للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(الفتنة في نجد وحقيقة الحال)
كتبنا في آخر الجزء التاسع عشر نبذة في إمارة نجد وانتصار ابن سعود على
ابن الرشيد , وكذبنا بعض الجرائد المصرية التي تتجر بالأمة والملة في زعمها أن
ابن سعود خارج على الدولة العلية , وقلنا: إنه أطوع لها وأشد خضوعًا من ابن
الرشيد الذي نفَّر منها أهل نجد بظلمه. وقد جاءتنا بعد ذلك رسائل متعددة من بلاد
العرب فيها بيان الطرق التي أرسلت منها الدنانير إلى بعض أصحاب الجرائد
المصرية التي تسمى إسلامية لتشنع على ابن سعود وتكذب عن لسانه الرسائل إلى
رؤساء الجند العثماني ينكر فيها ولاية السلطان وخلافته بزعمهم. وجاءتنا أيضًا
صور البرقيات التي أرسلها الأمير ابن سعود والأمير قاسم بن ثاني قائمقام قطر
والولي الحميم للدولة العلية ومؤيد نفوذها في البلاد العربية إلى السلطان , وهي
الحجة القاطعة على أن هذه الجرائد كانت ساعية بتفريق كلمة المسلمين وغش الدولة
بإغرائها بحرب ابن سعود وعدم قبول طاعته وإن انضم إليه أكثر القبائل. وقد
اتضح للدولة العلية من هذه الرسائل التي يظهر أنها وصلت بعدما حالت العمال
المرتشون دون وصولها زمنًا - أن ابن سعود صادق في ولائه , وأكد ذلك عندها حالة
(الحسا) فإنها على عهد ابن الرشيد كانت تتناوبها المخاوف , ويتخطف الناس من
حولها حتى يعسر الوصول إليها , وكان الحجاج الذين يخرجون منها يتسلحون
ويخرجون بقوة , ثم لا تمنعهم قوتهم من المشقة العظيمة والخسائر الكثيرة، ولما
استولى ابن سعود وغلب أمره صار الناس يخرجون منها مثنى وفرادى لا
يصيبهم أذى , وحكومة البصرة وبغداد عالمة بذلك. ولذلك كفت الدولة العلية عن
إنجاد ابن الرشيد , وأمرت والي البصرة بأن يطلب الاجتماع بعبد الرحمن الفيصل
بالمحل الذي يريد لأجل المذاكرة والمشاورة في الأمر , وكانت الدولة قد قطعت
مرتب عبد الرحمن الشهري فأعادته إليه.
هذا ما كتب إلينا (بتاريخ ٢١ شوّال الماضي) ثم علمنا من مكاتبات من
بغداد وردت على بعض العربان التجار في مصر بأن الدولة جهزت أربعة توابير
(التابور بالتاء عربي وبالطاء تحريف) وقد وجل لذلك أنصار ابن الرشيد , وارتاب
أنصار ابن سعود الذي رُوي أنه زحف بخيله ورجله على حايل عاصمة ابن الرشيد،
وسبب الريب أن الدولة العلية كانت تريد أن تجعل القصيم معسكرًا لأجل حفظ
الأمن في بلاد نجد برضا ابن سعود. أخذت في بوادر هذا الأمر ثم سكتت عنه ,
ولعلها عادت إليه الآن ولا بد أن يأتينا الخبر اليقين بعد حين.
وإننا نبدأ الآن بنشر رسالة وردت علينا في الموضوع , ثم نذكر بعدها
الرسائل البرقية التي أشرنا إليها , وننصح الدولة العلية أن ترفق بعملها في بلاد
العرب وتحذر كل ما يريب ويشكك الناس بحسن قصدها. قال المكاتب الخبير:
(حقيقة الحال في الحادثة النجدية)
لما كانت مجلتكم الغراء هي الوحيدة في خدمة الجامعة الإسلامية، المرشدة
لجمع الكلمة مع بيان أقرب الطرق وأقومها مسلكًا وأنجحها مسعًى حتى قدرها الرأي
العمومي الإسلامي في سائر أقطار المعمورة حق قدرها , وأحلوها من القبول محلها
فصار صداها يخترق حجب المسامع، وهي نعمة جليلة توفقت لها لحسن قصدها دون
من سواها - أتيت أتلو على سمعكم ما عنَّ لنا بشأن الحادثة النجدية ذات البال في
الجامعة الإسلامية.
إن الفتنة التي حدثت في هذه السنين الأخيرة في القطعة النجدية قد نظر إليها
الرأي العام من عقلاء المسلمين وحكمائهم نظر الاهتمام كأنها الداء العضال العادي
الذي يهدد صحة الأعضاء الرئيسة من الجسد الإسلامي , حيث إنهم قد أدركوا
بثاقب أفهامهم المنورة بنور الإيمان أنها إذا لم تتداركها حكمة جلالة خليفة المسلمين
بالحل السلمي السديد لا تنتهي إلا بمداخلة يد الأغيار المشتت لجموعنا أولاً وآخرًا ,
وهذا ما عنينا به من قولنا: كأنها الداء العضال العادي إلخ.
