته وأخلاقه وآدابه من
خيرة علماء المسلمين في هذه الديار، بل لا نفضل عليه ممن عرفناهم بعد الأستاذ
الإمام أحدًا منهم. توفاه الله تعالى في مصر وقد ترك من الولد الصالح من يُحْيي
ذكره في العلم ومكارم الأخلاق اللائقة بالشرفاء فنعزي عنه ولديه النحيبين السيد
محمد المدرس في الأزهر وأمين دار الكتب المصرية (الكتبخانة) والسيد محمود
شيخ المسجد الحسيني وسائر الأهل والأقربين والعلماء والشرفاء، ونسأل الله تعالى له
الرحمة والرضوان.