للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(شرف العرب وفضلهم على الأمم)
صدر الجزء الصادر في هذا الشهر من المقتطف بمقالة في عمران العراق
أورد الكاتب فيها ملخص مقالة لجريدة التيمس في شريعة حمورابي (وضبطه
همورابي) جاء فيها أن هذا الملك الشارع العظيم الذي يرى العلماء في أوربا أن
معظم التوراة مستمدة من شريعته - هو من أسرة عربية الأصل. قال: (فالعرب هم
الذين وضعوا تلك الشريعة) ، فحسب العرب فخرًا وشرفًا أن أقدم شريعة عُرفت
في الأرض إلى هذا العهد هي منهم وآخر شريعة وجدت في الأرض وهم ساسة
الأمم ومهذبوها في القديم والحديث.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع
نعم، إنهم قد هضموا أنفسهم منذ قرون فهضمت حقوقهم الأمم حتى صار
يلغط المتطفلون على موائد العلم والكتابة بذمهم والقول بأنهم لا استعداد فيهم للسياسة ,
ولا للحضارة فصدق عليهم قول شاعرهم:
ومَن لم يكرم نفسَه لا يُكرم
ولا طريق لتكريم النفس إلا بالعلم والتهذيب، فأما التهذيب فأهل البداوة منهم
أرسخ الناس عرقًا في أصول الفضائل وهي الشجاعة والشهامة والمروءة والنجدة
والسخاء والوفاء والنصفة. وأهل الحضارة منهم أقوى الناس استعدادًا له. وأما
العلم فآلته الذكاء والعقل، والعرب أذكى الناس أفئدة وأكبرهم حلومًا، ولكن للعلم في
كل زمن طريقًا، فلا بد للعرب كغيرهم من التوصل إلى العلم الدنيوي من الطريق
الذي سار عليه الإفرنج قبلهم فسادوا واعتزوا. وأما علم الدين فهو منهم على طرف
الثمام، فإذا عقل سراتهم هذا فلا يعدون وسيلة لإشراع هذا الطريق وبالله
التوفيق.
***
(البيوت)
المحبة الزوجية
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (الأعراف: ١٨٩) وقال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} (البقرة: ٢٢٨) ،
وهي السيادة، فالرجل والمرأة زوجان من نفس واحدة، سعادتهما في سكون كل
منهما إلى الآخر، وشقاؤهما في نفور أحدهما من الآخر. هذا السكون فطري في
البشر والحيوان وإن شئت قلت في الأكوان؛ ولكن البشر أُعطوا علمًا واختيارًا في
التصرف بالفطرة فتارة يكون تصرفهم جاريًا على سننها ونظامها فيرقيها. وتارة
يكون منحرفًا عنه فيفسدها ويدليها، فكل ما تراه من الشقاء في البيوت فسببه فساد
التربية وسوء الاختيار. وقد يصحب هذا الفساد شيء من العلم فيموهه، وقد يكون
مع الجهل فيشوهه، وقد ينتهي الجهل إلى قلب الطباع، وتغيير الأوضاع.
الرجل يسكن إلى الأنثى سكونًا فطريًّا لأنها أنثى وهي تسكن إليه لأنه رجل
وللرجولية صفات تتبعها أعمال كلما قويت في الرجل كان جديرًا بزيادة ميل المرأة
إليه، وللأنوثة صفات تتبعها أعمال كلما قويت في المرأة كانت خليقة بزيادة ميل
الرجل إليها.
فصفات الرجولية الشجاعة والنجدة والسيادة ومن أعمالها الحماية والمدافعة
والكفالة ونحو ذلك، وصفات الأنوثة اللطف والرقة والحياء والدماثة ومن أعمالها
التربية والخدمة كتربية الأطفال وتمريض المرضى؛ ولذلك قلنا في مقالة عقدناها
لبيان مضار تربية النساء الاستقلالية: إن هذه التربية تقرب المرأة من صفات
الرجولية فتفسد فطرتها وتضعف وساطتها بين الأطفال والرجال في نقل الطفل
بالتدريج من طفوليته وإعداده للرجولية؛ وبذلك يقل ميل الرجل وسكونه إليها لأن
الرجل لا يسكن هذا النوع من السكون إلى الأنثى من حيث هي أنثى تمتاز بصفات
مخصوصة تمثل الأنوثة بما يفصلها عن الرجولية.
