للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: بومبئ (ش. أ. ج.)


إلى الله المشتكى

عفى الديار ديار الحكم والحكم فقد الرجال رجال السيف والقلم وغادر الأرض أرض الدين مجدبة ... قحط الكرام وموت الجود والكرم
حيث المشاعر مضروب لها مثلاً ... (بئر معطلة دار بلا إرم)
حيث الشعائر أمست وهي منتكسٌ ... أعلامها كانتكاس الظلّ للقدم
حيث المدارس طرًا وهي دارسة ... أضحت مرابض للأنعام والغنم
الله يعلم أنّ الدين أوهنه ... تغلبًا دوله الأوغاد والقزم
(فلا رعى الله قومًا لا عهود لهم ... ولا ديانة خوّانين للذمم)
(من كل متبع الأهواء منهمك ... في السكر بالشر والإشراك معتصم)
(لا مدّ بحر جرت فيه سفائنهم لا بالشرائع بل بالنار والضرم)
(جاءوا جياعًا لحوم الجيف قوتهم ... تمسي النسور لهم لحمًا على وضم)
(يذلّلون سراة عزّ مشربهم ... ويولغون كلابًا في حياضهم)
سبحانه تلك أيام يداولها ... في الناس وفق أصول العدل والحكم
ولا يغيّر ما بالقوم ربهم ... إلا بتغييرهم ما في نفوسهم
فإن هم رفعوا للعلم رايته ... يرفعهم لسماء العز في الأمم
وإن هم خفضوه فهو يخفضهم ... في هوّة الذلّ والإنكاد والعُدُم
بالعلم قد جاءَنا الإسلام منتصرًا ... فأخرج العرب من إشراك شركهم
والروم في لُجّة غاصت سفينتها ... والفرس من فتنة صماء في ضرم
وقد محا جهلهم سيماء نوعهم ... وكاد يفصل عنهم فصل جنسهم
حتى أنار الورى فانجاب ظلمته ... شروق دين الهدى في الأعصر الدهم
دين غدا ناسخ الأديان قاطبةً ... وآية الشمس تمحو آية الظلم
مؤلفًا بين أشتات القلوب كما ... يؤلف الناظم النحرير في الكلم
أصوله كأصول الشمّ راسخة ... فروعه علت الأفلاك في الشمم
أين الذين شاعوا في البلاد علو ... م النقل والعقل والأحكام والحكم
أحيوا علوم أرسطاليس دارسة ... كما ابن مريم أحيا دارس الرمم
وهذبوا من خرافات دفاترها ... ودوّنوا درسها في سائر الأمم
في البيض والسمر والسودان نورهم ... تراه يلمع لمعَ البرق في العتم
أمسى الرياضيّ روضًا من رياضتهم ... وأينعت نخله من جود فضلهم
وأحرزوا قصبات السبق من حرف ... ومن فنون صناعات ومن حكم
كم في السياحة رايات لهم نشرت ... وفي الفلاحة آيات لغرسهم
وفي العمارة آثار لهم رفعت ... تلوح مثل النجوم الزهر في الظلم
هذا الضياء الذي باهى الزمان به ... حضارة وثراء عكس نورهم
ممن تنورت الآراء ملهبة ... بالعلم مشبهة نارًا على علم؟
ممن غدت هذه الأقوام رائجة ... أسواقها في فنون البيع والسلم؟
إنا لفي شغل والدهر في شغل ... والغرب في نغم والشرق في صمم
هيهات عدنا إلى ذل ومتربة ... من الجهالة وانحلت عرى الهمم
حتى غدت شوكة الإسلام شاكية ... من بعد سلطتها في العرب والعجم
دين نما بنمير العلم باسقه ... لم يبق منه سوى ساق بلا قدم
قوم قد كان رأس المال علمهم ... ويل لهم إذا أضاعوا رأس مالهم
فودعت لوداع العلم ثروتهم ... ووزعت ملكهم أعداء دينهم
هل زادهم شرفًا أن زاد عدهم ... إلا زيادة نكص فوق نقصهم
لا خير في عدّة إن قل عُدتها ... لا خير في سمن إن كان من ورم
أمسى الشراب سرابًا من جهالتهم ... إذ أصبح الماء غورًا من عيونهم
وأصبحت دارهم قفرًا بلا سُرُج ... والشمل من بعد جمع غير منتظم
تشعبوا شيعًا حتى رعى هملاً ... كل بمرعى بلا راع ولا لَزِم [١]
قد جزّءوا بالهوى ذا الدين تجزئة ... والدين جوهر فرد غير منقسم
كل له غرض يرى به غرضًا ... ويجعل الدين منه عرضة التهم
كل له مذهب يبغي به ذهبًا ... بئس الحطام الذي يفضي إلى الحطم
فشا النزاع فأمسى الأمن منتزعًا ... كذا الأمانة من حلّ ومن حرم
أليس من حاكم ترضى حكومته ... في الحل والعقد عند الخطب أو حكم
بلى فإن رسول الله أسوتنا ... خير المحامين محيي ميت النسم [٢]
إليك نشكو رسول الله ذلتنا ... والذّل من بعد عزّ أصعب النقم
إن كنت ترضى بما أمسى المحيط بنا ... إحاطة الدجن في داج من الظلم
فنحن راضون أيضًا بالذي كتب الـ ... خلاّق من سابق الآزال في القسم
إن كان حبل الرجا في الدهر منفصمًا ... فحبلنا منك حبل غير منفصم
وأنت أحييت أسلافًا لنا كرمًا ... فلا تضع خلفًا في آخر الأمم
يا رب أنزل علينا رحمة أبدًا ... كما رحمت نبيًّا طاهر الشيم
وأصلح الله أخلافًا لأمته ... حتى يباهي غدًا أسلافهم بهم
صلى الإله على طه وعترته ... ما حنّ قلب إلى جيران ذي سلم
... ... ... ... ... ... ... ... ... بومبئ (ش. ا. ج)