للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مراقبو الجرائد في سوريا
كتب إلينا بعض المشتركين في جريدتنا من أهل دمشق الشام في٣ ربيع الأول
ما نصه:
احتجب المنار عنا بضعة أسابيع، ونهار أمس الخميس وزع منه العدد المؤرخ
في ٢٣ صفر، وكان حقه أن يوزع يوم السبت غير أنه بقي خمسة أيام في حجرة
المراقب في دمشق ليفحص فحصًا ميكروسكوبيًّا على طريقة باستور وكوخ، فيحلل
حبره وورقه، وتعرف الأجزاء المركب منها، والألياف المؤلف منها الورق إلخ،
وإلا فما معنى حبسه خمسة أيام بلياليها. نعم، إن للدولة حقًّا في منع الجرائد
المضرة المعادية للدولة والملة من الدخول إلى بلادها، غير أن المراقبين في دمشق
وبيروت قد أساءوا إلى استعمال وظائفهم بسبب جهلهم وغرضهم اللذين لا يفرقون
معهما بين الغث والسمين، والهجان والهجين، فيمنعون مثل جريدة المنار العثمانية
البحتة، المتفانية بحب الدولة والأمة، وكثيرًا ما منعوا الجرائد العلمية، أو قطعوا
منها صحفًا معدودة، مما لا موجب لمنعه سوى جهلهم المركب، وغرضهم الدنيء،
وأغرب من هذا اختلاسهم الكتب والجرائد التي يستحسنونها. قال بعضهم: وردت
لي رسالة في التوحيد، فضبطت في بيروت. وقال غيره: وردت لي جريدة
تصويرية فضبطت أيضًا، ولا موجب لضبطهما سوى طمع المراقبين فيهما
للحصول عليهما مجانًا، وأغرب من هذا وذاك أن عددًا معلومًا من جريدة معلومة
يراقبه المراقب البيروتي، ويأذن بتوزيعه، ولما تصل الأعداد إلى المراقب الدمشقي
يأمر بضبطها وعدم توزيعها على المشتركين في دمشق؛ لأن رأيه في ذلك يخالف
رأي البيروتي، وقد تدخل الجريدة الآستانة العلية والقدس - مثلاً - عن طريق يافا،
وولاية حلب عن طريق إسكندرونة، ثم تمنع عن بيروت وسورية للسبب نفسه،
والمراقب البيروتي أشد جهلاً من الدمشقي، فقد بلغني أنه لا يعرف من القراءة
والكتابة غير النزر اليسير، فيستعين بأعوانه الذين هم أشد جهلاً منه، وكلاهما
عقبة كؤود في سبيل المعارف، وضرر محض على الدولة وماليتها، يفعلان ما
يفعلان إما جهلاً أو لغرض أو ليظهر لأولياء الأمور أهمية مأموريتهم ولزومها غير
عالمين بما ينجم عن ذلك من الأضرار المادية والمعنوية، فقد هجر كثيرون من
الناس البوستة العثمانية، وصاروا يبعثون رسائلهم مع البوستات الأجنبية التي لا
تصل إليها أيديهم، وقد ترد صحبة هذه البوستات جرائد ومطبوعات، مما هو
ممنوع حقيقة، فيدخل البلاد بسلام وأمان، ويحجز المنار وأمثاله.
تلك حقائق أكتبها إليكم لتنشروها في جريدتكم حرصًا على المصلحة العامة،
وأظن أنها لا تؤثر بهؤلاء المراقبين الذين لا يبالون بما يفعلون وما يجلبون من
الضرر على البلاد والعباد، فعسى أن ترفعوا الشكوى عليهم للمراكز العالية في
الآستانة العلية، فالحق لا يحرم نصيرًا، وغاية ما نرجوه استبدالهم بغيرهم وإراحة
الناس من شرهم وجهلهم، وبالله التوفيق.
(المنار)
إن جريدتنا لم تمنع إلا في ولايتي بيروت والشام، وإن الرسائل ترد إلينا من
نواحي السلطنة بالثناء على صدقها في خدمة الدولة العلية والسلطان الأعظم، بل
جاءنا من الآستانة أن من عظماء المابين من يخصها بالثناء الفائق، فنستلفت أنظار
صاحبَيِ الدولة والي سوريا ووالي بيروت المعظمين أن يعهدوا بمراقبة الجرائد
لبعض أهل الفضل والاستقامة الذين ينهاهم علمهم ولا تسمح لهم أمانتهم أن يؤذوا
أرباب الجرائد والكتب بغير ما اكتسبوا، ويحرموا الأمة من كثير من المعارف،
ويحملوا أعداء الدولة على رميها ببغض المعارف والتضييق عليها من غير تزييل
بين ما ينفع وما يضر، وإن لم يسمع نداؤنا في هذه الكرة فإننا نرفع ظلامتنا لأعتاب
سيدنا ومولانا السلطان الأعظم، ونبين لجلالته أنه لا ذنب لنا إلا اختصاص مولانا
بالثناء والصدق في خدمة دولته العلية، والنصيحة للأمة مع انتمائنا للعلم وانتسابنا
للعترة الطاهرة النبوية، كأنه يثقل على مراقبي جرائد سوريا أن يكون مثلنا خادمًا
لدولته وأمته، راضيًا مرضيًا عند إمامه وسلطانه [*] (وعسى أن يكفينا الأمر هذان
الواليان الجليلان خدمة للحقيقة، ونكون لهما من الشاكرين) .