وحقيقة إذا نظرنا نظرهم هذا أخذت بنا الدهشة كل مأخذ , واستولت علينا
الحيرة من كل جانب حتى إذا ما تثبتنا بعد الدهشة واهتدينا غب الحيرة , ورجعنا
لتلافي الأمر وليس لنا من الأمر شيء سوى استلفات واستعطاف أصحاب أهل الحل
والعقد من أمراء الدولة العلية الذين هم لا يهمهم سوى الإصلاح لتلافي هذا الأمر
وإخماد ثورة هذه الحادثة , وإطفاء نار هاته الفتنة بالإصلاح والتوفيق السديد لا
ببرق السيوف ورعد المدافع وتحشيد العساكر والضغط الموجب للانفجار وتخريب
الدار وتدمير الديار وتداخل يد الأغيار ولو بدون أهلية واستحقاق كما نعلم وتعلمون.
نعم قد ولي عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بلاد أبيه وجده بقاعدة
الرياسة المعروفة بالمشيخة في البلاد العربية متغلبًا على الأمير عبد العزيز بن
رشيد وكما تدين تدان {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (آل عمران: ١٤٠)
لكن نظرًا لما جبل عليه الأمير ابن رشيد من إباية الغبن ولما هو متصف به من
العناد , ولما له من نفوذ الكلمة وقبول القول لدى أمراء الدولة العلية اغترارًا بما
يرون منه من بهارج القول , وطمعًا بما ينالونه من ثمين الهدايا - استمالهم لمساعدته
فساعدوه غير ناظرين لما يئول إليه أمر مساعدته من. ومن. ومن. وإذا لم يفكروا
إلا في أن في نفس مساعدته وتقويته إذهاب قسم عظيم من ملك الدولة العلية لعثمانية
فضلاً عما يكلف الدولة العلية من المشاق والخسائر وإضعاف النفوذ وتلف مئات
ألوف من المسلمين والتداخل الأجنبي إلى غير ذلك من أنواع المضرات التي لا
ثمرة لها غير التفريق والتشتيت - لوجب أن يكون ذلك حاجزًا قويًّا بين أرباب الحل
والعقد وبين الميل لمساعدة أحد الفريقين على الآخر فضلاً عن المساعدة فعلاً؛ بل
لوجب جمع فكرهم على اتخاذ الأسباب والوسائل لإصلاح ذات بين الفريقين وجمع
كلمتهم تحت الراية المقدسة العثمانية. على أن الأمل الوطيد والحق الحقيق هو أن
عبد العزيز بن سعود هو أطوع من غيره لإرادة جلالة متبوعه مع إنه لم ينظر
اليه بعين الرضا كغيره , ولو نظر إليه بعين الرضا ورأى المساواة بينه وبين غيره
لرأت الدولة العلية من خدماته الصادقة النافعة ما يجعله أقرب قريب لديها , ولا
نظن إلا أن الذي أغمض عنه هذه العين الجليلة هو مداخل الأوهام من خرافات
المموهين بأن الخطر على الحرمين الشريفين وأطرافهما من عبد العزيز بن سعود
محقق لأنه وهابي , والحال أن التوهب الذي يرمون به ابن سعود وعشائره أهل
نجد هو اعتقاد السلف الصحيح في توحيد الذات الإلهية وتقديس صفات الربوبية ,
وهذا شيء لا دخل له بالملك والسياسة , لكن المقاصد تغلب الحقائق. وأما
محافظة ابن سعود على الحرمين وطريقهما وقُصَّادهما وفود الحجاج وكسر شوكة
الذين كانوا يتعرضونهم من ثوار العشائر البادية - فهذا محسوس ومشاهد بالعيان ,
حتى رأى الحجاج منذ عامين في طريقهم كل تسهيل موفرين ومقتصدين لما كانوا
يعطون من الرسوم المقررة لرؤساء العشائر عن يد وهم صاغرون , فكفت
أيدي البادية , ورأى الحجاج من العزة والاحترام ما لم يروه قبل , وهذه قضية
مسلّمة يقر ويعترف بها حتى الخصم نفسه , فنسأل الله جل جلاله أن ينصر
دولتنا العلية ورجالها الصادقين ويلهمهم السلوك في طريق الرشاد فيصلحوا ذات
بين الفريقين , وتحفظ الدولة العلية لنفسها حقوق سيادتها المقدسة في الجانبين كذي
قبل , وإذا اختلف أحد منهم عن إرادتها وخالف رضاءها العالي إذ ذاك، فلها أن
تؤنب وتعنف وتؤدب بما شاءت وكيفما شاءت , وهي ذات السيادة المطلقة في
جميع ممالكها المحروسة.
