للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: أنطون زكري


أقدم كتاب في العالم
أثر مصري منذ ٥٥٠٠ سنة

نشر أولاً في جريدة الأهرام.
عثر أحد الفلاحين على أوراق بردية وهو يحفر مقبرة بناحية ذراع أبي النجا
بطيبة فباعها للعالم الأثري الفرنسي دافين الذي أذاعها سنة ١٨٤٧ ثم قدمها هدية
لدار الكتب الأهلية بباريس، ولذلك اشتهرت بورقة باريس البردية، وهي أقدم كتاب
في العالم؛ لأنها كتبت منذ ٥٥٠٠ سنة، وقد كانت كتب الأولين كلها من هذا النوع،
وهي تشتمل على ١٨ صحيفة مكتوبة بالخط الهراطيقي بالحبر الأحمر والأسود
متضمنة نصائح ومواعظ وحكم وضعها رجلان: الأول يدعى (قاقمنه) وهو وزير
الملك (حوني) من الأسرة الثالثة والثاني يدعى (فتاح حتب) وهو وزير الملك
(آسي) من الأسرة الخامسة، كتبها وله من العمر ١١٠ سنوات اقتبسها من السلف،
وجعلها موعظة للخلف، ولذا قال لابنه: إذا سمعت هذه الحكم السامية عمرت طويلاً،
وبلغت أوج الكمال، وتدرجت إلى معالي العلا والمجد.
ثم اعتنى بترجمتها من اللغة المصرية القديمة إلى الفرنسية العالمان (شاباس
دفيري) وباللاتنية العالم (لوث) وبالألمانية العلامة (بروكش باشا) وبالإنكليزية
الأثري المستر (جن) ومن هؤلاء نقلتها إلى العربية.
وقد وجدت هذه النصائح مكرَّرة وغير مرتبة فلخصتها واقتصرت فيها على
فرائد الفوائد.
ولأهمية هذه النصائح الدَّرية اعتنى بها الإنكليز اعتناء عظيمًا حتى قرروها
في برنامج الدراسة للأطفال فأكسبتهم المبادئ الشريفة التي أشربتها قلوبهم في
الصغر فسادوا العالم وقادوا الأمم وذلك بفضل اتباعهم مناهج أجدادنا العظام التي
دونوها لنا، وكنزوها لأجلنا، فكان نفعها لغيرنا، ويا حبذا لو اهتدينا إليها واقتدينا
بها فنحن أحق بها.
نصائح قا قمنا
الحكيم المصري القديم
(١) اسلك طريق الاستقامة لئلا ينزل عليك غضب الله.
(٢) احذر أن تكون عنيدًا في الخصام فتستوجب عقاب الله.
(٣) الابن الذي ينكر الجميل يُحزن والديه.
(٤) متى كان الإنسان خبيرًا بأحوال الدنيا سهل عليه قيادة ذريته.
(٥) إن قليل الأدب لبليد ومذموم.
(٦) إذا دعيت إلى وليمة وقدم لك من أطايب الطعام الذي تشتهيه فلا تبادر
إلى تناوله؛ لئلا يعتبرك الناس شَرِهًا، واعلم أن جرعة ماء تروي الظمأ ولقمة
خبز تغذي الجسم.
(٧) احفظ هذه النصائح واعمل بها تكن سعيدا ًومحمودًا بين الناس.
***
أمثال فتاح حتب
الحكيم المصري القديم
(١) إن التعرف بأعاظم الناس نفحة من نفحات الله.
(٢) لا توقع الفزع في قلوب البشر؛ لئلا يضربك الرب بعصا انتقامه.
(٣) إذا شئت أن تعيش من مال الظلم أو تغتني منه، نزع الرب نعمته منك
وجعلك فقيرًا.
(٤) إن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء؛ لأن بيده مقاليد الأمور، فمن العبث
التعرض لإرادته تعالى.
(٥) إذا كنت عاقلاً فربِّ ابنك حسبما يرضي الله تعالى، وإذا شب على مثالك
وجدَّ في عمله فأحسِن معاملته واعتنِ به، أما إذا طاش وساء سلوكه فهذب أخلاقه
وأبعده عن الأشرار؛ لئلا يستخف بأمرك.
