للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تقريظ المطبوعات

(أسرار البلاغة)
ما وضع علم من العلوم وصار فنًّا مستقلاًّ يفرد بالتدوين والتصنيف إلا وأخذ
الواضعون له قواعده العامة ومسائله الكلية من المعلومات أنفسها بعد النظر في
جزئياتها بعين الاعتبار والتأمل في عللها وفي اجتماعها وافتراقها واختلافها واتفاقها
وغير ذلك من عوارضها الذاتية. ثم ما اتسعت دائرة علم وتشعبت مسائله وكثرت
فروعه إلا بمثل ذلك لأن العلم هو المرآة التي تنطبع فيها صور المعلومات على ما
هي عليها في أنفسها أو هو نفس الانطباع والمرآة هي نفس العالم. هذا هو الشأن
في العلوم الحقيقية فمن ذهب في العلم مذهب النظر الفكري المحض والبحث في
عبارات المؤلفين من غير ملاحظة المعلومات يضيع العلم ولا تَبْقَى عنده إلا
الجهالات الخيالية التي تتولد عنده من الأبحاث اللفظية أو النظرية العقيمة فتكون
على مرآة العقل كالصدأ الذي يعلو المرآة فيفسدها ويبطل فائدتها. ومن هنا يتجلى
للَّبيب أن ادعاء الفصل بين العلم والعمل باطل فلا يجوز أن يكون أحد عالمًا بفن
كذا متمكنًا منه وليس عنده معرفة بالمعلومات التي تصدق عليها مسائل ذلك العلم
وقواعده بحيث يستعملها استعمالاً صحيحًا على ما هي عليه في أنفسها.
من العلوم الحقيقية التي معلوماتها ثابتة في أنفسها ويجب أن تكون مسائل العلم
منطبقة عليها علوم اللغة مفرداتها وأساليبها , فمن لم تعرض عليه مع تعلم قواعدها
أو قبلها أو بعدها لا يمكن أن يكون عالمًا بها علمًا صحيحًا يقدر به على العمل وهو
الإتيان بالكلام العربي الصحيح قولاً وكتابة على أسلوب العرب أنفسهم وما اهتدى
العلماء الواضعون لهذه العلوم إلى وضعها إلا بعد اطلاعهم الواسع على الكلام
العربي الفصيح والنظر فيه على الوجه الذي قررناه آنفًا. فخلف من بعدهم خلف
جعلوا قواعد هذه العلوم نظرية محضة واشتغلوا بها لذاتها ثم شغلوا عنها أيضًا
بالبحث في أساليب المصنفات التي وضعت بعد فساد ملكة اللغة فأضاعوا العلم
واللغة جميعًا , وصار أحدهم يقضي عمره بمدارسة علوم العربية وبلاغتها ولا يقدر
في نهايته على فهم الكلام البليغ فضلاً عن الإتيان بمثله قولاً أو كتابة. وقد ستروا
على أنفسهم هذا الجهل بقاعدة وضعوها كذبًا من عند أنفسهم وهي (أن العلم لا
يستلزم القدرة على العمل) وفرعوا من هذا الأصل فرعًا مثله كما يبنى الفاسد
على الفاسد فقالوا: (إن فحول علماء البلاغة لم يكونوا بلغاء) ! ! !