لما حدثت الحوادث في بلاد نجد وانتصر ابن سعود على ابن الرشيد وخيف
من سوء العاقبة؛ انبرى لتلافيها أرباب الحمية الدينية وهو الشهم الغيور ذو
الصداقة والعبودية والإخلاص لحضرة متبوعة ملجأ الخلافة الكبرى الإسلامية
قائمقام قضاء قطر ورئيس العشائر وشيخ القبائل فيه (الشيخ جاسم الثاني) الذي ما
فتئ عند حدوث كل حادثة في القطعة العربية يعرض ثمين النصائح لجلالة متبوعه
الأعظم عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) فإنه حفظه الله لما
نظر لهذه الحادثة نظر المندهش المتخوف من وخامة عاقبتها؛ اهتم بها اهتمام
الحكيم المتدين العاقل , فقدم النصيحة إلى عبد العزيز بن سعود بأن لا يتخذ له يدًا
مع الأغيار مهما آل إليه الأمر , وأن لا يخرج عن رسم الطاعة لجلالة المتبوع
الأعظم ملجأ الخلافة العظمى الإسلامية , وأراه وخامة العاقبة إذا لم يسلك طريق
السمع والطاعة والخضوع لإرادة سلطان الحرمين الشريفين , وبين له من التبيان
وأوضح له من الدلائل بتنويع القول وتكرار النصائح ما أقنعه بأن الدولة العلية
تتلقى خضوعه لها بالقبول , وقد رأيت ثمرتها بقبوله لها وامتثاله إياها , فأخذ عبد
العزيز بن سعود يسلك طريق الاسترحام من جلالة متبوعه الأعظم بكمال خضوع
وتذلل وطاعة واستعطاف ودخالة بعدم الأمر بسوق العسكر عليه , وأن لا يطلق
عليه ولا على عشائره عنوان العصيان لأنه متعقد بكل المطالب , سامع ومطيع
لجميع الأوامر , وإليك ما وصلنا من نصوص تلغرافاته التي قدمها إلى الأعتاب
الملوكانية بواسطة وبلا واسطة كما تلقيناها من مصدر موثوق به (انظروا
لمنصوص تلغرافات عبد العزيز) وهي واصلة طيًّا , وأما حضرة الفاضل الشيخ
جاسم الثاني فإنه ما اكتفى ببث النصيحة لعبد العزيز حتى أشفعها كذلك بعريضة
خطية لحضرة والي ولاية البصرة , وأخرى تلغرافية إلى الأعتاب السلطانية
بواسطة الوالي وبواسطة مجلس الوكلاء الخاص وواسطة الكاتب الأول في المابين ,
وواسطة سماحة أبي الهدى أفندي , وهذا نصهما كما تلقيناهما من مصدر موثوق.
(انظروا عريضتي الشيخ جاسم الثاني) .
فأملنا ورجانا من حضرتكم نشر جميع التلغرافات والعرائض مع ما يتعلق
بخصوص حضرة الشيخ جاسم الثاني ونصائحه في مجلتكم الغراء مع ما يبدو
لفكركم السامي من الشرح والتعليق , وإنني أكرر الدعاء لفاطر الأرض والسماء أن
يوفق أمراء دولتنا العلية لحل هذه المشكلة حلاًّ سلميًّا لا دخل فيه لعامل أجنبي ,
وفي الختام أرجو قبولكم فائق احترامي.
(التلغراف الأول من ابن سعود)
إلى أعتاب سيدي وولي نعمتي سلطان البرين وخاقان البحرين خليفة رسول
الله السلطان المعظم السلطان عبد الحميد خان الثاني أدام الله عرش سلطنته إلى آخر
الدوران، آمين.