سكون كل من الصنفين إلى الآخر طبيعي لا يزول ولكن الصفات الطبيعية
المذكورة تزيده قوة وتحفظه برسوخها وتفسده أو تضعفه بضعفها. وقد صارت
الخشونة والزينة من عادة الشبان في المدن التي لا تربية فيها كمصر، فصار
النساء يملن إلى ذلك في الرجال ولو بصرت المرأة التي تحب شابًّا مخنثًا متورنًا
(كثير الزينة والطيب) شابًّا شهم الجَنان شجاع القلب مفردس الصدر ضخم
الكراديس شثن الكفين، سبط الزندين لفضَّلته على حبيبها المخنَّث تفضيلاً! . (هذا
وما، فكيف لو) ولو تربت تربية صحيحة لظهر هذا الميل فيها أقوى فقد جاء في
المقتطف المفيد ما نصه:
ما تستحسنه المرأة في الرجل
(ألقي هذا الموضوع على كثيرات من نخبة الكاتبات الإنكليزيات، فكتبت
سارة يولي تقول: إن المرأة تُعجب بشجاعة الرجل واستقلاله وتود أن يكون زوجها
متسلطًا عليها، ولقد كان ذلك شأنها منذ العصور الغابرة، وإن كان العمران
الحاضر قد ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق؛ لكن الإعجاب بقوة الرجل لا
يزال ديدن المرأة؛ ولذلك تراها تعجب بالجنود لأنهم يمثلون القوة البدنية، وبخَدَمَة
الدين؛ لأن لهم سلطة أدبية ودينية.
وكتبت للياس داندصن: إن المرأة ضعيفة، فتعجب بقوة الرجل سواء كانت
جسدية أو عقلية أو أدبية وهي تطلب رجلاً يسود عليها، فإذا وجدته خضعت له،
وقد غُرس هذا الخلق في فطرتها؛ ولذلك تصف الرجال بما ينقصها، وتعبدهم
ولا يعبأ النساء بالوجه الجميل، ولا ينفرن منه إذا لم يكن جميلاً؛ لأن ليس فيهن
ذوق خاص بالجمال كما في الرجل، وقد خصت الطبيعة الرجل بحب الجمال
وخصت المرأة بالجمال؛ لكي يكون جاذبًا له إليها، وكذلك خص الرجال بالقوة،
فصارت قوتهم جاذبًا للنساء إليهم وهن يُعجبن بالشجاعة والقوة والصبر على
المكاره، هذه هي الفضائل التي تود المرأة أن يكون زوجها متصفًا بها، وهي لا
تسامحه إذا فقد هذه المزايا؛ ولكنها تسامحه إذا فقد غيرها.
وكتبت إدلين سرجنت: إن القوة الجسدية تجذب المرأة والقوة العقلية تسحرها،
والقوة الروحية تتسلط عليها، وسبب ذلك واضح وهو ضعف المرأة، فلا شيء
يستولي على قلبها مثل الاعتقاد بأن زوجها قوي الإرادة أو قوي الذراع.
وكتبت سارة دودني: إن المرأة تعجب بقوة الرجل، ونظرة واحدة إلى رجل
قوي تنسينا مائة وجه جميل، وخطاب فصيح، إلا إذا كانت لنا عيون لا تبصر!
وأقول بالاختصار: إن الشيء الذي تعجب به أكثر من غيره هو القوة والعظمة
مع الميل إلى الحِلم.
