للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار

أسئلة من جاوة
(س٢٤-٢٦) من صاحب الإمضاء.
الحمد لله وحده.
إلى مدير مجلة المنار الغراء السيد محمد رشيد رضا أدام الله سلامته.
سلامًا واحترامًا. وبعد:
فبما سمعنا بفضلكم وغيرتكم على الدين الإسلامي حتى إنكم خصصتم فصلاً
من فصول مجلتكم لإقناع المستفهمين - حررت هذه الأسئلة الثلاثة راجيًا من
حضرتكم أن تجيبوني عليهن ولكم عني وعن الإسلام أحسن جزاء، ولتمام النفع
أختار أن ينشرن على صفحات مجلتكم. وهذه هي:
(١) ما حكم عبيد حضرموت هل هم عبيد حقيقيون أي تمشي عليهم أحكام
العبيد في الإسلام؟ ، مع العلم أن العبيد في الشريعة هم أسرى الكفار لا غير.
والذين نحن بصددهم خلاف ذلك، ولا أخالكم تجهلون الطريقة في استعبادهم.
(٢) ما حكم الدعاء بعد صلاة التراويح والوتر؟ وهل ورد عنه صلى الله
عليه وسلم أو عن أحد صحابته رضوان الله عليه فعل ذلك؟ وما هي سننه صلى
الله عليه وسلم فيها (التراويح) ، أجيبوا بإيضاح.
(٣) ما حكم شرب الدخان (السجارة) في نهار رمضان، هل هو من
مفطرات الصائم، وما الدليل الواضح في ذلك؟ ، أجيبونا مأجورين ودمتم في حرز
الله والسلام.
... ... ... ... ... ... ... سعيفكم في الإصلاح
... ... ... ... ... ... ... عبد الله بن عبد الله بن نبهان
... ... ... ... ... ... ... ... بانفيل (جاوة)
(جواب المنار)
(٢٤) حكم عبيد حضرموت:
الحق أنني ليس عندي علم خاص بطريقة استعباد الناس في حضرموت، وقد
بينت في المنار من قبل أن المعروف من طرق الاسترقاق للسودانيين في إفريقية
وللبيض في بلاد القوقاس وغيرها كله غير شرعي؛ فإن الرق الشرعي المعروف لا
مجال له في تلك البلاد ولا في حضرموت قطعًا، فليس هناك حرب دينية ولا إمام
يسترق السبايا إذا وجد ذلك من المصلحة العامة، وإنما قد يتصوّر على بُعد أن
يوجد رقيق موروث بالتوالد؛ فإن كان يوجد عند المستعبِدين لهؤلاء الأحرار - فيما
نعتقد - حجة على استرقاقهم لا نعلمها أو رقيق موروث فليبينوا ذلك لنا لرفع التهم
الكثيرة عنهم.
***
(٢٥) صلاة التراويح والوتر والدعاء بعدهما:
المراد بصلاة التراويح صلاة الليل بالجماعة في رمضان خاصة، وصلاة
الليل مشروعة في كل الشهور، وهي تتأكد في رمضان كسائر الطاعات فيه لفضله،
ولصلاتها بالجماعة أصل في السنة؛ ففي حديث عائشة المتفق عليه أن النبي
صلى الله عليه وسلم صلَّى في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى الثانية فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلما أصبح قال: (رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا
أني خشيت أن تفترض عليكم) وذلك في رمضان. اهـ. وفيه رواية أخرى
مفصلة عند الإمام أحمد، وحديث بمعناه عن جبير بن مطعم عن أحمد
وأصحاب السنن الأربعة.
أما عدد الركعات التي كان يصليها النبي صلى الله عليه وسلم في ليالي
رمضان فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنه ما كان يزيد في رمضان
ولا غيره عن إحدى عشرة ركعة. وفي صحيح ابن حبان من حديث جابر رضي
الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم ثماني ركعات ثم أوتر. فعلم أن تهجده
ثمانٍ ووتره ثلاث فتلك إحدى عشرة.
وأما اجتماع الناس لهذه الصلاة جماعة في المساجد فقد كان في عهد عمر
رضي الله عنه، فإنه دخل المسجد فرأى الناس أوزاعًا متفرقين هذا يصلي وحده وهذا
برهط يؤمهم، فكره تفرقهم - وهو مكروه بالإجماع - فقال: إني أرى لو جمعت
هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب. ولما رآهم
في ليلة أخرى يصلون جماعة واحدة قال: نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها
أفضل من التي يقومون بها. رواه البخاري. ويعني عمر أن صلاة التهجد في آخر
الليل التي ينام عنها هؤلاء أفضل من هذه الصلاة التي يصلونها في أوله لأنها هي
المراد بالتهجد الموافق للسنة بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مفروضًا
عليه صلى الله عليه وسلم. ومراده بتسميتها بدعة أنها بهذا الشكل والوقت والالتزام
لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر بها وإن كان صلاها جماعة في بعض
الليالي. ولعل عمر رضي الله عنه كان يعلم أنه لو نهاهم عن فعلها بهذه الصفة
وأمرهم أن يجعلوا قيامهم بعد النوم لمن ينام، وفي جوف الليل أو آخره لمن لم يَنَمْ
وأن يكون في بيوتهم وهو الموافق للسُّنَّة المطّردة من كل وجه - أنهم يتركونها، فإن
لم يتركوها كلهم كسلاً تركها بعضهم ونام عنها آخرون، فتعارض عنده هذا الذي
قال إنه خير مما جمعهم عليه مع ترك هذه السنة المؤكدة ولو من البعض، أو فعلها
في المسجد مع التفرق المذموم في الشرع كما رآهم أول مرة، فاختار ما هو وسط
بين المكروه - وهو التفرق - وبين الأفضل.