أقدم عبوديتي وطاعتي وداخلتي إلى الأعتاب السامية المقدسة ممتثلاً كل إرادة
وفرمان لست بعاصٍ ولا خارج عن دائرة الأمر , بل أنا العبد الصادق في خدمة
دولتي وجلالة متبوعي الأعظم أريد الإصلاح ما استطعت. قد ابتلاني سبحانه
وتعالى بشرذمة يحسدون ويفسدون ولا يصلحون. قاموا يشوشون أفكار دولة جلالة
ولي النعم ويدخلون على فكره الشريف الأوهام الواهية يريدون تفريق الكلمة
الإسلامية , وتقسيم الجامعة المقدسة العثمانية , وإلجائي إلى الاحتماء بالدول
الأجانب فحاشا ثم حاشا , عبد جلالتكم عثماني صرف أفدي السدة العثمانية بعزيز
روحي. أجمع كلمة بادية الخطة النجدية بما آتاني الله ومنحتني دولتي العلية من
النفوذ تحت راية مولانا أمير المؤمنين سلطان المسلمين السلطان عبد الحميد ,
نصره الله , لكن هؤلاء الذين يريدون تفريق الجامعة العثمانية لا يألون جهدًا في
إلقاء الدسائس حتى تمكنوا من جعل الأمر في غير قالبه , واستجلبوا لي انحراف
الرضاء العالي فساقوا عليّ العساكر الشاهانية أولاً , واسترحمت وقدمت طاعتي فلم
أوفق لإزالة الشبهة التي أدخلها المفسدون , والآن بلغني أن الحكومة السنية ساقت
عليّ عساكر غير الأولى , فأنا أضرع إلى مرحمة وشفقة وحنان وحماية وديانة
مولانا أمير المؤمنين أن لا يؤاخذني بدسيسة ألقاها المفسدون , ولا شبهة احتج بها
الحاسدون المزورون. فينظر إليّ حفظه الله بعين العدالة والشفقة والمرحمة ,
ويحقن دماء ألوف من المسلمين الطائعين الداعين بدوام عرش جلالته , وعلى كل
حال فليس لي إرادة أو قول أو فعل يخالف الرضاء العالي , وتظهر الحقيقة
بالاختبار , كما أني أسترحم من حكمة جلالة مولانا ومتبوعنا الأعظم وفطنته
السامية أن لا يروج مقاصد أرباب الفساد أعداء الدين والدولة الذين يريدون إشغال
دولتنا العلية وتشتيت عساكرها المظفرة يمينًا وشمالاً وإضعاف ماليتها , فإن لهم
بذلك مقاصد لا تخفى على سمو حكمة جلالة مولانا أمير المؤمنين , وأنا عبد صادق
خادم مطيع ملتجئ لمرحمة وشفقة جلالتكم.
١ رمضان سنة ١٣٢٢ ... ... ... ... ... عبد الدولة العثمانية
... ... ... ... ... ... عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود

(التلغراف الثاني)
إلى أعتاب سيدي إلخ
إن مرحمة جلالتكم وشفقة عظمتكم وعفو سلطنتكم أجل وأعظم من أن يمنعوا
(كذا) عن عبد صادق في عبوديته لسدة أعتابكم مثلي , قدمت جملة دخالات على
أعتاب خلافتكم السامية الإسلامية معلنًا إذعاني وانقيادي وطاعتي لإرضاء ولي
نعمتي متبوعي الأعظم , ومع هذا فلم تصدر إرادة الرحمة والشفقة بإيقاف الحركة
العسكرية الموجهة ضدي.
مولاي أمير المؤمنين , عبد جلالتكم هذا يعلم علم اليقين ما يكلف سوق
العساكر الشاهانية إلى قطعة نجد من المشاق والأضرار على الملة الإسلامية
والجامعة العثمانية , ويعلم أن المسبب لهذه المشاق والأضرار دسيسة من أعداء
السلطنة السنية يريدون تفريق الجامعة المقدسة العثمانية؛ ليدركوا مطالبهم , وأما
عبد جلالتكم هذا فسامع مطيع مسترحم عفو جلالتكم وإن لم أذنب , دخيل على
شفقتكم ومراحمكم في عفوي (كذا) إن كان صدر مني ذنب , وحقن دماء ألوف من
المسلمين من عبيدكم الطائعين الداعين بدوام عرش السلطنة الحميدي , وحاشا حكمة
جلالتكم أن تصغوا بعد ذلك لزخارف دسائس أرباب المقاصد المفسدين , هذا
عرضي واسترحامي , والفرمان العلي الشأن لحضرة جلالة أمير المؤمنين.
٥ رمضان سنة ١٣٢٢ ... ... ... ... عبد الدولة العثمانية
... ... ... ... ... ... عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود
أرسل من كل واحد من التلغرافين نسخة باسم السلطان بلا واسطة , ونسخة
بواسطة باشكاتب المابين , ونسخة بواسطة مجلس الوكلاء , ونسخة بواسطة أبي
الهدى أفندي. وكذلك فعل الشيخ جاسم الثاني في تلغرافه وزاد نسخة بواسطة والي
البصرة وهو:
(تلغراف الشيخ جاسم الثاني)
إلى الأعتاب المقدسة والركاب المحروسة السلطانية , أيد الله سرير سلطنته
بالعز والنصر، آمين.
