لما زار مصر مستر كراين الأميركاني صديق العرب والإسلام الشهير آخر مرة في الربيع الماضي كنت قد أصدرت الطبعة الثانية من كتاب الوحي المحمدي، فأخبرته بموضوعه، وبأنني قد أهديته إلى كل من عرفت عناوينهم من علماء أوربة المستشرقين، وأحب أن أهديه إلى علماء أمريكة منهم، وأرغب إليه أن يتفضل عليّ بعناوين من يعرف منهم ومن غيرهم، ولما سافر من القاهرة إلى الإسكندرية بعد أن تغدينا مع بعض أصدقائه على مائدته في فندق (الكونتينتال) كعادته في كل زيارة، عهدت عند توديعه إلى صديقه ومساعده على مشروعاته النافعة الأديب المعروف (جورج أنطونيوس) أن يذكره بمسألة هذه العناوين بعد استراحته في الإسكندرية، ثم لما طال الأمد على سفره من الإسكندرية إلى أوربة فأمريكة أرسلت طائفة من نسخ كتاب الوحي إلى مكتبه المعروف في نيويورك مع خطاب له أرجوه فيه أن يتولى هو إيصال هذه النسخ إلى المستشرقين الذين يرغبون في قراءة أمثال هذه الكتب الإسلامية في بلاده، ومر فصل الصيف والخريف ولم يبلغني عنها شيء، وما كان من اللائق أن أسأله عنها بالكتاب، وقد كان أخبرنا هنا أنه يريد أن ينقطع عن كل عمل حتى يدون مذكراته في بلده. بيد أنني نسيت وهو لم ينس، فقد جاء في أوائل شهر (شوال الماضي الموافق يناير سنة ١٩٣٥) كتاب من الأستاذ جورج أنطونيوس من القدس يبلغني فيه أنه لم يقصر في تنفيذ ما كنت عهدته إليه في أمر هذا الكتاب، وفيه تحويل بمبلغ مائتي دولار من جناب مستر كراين يقول: إنه يرغب أن تكون ثمنًا لنسخ من كتاب الوحي المحمدي تُرْسَل إلى المعاهد العلمية في الشرق؛ لأجل تعميم هداية الدين الحنيف بهذا الأسلوب العصري الطريف، فشكرت لكل من المحسن بماله، والمحسن بمقاله ووساطته فضله، وسيكون لجميع المعاهد العلمية والأندية الأدبية حظ من هذه النسخ في الأقطار العربية والهندية والملاوية وسائر الأعجمية حتى الصين فوق ما سبق لي إهداؤه من الكتاب مما لا أحصيه، فليعتبر بهذا مشتركو المنار الماطلون وغيرهم من المسلمين.