(٧٠) اعتنى المسلمون قديمًا بالرياضة البدنية اعتناءً رائدًا؛ لأن العمل الصحيح لا يكون إلا في الجسم الصحيح؛ ولذلك كانوا يعلِّمون الشبان فن الفروسية والرماية والسباحة اتباعًا للحديث الشريف القائل: (علموا أولادكم السباحة والرماية) [١] (وعليكم بالرمي؛ فإنه خير لهوكم) [٢] (والرمي خير ما لهوتم به) [٣] ليتأمل العاقل نتيجة دين يأمر بتوسيع دائرة المعارف، وتزييد أسباب الثروة وتقوية البدن! (وفن الحرب) ، وهذه الأركان الثلاثة متصل بعضها ببعض، كما لصقت محاسن الأخلاق بالتحابّ والتوادّ، هل يقف أمام قوم هذا منهاجهم مهما قل عددهم وعديدهم - أعظم إمبراطورية؟ ! (٧١) الرحمة للصغير، واحترام الكبير كان خُلقًا راسخًا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا) [٤] (٧٢) الاقتصاد كان أساسًا ثابتًا ومحترمًا، لأنه جاء في الحديث: (ما عال مَن اقتصد) [٥] (٧٣) وأما الشح فكان مذمومًا جدًّا؛ جاء في الحديث الشريف: (ما محق الإسلام محق الشح شيء) [٦] (٧٤) السخاء كان أمرًا ممدوحًا جدًّا؛ قال صلى الله عليه وسلم: (أقيلوا السخي زَلَّته؛ فإن الله آخذ بيده كلما عثر) [٧] مَن لا يعرف أن أبا بكر وعثمان رضي الله عنهما سمحا بثروتهما لأجل استكمال وسائل الحرب؟ (٧٥) وأما البُخل فكان في أقصى درجات المعيبات والمذمومات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيه: (خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق) [٨] (٧٦) حرية الوجدان وحرية المساكن وصيانة الملك بأنواعه، ولا سيما الكتب والرسائل وأمثالها من الحريات السياسية التي طالما افتخر بها الأوربيون - كانت من جملة ما جاءنا به نبينا قبل ألف سنة وكسور، قال الله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (الكافرون: ٦) ، وقال: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة: ٢٥٦) ، وقال رسوله: (مَن اطَّلع في بيت بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه) [٩] ، وقال الله: {لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} (النور: ٢٧) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَن اطلع في كتاب أخيه بغير أمره فكأنما اطلع في النار) [١٠] ، وقصارى القول لو اعتنى علماؤنا باستخراج أمثال هذه الأحاديث لوجدوا فيها من الوثائق ما هو كافٍ لإبطال كل دعوى اتُّهِمَ بها الدين الحنيف. ومما يوجب الأسف أن المصائب التي حلت بالمسلمين كأنها لم تكفِ لفتح عيونهم لتحرِّي أوامر هذا الدين المبين، الذي يقتضي أن يكون متبعوه في طليعة العلماء والأغنياء والأقوياء والأمراء، واعجباه! (٧٧) إن التهيُّؤ للخَصْم ومقابلة قوته بالقوة من أسس الإسلام؛ لذلك قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} (الأنفال: ٦٠) ، فهل للمسلمين - بعد هذا - أن يكلوا الأمور لمشيئة الله تعالى، ويعطلوا قوائم وأوامر القرآن، ويعدوا ذلك من الإسلام؟ (٧٨) أرشد صلى الله عليه وسلم إلى حسن اختيار الموظفين بقوله: (لكل شيء آفة تفسده، وآفة هذا الدين ولاة السوء) [١١] ، فهل يحل بعد هذا أن يقبل الوالي المسلم الشفاعات لأجل توسيد الأمور العامة لغير أهلها؟ ! . (٧٩) كانوا يعتنون بكل ما يزيد الثروة العمومية، ولا سيما تربية الغنم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (اتخذِ الغنم؛ فإنها بركة) [١٢] ، وغير خافٍ على أحد أهمية ما للغنم من المكانة الاقتصادية في عصرنا. ليتنبه الكسالى! . (٨٠) كانوا يضعون الشيء في محله، ويتباعدون عن الإسراف والتبذير استرشادًا بقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الدنانير دينارٌ ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل) [١٣] . وهذا يدل على أنه لم يكن من المعروف في عصره صلى الله عليه وسلم تخصيص الثروة بأناس كسالى، ينامون على ظهورهم، تاركين العمل وعادِّين هذا عبادة. (٨١) كان العمل والجد ممدوحًا، والكسل مذمومًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن بات كالاًّ من طلب الحلال بات مغفورًا له) [١٤] . (٨٢) أشد ما اعتنت به الديانة الأحمدية الصناعة والتجارة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (أطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور) [١٥] . (٨٣) كان الفقر مكروهًا مُستعاذًا منه، وإنما يطلب الصبر عليه، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (أعوذ بالله من الفقر والعَيْلَة، ومن أن تَظلموا أو تُظلموا) [١٦] و (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة، وأعوذ بك من أن أَظلم أو أُظلم) [١٧] ، وإن أبا بكر كان تاجرًا غنيًّا، وكذلك ذو النورين، واكتسب طلحة، والزبير ثروة هائلة من التجارة. (٨٤) ما كان في أوائل الإسلام أحد ينكمش في زاوية أو تكية؛ ليأكل، ويشرب من ثمرة جد غيره باسم الدين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك) [١٨] . لذلك كان كل واحد يشتغل بعمل من الأعمال حسب قدرته العقلية والبدنية. (٨٥) الحراثة كانت محترمة جدًّا، وقد أمرنا بها سيدنا صلى الله عليه وسلم بقوله: (احرثوا؛ فإن الحرث مبارك، وأكثِرُوا فيه من الحجاجم) [١٩] . (٨٦) الحياة الاستقلالية كانت أساس أمل كل فرد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم مَن لم يترك آخرته لدنياه، ولا دنياه لآخرته، ولم يكن كلاًّ على الناس) [٢٠] . لذلك كان كُلٌّ يسعى لئلا يكون حملاً ثقيلاً على المسلمين شأن البَطَّالين والكسالى اليوم. (٨٧) الاتِّجار في الأقطار، وجلْب ما يحتاجه الناس - كان من الأمور الممدوحة، والاحتكار كان من الأمور المذمومة، جاء في الحديث: (الجالب إلى سوقنا كالمجاهد في سبيل الله، والمحتكر في سوقنا كالملحد في كتاب الله) [٢١] . هنا أدعو القارئ الكريم لأن يطالع بحث التجارة الخارجية، وبحث الاحتكار في كتب الاقتصاد السياسي؛ ليرى علو معنى هذا الحديث. (٨٨) التبذير وعمل الأشياء التي لا فائدة منها - كانت مجهولة عندهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسُّرُج) [٢٢] . من هنا يُفهم أن إنشاء التُّرَب وزيارتها ليس من الإسلامية في شيءٍ، وقد انتقلت هذه الخرافة لديننا الصافي النقي من أساطير الهنود القديمة. إذًا إتلاف شيء من الثروة وإيقاد الشموع على القبور موجب للعنة، فأين المتأملون؟ ! (٨٩) في القرون الوسطى كان للنصارى - في محلات مختلفة - صَوامع ينقطعون للعبادة فيها، فنهانا نبينا عن ذلك: (لا رهبانية في الإسلام) ؛ لأن الله أمرنا بالعمل؛ إذ قال: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (التوبة: ٤١) (٩٠) إن ذبح القربان على القبور ممنوع في دين الإسلام؛ لأنه جاء في الحديث: (لا عقر في الإسلام) [٢٣] (٩١) النذر: (لا وفاء لنذر في معصية الله) [٢٤] (٩٢) تعليق بعض الأشياء على الأولاد وغيرهم؛ لدفع النظر، أو استكتاب النسخ؛ لأجل محبة الأزواج لزوجاتهن من أمور الشرك - نعوذ بالله - لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) [٢٥] . ليتنبه الغافلون