المنشور الذي نشره في القبائل بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا إنه من عبد ربه سبحانه أحمد بن السيد محمد الشريف بن السيد علي السنوسي الخطابي الحسني الإدريسي إلى كل واقف عليه من عموم المسلمين خصوصًا البلاد التي استولى عليها أعداء الدين. الحمد لله العزيز الجبار، والصلاة والسلام على من أطال عز الدين بالبتار، وعلى آله الأنصار، القائمين بواجب {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ} (التوبة: ١٢٣) الصادقين ما عاهدوا الله عليه، الذائقين من حلاوة الشهادة ما أحبوا مفارقة النعيم المقيم للرجوع إليه. أما بعد إهدائي أطيب السلام، والدعاء لثبات الإقدام بثبات الأقدام، اعلموا {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} (التوبة: ١١١) ، {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ} (التوبة: ١١١) وجاهدوا متخذين نصره سيفًا وولايته جُنَّة، واسمعوا ما نبهكم به على الوفاء بتسليم المبيع من الوعد بالربح الجسيم، في قوله: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ} (الصف: ١٣) واحذروا ما توعدكم به المماطل من العذاب والتدمير في قوله: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *} (التوبة: ٣٨-٤٠) . واعلموا أن الأجل محتوم، فما خائض المعركة ميت إلا به، ولا القصور المشيدة مانعة ملائكة الموت عن ساكنها، فما أصاب لم يكن ليخطئ، وما أخطأ لم يكن ليصيب، على أن الموت في الجهاد هو منتهى أرب اللبيب، إذ هو الحياة الحقيقية، وكمال المنزلة بالرزق في مقام الحضرة الربانية، فلهذا آثره من ينفرد في الدنيا بعز الخلافة على ما هو فيه، فكيف بمن به يكون خلاصه من أسر الأعداء وسبيهم نساءه وأولاده وما يحميه. واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، وأن الشهيد لا يجد الموت إلا كالقَرْسِ لما هو به مشغوف، يجد ريح الجنة، وتتراءى له الحور إذا أثخن. وقد قال (أنس بن النضر) في وقعة أحد (واهًا لريح الجنة. إني لأجد ريحها دون أحد) ثم انغمس في المشركين حتى قتل. ولا تصدنكم عن جهادكم كثرة عدد ولا عدة، فإن قوة الإيمان يتلاشى في جنبها كل عدد، فجموعهم المعسكرة مكسرة، وعزماتهم المؤنثة مصغرة، وإن كانت ذواتهم مذكرة مكبرة، وقد وعد الله ناصره بالنصر والتثبيت، والعدو بالتعس والتشتيت، ولا ترتدُّوا على أدباركم، لضعف من بعض أمرائكم، فإن المرء لو جاهد لله وحده، لصدق وعده، وأعز جنده، بل جاهدوا ولو فرة، واثبتوا ولو مرة، فقد كان في الغزوات، يتداول الرايات الجماعات، كلما حيي أمير أخذها الآخر لينال المرام، وفى الحديث الحث على الجهاد مع كل إمام، فلا تنكسرن قلوبكم لقلة عدد، ولا تجبنوا لضعف مدد، بل ليقاتل أحدكم ولو وحده، منتظرًا بالنصر وعده، فقد قال تعالى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} (البقرة: ٢٤٩) والأحاديث في الترهيب من ترك الجهاد والترغيب فيه لا يحاط بها كثرة، من الأول (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا يُنزع عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) أي الواجب عليكم من جهاد الأعداء والإغلاظ عليهم وإقامة الإسلام ونصرة الدين وآله وإعلاء كلمة الله وإذلال الكفر وأهله. ومنه (إن ترك الجهاد خروج عن الدين) إذ لا يرجع إلى الشيء إلا من خرج عنه. هذا في الجهاد الكفائي فكيف بالجهاد الذي تعيَّن بمفاجأة العدو [١] . وإذا كان القاعد عنه خارجًا عن الدين فكيف بمن يبايع الكفار بحُطام على قتال المسلمين وكتابة نفسه في جندهم. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من غزا غزوة في سبيل الله فقد أدى إلى الله جميع طاعته {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً} (الكهف: ٢٩) قال: قيل يا رسول الله بعد هذا الحديث الذي سمعناه منك من يدع الجهاد: (قال: من لعنه الله وغضب عليه وأعد له عذابًا عظيمًا. قوم يكونون في آخر الزمان لا يرون الجهاد، وقد اتخذ ربي عنده عهداً لا يُخلفه: أيُّما عبد لقيه وهو يرى ذلك أن يعذبه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين) وفى مسلم (من مات ولم يغزُ ولم يحدِّث نفسه مات على شعبة من النفاق) ومن الثاني قوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله أي الناس أفضل (مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله) وفيه أنهم قالوا يا رسول الله: ما يضحك الرب من عبده؟ قال (غمسه يده في العدو حاسرًا) وفيه (إن درجات المجاهدين إلى مائة درجة في الجنة ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض) . فالله الله عباد الله، خلصوا أنفسكم وأعراضكم من أيدي الكفار، واغسلوا يا ذوي الهمم ملابس مروءتكم من العار، وجاهدوا بالأنفس والأموال، فدرهم الجهاد بسبعة آلاف، وكونوا كرجل واحد في التعاون والائتلاف، وأبشروا بنصر من الله وفتح قريب فما أمر بالجهاد إلا ليهدي السبيل ولا حرَّك الألسن بالدعاء إلا ليجيب، ولا تقر نفس منكم قرارها، حتى تضع الحرب أوزارها، وليكن همُّ كل منكم وهواه قتالهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. فالمثابرة المثابرة فما هي إلا القليل , وإن قيل إنهم {قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} (آل عمران: ١٧٣) فهم عما قليل مدحورون، وهذا إبان إعطاء جميعهم الجزية عن يدٍ وهم صاغرون فلا يوجبن لكم -ما المسلمون فيه الآن- جبنًا ولا تقصيرًا، فالله ولي الذين آمنوا {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} (النساء: ٤٥) واصبروا فإن الفرج قريب، وإني إن شاء الله قادم إليكم عن قريب، وعليكم منا أتم السلام.