الشيخ عبد الرحمن الشربيني شيخ الجامع الأزهر مشهور بالتقشف والزهد والعزلة والإعراض عن أهل الدنيا، ولما ذهب إلى الإسكندرية لوداع الأمير قبل سفره إلى أوروبا في الصيف الماضي ذكرت جريدة المؤيد من خصائصه أنه لم ير الإسكندرية قبل هذه المرة، ولم يحضر الاحتفال بمحمل الحج أي ولا الاحتفال بنقل كسوة الكعبة، وقد لهج الناس يومئذ بما كتب المؤيد فمنهم من قال: إن هذا ذم لا مدح ومنهم من توقف في الحكم، ذلك أن من الناس من يظن أن الاحتفال بالكسوة والمحمل من شعائر دين الإسلام، ويظن أن حضور العلماء فيه هو من آيات ذلك وإلا لأبوا وأنكروا. والحق أن امتناع الشيخ الشربيني لم يكن إلا لاعتقاده بأن حضور ذلك الاحتفال حرام، وإننا نورد هنا بعض نصوص فقهاء مذهبه في ذلك. قال البجيرمي على الخطيب: والكسوة المعروفة حرام لاشتمالها على الفضة (قال) والحرمة هنا عدها البلقيني من الكبائر وقال الأذرعي: إنها من الصغائر وهو المعتمد، وقال: ويحرم زركشة أستار الكعبة من الفضة، ومثلها في حرمة الزركشة بما ذكر ستور قبور الأنبياء والمرسلين على المعتمد خلافًا للبلقيني. وإذا قلنا بحرمة ذلك فتحرم الفرجة عليه أيضًا كالفرجة على الزينة المحرمة، لكونها بنحو الحرير بخلاف المرور عليها لحاجة، وامتناع ابن الرفعة من المرور أيام الزينة كان ورعًا كما قاله الرملي. ولو أُكره الناس على الزينة المحرمة لم يحرم عليهم، وهل يجوز التفرج عليها حينئذ، الذي يتجه المنع؛ لأن ستر الجدران بالحرير حرام في نفسه، وعدم حرمة وضعه لعذر الإكراه لا يخرجه عن الحرمة في نفسه وما هو حرام في نفسه يحرم التفرج عليه؛ لأنه رضاء به كما قاله ابن قاسم على المنهج اهـ كلام البجيرمي. ومثل ذلك في حواشي الشبراملسي على الرملي. وقال البجيرمي على الخطيب أيضًا: تنبيه يعلم من هنا، أي من الكلام على الحرير، وما يأتي في زكاة النقد أن المحمل المشهور غير جائز، ولا تحل الفرجة عليه، ولا يصح الوقف عليه، ومثله كسوة مقام إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وكذا الذهب الذي على الكسوة، والبرقع ... إلخ اهـ. ق ل على المحلى. اهـ وقال الباجوري في حواشيه على ابن قاسم الغزي: ويحرم التفرج على المحمل المعروف، وكسوة مقام إبراهيم ونحوه ونقل عن البلقيني جواز ذلك لما فيه من التعظيم لشعائر الإسلام وإغاظة الكفار وهكذا كسوة تابوت الولي وعساكره اهـ وقال الجمل في حواشيه على المنهج: ويحرم ستر الجدران ونحوها بالحرير كستر ضرائح الأولياء إلا الكعبة وقبور الأنبياء، نعم، لا يحرم ستر الجدران به في أيام الزينة بقدر ما يدفع الضرر، ويحرم المرور والفرجة عليها لغير حاجة خلافًا للعلامة ابن حجر. وعلم من هذا ومما يأتي في باب زكاة النقد أن المحمل المشهور غير جائز، ولا تحل الفرجة عليه ولا يصح الوقف عليه، ومثله كسوة مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكذا الذهب الذي على الكسوة والبرقع اهـ البرماوي اهـ. الجمل. وقال الشيخ عوض على الخطيب: وكذا يحرم تمويه كسوة الكعبة والمحمل الشريف، والتفرج عليها حرام، وكذا الزينة التي تفعل بمصر. اهـ. هذا هو المعتمد وما نقلوه عن البلقيني، ولم يحفلوا به هو رأي له مبني على شبهة واهية، وهي إغاظة الكفار، ولو جاز أن نكلف إغاظة الذميين والمعاهدين لما جاز أن ترتكب المعصية لذلك، وتعظيم شعائر الحج إنما تكون في إقامتها على وجهها في مواضعها. وقد ذكرت الجرائد في هذه الأيام أن شيخ الجامع حضر الاحتفال بنقل الكسوة فيا ليتنا نعرف هل ظهر له بعد أن صار شيخًا للأزهر خطأ فقهاء المذهب وصحة رأي البلقيني فاتبعه ليعظم الشعائر ويغيظ الكفار أم ظهر له دليل آخر على الحِل؟