(٦) إن تدبير الخلق بيد الله الذي يحب خلقه.
(٧) إذا نلت الرفعة بعد الضعة وحزت الثروة بعد الفاقة فلا تدخر الأموال
بمنع الحقوق عن أهلها؛ فإنك أمين على نعم الله والأمين يؤدي أمانته، واعلم أن
جميع ما وصل إليك سينتقل منك إلى غيرك ولا يبقى فيه لك إلا الذكر.
(٨) ما أعظم الإنسان الذي يهتدي إلى الحق وإلى الصراط المستقيم.
(٩) من خالف الشرائع والقوانين نال شر الجزاء.
(١٠) لا ينجو الأثيم من النار في الحياة الآخرة.
(١١) ألا إن حدود العدالة لثابتة وغير قابلة للتغيير.
(١٢) إذا دعاك كبير إلى الطعام فاقبل ما يقدمه لك ولا تطل نظرك إليه
ولا تبادره بالحديث قبل أن يسألك لأنك تجهل ما يخالف مشربه؛ بل تكلم عندما
يسألك فحينئذٍ يعجبه كلامك.
(١٣) إذا كلفك كبير حاجة فأنجزها له حسب رغبته.
(١٤) إذا تعرفت برجل رفيع المقام فلا تتعاظم عليه بل احترمه لمركزه.
(١٥) إذا جلست في مجلس رئيسك فعليك بالكمال والصمت ولا تتفوق في
الكلام؛ لئلا يعارضك من هو أكبر منك نفوذًا وأكثر منك خبرة، واعلم أن
من الجهل أن تتكلم في مواضيع شتى في آن واحد.
(١٦) لا تَعُق كبيرًا عن عمله متى رأيته مشغولاً؛ فإنه عدو لمن يعوق أعماله.
(١٧) لا تخن من ائتمنك تزدد شرفًا ويعمر بيتك.
(١٨) من الحمق أن يتشاجر المرءوس مع رئيسه؛ فإن الإنسان لا يعيش
عيشة راضية إلا إذا كان مهذبًا لطيفًا ظريفًا.
(١٩) إذا دخلت بيت غيرك فاحذر من الميل إلى نسائه، فكم أناس تهافتوا
على هذه اللذة القصيرة التي تمر كالحلم فأودت بهم إلى المخاطر والمهالك. واعلم
أن بيت الزاني للخراب، والزاني نفسه فاقد الرشد وهالك وممقوت عند الله
والناس، ومخالف للشرائع والنواميس [١] .
(٢٠) إذا كنت عاقلاً فدَبِّر منزلك وأحب زوجتك التي هي شريكتك في حياتك،
وقم لها بالمؤونة لتحسن لك المعونة وأحضر لها الطيب، وأدخل عليها السرور،
ولا تكن شديدًا معها إذ باللين تملك قلبها وقم بمطالبها الحق (أو بالمعروف) ليدوم
معها صفاؤك ويستمر هناؤك.
(٢١) لا تعجب بعلمك؛ لأن العلم بحر لا يصل إلى آخره متبحرٌ مهما
خاض فيه وسبح، واعلم أن الحكمة أغلى من الزمرد لأن الزمرد تجده الفَعَلَة في
الصخور بخلاف الحكمة فإنها نادرة الوجود.
(٢٢) لا تترك التحلي بحلية العلم ودماثة الأخلاق.
(٢٣) إذا كنت زعيم قوم فنفذ سلطتك المخولة لك، وكن كاملاً في جميع
أعمالك ليذكرك الخلف. ولا تسرف في المواهب والنعم التي تقود إلى الكبرياء
وتؤدي إلى الكسل.
(٢٤) إذا كنت قاضيًا فكن لين الجانب مع المتقاضين ولا تجعل أحدهم
يتردد في كلامه ولا تنهره ودعه يتكلم بحرية لكي يعبر عن مظلمته بصراحة؛ وإذا
لم تنصفه يكون سببًا لسوء سمعتك، فحسن الإصغاء أفضل طريقة لكشف الحقيقة.
(٢٥) ليكن أمرك ونهيك لحسن الإدارة، لا لإظهار الرياسة والإمارة.
(٢٦) لا تستبد لئلا تضل.
(٢٧) لا تكن يابسًا فتكسر ولا لينًا فتعصر.
