للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


قصة المولد لدبيع
(س. ٥) من أحد أهالي (جوهر) في جنوب ميلاي.
أنكر أحد طلبة العلم وهو رجل غريب قراءة قصة المولد النبوية للدبيعي ولعله
غير المحدث بدعوى أن فيها كذبًا وخرافات، والقصة المذكورة مما يداوم على قراءتها
للعوام عدد وافر من الذين تعتقد فيهم الولاية يقولون للعوام: إن روحانية المصطفى
صلى الله عليه وسلم تحضره من أوله إلى آخره وتحضر في غيره عند القيام فقط
فترى هِجِّيرَى أهل هذه البلاد قصة المولد المذكورة، فهي قد مرت على سمع الجم
الغفير من العلماء ولم ينكرها غير الرجل المذكور، فهل هو مصيب أم لا؟ أفيدوا
والله يبقيكم للأمة.
(ج) الصواب ما قال ذلك الطالب الغريب، ولعله من الغرباء الذين ذكروا في
حديث مسلم (بدأ الدين غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء) وقد قرأت
طائفة من هذه القصة فإذا بصاحبها يقول في فاتحتها: فسبحانه تعالى من ملك أوجد
نور نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من نوره قبل أن يخلق آدم من الطين اللازب،
وعرض فخره على الأشياء، وقال: هذا سيد الأنبياء وأجل الأصفياء، وأكرم
الحبائب، قيل: هو آدم، قال: آدم أنيله به أعلى المراتب، ثم ذكر إبراهيم وموسى
وعيسى بمثل هذه الأسجاع الركيكة، فهذا كذب صريح على الله تعالى لم يروه
المحدثون. ثم رأيته يذكر (في ص٦ و٧) حديثين أحدهما عن ابن عباس رفعه أن
قريشًا كانت نورًا بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بألفي عام يسبح الله ذلك النور
وتسبح الملائكة بتسبيحه إلخ. وهذا كذب ظاهر أيضًا وقريش كانت قبل الإسلام
مشركة وعند ظهور الإسلام كان منها أشد الناس كفرًا وإيذاء للنبي صلى الله عليه
وسلم وصدًّا عن سبيل الله، فما معنى ذلك الأصل النوارني الذي يناقضه هذا الفرع
الظلماني. والثاني أثر عن كعب الأحبار لا يصح وقد سماه مؤلف القصة حديثًا
لجهله.
أما قول قراء هذه القصة من المحتالين على الرزق بدعوى الولاية أن روحانية
المصطفى تحضر مجالسهم التي يكذبون فيها عليه فمثله كثير من أولئك الدجالين ولا
علاج لهذا الجهل إلا كثرة العلماء بالسنة والدعاة إليها بين المسلمين وذلك بساط قد
طُوي وإن كثيرًا من المسلمين ليعادوننا ولا ذنب لنا عندهم إلا الانتصار للسنة السنية
والدعوة إلى الله ورسوله بالحق لا بالأهواء.
وأما قولكم: ولعله غير المحدث فلا حاجة إليه لأن هذه القصة منسوبة إلى
رجل مجهول يسمى دبيعًا بدال مهملة فموحدة فمثناة تحتية فعين مهملة ولا يوجد
محدث بهذا الاسم، ولعلكم ظننتم أنهم يعنون به عبد الرحمن بن علي بن محمد بن
عمر بن عليّ الملقب (أي عليّ هذا) بديبع كحيدر بتقديم المثناة التحتية على
الموحدة ولو كان هو لصرحوا بنسبته إليه.