للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: مسلم غيور


المسلمون والقبط [*]
أو آية الموت وآية الحياة

قرأنا في جريدة الوطن القبطية مقالة عنوانها (التعليم الديني والحكومة) بحث
فيها كاتبها في مشروع الحكومة الجديد من إعفاء حفاظ القرآن من الخدمة العسكرية
بحثًا قال فيه: إن الحكومة المصرية رأت أن هؤلاء الحفاظ كثروا في هذه الديار كما
كثر الرهبان والشمامسة والقسيسون في كل بلاد نصرانية تعامل خَدَمة الدين معاملة
الحكومة المصرية لهم فأرادت حكومة مصر أن تخص هذا الإعفاء بمن يستحقه،
أي وهو من يتعلم من مبادئ القراءة والكتابة ما يمكنه من خدمة الدين بتعليم القرآن
الكريم وغيره مما يتعلمه الأولاد في المكاتب لا من يدعون أنهم يخدمون الدين والعلم
وهم أبعد الناس عن ذلك. قال الكاتب:
(وظاهر من هذا أن الحكومة المصرية أرادت أن تعلي قدر الدين الإسلامي
بما نوت من الإصلاح؛ لأنها رأت أن الإعفاء بلا تدقيق ولا حساب يجعل الدين
سلاحًا يتسلح به كل طالب للتخلص من الخدمة المفروضة على كل وطني فالذين
يتذرعون بهذه الذريعة ويجعلون أنفسهم من الفقهاء حبًّا في الخداع والتخلص من
خدمة الوطن وليس حبًّا بالعلم والدين، إنما يؤدي فعلهم إلى إسقاط حرمة الدين بين
الناس) إلى أن قال: (فحكومة مصر قصدت خدمة الدين بتنقية صفوفه من الذين
لا يصلحون لخدمته والاشتهار بين الناس باسمه وبإعادته إلى مجده الأول حين كان
العلماء والفقهاء (هم) الذين توفرت فيهم شروط العلم والفقه، وليس الذين هربوا من
واجب وطني وجعلوا الدين حيلة وواسطة للفرار منه) .
جعل الكاتب القبطي الغيور على ملته وقومه هذا الكلام مقدمة وتمهيدًا لمطالبة
الحكومة بأن تعامل خَدمة الدين من القبط كما تريد أن تعامل خَدمة الدين من
المسلمين بأن تشترط في إعفاء الشمامسة والعرفاء وغيرهم من خَدمة الكنيسة، أو
الدير من القرعة العسكرية أن يكونوا متعلمين من مبادئ القراءة والكتابة ما يجعلهم
محترمين في أعين المتعلمين، ويمكنهم من إحسان خدمة الدين. وقال: (إذا كانت
الحكومة تشترط عليهم مثل الذي تريد أن تشترطه على الفقهاء (أي: الحفاظ) فإنها
تحسن إلى الأمة القبطية أكبر إحسان وترقي في درجة الذين يخدمون دين النصرانية
بين رعاياها وهي تخطو خطوة كبرى في سبيل الإصلاح المطلوب للبطركخانات)
ثم أطال في بيان أعمال هؤلاء في خدمة ملتهم، وقال: (إن الأمة القبطية كلها
ألسنة صارخة بمطالبة الحكومة بهذا الإصلاح) .
قرأت هذه المقالة فكان يتمثل لي عند كل جملة منها ما كتب في (المؤيد) من
المقالات الطويلة العريضة والنبذ الموجزة في أخباره المحلية الصارخة بالتألم
والشكوى من مشروع الحكومة: إنه إهانة للدين والقرآن، وتحقير لخَدمة الإسلام،
وإنزال لهم عن مرتبة خَدمة النصرانية في الاحترام، إذ لا تشترط الحكومة في
إعفاء القساوس والرهبان والشمامسة ونحوهم معرفة بالقراءة والكتابة ولا بمبادئ
الحساب ولا بإتقان ما يقرءون من كتب الدين، وتمثل لي بالمقابلة بين ما تشكو منه
الجريدتان الفرق بين آيات الموت وآيات الحياة، الجريدة الإسلامية تشكو من العلم
وتعده إهانة لدينها وهضمًا لحقوق حملة كتابه، وذلك أظهر آيات موت الأمم إن
كانت الأمة على رأي المؤيد أو راضية بقوله وقول من شايعوه على ذلك. والجريدة
القبطية تشكو من الجهد وتعد إقرار خدمة دينها عليه إهانة لهم وتقصيرًا من الحكومة
في مساواتهم بالمسلمين في العناية بدينهم وإعانتهم على إصلاح قومهم وذلك أظهر
آيات الحياة والطائفة القبطية على رأيها لا محالة.
عجبًا للمؤيد يذكر كل سنة في الكلام على نتيجة الامتحان في المدارس سبق
القبط للمسلمين في التعلم؛ إذ المشتغلون والناجحون من الأولين أكثر منهم في
الآخرين ويظهر التبرم والشكوى من ذلك فما باله قام يحارب العلم والتعليم في
مشروع حفظ القرآن ومشروع الكتاتيب؟ إن كان لا يعرف فضيلة العلم لذاته قل أو
كثر، بل يعرفه بميل القائمين بأمر البلاد أو عدمه فيذم ما رغبوا فيه ويمدح ما
رغبوا عنه فليسكت عن الشكوى من قلة المتعلمين من المسلمين؛ لأن جناب اللورد
كرومر الذي بيده أزمّة البلاد يشكو من ذلك في تقاريره كل عام.
إن رغبة القبط فيما يزعم المؤيد أن المسلمين يرغبون عنه، وبكاء الجريدة
القبطية على ما تبكي منه الجريدة الإسلامية هو أدل على الفرق البعيد بين الفريقين
من كثرة عدد المتعلمين في أحدهما وقلته في الآخر؛ لأن الرغبة عن العلم والبكاء منه
أدل على موت الأمة من ترك الكثيرين له؛ إذ يجوز أن يكون الترك لعذر غير
الكراهة والتنوُّر [١] .
كذلك الرغبة في العلم وطلبه والبكاء من فقده أدل على الحياة من مجرد القيام
به من أفراد كثيرة) ... إلخ.
... ... ... ... ... ... ... ... ... (مسلم غيور)
(المنار)
إننا لم نقرأ كل ما نشره المؤيد في هذه المسألة ولكننا قرأنا بعضه فلم نره
صوابًا، وفي هذه المقالة حدة في الإنحاء عليه قد استثقلناها فحذفناها ومقصودنا
بالذات المقابلة بين المسلمين والقبط في هذا الأمر لا سيما بعد أن مضى زمن على ما
نشرته جريدة الوطن القبطية؛ فلم نر من القبط من انتقده وما حذفناه ليس منه، وقد
بينا رأينا في المسألة معززًا بالدلائل والبراهين.