للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تاريخ دول العرب والإسلام
مؤلف هذا الكتاب هو الأديب الفاضل محمد طلعت أفندي حرب من موظفي
الدائرة السَّنية، وأحد أعضاء الجمعية الجغرافية الخديوية، وقد تم الجزء الأول منه
وطبع في المطبعة الأميرية في مصر، وهو يشتمل على تمهيد وبابين، أما التمهيد
ففي حدود بلاد العرب الأصلية، ومواطن العرب، وحاصلات بلادهم، ومساحة
جزيرة العرب وعدد سكانها، وتشوُّف الإفرنج إليها، وذكر أشهر سياحيهم الذين
دخلوها. وأما البابان فأحدهما: فيما كان عليه العرب قبل الإسلام، وفيه أربعة
فصول. وثانيهما: في العرب بعد الإسلام، وفيه فصلان.
وقد اقتبس المؤلف في هذا الباب جملة صالحة من (رسالة التوحيد) التي ليس
لها في شرح حقيقة الإسلام نظير، والكتاب مفيد في بابه على اختصاره، وهو
مطبوع على ورق نظيف، وثمنه اثنا عشر قرشًا أميريًّا. ويطلب من مكتبة الترقي
في القاهرة، فنحث على مطالعته كل ناطق بالضاد.
وإننا نورد هذه النبذة المفيدة نموذجًا منه وهي: (تشوف الإفرنج إلى بلاد
العرب وذكر أشهر سياحيهم الذين دخلوها لا سيما بلاد الحجاز) :
مَن تصفح كتب الغربيين علم أنهم متطلعون من زمن غير قريب لمعرفة
تلك البلاد، طامعون فيها، متشوفون للوقوف على حقيقة أحوالها، حيث لم يشف
غلتهم ما ذكره عن بعضها جماعة من مؤرخي اليونان والروم الأقدمين، مما لا يخلو
من النقص في مواضع والحشو والرجم بالغيب في غيرها، ولا يخفى على القارئ
اللبيب دواعي هذه الأطماع، فلكل دين طباع وعوائد وتجارة وصوالح يتمنى أن
تسود على ما سواها، وأن يتلاشى ما عداها.
وكان معظم اهتمام الفرنج باكتشاف تلك البلاد في القرن الماضي، وجاء في
كتاب الجغرافي الفرنساوي لانيه عن كلامه على بلاد العرب: أن أول من باشر
البحث عن هذه البلاد من الأوروبيين هو الألماني نيوبهر المشهور رئيس
الإرسالية الدانيمركية (سنة ١٧٦٢) وكانت رحلته لبلاد اليمن لاكتشافات علمية
على ما يؤكدون.
وبعد ذلك بنحو نصف قرن توصل الأسباني باديا بواسطة تغيير زيه واسمه
ملقبًا نفسه: (علي بك العباسي) إلى مدينة مكة المكرمة، وكان أتى مصر أولاً
وتظاهر بالإسلام، ومنها ذهب لبلاد العرب بالصفة السابقة في سنة ١٨٠٧، بعد أن
تحصل في حلب على أوراق رسمية تثبت نسبته إلى الأشراف [١] .
وفي سنة ١٨٠٩ تمكن الفرنساوي روش - وكان مترجمًا مقربًا عند الأمير
عبد القادر الجزائري - من الدخول بصفة وزيّ عربي إلى مكة المكرمة، حيث
حظي بلقيا وحفاوة شريفها سيدي محمد بن عون وأعلمه أنه وافد من قبل الأمير
ليحصل على التصديق من علماء العرب على فتوى أفتاها علماء مصر والقيروان [٢] ،
وسافر من مكة للطائف، ولدى عودته لمكة حضر جمع الحج الشريف، ولكن
دل عليه بعض الحجاج الجزائريين، فكشفوا خبره وفضحوا أمره وقبضوا عليه
وساقوه إلى السجن، والناس حوله تحاول الفتك به، فسلمه شريف مكة كتاب أمان
وبعض نقود يستعين بها على سفره، وأشخصه إلى جدة.
وفي سنة ١٨١٠ ذهب الألماني شيتزن لبلاد اليمن وقُتل هناك.
وفي سنة ١٨١٤ وسنة ١٨١٥ احتال السائح السويسري يورك هارد حتى دخل
مكة والمدينة، ورجع مستمدًّا ببعض معلومات عن حالة البلاد الجغرافية وعن
أهاليها، وتظاهر في آخر أمره بالإسلام وعليه مات وقبره بمصر، واسمه عليه
هكذا: عبد الله يوركهارد، ومشهور عند العامة باسم الشيخ بركات.
ثم حمل المصريون في هذا الوقت على الوهابيين، فسهلوا بعض التسهيل
دخول الأجانب بلاد العرب، فتمكن بعض الفرنساويين من وصف مكة والمدينة
المشرفتين وضواحيهما، وأول مَن اجتاز الطريق من الخليج الفارسي للبحر الأحمر
كما ورد بكتاب لانيه المذكور هو الضابط الإنكليزي سادليه بأمر من حكومة الهند.
والألماني رابيل عبر بلاد الحجاز في سنة ١٨٢٦ والجهات المجاورة لخليج العقبة.
وفي هذا الوقت بينما كان بعض الضباط البحريين من الإنكليز مكلفين من
قبل حكومتهم بعمل خريطات لسواحل البحر الأحمر، تطوف أحدهم وهو الملازم
ويلشتيد وذهب إلى عمان في سنة ١٨٢٨.