وكتبت ماري كنور ليتن: إنه إذا كان في رجل دليل على أنه يفعل فعل
الجبابرة حينما تدعو الحال إلى ذلك فهو الذي تعجب به المرأة أكثر من غيره
وتفضله على غيره، وما من امرأة تعجب بجبان أو تحبه، وليس لجمال المنظر
شأن كبير في عيون النساء.
وكتبت مس إليصابات بنكس: إن الشجاعة والحلم أسمى مناقب الرجال في
عيون النساء، وكل امرأة تحب أن يكون زوجها سيدًا عليها.
وكتبت السيدة ميد: إن المرأة تتبع الرجل إذا كان قويًّا، وتعبده إذا كان مع
قوته كريم الأخلاق.
وكتبت مس أثل هدل: إن كرم الأخلاق خير الصفات التي يتصف بها الرجل.
والكاتبات خمس عشرة من أشهر كاتبات الإنكليز، وقد كدن يتفقن كلهن على
أن المرأة تفضل الشجاعة على غيرها من أوصاف الرجال) اهـ.
وقد سُر القراء بما كتب المقتطف، وكتب إلينا صاحب الإمضاء ما يأتي:
حضرة العلامة المِفضال منشي المنار الزاهر
طالعت في الأخبار العلمية من (مقتطف) شهر مايو الجاري سؤالاً وجهه أحد
علماء الإنكليز لجماعة النساء عن ما تستحسنه المرأة في الرجل، فأجاب عن هذا
السؤال خمس عشرة كاتبة من فُضليات نسائهن، وقد كدن أن يتفقن على أن المرأة
تفضل الشجاعة والقوة على غيرهما من أوصاف الرجل، وقد ذهب بعضهن إلى
ذكر أوصاف لا تخلو من حقيقة، وهو بحث يحق للإنكليزيات أن يفتخرن به؛ إذ
طابق ما جاء في كتابنا الحكيم حكاية عن موسى وابنتي شعيب عليهما السلام في
سورة القصص {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ} (القصص: ٢٦) ؛ ذلك بعد أن سألهما موسى عليه السلام عند الماء عن سبب
ذود غنمهما، {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ
* فَسَقَى لَهُمَا..} (القصص: ٢٣-٢٤) برفْعه الصخرة عن فُوَّهَة البئر
بذراعيه القويتين، وهذا مما يدل على ما كان عليه موسى عليه السلام من القوة
والشجاعة؛ ولذلك أُعجبت إحداهما به، وأرادته زوجًا لها على فقره، وعدم
معرفتها أصله ونسبه، وهذا مما يثبت لنا أن قرآننا الحكيم لم يترك صغيرة ولا
كبيرة إلا أحصاها من أمر هذا الكون العظيم من أخلاق وعادات بني الإنسان، وما
تجري عليه سنن جميع المخلوقات، فسبحان الله العلي العظيم!
ومن موجبات الأسف أنه يوجد بين أيدينا هذا الكتاب الكريم شاملاً لجميع
المطالب، ونحن المسلمين في لهو عنه، وعن محكم آياته، وغيرنا يبحث وينقب
عن الحقائق حتى يجدها، ولو اشتغلنا بما في كتابنا لوجدنا فيه من الفوائد الجليلة
المنافع ما به رفع شأننا دنيا وأخرى، وما كان لأحد أن يسبقنا في مضمار العلوم
والمعارف مادمنا عاكفين عليه؛ ولكن هو الكسل والتقليد الأعمى قد ألقيا على
بصائرنا غشاوة كثيفة لا يزيلها إلا الحض على التعليم الصحيح، دون التفات إلى
ما في المجلدات الضخمة، بل العمل بمقتضى الحال ومجاراة الأمم الراقية بعقول
أفرادها، فإذا نحن جاريناهم في مباحثهم ومطالبهم - وبين أيدينا هذا المرشد
الصادق - فلا شك أننا نصبح على درجة عالية لا يصلها إلا مَن اتبعنا، وعمل
بمقتضى شريعتنا، والسلام. ... ... ... ... ... ... (حسين العقاد)