(٢٨) إذا شئت أن تطاع، فسل ما يُسْتَطَاع.
(٢٩) إذا حكمت بين الناس فاسلك طريق العدل ولا تتحيز لفريق دون
آخر وإلا نسبوك للجور والعسف.
(٣٠) إذا عفوت عمن أساء إليك فاجتنبه واجعله ينسى إساءته إليك حتى
لا يذكرها مرة ثانية.
(٣١) بقدر الكد تُكتسَب الثروة فمن جَدَّ في طلبها أنجح الله مسعاه.
(٣٢) اجتهد دائمًا في عملك ولا تترك فرصة اليوم للغد، فمن جد وجد.
(٣٣) إذا كنت منتظمًا في حياتك صرت غنيًّا وحسنت سمعتك، وتحسنت
صحتك، وطار صيتك، وملكت حاجتك، أما الذي ينقاد لشهواته فإنه يصير
ذميمًا سمجًا وعدوًّا لنفسه.
(٣٤) إذا وقفت أمام الحاكم فاخفض جناحك واحن رأسك ولا تعارضه
وجاوبه بوداعة لينجذب قلبه إليك.
(٣٥) إذا فاه أخوك بالشر فازجره لتكون خيرًا منه.
(٣٦) اصغ لكلام غيرك فإن السكوت من ذهب.
(٣٧) لا تحتقر فقيرًا، وإذا زارك فلا تتركه سدى لئلا تخذله، ولا
تغضبه ولا تحتقر رأيه فإن هذا ليس من شيم الكرام.
(٣٨) احذر من تحريف الحقيقة بين الناس؛ لئلا تزرع الشقاق بينهم.
(٣٩) لا تخبر أحدًا بما صرَّح به لك غيرك لئلا يبغضك الناس.
(٤٠) من ساءت سيرته ضل الصراط المستقيم.
(٤١) إذا كنت في مجتمع فاسلك دائمًا حسب قوانينه.
(٤٢) إذا عاشرت قومًا فاجذب قلوبهم إليك.
(٤٣) ليكن كلامك دائمًا سديدًا مفيدًا.
(٤٤) إياك والطمع فإنه داء دفين لا دواء له، والمتصف به قليل الحظ
لأن الطمع مجلبة الشحناء والشقاق بين الأهل والأقارب وهو سبب كل الشرور
والرذائل. أما القناعة فهي أساس النجاح والفلاح ومصدر الخير والبر.
(٤٥) لا تُفرط في الكلام ولا تُصغِ إلى البذاءة؛ لأنها صادرة عن التهيج
والغيظ، وإذا أسرف أحد أمامك في الكلام فأطرق رأسك إلى الأرض لترشده بذلك
إلى طريق الحكمة.
(٤٦) من يلقي بنفسه في متاعب الدنيا ويستغرق فيها كل أوقاته لا يجد لذة
في حياته.
(٤٧) من يعكف طول نهاره على شهواته ضاعت مصالح بيته.
(٤٨) إذا شئت أن تعرف طباع صديقك فلا تسأل عنه أحد بل استنتج
ذلك بانفرادك معه في المحادثة المرة بعد المرة، ولا تغضبه، ومتى أخبرك عن
أصل ماضيه عرفت جميع أخلاقه، وإذا فاتحك الحديث فسايره ولا تدعه يحترس
في حديثه، وإياك أن تقاطعه في الحديث أو تزدريه، وبهذا يمكنك أن تستطلع
جميع أحواله.
(٤٩) كن بشوشًا ما دمت حيًّا.
(٥٠) من زرع الشقاق بين الناس عاش حزينًا لا يصحبه أحد.
(٥١) من طابت سريرته، حمدت سيرته.
(٥٢) متى كبر الإنسان في السن عادت إليه حالة صغره؛ فيعمش بصره [٢]
وينقص سمعه ويصمت فمه ويسخف كلامه ويظلم عقله وتضعف ذاكرته وتخور
قواه وتقف حركة قلبه وترق عظامه ويهزل جسمه ويفقد ذوقه وشمه، حقًّا إن
الشيخوخة آفة الإنسانية.
... ... ... ... ... ... ... ... ... أنطون زكري
... ... ... ... ... ... ... ... بالمتحف المصري