للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


اختبار علم كل عارف
من ألباء أرباب المعارف

جاءنا تحت هذا العنوان، السؤال المنظوم الآتي وما يتلوه من الذيل المنثور
من حضرة الأستاذ العلامة الفاضل الذي انتهت إليه الرئاسة في علوم الحديث واللغة
وآدابها في هذا العصر الشيخ محمد محمود الشنقيطي فنشرناه شاكرين له فضله
وهو:
بسم الله الرحمن الرحيم
أسائلكم أهل المعارف من عل ... إلى السفل والنحرير ينسى ويذهل
فعمّ السؤال العرب والعجم كلهم ... وخص النصارى ذا السؤال المفصل
عن اسمين مشهورين شرقًا ومغربًا ... أتى بهما الخنذيذ الاخطل دوبل
أبو مالك القس النزاري نسبة ... ربيب النصارى الراهب المتبتل
أتى بهشام ثم بعدُ بنوفل ... خلال مديح خالد ليس يجهل
مديح فتى الأعياص خالد مدحه ... فنِعم الفتى يرجى ونعم المؤمل
فأدرج ذين ضمن بيت مهذب ... يقر له بالحسن مَن كان يعقل
(أمية والعاصي وإن يدع خالد ... يجبه هشام للفعال ونوفل)
فمن نوفل بل من هشام وما هما ... أشخصان أم جنسان؟ عن ذاك أسأل
مجاز هما أم في المديح حقيقة ... ألا فليُجب منكم عليم مبجل
فمَن كان نحريرًا أجاب مبيّنًا ... براهين من علم له فيبجَّل
ومن كان ضِلِّيلاً أجاب مموهًا ... أباطيل من جهل به فيجهل
وقال الرسول: حدثوني بعد ما ... على صحبه ألقي سؤالاً، فأجبلوا
سوى ابن أبي حفص الكبير صغيرهم ... درى، وحياء لم يجب حين هلّلوا
وقالوا لِخَير الخلق: ما هي؟ أفتِنا؟ ... وكل امرئ لم يدرِ، يعنو ويسأل
فقال النبي المصطفى: النخلة التي ... لها شبه بالمسلم، القلب مسجل
وذا في حديث الجامع الفرد عندنا ... عليه اتفاق في الصحيح المعول
فهذا الذي سَنَّ الرسول محمد ... لنا؛ لاختبار العلم شرواه نفعل
وأنشأ ذاكم؛ لاختبار علومكم ... محمد محمود الأغرّ المحجل
وسَمَّيت هذا السؤال: (اختبار علم كل عارف من ألباء أرباب المعارف) .
وعَمَّمت ُأهل المعارف من العرب والعجم؛ لعلمي بأن الله عز وجل لم يحصر
العلم في أحد الفريقين دون الآخر، بل أعطى كل عبد من عباده قِسطه منه، لكنه
فضَّل بعضهم على بعض في العلم، تفضيله بعضهم على بعض في الرزق، والعلم
أفضل الرزق؛ لأنه يُعلم به أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والسبب الحامل
على إنشاء هذا السؤال: الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، عملاً بما في
باب طرح الإمام المسألة على أصحابه؛ ليختبر ما عندهم من العلم من كتاب الجامع
الصحيح للإمام البخاري، وذلك الحديث من مكرراته المفيدة، والحامل على
تخصيص النصارى بعض التعميم أمور: أولها: كونهم أكثر جنسهم مشاركة للعرب
في لغتهم من زمن الجاهلية، وهلمّ جرّا، ثانيها: كونهم أقرب الناس مودة للمؤمنين،
ثالثها: شدة اعتناء كثير منهم في هذا العصر بتعاطي لغة العرب ووضع التآليف
فيها، رابعها: كون نصارى بيروت هم الذين رفعوا ديوان الأخطل هذا - بطبعهم
إياه - من حضيض العدم إلى أعلى طود الوجود، فلهُم بذلك الفضل على غيرهم،
والحق يقال.