وأما الدعاء بعدها أو بعد غيرها من الصلوات كما يفعل الناس في المساجد
بالاجتماع ورفع الأيدي ورفع الإمام أو المؤذن صوته به وتأمين الآخرين فهو بدعة
من هذه الوجوه كلها، ولكل أحد أن يدعو الله بما يشاء بعد الصلاة كسائر الأوقات
ولكن تخصيص العبادة بالاجتماع والصفة والوقت يجعلها من الشعائر التي تتوقف
على إذن الشارع. وليس لأحد أن يبتدع مثل هذا بالقياس على فعل عمر؛ فإن
عمر لم يبتدع عبادة جديدة ولا هيئة فيها ولا شعارًا لا أصل له، فإن النبي صلى
الله عليه وسلم صلى بالناس جماعة في بعض ليالي رمضان. ولكن الناس ابتدعوا
بعده في هذا القيام، فمنعهم عمر وكان ما حملهم عليه اجتهادًا بترجيح أقوى
العملين المتعارضين على الآخر، والاجتماع للدعاء ليس مثله إن صح أن يقاس
على الاجتهاد، ثم إن عمر من الخلفاء الراشدين الذين جعل النبي صلى الله عليه
وسلم سنتهم كسنته في حديث العِرْباض بن سارية إذ يقول: (فعليكم بسنتي وسنة
الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ وإياكم، ومحدثات الأمور فإن كل
بدعة ضلالة) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، وهو صريح
في أن سنة الخلفاء الراشدين كسنته لا تعد بدعة، وناهيك بما وافق عمر عليه
الصحابةُ رضي الله عنهم وأقروه.
وقد روى أحمد والترمذي من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: (كنا عند النبي
صلى الله عليه وسلم جلوسا فقال: (إني لا أدري ما قَدْر بقائي فيكم فاقتدوا بالذين من
بعدي - وأشار إلى أبي بكر وعمر - وتمسكوا بعهد عمار، وما حدثكم به
ابن مسعود فصدقوه) .
ومع هذا نرى الأئمة قد اختلفوا في الأفضل في قيام رمضان فقال مالك وأبو
يوسف وبعض الشافعية: الأفضل فعلها فُرادى في البيت. وذهب الجمهور إلى أن
الأفضل صلاتها جماعة عملاً باجتهاد عمر الذي أقره عليه الصحابة وجرى عليه
العمل سلفًا وخلفًا.
ولا يعد عمل المتأخرين بالاجتماع للدعاء بعد صلاة التراويح ولا ما يفعله بعض
الجماعات من الأناشيد والأذكار ومدح الخلفاء الراشدين وغيرهم من أهل البيت
والصحابة رضي الله عنهم - من ذلك، بل هو من بدع المتأخرين المقلدين،
والذي يظهر لي أن هذه البدع مانعة من كون حضورها والموافقة عليها
أفضل من صلاتها فرادى في البيت أو جماعة في أي مكان آخر مع التزام السنة.
وأن بعض المحافظين على السنة من إخواننا يصلونها جماعة ولا يزيدون على ما
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة المتقدم ولا يأتون معها ولا بعدها
ببدعة قط.
وقد ذكر العلامة الشاطبي في (الاعتصام) ما يأتيه الناس من الأذكار والدعاء
في أدبار صلاة الجماعات في قسم البدعة التي عبر عنها بالإضافية، وهي ما كان
الابتداع في صفتها أو الاجتماع لها ونحو ذلك لا في أصلها. وذكر خلاف علماء
بلادهم الأندلس فيها، وما حققه من كونها بدعة دينية غير جائزة شرعًا هو الحق،
وشبهة الدين استحسنوها ضعيفة وهي أن أصل الذكر والدعاء مشروع فلا يضر
جعله بصفة غير مشروعة كالاجتماع والتوقيت ورفع الصوت. وحسبك من بطلانها
الاعتراف بأن صفتها غير مشروعة، وأن العمل بها وإقرارها يجعلها كالشعائر
المشروعة، وأن العامة تعتقد به أنها مشروعة حتى أنهم ينكرون على تاركها ولا
سيما إذا أنكر مشروعيتها؛ فيكون ذلك اعتقاد شرع لم يأذن به الله، ويعد من
الافتراء على الله.
***
(٢٦) شرب الدخان في رمضان
ما علمت أن أحدًا من فقهاء المسلمين قال: إن شرب هذا الدخان غير مفطر
للصائم؛ ولذلك أستغرب هذا السؤال، ولا شك في أن مادة هذا الدخان تدخل في
الجوف وأنها تؤثر في شاربه تأثيرًا ينافي الصيام وحكمته، ولذلك اتفق جميع الناس
على تسمية التدخين شربًا، فشرب الدخان مبطل للصيام قطعًا.