هذا المرض العضال لا علاج له إلا الرجوع بالعلوم الإسلامية إلى الوراء
بضعة قرون والأخذ بكتب الأئمة الذين دونوا العلوم ووضعوا الفنون , ومن يقرب
منهم وهو الطريق الذي سار عليه مولانا الأستاذ الأكبر والمصلح العظيم الشيخ
محمد عبده مفتي الديار المصرية وإن خالفه فيه من علماء الأزهر من يعجز عن فهم
كتب القدماء فضلاً عن تدريسها ويثقل عليه أن يقرن العلم بالعمل لأن ما عنده من
العلم خيالات لا تهدي إلى عمل فبعد أن سعى بطبع البصائر النصيرية في المنطق
وأتم قراءته درسًا في الأزهر وجه نظره الثاقب لطبع كتب إمام البلغاء بل واضع
فنون البلاغة ومؤسسها الشيخ عبد القاهر الجرجاني (سقى الله ثراه) , ولعبد القاهر
كتابان في البلاغة مشهوران ينقل عنهما البلغاء أحدهما: أسرار البلاغة , والثاني:
دلائل الإعجاز. لم يوجد في القطر المصري نسخة من الكتاب الأول , ولكن كان
يوجد نسخة منه في طرابلس الشام فاستحضرتها بأمر الأستاذ وبعدما نظر فيها؛
رأى أن فيها غلطًا نسخيًّا وسقطًا , وعلمنا أن في بعض مكاتب الأستانة العلية نسخة
أخرى فأمر الأستاذ بعض طلاب العلم النبهاء فذهب إلى الأستانة مخصوصًا ,
وقابلها عليها فخرج لنا من النسختين نسخة صحيحة وتولى مولانا الأستاذ تصحيحها
وضبطها بعد ذلك بنفسه وأمرنا بطبعها فباشرنا بالطبع وباشر هو بتدريس الكتاب
في الجامع الأزهر فأقبل على حضور درسه مع المجاورين كثيرون من العلماء
وكبار الموظفين والكتاب والشعراء وأساتذة المدارس الأميرية.
أما عبارة الكتاب فهي في الطبقة العليا من السلاسة والمتانة وأسلوبها عربي
صريح لا عرفي مُعقَّد ككتب السعد فمن دونه , ويكثر فيها من الشواهد والأمثال
ويتفنن فيها بالوصف ويجلي المعاني بأبهج الصور وأحسنها فهو علم وعمل في آن
واحد فأجدر به أن يطبع في النفوس ملكة البلاغة والبيان , وهاك نموذجًا منه (وأما
الحصول عليه فيعلم من الإعلان الذي على غلاف المنار) قال عبد القاهر:

القول في الاستعارة المفيدة
اعلم أن الاستعارة في الحقيقة هي هذا الضرب دون الأول وهي أمَدُّ
ميدانًا، وأشدُّ افتنانًا، وأكثر جريانًا، وأعجب حسنًا وإحسانًا، وأوسع سعة وأبعد
غورًا، وأذهب نجدًا في الصناعة وغورًا، من أن تجمع شعبها، وشعوبها،
وتحصر فنونها وضروبها، نعم وأسحر سحرًا، وأملأ بكل ما يملأ صدرًا [١] ،
ويمتع عقلاً، ويؤنس نفسًا، ويوفر أنسًا، وأهدى إلى أن تهدى إليك عذارى قد
تخير لها الجمال، وعني بها الكمال، وأن تخرج لك من بحرها جواهر إن باهتها
الجواهر مدت في الشرف والفضيلة باعًا لا يقصر، وأبدت من الأوصاف الجليلة
محاسن لا تنكر، وردَّت تلك بصفرة الخجل، ووكلتها إلى نسبتها من الحجر، وأن
تثير من معدنها تبرًا لم تر مثله، ثم تصوغ فيها صياغات تعطل الحُلي، وتريك
الحلي الحقيقي، وأن تأتيك على الجملة بعقائل يأنس إليها الدين والدنيا،
وشرائف [٢] لها من الشرف الرتبة العليا، وهي أجلّ من أن تأتي الصفة على حقيقة
حالها، وتستوفي جملة جمالها.
