للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


أسئلة من الجبل الأسود

(س من ١٧-٢٠) من ح. ح. في نقشيك
ما قولكم دام فضلكم، ونفع المسلمين بعلومكم فيمن يخطب بالعربية في أرض
الترك، ثم يترجم بعض ألفاظ الخطبة باللسان التركي ليفهمها الحاضرون؛ لأنهم لا
يفهمون إلا باللسان التركي، ولا سيما بعض الأحكام اللازمة كصدقة الفطر مثلاً، فهل
يمنع من هذه الترجمة المذكورة وإدخال الألفاظ التركية خلال الخطبة؟
وفيمن يفتي الناس بجواز الجهر بالتكبير في الأسواق عند تشييع الحجاج في
سفرهم إلى الحج من بلادهم، مع ما يترتب على الجهر المذكور من المفاسد التي
منها: امتهان الاسم الشريف في محل القاذورات وذلك مناف للتعظيم، ومنها أن
يكون سببًا لاجتماع النساء والرجال، ومنها ضحك الكفار واستهزاؤهم بذلك الذكر
الشريف، فيكون سببًا لهذا الاستهزاء، وربما وقعت الفتنة بين القبيلين بسبب ذلك
وهل العمامة المسنونة يلزم فيها تغطية جميع الرأس، حتى لا يبقى من القلنسوة شيء
أم السنة هو الوجه المعتاد عند أهل الحرمين وغيرهم من استدارتها على الرأس،
وترك أعلى القلنسوة من غير تغطية.
وهل الإعلان بموت الميت على المنابر: بالصلاة والسلام عليك يا رسول الله
جائز أم مكروه؟ أفتونا مأجورين.
أجوبة المنار
ترجمة الخطبة بالأعجمية
لا يمنع الخطيب في مثل الحالة المسؤول عنها من ترجمة أحكام الخطبة؛ لأن
الضرورة تلجئ إلي ذلك، ما دام المسلمون مقصرين في تعلم لغة دينهم، وإلا كانت
الخطبة عند أولئك الترك وأمثالهم من الأعاجم رسمًا صوريًّا، لا تحصل به الفائدة
المقصودة من الخطبة، وبعض الأعاجم يحتاط فيترجم الخطبة ويشرحها بعد صلاة
الجمعة، وبلغني أنهم يفعلون ذلك في الصين.
***
التكبير عند تشييع الحجاج
التكبير عند تشييع الحجاج ليس مطلوبًا شرعًا، ولا يمنع إذا لم يتخذ
شعارًا دينيًّا، ولم يترتب عليه مفسدة، فإن اتخذه قوم شعارًا دينيًّا، يرون
أنه لا بد منه شرعًا أو ترتبت عليه مفسدة منع منه. ولو كان مطلوبًا شرعًا كما
يطلب في الأيام المعلومات؛ لما صح أن يكون من موانعه اجتماع النساء
والرجال، ولا ضحك الكفار {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا
يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} (المطففين: ٢٩-٣٠) والامتهان
لا يتحقق إلا في نحو الحانات أو الكنف، وما يعد في العرف العام إهانة.
وأما الفتنة، ويعني بها السائل فيما يظهر التخاصم الذي ربما يؤدي إلى
الضرب أو القتل، فهي محل النظر لا في موضوع السؤال، بل في شعائر الدين
الثابتة: كالأذان والصلاة والتكبير في العيد، فإذا كان الكفار يؤذون المسلمين
لقيامهم بشعائر الإسلام وفروضه، وجبت عليهم الهجرة من دار الكفر والتعصب إلى
حيث يكونون في أمان وحرية في دينهم، وقد زدنا هذه الفائدة في الفتوى؛ عملاً
بالسنة من جواب السائل، بل كثر مما سأل عنه عند الحاجة إلى ذلك.
***
العمامة المسنونة
العمامة (بكسر العين) هي كما قال بعضهم: كل ما يعقد على الرأس سواء
كان تحت المغفر أو فوقه، أو لما يشد على القلنسوة أو غيرها.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس العمامة فوق القلنسوة تارةً، ويلبسها
بغير قلنسوة تارة أخرى، كما لبس القلنسوة بغير عمامة، وفي حديث عمرو بن
حريث في صحيح مسلم قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر
وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفيها بين كتفيه) وفي حديث جابر عند مسلم
أيضًا: أنه دخل مكة وعليه عمامة سوداء، ولم يذكر أنه كان لها ذؤابة بين كتفيه،
قال ابن القيم: فدل على أن الذؤابة لم يكن يرخيها دائمًا، وكان يلتحي بالعمامة
تحت الحنك أحيانًا، ومن فوائده أنه يمنع السقوط. ويحصل الغرض من لبسها بأية
كيفية كانت وورد في العمامة عدة روايات ضعيفة واهية , وهي من العادات لا من
أمور الدين ولكنها زي المسلمين الأولين، ومفيدة في حفظ الرأس من الحر.
***
إعلان الموت على المنارة
هذا العمل بدعة، لم يأذن بها الله - تعالى - ولا مضت بها سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وإنما نقول: إنه بدعة إذا أتى به على أنه مطلوب دينًا بهذه
الصفة؛ أي جعله في مكان أداء شعيرة الأذان وقرنه بأذكار مخصوصة. أما
الإعلام بالموت لأجل أن يسعى من يعلمون به إلى تجهيز الميت ودفنه والصلاة
عليه فذلك مشروع، وإن ورد في بعض الأحاديث النهي عن النعي، وهو في اللغة
الإعلام بالموت وإذاعته، فالمراد به نعي الجاهلية.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إنما نهى عما كان أهل الجاهلية
يصنعونه، وكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت، على الدور والأسواق،
ومن ذلك أنهم كانوا يرسلون راكبًا فيقول: (نعاء فلان) ويطلق النعي على أخذ
الثأر، فقد كانوا نعوا القتيل، ويحرضون على الثأر له وقال ابن الأثير: إن النعي
الإعلام بالموت والندب وقال أبو بكر العربي: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث
حالات:
(الأولى) إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة.
(الثانية) الدعوة للمفاخرة بالكثرة، فهذا مكروه.
(الثالثة) الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك؛ فهذا حرام اهـ. نقل ذلك
عنه الشوكاني وقال بعده وبعد نُقُول أخرى: فالحاصل أن الإعلام للغسل والتكفين
والصلاة والحمل والدفن مخصوص من عموم النهي؛ لأن إعلام من لا تتم هذه
الأمور إلا به مما وقع الإجماع على فعله في زمن النبوة وما بعده، وما جاوز
هذا المقدار فهو داخل تحت عموم النهي اهـ. فعلى هذا يكون الإعلام المسؤول
عنه منهيًّا عنه، فأقل حالاته أن يكون مكروها , وعندي أنه يباح للناس أن
يُعْلِمُوا مَن لا يتولون ما ذكر من الأعمال، ولو للتباهي بكثرة المشيعين
والمعزين بشرط أن لا يجعلوا ذلك من الدين.