إن عبوديتي وصدقي وإخلاصي وصداقتي وغيرتي وحميتي لا يدَعوني أن
أترك النصح لديني ودولتي وسلطاني سواء صادف قبولاً أم لا , فقد سبق من هذا
العبد الصادق العرض بعدم تنسيب سوق العساكر الشاهانية على ابن سعود , وأن
الأمر دون ذلك , حيث إن المشهور والمعروف من سياسة وحكمة مولانا أمير
المؤمنين خليفة رسول رب العالمين - نصره الله وأيده - المرحمة والشفقة لعموم
التبعية السلطانية , وأن ليس في طبعه الشريف اتباع آراء أرباب المقاصد
والأغراض الذين لا يقدرون عواقب الأمور حق قدرها , والذين لا يهمهم إلا
منافعهم الشخصية، على أنه ليس هناك سبب يستوجب سوق العساكر المنصورة
على ابن سعود سوى العداوة السابقة الثابتة بحكم الطبيعة بينه وبين الأمير ابن
رشيد , وإن الأمير ابن رشيد وجد من يساعده على مقاصده من أرباب الأطماع ببذل
النقدين حبًّا للانتقام , وقد أعرضت بلسان الصدق والصداقة واسترحمت عدم
سوق العساكر الشاهانية على ابن سعود , وإن كل مطلب ومقصد يحصل بدون أن
تطلقوا على نجد وأهلها اسم العصيان الذي يكلف الحكومة السنية من المشاق
والمصاريف والخسائر ما هي غنية عنها بدون فائدة , على أن ابن سعود ليس
بعاصٍ ولا خارج عن رسم الطاعة. نعم إن الذين أدخلوا في أفكار مولانا أمير
المؤمنين سوء قصد ابن سعود وأن منه الخطر على نجد وما يليها هم أعداء
الدولة والملة الذين يريدون تفريق الكلمة , حيث إن أمثال هؤلاء لا يستفيدون
نقدًا وجاهًا وموقعًا إلا بإحداث مثل هذه المشاكل والقلاقل كما فعلوا في غير هذه
القضية وكما فعلوا في مبادئ مسألة الكويت وقد عرضت أفكاري عند حدوث كل
حادثة , والآن قد بلغني أن الدولة العلية - صانها رب البرية - قد عزمت على
إظهار عساكر مرة ثانية لنجد , وحيث إن هذا القصد مبني على أوهام لا وجود
لها؛ أتيت أعرض ما يجب عليّ ذمة ودينًا من أداء النصيحة بأن سوق العساكر على
نجد وأهلها ليس فيه صلاح ولا منه فائدة , وأجل الفائدة وأعظم الفوز بجمع
الكلمة الإسلامية العثمانية. وأهل نجد بالتحقيق ما خرجوا عن هذه الدائرة , ولا
صدر منهم سوى احتلالهم وطنهم بحكم المشيخة والرياسة حسب القواعد العربية ,
وحيث إن الذي كان مترئسًا فيها ابن رشيد قام هو ومن هو مساعد له وعلى شاكلته
يدخلون الأوهام على الحكومة السنية , وليس عندهم إلا حب الانتقام بدون
مصلحة ولا فائدة , والأولى والأصلح أن ينذر ابن سعود وكبار نجد وعلمائه
بالنذر ويبلغوا البلاغات المقتضية سياسة , ويوعظوا بالحكمة والموعظة الحسنة ,
فإن أذعنوا وأطاعوا لإرادة سلطانهم وخليفتهم فنِعمَّ ذلك وهو المقصود , وإن أبوا
وعصوا فذاك آخر علاج. على أنه قد بلغني أن ابن سعود قد استرحم مرارًا بأن
الحكومة تشكل لجنة لتحقيق أحواله وأحوال ابن رشيد وكف الطرفين، وذلك أولى
وأصلح وأحقن لدماء المسلمين وأفود للدولة العلية , وعلى كل حال استرحم
باسم العدالة والصداقة والحمية أن يصرف النظر عن سوق العساكر , وتنظر الدولة
العلية في الأمر بجعل مشايخ نجد مأمورين رسميين لا فرق بين ابن سعود وبين ابن
رشيد , كما أني أسترحم أن لا تجعل نصيحتي هذه في زوايا الإهمال , والأمر
والفرمان لحضرة من له الأمر.
٨ رمضان سنة ١٣٢٢ العبد الصادق قائمقام قضاء قطر ورئيس عشائرها وقبائلها.