ومن الفضيلة الجامعة فيها أنها تبرز هذا البيان أبدًا في صورة مستجدة تزيد
قدره نبلاً، وتوجب له بعد الفضل فضلاً، وإنك لتجد اللفظة الواحدة قد اكتسبت فيها
فوائد حتى تراها مكررة في مواضع , ولها في كل واحد من تلك المواضع شأن
مفرد، وشرف منفرد، وفضيلة مرموقة، وخلابة موموقة، ومن خصائصها التي
تذكر بها، وهي عنوان مناقبها، أنها تعطيك الكثير من المعاني باليسير من اللفظ،
حتى تخرج من الصَّدفة الواحدة عدة من الدرر، وتجني من الغصن الواحد أنواعًا
من الثمر، وإذا تأملت أقسام الصنعة التي بها يكون الكلام في حد البلاغة، ومعها
يستحق وصف البراعة؛ وجدتها تفتقر إلى أن تعيرها حلاها، وتقصر عن أن
تنازعها مداها، وصادفتها نجومًا هي بدرها، وروضًا هي زهرها، وعرائس ما لم
تعرها حليها فهي عواطل، وكواعب ما لم تحسنها فليس لها في الحسن حظ كامل،
فإنك لترى بها الجماد حيًّا ناطقًا، والأعجم فصيحًا، والأجسام الخرس مبينة،
والمعاني الخفية بادية جلية، وإذا نظرت في أمر المقاييس؛ وجدتها ولا ناصر لها
أعَّز منها، ولا رونق لها ما لم تزنها، وتجد التشبيهات على الجملة غير معجبة ما
لم تكنها، إن شئت أرتك المعاني اللطيفة التي هي من خبايا العقل كأنها قد جسمت
حتى رأتها العيون. وإن شئت لطفت الأوصاف الجسمانية حتى تعود روحانية لا
تنالها إلا الظنون، وهذه إشارات وتلويحات في بدائعها. وإنما ينجلي الغرض منها
ويبين إذا تكلم على التفاصيل، وأفرد كل فنٍّ بالتمثيل، وسترى ذلك إن شاء الله،
وإليه الرغبة في أن نوفق للبلوغ إليه، والتوفّر عليه، وإذ قد عرفتك أن لها هذا
المجال الفسيح، والشأو البعيد، فإني أضع لك فصلاً بعد فصل، وأجتهد بقدر
الطاقة في الكشف والبحث. إلخ إلخ.
***
(كتاب عيون المسائل من أعيان الرسائل)
كتاب يجمع في ٢٥٠ صفحة ثلاثين علمًا يذكر في كل علم تعريفه ونبذة في
اصطلاحاته ثم بعض مسائله المهمة , ابتدأه بالفنون الأدبية ثم بالعلوم الشرعية ثم
بالعلوم العقلية , وقد تصفحنا بعض صفحاته فأعجبنا تعريفه (الولي) في علم
الكلام بأنه القائم بحقوق الله وحقوق العباد فليعتبر بذلك الذين يتخيلون أن أخص
صفات الولي أن لا يقوم لأحد بحق ولا منفعة وأن يقوم الناس له بجميع حقوقه وبما
ليس من حقوقه. ومن العلوم التي أوردها تدبير المنزل والهيئة الفلكية والحكمة
الطبيعية والطب. ومؤلف هذا الكتاب هو الشريف عبد القاهر بن محمد الحسيني
المكي الطبري وقد وصف في ظهر الكتاب بأنه (إمام أئمة الحجاز) وهو قد أخذ
العلم من الأزهر الشريف ومن شيوخه الشمس الرملي والخطيب الشربيني وهذا
دليل على أن أهل الأزهر كانوا حتى القرن العاشر يقرءون العلوم الطبية والفلكية
والطبيعية التي يعاديها معظم علماء الأزهر اليوم باسم الدين مع اعترافهم بأن من
سبقهم كانوا أعلم منهم بالدين وأشد محافظة عليه! ! ! والكتاب يطلب من ملتزم
طبعه الأديب الشاعر محمد عمر أفندي الحسامي البيروتي ومن المكاتب الشهيرة.
***
(مجلة الهلال)
أعلنت هذه المجلة الغراء بأنها تصدر في عشرة أشهر من شهور السنة فقط
وتجعل شهرين من السنة راحة لمحررها الفاضل يروّض فيها نفسه بالسياحة ,
ويعوّض على المشتركين ما يفوتهم من أجزاء الهلال في الشهرين بإهداء كل واحد
منهم كتابًا من مؤلفاته. وقد زاد في قيمة الاشتراك فجعلها ستين قرشًا أميريًّا في
السنة وهو يستحق ذلك وأكثر منه فلا زال يزداد نجاحًا.