للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(كلمات في الأستاذ الإمام ذكرنا بعضها في ترجمته)
قال إبراهيم باشا نجيب وكيل نظارة الداخلية: إن الناس لا يعرفون قدر الشيخ
محمد عبده إلا بعد ثمانين سنة (يعني أن كل ما ظهر من إجلال الأمة له حيًّا وميتًا
دون قدره) .
وقال المشير أحمد مختار باشا الغازي: إنني أعتقد أن دماغ هذا الرجل هو
أعظم دماغ عرف ولو وزن لرجح بكل دماغ من أدمغة الرجال العظام الذين عرف
الإفرنج وزن أدمغتهم , وقال: لما قرأت في الجرائد خبر موته (وكان في أوربا)
ضاق عليَّ المكان الذي كنت فيه؛ لأن الخسارة بفقده لا عوض عنها.
وقال رياض باشا وزير مصر الأكبر للشيخ عبد الرحمن الدمرداش وكان
ملازمًا لفراش الفقيد في مرض موته: إننا كلنا شاكرون لك فإنك لا تخدم رجلاً وإنما
أنت تخدم الأمة في هذا الرجل , وقال في موته: خسارة لا تعوض ,
وقال اللورد كرومر: إن هذا الرجل لا ذنب له إلا أنه أنورُ أهل بلاده , وقد
قال له بعض وجهاء المصريين مرةً إن كل أعمال جنابكم محصورة في إصلاح
الحكومة فنرغب إليكم أن تعملوا عملاً لترقية المسلمين في مصر فإنهم لم يتعودوا
الأعمال الاجتماعية , فقال اللورد: اعملوا أنتم وعليَّ أن أساعدكم فمَن لا يرقي نفسه
لا يرقيه غيره , قال المصري: إنه ليس عندنا رجال يهمهم أمر الأمة ويقدرون على
العمل النافع لها! فقال اللورد: بل عندكم رجلان غيوران مقتدران وهما الشيخ محمد
عبده ورياض باشا فساعدوهما بالمال وهما يعملان للبلاد ما تحتاج إليه من الترقي،
أو ما هذا معناه، وبلغنا أنه قال - في جواب مَن قال إن الشيخ محمد عبده متهاون
بالدين -: إنه بالعكس متعصب للدين ولكن بعقل! .
وقال الشيخ محمد توفيق البكري: إن الفراغ الذي تركه الشيخ محمد عبده لا
يملأه شيء؛ فقد كان كما قال المتنبي:
ملء السهل والجبل
وقال: عجبت للموت كيف تجرَّأ على الشيخ محمد عبده؟ ! ! !
وقال: لو ترك الشيخ محمد عبده منصبه واشتغل بنفسه للأمة لأحدث انقلابًا
عظيمًا.
وقال الدكتور يعقوب أفندي صروف - بعد أن سمع المؤبِّنين عند القبر
يكررون كلمة فقيد مصر وفقيد الإسلام -: إننا لا نرضى أن يكون فقيدكم وحدكم،
بل نقول: إنه أكبر من ذلك، إنه فقيد الشرق كله!

* * *
(دولتا الإسلام تركيا وإيران)
يا حسرةً على المسلمين، ماذا يلاقون من البلاء المبين، وأكثرهم عن مثاره
غافلون، لم يكد تتمتع منهم الآذان بنغمة وضع القوانين لإصلاح حكومة إيران، حتى
صختها أخبار اعتداء الدولة التركية على حدود شقيقتها الفارسية، حتى كأنها تريد أن
تشغلها عن إصلاح شأنها، أو تنتقم منها إذا هي أصرت على عزمها، أو كأن خذلان
المسلمين قضى بأن يكون بأسهم بينهم شديدًا، وأن ينتقم بعضهم من بعض حتى لا
يتعب عدوهم في التنكيل بهم والقضاء عليهم بل تكون بلادهم غنيمةً باردةً له.
وإلا فما لنا الآن ولحشر الجيوش على حدود جارتنا وشقيقتنا ولاعتدائنا على
جزء من أرضها ونحن مرتطمون في فتنة اليمن الذي توالت السنون ولم ننل من
الثائرين فيها منالاً، بل كانت الحرب بيننا سجالاً، وكان من أثر ظلمنا لأنفسنا أن
نسفك دماءنا بسيوفنا، ونخرب بيوتنا بأيدينا.
يا حسرةً على المسلمين أضاعوا دينهم فأضاع الله دنياهم ومزق ملكهم حتى
صاروا شرًّا على أنفسهم من أعدى أعدائهم، وسوادهم الأعظم لا يدري من أين جاءته
هذه البلايا، ونزلت به هذه الرزايا، فهو يتهم بها البُرَآء ويبرئ الجناة الظالمين،
وهل هم غير الرؤساء المستبدين؟
هؤلاء مسلمو الترك والفرس يناوش بعضهم بعضًا والدول الأوروبية تتحد
عليهم فهل يستطيع المسلمون أن يحكِّموا فيهم قول الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ
المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَتِي تَبْغِي
حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
المُقْسِطِينَ} (الحجرات: ٩) كيف وهذا القول الحكيم مبني على أساس حكم
الإسلام وهو كون حكم المسلمين شورى بينهم، لا يستبد به فرد من الأفراد ,
ونحمد الله أن القتال لم يمتد ونسأله أن يهب للفريقين التوفيق للوفاق حتى لا تمتد
الفتنة.
* * *
(الامتحان في الجامع الأزهر)
ألفت إدارة الأزهر ثلاث لجان أو أربعًا لامتحان الذين أتموا مدة الدراسة،
وهم كثيرون جدًّا فامتنع كثيرون من كبراء الشيوخ أن يكونوا من أعضائها؛ لأن
شاكرًا نائب شيخ الأزهر هو المؤلف لها والرقيب عليها فكان أكثر أعضائها من
غير المشهورين ومنهم من صاروا مدرسين من عهد قريب ولكن هذه اللجان قامت
بالامتحان بنظام واهتمام وقد رأينا الأزهريين المنصفين يفضلون نظام هذا الامتحان
على ما كان قبله، ولم نسمع الآن ما كنا نسمعه في السنة (الدراسية) الماضية من
أخبار المحاباة والرشوة، والفضل في ذلك لمراقبة الشيخ شاكر ويقظته، فله الشكر
والثناء الحسن , ولعل ما سمعناه من أخبار التساهل وإعطاء الدرجات لأفراد لا
يستحقونها مبالَغ فيه ولعل الشيخ شاكرًا يعنى بتحقيق الحق في ذلك.
* * *
(أخبار نجد)
كان عدد الجنود التي أرسلتهم الدولة العلية إلى نجد ستة آلاف جندي فكان
من شأن فيضي باشا ما ذكرناه في أجزاء السنة الماضية ومن أمر سامي باشا ما
ذكرناه في الجزء السابع من هذه السنة، ونقول الآن: إن الجوع برّح بأولئك
الجنود حتى كانوا يجمعون الحنظل من القفر ويستخرجون بذره فيغلونه على النار
حتى تخف مرارته فيتبلَّغون به ولكن سمه يفعل في أحشائهم فعله ومازال الجوع
والعري وسم الحنظل يفتك بهم حتى لم يبقَ منهم إلا ألف وثمان مئة رجل فأشفق
عليهم الأمير ابن سعود فأعطاهم رواحل نقلت سبع مئة منهم إلى البصرة والباقين
إلى المدينة المنورة.