... ... ... ... جاسم الثاني
(كتابه لوالي البصرة)
(لجناب والي ولاية البصرة الجليلة صاحب الدولة مخلص باشا الأفخم)
يقتضي على كل عبد صادق صاحب وجدان وغيرة وحمية لدينة ودولته
وسلطانه عند حدوث كل مشكلة سياسية في داخل الممالك المحروسة - أن يعرض
فكره ونصيحته لأولياء الأمور عساه أن يصادف قبولاً ويوفق لأداء واجب الخدمة
بالنصيحة , فإنه لا يخفى على دولتكم حدوث القلاقل والمشاكل في قطعة نجد بين
الأمير ابن رشيد والمترئس في وطن آبائه وأجداده عبد العزيز بن سعود حتى تحول
نظر أرباب الحل والعقد من أمراء ومأموري الدولة العلية إلى هذه المسألة فلبست
غير قالبها الحقيقي , فجعلوها محوجة للتداخل العسكري , ويقينًا أن ذلك غير موافق
للرضاء العالي , فإن رضاء أمير المؤمنين حفظه الله ونصره في حل كل مشكلة
حلاًّ لا يخالطه وجود غائلة , ولا يلجئ الدولة لتكبد المشاق والخسائر وإهراق دماء
ألوف من المسلمين , فإن كل حادث لا يحوج حقيقة إلى التداخل العسكري إذا
صارت فيه المداخلة بادئ بدء؛ كانت نتائجه غير محمودة , وموجب للتلف وتكبد
الخسائر والمشاق وإهراق دماء المسلمين , وفي النهاية لا تأتي بفائدة , ولا تنتج
نتيجة حسنة , وما ذلك إلا الخطأ السياسي يتبع , ونحن جماعة المسلمين لنا شريعة
إلهية تنهانا عن تفريق الكلمة وتأمرنا بتوحيدها والطاعة الكاملة بجميع معناها لخليفة
رسوله أمير المؤمنين بنص: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال:
٤٦) نعم إن مَن دأبه بذر حب الشقاق والتفرقة بين جماعات المسلمين يجدون لهم
عند حدوث كل حادث بابًا واسعًا من الأوهام يدخلون فيه على متبوعهم الأعظم
ليجروا الأمور على غير وفق الرضاء العالي لينالوا بذلك مركزًا وثروة , وليس
قصدي من هذه بيان مساوي بعض الأمراء والمأمورين , بل قصدي أداء ما يجب
عليّ ذمة وحمية وديانة من أداء النصيحة ببيان لزوم حل هذه المسألة حلاًّ يوافق
للمصلحة بدون إحداث مشاكل أصعب مما هي فيه الآن وذلك امتثالاً للشريعة الإلهية
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ} (النحل: ١٢٥) فيلزم على
من هو مثل دولتكم حائزًا هذا المقام متصفًا بالصفات الحميدة أن يجعل كل اجتهاده
في حل هذه المسألة حلاًّ يوافق للمصلحة الحاضرة وذلك بطريق الإصلاح بين
الفئتين المتشاجرتين بدون مساعدة أحد الطرفين على الآخر حتى لا يوجب له
المروق عن الطاعة حقيقة وفعلاً , وذلك بأن يكف الفريقان كفًّا قطعيًّا عن إحداث
القلاقل وإلزام كل منهما الراحة والسكون , وإن كان ثمة اشتباه من ابن سعود وأمره؛
أعطى التعليمات اللازمة , وأنذر الإنذارات المقتضية. فإن أذعنوا وأطاعوا فلا
تبغوا عليهم سبيلاً , وإن عتوا وعصوا فسوق العساكر آخر علاج تستعمله الدولة
لإخضاع الرعايا. على أن ابن سعود طلب هذا الأمر مرارًا، وبحجة التوهب أدخل
أرباب الأغراض على الحكومة السنية الأوهام , ومنعوها من استعمال الرفق الذي
هو أوفق للمصلحة , ومع هذا فإني مقدم للأعتاب الملوكانية ولمجلس الوكلاء
الخاص تلغرافًا هذه صورته أقدمها لفًّا لتعرض أيضًا بواسطة دولتكم عساه أن
يصادف قبولاً فأفوز بخدمتي لديني ودولتي ومتبوعي الأعظم خليفة رسول رب
العالمين نصره الله وأيده , وعلى كل حال الأمر والفرمان لحضرة من له الأمر.
٨ رمضان سنة ١٣٢٢
(العبد الصادق المخلص قائمقام قطر ورئيس عشائرها وقبائلها جاسم الثاني)
(المنار)
نشرنا هذه الرسائل بنصوصها , وقد علم أن رأينا حصر المصلحة في إقرار
ابن سعود على إمارة نجد الموروثة له , وأن لا تفعل الدولة العلية في بلاد العرب
ما يزعزع ثقتهم بها , وإذا وثق بها أهل نجد سهل عليها حل عقدة اليمن، كذا
عقدة الكويت والله الموفق.
* * *
(فتنة اليمن)
شاع من مدة أن حميد الدين مدعي الإمامة في اليمن قد توفي , وكان يُظن أنه
هو الذي كان يثير الناس على الدولة , ولكن الفتنة قد عظمت من بعده وقد
استفاضت الأخبار بأن الثائرين في اليمن قد استفحل أمرهم حتى إنهم حاصروا
صنعاء عاصمة الولاية. ويؤيد هذه الأخبار ما جاءتنا به أخبار سوريا من اهتمام
الدولة بجمع عسكر الرديف الذي لا يجمع عادة إلا في الحروب العظيمة لأجل اليمن
بضرب القرعة العسكرية قبل أوانها. وقد كانت الدولة وفقها الله تعالى في غنى عن
هذا كله لو أحسنت الإدارة والسياسة هناك , فإن الأهالي لا يثورون إلا من الظلم
والضيق وسبب الظلم أن عمال الحكومة هناك أكثرهم من الأشرار الذين أرسلوا إلى
اليمن عقوبة لهم وتأديبًا , ثم إنهم يكلفون بجمع المال وإرساله إلى الأستانة ولا
يسمح لهم أن يأخذوا رواتبهم منه إلا في كل عدة أشهر مرة فيضطرونهم إلى الظلم
والرشوة والنهب. والطريقة المثلى لذلك أن تختار الدولة جميع العمال لتلك البلاد
من أهل العلم والدين، وتعهد إليهم بأن يحكموا بالشريعة دون القوانين، وتعطيهم
رواتبهم في كل شهر وتعاقب من يشذ منهم أشد العقاب. ثم يجتهد في عمران تلك
البلاد التي كانت لها مدنية لا تضارعها في وقتها مدنية.