وفي سنتي ١٨٣٧ و ١٨٤٢ قام الطبيعي بوبا والملازم باسانا بما قام من قبل
ينوبهر الألماني، ونجحا بعض النجاح في اكتشافاتهما العلمية.
وفي سنة ١٨٤٣ زار العالمان أرنولد وفولحانس فريسنل شواطئ بلاد العرب
الغربية والقبلية، فزار أولهما مدينة سبأ وآثار مأرب، ونقل صور كتابات كثيرة
حميرية، وفي هذا الوقت اجترأ العالم الألماني البارون وريد على التوغل حتى بلاد
حضرموت التي لم يسبقه ولم يلحقه إليها أحد من الأجانب، كما قال لانيه السابق
ذكره.
وفي سنة ١٨٤٥ دخل العالم الفنلاندي أوجستون والبين في الجوف وجبل
شمر بزي مسلم، واجتاز بلاد العرب من الغرب للشرق.
وفي سنة ١٨٥٣ رافق الحج المسيو ريشار برتون بزي مسلم أيضًا، ووصل
إلى مكة والمدينة المكرمتين.
وفي سنة ١٨٦٢ و ١٨٦٣ تمكن ويليام بلجراف الإنكليزي من زيارة بلاد
العرب من جهة الشام وشواطئ عمان، وملخص ترجمته وقصته على ما جاء في
الكتاب السالف الذكر هو: أنه ولد بوستمنستر من أعمال إنكلترا سنة ١٨٢٢، وكان
أبوه متشرعًا ومؤرخًا إنكليزيًّا شهيرًا، وتخرج بمدرسة أوكسفورد، ثم خدم في
الجيش الهندي، وأقام بعدها عدة سنين في الشام، تعلم في أثنائها العربية وتعرف
ببعض الآباء اليسوعيين بها، ثم حدثته نفسه بالرحيل لبلاد العرب، وساعده هؤلاء
الآباء على إنماء هذه الفكرة، وحصلوا على تعضيد نابليون الثالث إمبراطور فرنسا
وقتئذ له، وصبغوا رحلته بصبغة دينية سياسية سرية، نفقاتها دفعت من جيب
الإمبراطور المذكور فسافر بلجراف مؤملاً الوصول لتحريك الدم العربي الراكد -
حسب زعمه - وتمدين بلاد العرب بواسطة تسهيله طرق اختلاطهم بالغربيين،
ومضمرًا انتهاز فرصة الشقاق الذي كان بين أهالي نجد لإحداث ثورة دينية سياسية،
عله يستفيد منها أن يستبدل دينهم بالدين المسيحي، كما ثبت في مخيلته، فتزيَّى
بزي أحد أغنياء العرب، وادعى أنه حكيم، واستصحب معه بعض أهل البادية
يحرسونه، ومسيحيًّا شاميًّا جعله تلميذًا له، وكان يحمل معه على ظهر ركائبه بعض
أدوية وعقاقير تدل على صنعة الطب التي انتحلها لنفسه، ولما وصل إلى نجد
أقام مدة بالرياض عاصمة الوهابيين، وكان يحكم عليها وقتئذ الأمير فيصل، وقد
كاد هذا المخاطر بنفسه أن يلقى منيته هناك من يد ابن هذا الأمير الذي توجس منه
خيفة، وقد افتضح بعض أمره، لولا تخلصه بالفرار فاجتاز النفود الشرقية وأقام
بالهفوف من أعمال الأحساء، وزار القطيف وجزائر البحرين وتوجه لعمان مارًّا
على هرمز ومسقط، ثم قفل راجعًا إلى الشام مارًّا بالبصرة والموصل وماردين
وديار بكر.
وفي سنة ١٨٦٤ رسم الإيطالي كارلو جوارماني قطعة من بلاد العرب على
حدود الشام، ثم إن الألماني وتيزتيد قنصل بروسيا بدمشق إذ ذاك وضع كتابًا في
جغرافية بلاد العرب حسب ما التقطه من أفواه بعض الحجاج ورؤساء القوافل
التجارية.
وفي سنتي ١٨٦٩ و ١٨٧٠ ساح الألماني مالتزان والسوسيري مونزنجر
والفرنساوي هالفي منفردين بالجهة القبلية الغربية من جزيرة العرب، وحصلوا كما
يقولون على بعض معلومات مهمة.
وفي سنة ١٨٧٩ اجتاز الإنكليزي بلونت وامرأته بلاد الأردن، ومنها إلى
الفرات، ثم وصل إلى حائل من بلاد نجد.
وفي سنة ١٨٨١ اجتاز هوبرا صحاري بلاد العرب البحرية والغربية.
وفي سنة ١٨٨٢ جعل الفلكي النمساوي جلازير بلاد اليمن موضع أبحاثه.
هذا ولا زلنا نسمع كل يوم بالجرائد وغيرها: أن بعضًا من الفرنج قد بارح
بلاده قاصدًا السياحة والتروح ببلاد العرب، والله أعلم بما يضمرون وما يلاقون هنا
وما يكتشفون.
وكذلك قرأنا أن بعض الدول يحاول من سنوات الاستيلاء على شواطئ
الخليج الفارسي طمعًا في أهمية مركزها وفي وفرة خيراتها، ولنترك للمستقبل كشف
الستار عن هذه الأطماع ونتيجة تلك الغايات اهـ.