المبذرون! (٩٣) نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - لمَن ربط القلب بالمشعوذين، وقال: (مَن تعلق شيئًا وُكِّلَ له) [٢٦] والنتيجة الحرمان. (٩٤) كذلك نهى عن مراجعة العرَّافين، الذي يبتزون أموال الناس بدعوى الإخبار عن الغيب، قال: (مَن أتى عرَّافًا فسأله عن شيء فصدَّقه - لم تُقْبَلْ له صلاةٌ أربعين يومًا) [٢٧] ولأن الله تعالى قال - في كتابه الكريم آمِرًا نبيَّه أن يبلِّغ الأمة: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} (الأنعام: ٥٠) فما قول خفاف العقول - الذين يطلبون علم الغيب من العرافين - بعد ما جاء في هذه الآية الكريمة من الصراحة؟ ! (٩٥) نهى صلى الله عليه وسلم عن التشاؤم من الاسم أو من صوت الطير وضرب الرمل، وَعَدَّ ذلك وثنيَّةً، فقال: (العِيَافَةُ والطِّيَرَةُ والطَّرْقُ مِن الجِبْتِ) [٢٨] (٩٦) وكذلك عَدَّ التطير شركًا، فقال: (الطيرة شرك) [٢٩] (٩٧) كانوا لا يتشاءمون من طير الطائر، ولا يعتمدون على أقوال الكهنة والسحرة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخرج مَن يفعل ذلك من الجمعية الإسلامية؛ إذ قال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيَّرَ لَهُ، وتَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ) [٣٠] (٩٨) الحسد والنميمة والكهانة كانت بمنزلة واحدة؛ لأنه جاء في الحديث الشريف: (ليس مني ذو حسد، ولا نميمة، ولا كهانة، ولا أنا منه) [٣١] . أين مَن يعتبر؟ ! (٩٩) لا واسطة بين العبد والمعبود في دين أحمد، وكل فرد مسؤول عن عمله؛ لأن الله تعالى قال: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (الأنعام: ١٦٤) ، أما ما يعمله - أو يتخذه - بعض الجهلة من الوسطاء لله تعالى، فهو مأخوذ من الأمم السابقة، وتقليد (للأغراء) من النصارى و (للبراهمة) عند الهنود القدماء و (لمونية) عند الزردشتيين و (للكاهن) عند الكلدان، وما لهذا مكان في دين الإسلام. (١٠٠) إن الله غني عن أية واسطة بينه وبين عبده؛ لأنه قال - في كتابه الكريم-: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (ق: ١٦) . وأما بناء القبور الفخمة المزيَّنة، واتخاذها ملجأً لقضاء الحاجيات، فهو ليس من الإسلام في شيء، ولكنه تقليد للنصارى والهنود والإيرانيين، كما سيجيء تفصيل دخول هذه الخرافات في تعاليم الإسلام. (١٠١) الغيبة كانت مستكرهة جدًّا؛ لأن الله قال: {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} (الحجرات: ١٢) . ليتنبَّه الأغبياء الذين يقضون أوقاتهم باغتياب الناس، والسبحة في أيديهم. (١٠٢) لم يَعْتَنِ الدين الإسلامي بشيءٍ كما اعتنى بالعلم، وقد جاء في الحديث: (طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة، وطلب العلم يومًا خير من صيام ثلاثة أشهر) [٣٢] ، وقال أيضًا: (العلم أفضل من العبادة ومَلاك الدين الورع) [٣٣] ، و (فضل العلم أحبُّ إليَّ من فضل العبادة) [٣٤] ، و (أفلح مَن رزق علمًا) [٣٥] . (١٠٣) الحرية الشخصية والاستقلال الذاتي من أهم قواعد الدين الحنيف، وحفظًا لكرامة الضرر، جاء في القرآن الكريم: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ} (الغاشية: ٢١-٢٢) . فإن كان - جل جلاله - ينهى نبيه عن السيطرة، فهل يكون هناك دين يكفل الحرية أزيد من دين الإسلام؟ ، وسنبحث في مقابلة الإسلام بغيره في هذه المسألة بحثًا خاصًّا. ... ... ... ... ... ... ... ... ... حسني عبد الهادي (لها بقية) ((يتبع بمقال تالٍ))