* * *
(أريحية التساهل والوفاق)
يتوهم المتحمس للدين المتعصب له ببغض المخالفين أن من ليس على دينه
مباين له في خلائقه وصفاته البشرية , فإذا رأى منه عملاً صالحًا أو برًّا بأهل دين
آخر أو علامة من علامات الصدق والإخلاص التمس لما يرى ضروبًا من التعليل،
فإن لم يهتدِ إلى العلة والسبب جعله من مواطن العجب، وذلك للجفاء والمقاطعة
بين أبناء الملل , فإن الذين يعاشرون الناس ويختبرونهم يعلمون أن الناس - كما
ورد في الحديث - معادن خيارهم جاهلية خيارهم إسلامًا، فما من أمة إلا وفيها
الخيار والأشرار وأهل التعارف والتآلف، وذوو التناكر والتخالف.
وقد اجتمع في جنيف عاصمة سويسرة في صيف إحدى السنين ألفاف من
الأوربيين والأمريكيين , وكان هناك أحد فضلاء المصريين فلما طالت عشرتهم له
مدة الصيف ورأوا من تدينه وآدابه ما رأوا؛ قالت امرأة غالية في دينها: ما كنت
أظن قبل أن أرى هذا الرجل أن الطهارة والتقوى توجد في غير المسيحية.
ولا شك أنَّ العارفين بالنصرانية من المسلمين والعارفين بالإسلام من النصارى
يعتقدون بأن كلاًّ من الدينين يأمر بالبر والإحسان إلى كل الناس. ومن أحكام الفقه
عند المسلمين أنه يجب عليهم شرعًا إذا اضطر الذميّ أن يواسوه بما يزيل اضطراره
وأنه يستحب الإحسان عند عدم الاضطرار إلى جميع المحتاجين.
وإنما كان منشأ التعصبات والتحزبات والتباعد والتفريق بعض رؤساء الدين
والدنيا لمآرب لهم في ذلك. وقد رغب إلينا غير واحد من المتعصبين بأن نسكت عن
تنبيه المسلمين على تقصيرهم وتنفيرهم عن سيئاتهم , ونستبدل بذلك الرد على
النصارى , وما غرض أكثرهم إلا التلذذ والتشفي دون المنفعة للمسلمين والإيذاء
لغيرهم لأن الانتقاد هو دائمًا ينفع ولا يضر , والنهي عن المنكر يفشو في المسلمين،
فرض إذا لم يقم به أحد كان جميع العارفين الساكتين من الفاسقين. وكذلك رد ما يثير
الشبهات في الدين واجب , ولولا تصدي المبشرين من البروتستنت لنشر دعوتهم بين
المسلمين لما كتبنا في هذه الموضوعات خلافًا لبعض الجرائد التي تريد من التنديد
بالمبشرين إرضاء متعصبي المسلمين لمنفعتها، فلا ترد شبهة بل تثير الفتنة، على أن
هذه الدعوة تنفع المسلمين ولا تضرهم. وقد نبهنا على هذا
مرارًا.
وغرضنا في هذه النبذة أن نبشر أنفسنا بوفاق حسن في مستقبل قريب رغمًا
عن أنوف مثيري الفتن من المتعصبين , فإن تقارب العقلاء في هذا الزمن
وشعورهم بحاجة بعضهم إلى بعض وما يسبق إليه أهل البر من كل فريق - له تأثير
حسن في نفوس الأمة , ولو كانت الجرائد تنوه بإحسان مثل المرحوم أحمد باشا
المنشاوي على جميع طوائف النصارى واليهود وتذكر ما فيه من داعية التأليف،
وتبرع مثل الخواجات سمعان للجمعية الخيرية الإسلامية بمثل ذلك - لكان الأثر أقوى
والاعتبار أعم , فمثل هذه الأعمال لا يصح أن تغفل عند التنويه من هذا التنبيه.
وقد شهدنا من مدة قريبة أريحية من هذا القبيل هي كبيرة في معناها وإن
رؤيت صغيرة في صورتها , وذلك أن صديقنا نسيم بك خلاط أحد وجهاء النصارى
وفضلائهم في طرابلس الشام قدم إلى القاهرة في الشهر الماضي فزار الشيخ محمد
عبده في معهد الإفتاء بالأزهر وكان لا يعرفه إلا بآثاره , وذكر في حضرته أنه قرأ
رسالة التوحيد وأعجب بحقيقتها وبلاغة عبارتها , وذكر من إعجاب فضلاء
السوريين بها وتعلقهم بالأستاذ. وكان في المجلس جماعة من علماء الأزهر فقال
أحدهم لنسيم بك: هل اشتهرت رسالة التوحيد عندكم حتى قرأها المسلمون وغيرهم؟
فقال: نعم , ولها حظها من حسن الذكر والإعجاب كما أن جميع الطوائف عندنا
تجل سماحة الأستاذ وتعشق مشربه في الإصلاح والتأليف بين الطوائف الذي نحن
في أشد الحاجة إليه ولا نجاح لنا بسواه. قال العالم: لكنني أخبرك بخبر ربما
تعجب له وهو أن بعض علماء الأزهر لما يقرأ هذه الرسالة. فنال من البيك العجب
وقال: إني أتبرع بخمسين نسخة من الرسالة توزع على الأذكياء الفقراء. ثم إنه
أمضى ذلك التبرع بالفعل، فكان له من حسن التأثير عند المفتي وسائر العلماء ما
يستحقه.
لا جرم أن نمو هذه الأريحية فينا هي التي تقرب بعضنا من بعض وبأمثال
هؤلاء الرجال يغلب فضلاء المصلحين عصائب المفسدين المفرقين، الذين لا
تجمعهم لغة ولا جنسية ولا قانون ولا دين، بل اخترعوا لهم وطنية بالبهتان، لا
يشهد لها شرع ولا برهان، وإنما أساسها الأهواء، وابتزاز الدراهم من الدهماء.
* * *
(ترجمة الشنقيطي)
لم نتمكن من كتابة ترجمة فقيد العلم واللغة الشيخ محمد محمود الشنقيطي لأنها
تتوقف على رؤية بعض آثاره في كتبه التي تودع في دار الكتب الأميرية ولما يتم
ذلك.
* * *
(كتاب ليون تولستوي إلى القيصر)
كتب هذا الفيلسوف الشهير كتاب نصيحة إلى القيصر خاطب فيه ذلك العاهل
المطلق في ذلك الملك العظيم بقوله: (أخي العزيز) . وقد بين له فيه السيرة
السوءى التي عليها الحكومة الروسية , ونصح له بأن يتنزل من سماء عظمته إلى
أرض المملكة ويتعرف حال العمال والفلاحين ويرفق بهم , ويهب الأمة حرية
التعليم والاعتقاد والانتفاع بالأرض بإلغاء حق ملكية الحكومة لها وإباحتها للأمة
وحل عقدة مسألة العمال، ومما قاله في كتابه:
أخي العزيز: ليس لك إلا حياة واحدة فوق هذه الأرض، فإن شئت قضيتها
سدى في إيقاف حركة الإنسانية وانتقالها من الضار إلى النافع ومن الظلام إلى النور
وهي حركة قضت بها حكمة الله تعالى وجرت بها سنته، وإن شئت قضيتها بهدوء
وتقى في خدمة الله والناس بأن تعرف حاج الأمة ومطالبها فتوقف حياتك على
قضائها.
وقد ترجمت هذا الكتاب بعض الجرائد الأوربية والمصرية , وأعجب به
الناس ولم يقل أحد منهم: إن ذلك العالم قد أساء إلى دولته وسلطانه أو أمته، بل
يرون بلادًا فيها مثل هذا العقل وهذه الإرادة جديرة بأن تنهض فتزيل من بلادها
حكم الاستبداد وتلحق بالأمم العزيزة. وأما الذين يعشقون العبودية والاستخذاء، فهم
بعيدون عن أسباب الارتقاء.
* * *
(سقوط ميناء أرثر)
قد أقام الروس في هذا الموقع الحربي البري البحري من الحصون والقلاع
والمعاقل ما لا يعرف له نظير في غيره، فكان حصار اليابانيين له أليمًا شديدًا , ولكن
الحزم والعزة والثبات من العالم القوي لا يقف أمامها شيء فقد كانوا يلغمون الأرض
وينسفون الحصون حتى اضطرت الحامية الروسية إلى التسليم مع أن عندها من
المؤنة والذخائر ما يكفيها للمقاومة مدة لا تفيد إلا سفك الدماء عبثًا , فكان لهذا
التسليم وقع عظيم في العالم ارتفعت به مكانة اليابان الحربية، من حيث خفضت
منزلة الروسية، وبهذا زاد اليابانيون حماسة وإقدامًا على الحرب وظهرت بوادر
الثورة في روسيا، فقام المتعلمون يهيجون العمال، حتى اعتصبوا على ترك
الأعمال، والأمة تطلب الآن ترك الحرب والحرية العامة وما أدراك ما الحرية
العامة؟ هي إزالة العبودية، والارتقاء عن البهيمية إلى التمتع بالمزايا الإنسانية.